في وقت تتراجع فيه كل مؤشرات الصناعة في العالم تحت وطأة تأثير جائحة كورونا، تقدم صناعة الإعلام وقطاعات الاتصالات والإعلام والمنصات الرقمية صورة مغايرة بعد أن أظهرت الأرقام الأخيرة ارتفاع معدل النمو السنوي لتلك القطاعات بنسبة ٨ ٪ قبل نهاية عام ٢٠٢٠، بينما مختلف قطاعات الصناعات الأخرى في العالم لا يتجاوز معدل نموها ٥ ٪. وعلى الرغم من أن مصادر الدخل التقليدية لوسائل الإعلام والترفيه تعاني من الركود أو التراجع على نحو كبير، إلا أن السمة العامة أن إيرادات المنصات الرقمية مستمرة في الارتفاع.
وتشير أرقام شركة “أكستنشر” (Accenture) المتخصصة في بحوث الإعلام إلى أنه على الرغم من هذا النمو القوي المتوقع نسبيًا، فإن صناعة الميديا ليست بمعزل عن التداعيات الاقتصادية لوباء “كوفيد ١٩”. فمن المتوقع أن يكون الإنفاق الشهري العالمي للأسر على وسائل الإعلام والترفيه في عام 2022 أقل بنسبة 30- 40٪ مقارنة بأرقام عام 2019، بينما من المتوقع أن ينخفض الإنفاق الإعلاني العالمي لعام 2020 بنسبة 8.1٪ عن مستويات عام 2019.
من جانب آخر، أدت جائحة فيروس كورونا إلى تسريع التحولات عبر وسائل الإعلام وصناعة الترفيه. فقد اتسعت فجوة الاستهلاك بين القنوات الرقمية والتقليدية. على سبيل المثال، في الولايات المتحدة، من المتوقع أن يزيد معدل النمو السنوي للمدة التي يقضيها الجمهور على الوسائط بين عامي 2018 و2022 بمقدار 5 ٪ للقنوات الرقمية وبسالب 2 ٪ للقنوات التقليدية. وفي الصين، تتسع الفجوة بشكل أسرع، فالنمو السنوي لمتوسط الوقت على القنوات الرقمية بـ8 ٪ وانخفاض سنوي بنسبة 3٪ للقنوات التقليدية.
ويقول تقرير لمنظمة المنتدى الاقتصادي العالمي “دافوس”، إنه من المنتظر إنفاق المزيد من الوقت على الوسائط الرقمية، سواء على “الفيديو الرقمي” أو “منصات الوسائط الاجتماعية”. منذ أن بدأ الوباء، يقول 50٪ من جيل الألفية وجيل ما بعد الألفية إنهم يقضون وقتًا أطول على موقع “يوتيوب” (YouTube)، و47٪ يقضون وقتًا أطول على “فيسبوك” (Facebook)، و34٪ على “إنستجرام” (Instagram). ومن المتوقع أن يحافظ المستهلكون على مستويات عالية من الاستهلاك على هذه المنصات بمجرد انتهاء الأزمة.
التحولات واستهداف الجمهور على المنصات
يشكل عام 2020 عامًا فاصلًا بالنسبة لصناعة الإعلام والترفيه. حيث يتحول المستهلكون والمعلنون إلى القنوات الرقمية، ويتوقعون قيمة أكبر لوقتهم وأموالهم، من أجل تقديم مستوى أفضل للعملاء. من الطبيعي أن تزداد المنافسة حدة بين شركات المحتوى، وسيكون الوصول إلى “بيانات المستخدم” بشكل دقيق هو مفتاح النجاح لتلك المنصات الرقمية. وفي ظل التطور اللافت، ينتظر أن تخضع شركات المنصات الرقمية لمزيد من التدقيق من الجهات التنظيمية. ومع ظهور هذه الديناميكيات، هناك حاجة إلى إطار عمل جديد لفهم كيف ستصبح تلك المنصات الرقمية قيمة في المستقبل. فحسب خبراء “دافوس” استندت صناعة الإعلام إلى مفاهيم مثل: الملكية الفكرية، والتأثير الثقافي، والموهبة، التي عند دمجها وتنفيذها بشكل صحيح تخلق في الغالب منتجات تحظى بتقدير كبير من قبل الجمهور، إلا أن كيفية تعيين “القيمة” النوعية للمنتجات المقدمة في العصر الرقمي تعد مسألة أكثر صعوبة نتيجة تعقيدات النظام الجديد.
الإنفاق على المحتوى الرقمي
تغير الإنفاق على المحتوى بشكل كبير في ظل إقبال المستهلكين على المنصات الرقمية وزيادة العروض الجديدة المباشرة للمستهلك (D2C)، والتي ترفع من مستوى المنافسة، ويتوجه اللاعبون الكبار في سوق المحتوى الرقمي للمنصات لزيادة إنفاقهم على المحتوى بمقدار ثلاثة أضعاف إلى ١٧ مليار دولار في عام ٢٠٢٠ مقابل ٦ مليارات دولار في ٢٠١٥، مع عدم وجود علامات على تباطؤ الإنفاق أو الاستخدام لتلك المنصات في المستقبل.
في المقابل، تستثمر اليوم شركات الإعلام التقليدية في تجارب جديدة للوصول إلى قطاعات جديدة للجمهور من خلال الاستفادة من التقنيات الناشئة وشراكات المنصات الاستراتيجية حتى يمكنها البقاء في السوق، والتعاطي مع المتغيرات المتسارعة. على سبيل المثال، تقوم شركة “وورنر ميديا” (Warner Media) بتطوير وإنتاج ما يصل إلى 10 عروض سنويًا لمنصة “سنابشات” (Snapchat) في جميع أقسامها بما فيها الدراما والكوميديا.وفي النهاية فإن التطورات المتلاحقة أيضًا تؤدي إلى إعادة صياغة سوق الإعلانات وتقنيات الإعلان، بالإضافة إلى مراجعة التوقعات الخاصة بالجمهور المستهدف وإعادة تشكيل السوق. وقد حدث نمو سريع في الإعلانات الرقمية (من 50 مليار دولار في 2015 إلى 107 مليارات دولار في عام (2018) وهو ما يتناقض بشكل ملحوظ مع عائدات الإعلانات التلفزيونية التقليدية، التي لا تزال ثابتة على حالها، بينما تتفجر الوسائط الرقمية بالإعلانات، بما يغير من توقعات المعلنين والجمهور على حدٍ سواء.