يشير مفهوم الاقتصاد الرقمي إلى التحول نحو استخدام تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، والاستخدام الأكثر كفاءة للبيانات والمعلومات، في مختلف الأنشطة الاقتصادية، وإجراء عمليات مالية ومصرفية بطرق أسرع وأكثر سهولة، بما يسمح بتدفق المعلومات والأموال داخل وبين دول العالم في ظل إلغاء القيود والحواجز في عصر ثورة المعلومات، وهو ما يُتيح فرصًا هائلة لمزيدٍ من الإبداع في تنفيذ المعاملات التجارية والاستثمارية.
وقد ارتبط مفهوم التحول الرقمي مؤخرًا بتفشي وباء كورونا المستجد الذي أثّر على معظم القطاعات الاقتصادية، وأدى انتشاره إلى اتخاذ الدول بعض الإجراءات الاستثنائية، من أهمها: فرض حظر التجوال في أوقات مبكرة من اليوم، وفرض الحظر الكامل في بعض المناطق التي تزايدت فيها أعداد المصابين بالفيروس، فضلًا عن قيام العديد من الشركات والبنوك بتطبيق نظام “العمل من المنزل”.
كما أدى انتشار الفيروس إلى تغير نمط الحياة، وتنامى الاعتماد على الوسائل الإلكترونية لإنجاز المهام من المنزل، لذا أصبح التحول نحو الاقتصاد الرقمي أمرًا حتميًّا ولم يعد رفاهية كما كان يُعتقد سابقا، فقد أدت أزمة كورونا إلى تسريع عملية الاستفادة من الحلول والتطبيقات والخدمات الرقمية، وهو ما أدى بدوره إلى تسريع التحول العالمي نحو الاقتصاد الرقمي ودخول التكنولوجيا إلى جميع الأنشطة الاقتصادية. وقد بدا هذا التنامي في الاعتماد على الاقتصاد الرقمي بوضوح في نتائج أحدث التقارير الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “الأونكتاد” الصادر في يوليو 2019، والذي أشار إلى أن حجم الاقتصاد الرقمي يتراوح بين 4.5% إلى 15.5% من إجمالي الناتج المحلي العالمي، أي ما يتراوح من 3.8 تريليونات دولار إلى 13 تريليون دولار، ومن المتوقع أن ينمو ليصل إلى 24.3% بحلول عام 2025.
تطوّر الاقتصاد الرقمي في مصر
يعتمد الاقتصاد الرقمي بصورة رئيسية على الاستخدام واسع النطاق للمعلومات والإنترنت على مختلف الأصعدة، ويستند إلى استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ووجود وسائل دفع إلكترونية وماكينات صراف آلي. ويتسم المجتمع الرقمي بقدرة كل فرد فيه على استحداث المعلومات، والحصول عليها، كما يُوفر التحول الرقمي إمكانات ضخمة لبناء مجتمعات فعالة، تنافسية ومستدامة، عبر تحقيق تغيير جذري في شكل الخدمات المقدمة من مختلف الأطراف من مستهلكين وموظفين ومستفيدين. كما تضمن المدفوعات الإلكترونية وغيرها من الخدمات المالية التي تقدم إلكترونيًّا أو عبر الهاتف، الاستمرار في تقديم الخدمات المالية المختلفة للمواطنين في أي ظروف، فتظل هذه الخدمات متوفرة على مدار 24 ساعة وخلال أيام الأسبوع السبعة.
ويمكن الاعتماد على عددٍ من المؤشرات الدالة التي يُمكن من خلالها قياس التطور الرقمي في مصر، فقد أكدت بيانات وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الصادرة في مارس 2020 أن نسبة الأسر التي لديها القدرة على النفاذ للإنترنت من المنزل بلغت نحو 59.9%، ووصلت نسبة الأسر المستخدمة للإنترنت من المنزل في الحضر 68.2% و49.5% في الريف. كما ارتفع عدد مستخدمي الإنترنت إلى 35.33 مليون في 2019 مقارنة بـنحو 2.48 مليون في 2010، وذلك وفقَا لأحدث بيانات نشرها البنك الدولي، وهو ما يعني وجود القدرة لدى الكثير من المصريين على الوصول إلى الإنترنت والتعامل معه سواء في الريف أو الحضر. ويعني ذلك أن المجتمع المصري أرض خصبة لتطبيق الاقتصاد الرقمي، وهو ما أدركته الحكومة، حيث بدأت خطة الدولة للتحول إلى رقمنة الاقتصاد، وأصبح التحول إلى الاقتصاد الرقمي أحد البنود الهامة في رؤية مصر 2030. وتبذل الحكومة جهودًا حثيثة في هذا الصدد لتهيئة البيئة التشريعية ودعم البنية التحتية لتوفير المناخ الملائم للاقتصاد الرقمي وتطبيقه في جميع مجالات الاقتصاد القومي لجذب الكثير من الاستثمارات وتعزيز النمو الاقتصادي.
وقد بلغت أعداد بطاقات الدفع الإلكتروني 38.2 مليون بطاقة في مارس 2020، مقابل 16.2 مليون بطاقة في 2014، بزيادة قدرها 22 مليون بطاقة، أما عن عدد ماكينات الصرف الآلي فقد قفزت بنسبة 103% لتسجل 13 ألفًا و800 ماكينة بنهاية مارس الماضى مقابل 6 آلاف و800 ماكينة في يونيو 2014. كما ارتفع إجمالي عدد نقاط البيع الإلكترونية بنسبة 81% خلال الفترة نفسها ليصل إلى 92 ألفًا و800 نقطة دفع إلكترونية بنهاية مارس 2020، مقابل 51 ألفًا و400 نقطة في يونيو 2014 وذلك وفقًا لبيانات البنك المركزي. وفيما يتعلق بمراكز خدمة المواطنين التكنولوجية بالأحياء والمدن، بلغ إجمالي عدد المنافذ 312 مركزًا تكنولوجيًّا، وتم الانتهاء من تطوير نحو 225 مركزًا حتى 30 يونيو 2019، ومن المستهدف الانتهاء من تطوير باقي المنافذ بحلول 30 يونيو 2020، وتقدم هذه المراكز التكنولوجية نحو 120 خدمة.
جهود الدولة نحو التحوّل للاقتصاد الرقمي
يتصدر استغلال إمكانات الاقتصاد الرقمي جدول أعمال صانعي السياسات العامة لتسخيرها في جميع الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية، لذا قامت الحكومة باتخاذ عدد من الإجراءات في هذا الصدد، ومن أبرزها إصدار الرئيس “عبدالفتاح السيسي” قرارًا في فبراير 2017، بإنشاء المجلس القومي للمدفوعات برئاسته، ويختص المجلس بخفض استخدام أوراق النقد خارج القطاع المصرفي، ودعم وتحفيز استخدام الوسائل والقنوات الإلكترونية في الدفع، وكذلك تطوير نُظم الدفع القومية وأطر الإشراف عليها للحد من المخاطر المرتبطة بها من أجل خلق نظم آمنة وذات كفاءة وفاعلية، والعمل على تحقيق الشمول المالي، ويهدف المجلس إلى دمج أكبر عدد من المواطنين في النظام المصرفي، وضم القطاع غير الرسمي إلى القطاع الرسمي، وتخفيض تكلفة انتقال الأموال، فضلًا عن زيادة المتحصلات الضريبية، وكذلك حماية حقوق مستخدمي نظم وخدمات الدفع، وتحقيق تنافسية سوق خدمات الدفع، وتنظيم عمل الكيانات القائمة ورقابتها، ومنذ إصدار هذا القرار تقدمت مصر 7 مراكز في التنافسية، حيث كشف تقرير التنافسية العالمية حصول مصر على المركز 93 في مؤشر التنافسية العالمية لعام 2020 من بين 141 دولة بالعالم.
في ديسمبر 2018، أصدر البنك المركزي كارت “ميزة” للمدفوعات الذي يعمل بشكل كامل على جميع نقاط البيع وأجهزة الصراف الآلي في مصر، ومنح البنك المركزي رخصة إصدار بطاقات الدفع الوطنية لعدد 17 بنكًا ضمن مخطط إصدار 20 مليون بطاقة “ميزة” بنهاية عام 2021، وتساعد بطاقة ميزة المواطنين في” إمكانية استلام التحويلات المالية من خلالها، سواء من داخل مصر أو خارجها، كما يُتيح الكارت للمواطنين التحكم في مصروفاتهم الشهرية ومراجعة جميع استخداماتهم بسهولة ويسر. وفيما يخص خدمة الإيداع يمكن للعملاء الإيداع عن طريق ماكينات الصراف الآلي التي تحتوي على خاصية الإيداع أو عن طريق فروع البنوك، ويجري حاليًّا تفعيل الإيداع عن طريق فروع مقدمي الخدمات المعتمدين. ويساعد كارت ميزة حاليًّا المواطنين في تسديد الأقساط، وإجراء العديد من عمليات الدفع الإلكتروني، مما يسهم في تقليل التكدس داخل فروع البنوك، وهو ما يعمل على تقليل فرص انتشار عدوى فيروس كورونا المستجد.
منذ مايو 2019، بدأت الحكومة في تطبيق منظومة تحصيل المستحقات المالية الحكومية إلكترونيًّا، والتي تتيح للمواطنين سداد المستحقات المالية الحكومية بما فيها الضرائب والرسوم الجمركية فيما يزيد على 500 جنيه بإحدى الوسائل الإلكترونية، وهو ما يعمل على تقليل الوقت والجهد المبذول لدفع تلك المستحقات. وبالنسبة للدولة يعمل هذا الإجراء على تقليل معدلات الفساد في المصالح الحكومية، فكلما ندر وجود العنصر البشري في الحصول على الخدمة زادت القدرة على محاصرة الفساد وسد كافة منافذه، وهو ما ينعكس على سيادة جو من الشفافية وتحسين ترتيب مصر في مؤشر النزاهة ومكافحة الفساد، والذي شهد موقع مصر فيه تقدمًا ملحوظًا بلغ 12 مركزًا العام الماضي مقارنة بعام 2018.
وفي إطار سعي الحكومة المصرية لتطوير أداء الخدمات المقدمة للمواطنين، ومن ضمنها خدمة صرف المعاشات للمستفيدين، وتحويلها من يدوية إلى آلية؛ فقد تم ذلك عن طريق تسهيل الإجراءات المتبعة، واستفاد المواطنون من تلك الخدمات وتحسين البنية التحتية للتدفقات المالية في ظل سياسة الشمول المالي التي تنتهجها الحكومة المصرية، وتُتيح الخدمة لمستحقي المعاش الصرف من المنافذ المختلفة دون التقيد بالمنفذ التابع لهم، سواء مكتب أو منطقة التأمينات التابع لها المستفيد، كما تتيح الخدمة صرف المعاش بجميع أيام الشهر، بدءًا من الأول من كل شهر بدلًا من يوم 10 أو 20 من الشهر كما كان متبعًا من ذي قبل، ويمكن أيضًا الصرف من خلال ماكينات الصراف الآلي التابعة لوزارة المالية أو التابعة لشركة بنوك مصر والمميزة برقم 123 وذلك أول كل شهر طوال أيام الأسبوع وعلى مدار 24 ساعة، وتهدف هذه الخدمة إلى تقليل الوقت المستهلك في عملية صرف المعاش وتخفيف العبء على كبار السن عند الصرف، ونتيجة لجودة الخدمة المُقدمة وصل عدد المستفيدين منها إلى 6.5 ملايين مواطن حتى الآن .