أعلنت الحكومة الصينية، في منتصف شهر أغسطس الماضي، عن بدء تطبيق برنامجها لتجربة اللقاحات التجريبية لفيروس كورونا المستجد على كافة الفئات المعرضة للخطر، مثل الكوادر الطبية والموظفين الحكوميين العاملين خارج البلاد، وذلك بعد منح تلك اللقاحات الموافقة للاستخدام المحدود في حالات الطوارئ، وهي من إنتاج شركتي كانسينو للمستحضرات البيولوجية، وشركة سينوفاك؛ ولكن لم يتم الاعلان عن إجمالي المتلقين لتلك اللقاحات ضمن هذا البرنامج.
جاءت هذه التصريحات بعد ظهور تقارير تفيد بأن شركة تعدين حكومية صينية تُدعى “رامو نيكو”، تعمل في دولة بابوا غينيا الجديدة، قد قامت بتجربة لقاح على قسم من العاملين فيها ضدّ فيروس كورونا المستجد دون ترخيص، كما نشرت الشركة الصينية عبر موقعها الإلكتروني وثيقة توضح أن 48 عاملًا صينيًّا من طاقمها قد خضعوا بالفعل للقاح الإجباري ضد كورونا.
ويتم حاليًّا في الصين، وفقًا لتقرير منظمة الصحة العالمية بتاريخ 3 سبتمبر 2020، تطوير أربعة لقاحات في المرحلة الثالثة والأخيرة من التجارب السريرية. كما يوجد لقاح آخر يتم تطويره بالتعاون الدولي بين شركات صينية (فوسان) وألمانية (بيوانتك) وأمريكية (فايزر)؛ أي إن هناك حوالي خمسة لقاحات صينية من إجمالي ثمانية لقاحات وصلت المرحلة النهائية من عملية التطوير؛ ما يرجح أن تكون الشركات الصينية هي الأولى في التوصل للقاح ضد الفيروس.
هل تأخر إنتاج لقاح لفيروس كورونا؟
بعد تفاقم أزمة فيروس كورنا المستجد عالميًّا في مطلع شهر مارس الماضي، تسابقت فرق البحوث الطبية في شتى أنحاء العالم للتوصل إلى علاج أو لقاح لهذا الفيروس القاتل. وبالمقارنة مع لقاحات الفيروسات الأخرى، ووفقًا لموقع “سي إن إن”، يعد تطوير لقاح فيروس كورونا هو الأسرع في الوصول إلى مرحلة الاختبارات السريرية، حيث تم إجراؤها بعد حوالي شهرين من تفشي الجائحة.
ولكن بالرغم من ذلك -وحتى كتابة المقال- لا تزال كافة اللقاحات التجريبية للفيروس قيد التطوير، وهو ما يشير إلى احتمالية أن لا تستطيع البلدان التي وعدت بتوفير اللقاح في شهر سبتمبر، من تحقيق هذا الوعد، بل ويتوقع العلماء أن اللقاح قد لا يصبح متاحًا إلا بحلول شهر يونيو من العام المُقبل. ويمكن إرجاع السبب في طول المدة اللازمة لإجراء التجارب السريرية بمراحلها الثلاث على لقاحات فيروس كورونا قبيل إنتاجها إلى عدة عوامل، منها:
- صعوبة توفير أماكن ملائمة لإجراء التجارب السريرية، التي تجري عادة في المستشفيات أو العيادات الطبية؛ بسبب ازدحام كافة المنشآت الطبية بمرضى فيروس كورونا.
- الضغط الهائل على معامل التحاليل الطبية؛ بسبب وجود العديد من العينات التي يجب تحليلها للمصابين بالفيروس داخل المنشآت الطبية.
- تخوف الأفراد من الاشتراك في مثل هذه التجارب الطبية، لا سيما وأن اللقاحات يجب أن يتم اختبارها على الأصحاء.

الشركات الصينية المطورة للقاحات كورونا
تعد الصين واحدة من أكبر منتجي اللقاحات في العالم، فهي تمتلك قاعدة ضخمة للإنتاج المحلي للمستحضرات الحيوية؛ تنتج من خلالها ما يقرب من 700 مليون جرعة لقاح سنويًّا بأسعار منخفضة. واستطاعت الصين من خلال هذا الإنتاج الضخم للقاحات أن تقدم اللقاح لعدد كبير من المواطنين بالمجان؛ وتمكنت في عام 2000 أن تقضي تمامًا على مرض شلل الأطفال، كما انخفض انتشار عدوى التهاب الكبد الوبائيB بنسبة 97% بين الأطفال مقارنة بفترة ما قبل التطعيم. وكذلك، انخفض معدل الإصابة السنوي بالحصبة لأكثر من 99%. ويوجد حاليًّا في الصين ثلاث شركات رئيسية تعمل على تطوير لقاحات لفيروس كورونا المستجد، وتمتلك كل شركة منها لقاحًا أو أكثر في مرحلة التجارب السريرية؛ وهي شركات (سينوفاك)، و(كانسينو للمستحضرات الحيوية)، و(سينوفارم).
شركة سينوفاك
تأسست شركة (سينوفاك) في عام 2001، وتمتلك الحكومة الصينية حصة غير مباشرة بها من خلال جامعة بكين، فيما تنتمي بقية الشركة إلى مجموعة كبيرة ومتنوعة من المساهمين من القطاع الخاص. وتعد من الشركات المتخصصة في تطوير وتصنيع اللقاحات، فهي أول شركة في العالم تحصل على الموافقة على لقاح إنفلونزا الخنازير في عام 2009، كما طورت العديد من اللقاحات للأمراض المعدية منها: التهاب الكبد الوبائي A وB، والأنفلونزا الموسمية، وإنفلونزا الخنازير، وأخيرًا إنفلونزا الطيور والتي لا تزال المورد الوحيد للقاحه في الصين. ودخل لقاح فيروس كورونا الذي تنتجه (سينوفاك) المرحلة الثالثة من التجارب السريرية في البرازيل وإندونيسيا، وقد أعدت الشركة بالفعل مصنعًا لتصنيع هذا اللقاح بكميات ضخمة في بكين.
شركة كانسينو للمستحضرات الحيوية
أُنشئت شركة كانسينو للمستحضرات الحيوية في عام 2009 في مدينة تيانجين، شمال شرق الصين، من قبل مجموعة من الشركاء متعددي الجنسيات. وتتعاون هذه الشركة في أغلب بحوثها الطبية مع معهد علم الأحياء في أكاديمية العلوم الطبية العسكرية، وتعد بمثابة الذراع البحثي لجيش التحرير الشعبي؛ ولكن لا توجد أي صلة مباشرة للشركة بالدولة. أما بالنسبة لجهود الشركة في تطوير لقاح فيروس كورونا المستجد، فتم منح براءة اختراع للقاح الذي تطوره هذه الشركة بالتعاون مع معهد بكين للبايوتكنولوجي في شهر أغسطس الماضي، كما تم منحه الموافقة للاستخدام في حالات الطوارئ. ويتم إجراء المرحلة الثالثة من التجارب السريرية للقاح في المملكة العربية السعودية والمكسيك بالتعاون مع جيش التحرير الصيني.
شركة سينوفارم
تعد شركة سينوفارم واحدة من أكبر الشركات الحكومية المنتجة للقاحات في الصين، فهي تقوم حاليًّا بتطوير لقاحين لفيروس كورونا المستجد بالتعاون مع معهد بكين للمستحضرات البيولوجية ومعهد ووهان للمستحضرات البيولوجية، وهذا الأخير يعد أول لقاح يدخل مرحلة التجارب السريرية في شهر أبريل الماضي. ويتم حاليًّا إجراء المرحلة الثالثة من التجارب السريرية لكلا اللقاحين في الإمارات العربية المتحدة، وبيرو، والمغرب، والأرجنتين. ووفقًا لتصريحات رئيس الشركة، سيتوفر لقاح فيروس كورونا في السوق بحلول شهر ديسمبر من هذا العام مقابل نحو 150 دولارًا.
من سيحصل على اللقاح في حال أنتجته الصين؟
يأمل العلماء أن تُكلل الجهود الصينية بالنجاح في إنتاج لقاح ضد فيروس كورونا المستجد، لا سيما وأن الشركات الصينية المطورة للقاح نشرت العديد من الأبحاث العلمية؛ التي توثق مراحل الاختبارات التي أجريت على اللقاحات التجريبية، سواءً في المراحل السريرية وما قبلها. وأوضحت نتائج تلك الأبحاث المنشورة نجاعة اللقاحات المُختبرة في خلق مناعة لدى من تم تلقيحهم ضد الفيروس، مع ظهور أعراض جانبية بسيطة، مثل الارتفاع الطفيف في درجات الحرارة، أو دون أعراض جانبية على الإطلاق.
وفي حال نجحت الصين فعلًا في إنتاج أول لقاح في العالم لفيروس كورونا المستجد؛ فسيكون بالطبع الشعب الصيني على رأس أولويات المستفيدين. وعلى مستوى القارة الإفريقية، من المتوقع أن تكون مصر هي الدولة الإفريقية الأولى في تلقي اللقاح؛ حيث يتم حاليًّا إجراء المباحثات بين الطرفين المصري والصيني؛ لكي تكون مصر مركزًا لتصنيع لقاحات كورونا في القارة الإفريقية، من خلال التعاون المحتمل بين الشركة القابضة للمستحضرات الحيوية واللقاحات “فاكسيرا” التابعة لوزارة الصحة والسكان وإحدى الشركات الصينية؛ لإنتاج ذلك اللقاح في مصر بعد ثبوت فعاليته.
وعلى المستوى العالمي، من المرجح أن تكون البلدان الشريكة في مبادرة “الحزام والطريق” الاقتصادية الصينية هي التالية، لا سيما تلك البلدان التي ساعدت في التجارب السريرية. وكذلك، قد تكون البلدان التي كانت أقل صوتًا في الحرب الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين، مثل فرنسا وألمانيا وسويسرا، على رأس القائمة.