«الخوارزمية» مفهوم مشتق من اسم العالم العربي الإسلامي «محمد بن موسى الخوارزمى» (٧٨٠- ٨٥٠ م)، وهو الذي وضع الأرقام العربية/ الهندية ومفاهيم «الجبر» في علوم الرياضيات الأوروبية. وعاش الرجل في بغداد إبان خلافة المأمون العباسي وعمل في «بيت الحكمة» الذى اجتمع فيه علماء العصر، وقام بالترجمة لأصول الكتب من اليونانية إلى اللغة العربية، وألف كتابا في أوليات علم «الجبر»، و«الكتاب المختار في حساب الجبر والمقابلة»، الذى تُرجم إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر وصار من أسس الحضارة الغربية الحديثة.
وفى عصرنا هذا فإن العالم ترك لنا ما هو مشتق من اسمه «الألجوريثم Algorithm» الذي يعد الآن من أكثر المفاهيم العلمية تداولاً في الرطانة التكنولوجية للعالم الحديث. ورغم ذيوع الكلمة/ المفهوم فإنه نادرا ما حاولنا تفحصها وفهمها، وبحثنا هنا عما إذا كانت لها تطبيقاتها على المجتمعات والأمم.
وببساطة هل هناك «خوارزمية» خاصة بالتقدم وانتقال الدول من حال ينتمي إلى عالم الدول «النامية» إلى حالة الدول «المتقدمة»؟ الخوارزمية ببساطة هي حزمة من التعليمات التي تؤدى إلى إنجاز عمل ما عن طريق خطوات متتابعة، هي تقول للإنسان أو للشيء ما يجب فعله، وهو كان موجودا في قديم الزمان عند بناء أهرامات الجيزة أو واحد من أبراج بابل القديمة، حيث يوجد النظام الذي ما إن يبدأ العمل حتى يعرف البشر ما سوف يقومون به بدءا من تجهيز الأحجار حتى وضعها الواحدة وراء أو فوق بعضها في أداء محكم. وما أن يبدأ الإنسان في وضع الكمبيوتر الخاص به في حالة التشغيل فإنه ينتقل فورا إلى تحميل الجهاز بسلسلة من برامج خاصة بالفرد، فيها البريد وصفحات الكتابة وتجهيز ما سبق كتابته للمراجعة أو للتصحيح. هي شبكات تنطلق لكي تكون متاحة لأنشطة متعددة، وكلما زادت هذه فإن الخوارزمية تزداد تعقيدا، ولا بأس فيها من أن تبدأ التفكير فيما يناسب الفرد. في شبكة «نتفليكس» فإن الخوارزمية الخاصة بها لا تكتفى بإتاحة ما تطلبه للمشاهدة، ولكنها تختزن صورة مما شاهدته من قبل، ومن ذلك تتيح لك ما يتناسب مع مزاجك الشخصي.
الخوارزميات زادت تعقيدا مع الأيام، فهي تفقد بساطتها الأولى التي تُلقى بسلسلة من التعليمات التي تجعل السيارة بدون سائق تنحرف إلى اليمين لحظة صدور الأمر بذلك حسب الخطة المواكبة للخريطة المقررة في جهاز تحديد الموقع GPS. هي تزداد تعلمًا لأنماط التصرف الإنساني بحيث تكون قادرة على الاختيار الذي هو أهم صفات العقل البشرى، ومن ثم فإنها في السيارة تختار الطرق الأقل ازدحاما، والأسرع في الوصول إلى الغاية. ويصل التعقيد إلى أفضل حالاته عندما تتعامل «الخوارزمية» مع الآلات القابلة للتعلم لأنها مزودة بالذكاء الاصطناعي فتصير أكثر إحكاما لأنها من ناحية تكون قادرة ليس فقط على الاختيار، وإنما تقديم قائمة من الاختيارات للإنسان، ويظهر ذلك على أدوات التواصل الاجتماعي التي تعطى الإنسان إعلانات الأمور التي يبحث عنها، والأخبار التي ربما تكون مفيدة في حالته، مع باقة من المراجع أو الأبحاث التي تفي بالغرض أو الأغراض المطلوبة. من الضروري هنا تقرير أن «الخوارزميات» ليست نوعا من أنواع السحر، فالبداية فيها برامج يضعها الإنسان بتفصيل شديد، وبعدها تنطلق للتزاوج مع تطبيقات وبرامج جاهزة الخوارزمية.
«خوارزمية» التقدم ربما لا تقل تعقيدا عن كل أنواع «الخوارزميات» الأخرى، خاصة أن فيها البشر مع الآلات مع البيئة المحيطة بكليهما والتي قد تفرض ظروفا لم يكن ممكنا توقعها وتحتاج وقتا لاستيعابها (حالة الكورونا مثالا). التقدم في ناحية يفترض برنامجا للحداثة، وتحكيم العقل سواء البشرى أو الخوارزمى فيما ينبغي عمله أو ينبغي تجنبه، هي حالة من الترقي لا يجوز معها لا الرجوع إلى الخلف ولا الاعتماد على فقر الفكر حتى ولو كانت المسيرة في اتجاه إنقاذ الفقراء. «رؤية ٢٠٣٠» المصرية هي نوع من أنواع الخوارزميات التي تحدد هدفًا هو أن تكون مصر واحدة من الدول الثلاثين الأول في العالم مع حلول نهاية العقد الحالي، وتضع سلسلة من المشروعات العملاقة، والمسارات الطموح، لكي تحقق هذا الهدف. «الخوارزمية» هنا تعنى بناء وإضافة وتراكما في كل شيء من الطرق إلى الكهرباء إلى الانتشار العمراني، وهكذا أمور. ولذا فإنها عند نقطة معينة، وبعد خمس سنوات من بداية إطلاق «الخوارزمية» لا يمكنها أن تطيق حالة «العشوائيات» الجائحة على الطرق القديمة، وهي التي تسعى في اتجاه مدن جديدة. هي أداة مهمة لتصحيح ما فات، وتقدم ما سوف يأتي، إحكامها جزء لا يتجزأ من التقدم.
_________________________