أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، في 21 سبتمبر الجاري (2020)، فرض عقوبات على كل من وزارة الدفاع الإيرانية، والرئيس الفنزويلي “نيكولاس مادورو”، على خلفية دوره في دعم برامج الأسلحة الإيرانية، وذلك في إطار حملة “الضغط القصوى” التي تشنها واشنطن ضد النظام الإيراني. ويثير ذلك العديد من التساؤلات حول الدوافع الأمريكية لفرض عقوبات على أفراد وكيانات مرتبطة ببرنامج الصواريخ الإيرانية جنبًا إلى جنب مع الرئيس الفنزويلي، وتداعيات هذا القرار على الطرفين من جانب، وعلاقاتهما الثنائية من جانب آخر.
الدوافع الأمريكية
تتعدد الدوافع الأمريكية لفرض هذه العقوبات المزدوجة على الرئيس الفنزويلي بالتزامن مع إعادة فرضها عقوبات أممية على إيران.
1- الضغط على الطرفين:
ليس من المستغرب أن تقوم إدارة الرئيس “ترامب” بفرض عقوبات على إيران، فهذه ليست السابقة الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة، غير أن الجديد في العقوبات الأمريكية الأخيرة أنها جاءت في إطار العمل مجددًا بعقوبات الأمم المتحدة على إيران، وهو الأمر الذي ترفضه دول عدة، خاصة في الاتحاد الأوروبي إلى جانب روسيا والصين. كما تؤكد الأمم المتحدة أن القرار في هذا الأمر لا يعود لواشنطن.
وكانت العقوبات الجديدة خطوة إضافية في سلسلة من الإجراءات التي تتخذها الولايات المتحدة ضد إيران، في إطار ما يُعرف بـ”حملة الضغط القصوى”. بالتوازي مع ذلك، استهدفت العقوبات الأمريكية الرئيس الفنزويلي، الذي تعتبره الإدارة الأمريكية “رئيسًا غير شرعي للبلاد”، وقال وزير الخارجية الأمريكي “مايك بومبيو”: “منذ نحو عامين، يعمل مسئولون فاسدون في طهران مع النظام غير الشرعي في فنزويلا للالتفاف على حظر السلاح الذي قررته الأمم المتحدة”.
جدير بالذكر أنه سبق أن اعترفت إدارة الرئيس “ترامب” بزعيم المعارضة ورئيس الجمعية الوطنية الفنزويلية “خوان جوايدو” رئيسًا انتقاليًا للبلاد في مطلع عام 2019، وذلك على خلفية التشكيك في نزاهة الانتخابات الرئاسية التي جرت في عام 2018 والتي تمّ بموجبها إعادة انتخاب “مادورو” لفترة رئاسية ثانية. وقامت حوالي خمسين دولة حول العالم بالاعتراف بجوايدو رئيسًا انتقاليًا لفنزويلا، غير أن “مادورو” احتفظ بدعم الجيش، بالإضافة إلى تأييد روسيا والصين وإيران وكوبا.
في هذا السياق، يمكن أن تكون العقوبات الأمريكية الأخيرة ضد الرئيس “مادورو” حلقة جديدة من حلقات المواجهة الأمريكية-الفنزويلية، خاصة أنه في 11 سبتمبر الجاري أعلن “مادورو” أن فنزويلا أوقفت مواطنًا أمريكيًا، واتهمته بالتجسس والإرهاب، والتخطيط لهجمات ضد منشآت نفطية وكهربائية فنزويلية.
وسبق أن قامت الإدارة الأمريكية بفرض عقوبات على شخصيات وكيانات فنزويلية بتهمة ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان وتقويض الديمقراطية في البلاد، في ظل مساعي واشنطن الرامية إلى الإطاحة بالرئيس “مادورو”. وفي اليوم التالي لصدور المرسوم التنفيذي الذي وقّعه الرئيس “ترامب” بفرض هذه العقوبات، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية عن توسيع قائمة العقوبات ضد فنزويلا، وتمّ فرض قيود جديدة على خمسة مواطنين فنزويليين بدعوى “مساعدتهم في سرقة حق شعب فنزويلا في اختيار قادته في انتخابات حرة ونزيهة”.
وتخوفًا من قيام واشنطن بالتخطيط لغزو فنزويلا، أعلن الرئيس الفنزويلي “مادورو” -في 22 سبتمبر الجاري- إنشاء “كوماندوز عمليات خاصة” مكلف بالتصدي لأعمال تخريبية محتملة قد تقوم بها الولايات المتحدة على أراضيها، على أن تتولى الرئاسة تنسيق عمليات هذه القوات. كما أشار الرئيس الفنزويلي إلى أن الرئيس “ترامب” أعطى موافقته لقيام وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية بأعمال سرية ذات طابع إرهابي ضد فنزويلا.
2- إضعاف العلاقات الإيرانية-الفنزويلية:
جاء إعلان الإدارة الأمريكية فرض عقوبات على الرئيس الفنزويلي “نيكولاس مادورو” بموجب المرسوم الصادر عن الرئيس الأمريكي، والذي يُجيز فرض عقوبات اقتصادية شديدة بحق أي بلد أو شركة أو فرد يساهم في تقديم وبيع ونقل أسلحة تقليدية إلى إيران، ليكشف بشكل واضح عن القلق الأمريكي من العلاقات المتنامية بين إيران وفنزويلا، خاصة في مجالي الدفاع والنفط.
وعلى مدار السنوات الأخيرة، شهدت العلاقات الإيرانية-الفنزويلية تطورًا كبيرًا، وكان التقارب بين البلدين مدفوعًا بعوامل عدة، أبرزها: الرغبة المشتركة للبلدين في تحدي الهيمنة الأمريكية، حيث وجدت إيران في أمريكا اللاتينية، وفنزويلا على وجه التحديد، ساحة مهمة للمواجهة مع الولايات المتحدة، نظرًا لأهميتها الاستراتيجية وقربها الجغرافي من الولايات المتحدة. وكانت فنزويلا حليفًا مثاليًّا لإيران في الفناء الخلفي للولايات المتحدة، في ظل تبني النظام الاشتراكي أجندة معادية لواشنطن في القارة اللاتينية، مما جعل من واشنطن عدوًا مشتركًا للبلدين.
إضافة إلى ذلك، فإن إيران وجدت في فنزويلا مجالًا مناسبًا لإيجاد مصادر تمويل بديلة، والالتفاف على العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها. وتُعتبر فنزويلا نقطة عبور رئيسية للكوكايين، وهو ما حاول “حزب الله” الاستفادة منه لتعزيز وجوده فيما يُعرف بـ”المثلث الحدودي” بين فنزويلا والبرازيل وباراجواي، حيث نجحت عناصر “حزب الله” في استغلال ضعف التواجد الأمني في المثلث، في غسل ما يتراوح بين 600 و700 مليون دولار بين عامي 2014 و2016، يُعتقد أنها من عائدات تجارة المخدرات وغيرها من الأنشطة غير المشروعة، وهو ما ساعده في تمويل عملياته الإرهابية في الشرق الأوسط.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل كشفت بعض التقارير الاستخباراتية الأمريكية عن وجود معسكر تدريب لإرهابيي “حزب الله” في جزيرة مارجريتا قبالة ساحل الكاريبي في فنزويلا، والذي يُرجح أن الحزب يتخذه مركزًا لتخطيط عملياته الإرهابية وجمع المعلومات الاستخباراتية، والتي يمكن أن تستخدمها إيران لتنفيذ عمليات إرهابية ضد أهداف أمريكية، سواء في أمريكا اللاتينية أو على الأراضي الأمريكية.
ومما يُضاعف من المخاوف الأمريكية من التعاون الوثيق بين البلدين، ما كشفت عنه بعض التقارير الاستخباراتية الأمريكية من إعلان الرئيس الفنزويلي مؤخرًا اهتمامه بشراء صواريخ من إيران، وهو ما يمثل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي الأمريكي وكذلك أمن بعض دول أمريكا اللاتينية.
التداعيات المحتملة
يمكن أن يكون لإعلان الإدارة الأمريكية فرض عقوبات على وزارة الدفاع الإيرانية ورئيس فنزويلا تداعيات مهمة، سواء على الداخل الإيراني والفنزويلي، أو على مستقبل العلاقات بين البلدين.
1- مزيد من تأزيم الأوضاع الداخلية:
كثّف الرئيس “ترامب” العقوبات المفروضة على إيران وفنزويلا منذ توليه السلطة عام 2017. وقد استهدفت هذه العقوبات قطاع النفط بشكل خاص، حيث تفرض الإدارة الأمريكية العقوبات على شركة النفط الوطنية الفنزويلية المملوكة للدولة وشركائها الأجانب الأساسيين وعملائها منذ أوائل 2019.
وكانت العقوبات الأمريكية على فنزويلا وإيران فعّالة في خفض عائداتهما من صادرات النفط، وحرمت بالفعل الشركة الوطنية في فنزويلا من أغلب زبائنها للعقود الطويلة الأجل، وقللت من صادرات النفط إلى أقل من 400 ألف برميل يوميًّا، وهو الأدنى منذ حوالي 80 عامًا، مما أدى إلى معاناة فنزويلا من أكبر انكماش اقتصادي في تاريخها الحديث، وارتفاع معدل التضخم إلى مستويات غير مسبوقة. إلى جانب خسارة أكثر من ثلثي قيمة الريال الإيراني وارتفاع حجم العجز المالي في طهران.
وبالرغم من اعتقاد البعض أن العقوبات الأمريكية على فنزويلا أخفقت حتى الآن في إضعاف قبضة “مادورو” على السلطة، فمن المتوقع مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر المقبل، أن تستعد واشنطن لاتخاذ موقف أكثر صرامة حيال إيران وكذلك فنزويلا، خاصة فيما يتعلق بالعقوبات على قطاعي النفط والذهب.
ومن شأن هذه العقوبات أن تفرض مزيدًا من الضغوط على النظامين الإيراني والفنزويلي، وتزيد من الأزمات الداخلية في البلدين، مما يُنذر باندلاع الاحتجاجات الشعبية، ويُفاقم حالة عدم الاستقرار السياسي. غير أن الأمر يظل مرهونًا بقدرة البلدين على تحمل التكلفة الاقتصادية والاجتماعية للضغوط الأمريكية التي من المرجح أن تزداد مع قرب موعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة.
2- تقييد محتمل للعلاقات الإيرانية-الفنزويلية:
على الرغم من الضغوط الأمريكية المتواصلة على إيران وفنزويلا، فقد حافظ البلدان على علاقة ثنائية وثيقة للغاية، أسفرت عن توقيع العديد من الاتفاقيات في مجالات الطاقة والنفط والتعليم والدفاع والثقافة والتجارة، وغيرها. وقد وجد البلدان في توثيق العلاقات المشتركة وسيلة لتخفيف الضغوط الأمريكية المفروضة عليهما من ناحية، والالتفاف على العقوبات الاقتصادية، من ناحية أخرى.
في هذا السياق، قامت إيران بإرسال خمس ناقلات محملة بالوقود إلى فنزويلا في أبريل الماضي للمساعدة في مواجهة النقص الحاد في البنزين، بالإضافة إلى إمدادها بالمواد الغذائية. كما قامت طهران بنقل معدات وقطع غيار للمساعدة في استئناف الإنتاج بأكبر مجمع لتكرير البترول في فنزويلا. ويرجح أن الأخيرة دفعت قيمة شحنات الوقود والمعدات الإيرانية في شكل ذهب.
وانطلاقًا من إدراك واشنطن للتحالف الإيراني-الفنزويلي على أنه تهديد لمصالحها وأمنها القومي، وكذلك أمن حلفائها في القارة اللاتينية؛ فقد صادرت إدارة “ترامب” في وقت سابق من شهر سبتمبر الجاري شحنات وقود على متن أربع ناقلات كانت متجهة إلى فنزويلا، وفرضت عقوبات على شركة صينية كانت تساعد شركة الطيران الإيرانية “ماهان” التي نقلت معدات المصفاة إلى فنزويلا.
وبالرغم من تأكيد وزارة الخارجية الفنزويلية أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تستطيع منع كراكاس من بناء علاقات مع إيران، معتبرة أن العقوبات الأمريكية الجديدة على الرئيس “نيكولاس مادورو” بمثابة “عدوان جديد”، فإن ذلك لا يستبعد إمكانية حدوث تباطؤ في مستوى التطور الحادث في العلاقات الإيرانية-الفنزويلية، غير أن الأمر يظل مرهونًا بمدى فعالية العقوبات الأمريكية الأخيرة على إيران وفنزويلا وحجم الدعم الدولي الذي يمكن أن تحظى به.