وقّع طَرَفَا الصراع في اليمن اتفاقًا لتبادل الأسرى في مونترو بسويسرا برعاية الأمم المتحدة، في 27 سبتمبر2020، وهو اتفاق ليس بجديد، بل سبقه عدة اجتماعات لبحث الملف، منها اتفاق استكهولم 2018 واجتماعات عمان التي عقدت في فبراير 2020. ودائمًا ما كان يمثل الحوثيون الطرف المعرقل لعملية التبادل لتمسكهم بمبدأ الكل مقابل الكل، وهو ما دفع لتوجيه الاتهام إليهم بعرقلة الملف وتجزئته وتحويله من ملف إنساني إلى ملف للمساومة السياسية. وبعد صراع استمر أكثر من خمس سنوات جاء توقيع اتفاق لتبادل الأسرى بين الحوثيين والتحالف العربي. فهل يساهم هذا الاتفاق في حل الأزمة في اليمن؟
مضمون الاتفاق
نصَّ اتفاق تبادل الأسرى بين الأطراف اليمنية والتحالف العربي على إجراء تبادل شامل وكامل لجميع الأسرى والمعتقلين والمفقودين، والمحتجزين تعسفيًّا، والمختفين قسريًّا، والموضوعين تحت الإقامة الجبرية على ذمة الأحداث، لدى جميع الأطراف اليمنية، سواء كانوا يمنيين أو من دول التحالف بمن فيهم “محمد قحطان” القيادي في حزب التجمع اليمني للإصلاح، ووزير الدفاع السابق “محمود الصبيحي”، واللواء “ناصر منصور هادي” شقيق الرئيس اليمني، واللواء “فيصل رجب” قائد المنطقة العسكرية الرابعة.
وقد نص الاتفاق على أنه لا يحق لأي طرف الامتناع عن تسليم أي شخص تم أسره أو اعتقاله، أو القبض عليه أو احتجازه لأي سبب، وفي حال تبين وجود أي أسرى أو معتقلين أو مفقودين أو محتجزين تعسفيًّا فإن جميع الأطراف ملتزمة بإطلاق سراحهم على الفور. وتسلم الكشوفات النهائية للأسماء خلال مدة لا تزيد على عشرة أيام إلى مكتب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة باليمن ومنظمة الصليب الأحمر الدولي[i].
وقد تم الاتفاق على تبادل 1081 أسيرًا، على أن يطلق الحوثيون 400 أسير، من بينهم سعوديون وسودانيون، في مقابل إفراج الحكومة اليمنية عن 681 شخصًا، وأن يتم البدء الفوري في إجراءات التبادل وفقًا للخطة التنفيذية التي وضعتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، والتي تتضمن بدء عملية تبادل الأسرى في أكتوبر 2020.
وتضمّن الاتفاق جدولًا زمنيًا لإنجاز المرحلة الأولى من اتفاق تبادل الأسرى خلال الفترة من 1 إلى 14 أكتوبر 2020، على أن يتم خلال هذه الفترة استكمال التحضيرات اللوجستية من قبل اللجنة الدولية للصليب الأحمر، والتأكد من مطابقة قوائم الأسماء الموقّع عليها لهويات الموجودين في السجون، ثم الانتقال إلى المرحلة الثانية في 15 أكتوبر، حيث يبدأ نقل أسرى الطرفين عبر الطائرات من الرياض ومأرب إلى صنعاء برعاية الصليب الأحمر والأمم المتحدة، ونقل أسرى الطرفين من عدن إلى صنعاء من قبل الصليب الأحمر[ii].
دلالات الاتفاق
بالنّظر إلى مضمون الاتفاق يمكن الخروج بعدد من الدلالات الهامة، وهي كالتالي:
- يشير توقيع الاتفاق في هذا التوقيت إلى رغبة الحوثيين في إظهار تعاونهم الإيجابي مع جهود المبعوث الأممي، وكمؤشر لإبداء المرونة وليس خطوة رئيسية في حل الأزمة، كما أن نجاح الاتفاق مرهون بالتزام الأطراف بتنفيذه وليس بالتوقيع عليه، فما زال هناك تشكك حول إمكانية نجاحه بشكل كامل، في ظل اتهام كل طرف للآخر بالتهويل في أرقام الأسرى والمحتجزين، وتلويح الحوثيين بأنه ما زال لديهم أسرى سعوديون لن يتم تسليمهم.
- يعد الاتفاق مكسبًا للحوثيين، لا سيما في ظل ارتفاع عدد الأسرى المفرج عنهم، حيث تشهد جماعة الحوثي انخفاضًا في أعداد مقاتليها في معارك مأرب. بينما يُعد الاتفاق انتصارًا ضئيلًا للمبعوث الأممي بعد مشاورات استمرت لمدة عامين حول الملف الإنساني.
- لا يمثّل الاتفاق اختراقًا في الأزمة اليمنية، فهو جزء من اتفاق استكهولم 2018، والذي نص على تبادل الأسرى[iii]، كما أن الاتفاق يأتي بعد صراع استمر أكثر من خمس سنوات واجهت خلالها الدولة اليمنية العديد من التحديات، وبالتالي هناك العديد من الملفات والتحديات التي لا تزال قائمة وتمثل ضرورة في إطار حل الأزمة.
تحديات قائمة
بالنظر إلى مضمون الاتفاق وسياق الأزمة لا تزال هناك العديد من التحديات القائمة، والتي يمكن إجمالها فيما يلي:
١- تدهور الوضع الإنساني: تعد الأزمة في اليمن -وفقًا لتصنيف الأمم المتحدة- الأزمة الأسوأ في العالم، حيث شهد اليمن نزوح أكثر من مليون مواطن داخليًّا، بالإضافة إلى تفشي الكوليرا، حيث وصل عدد الحالات المشتبه بها إلى 700 ألف في 2019، إضافة إلى انتشار المجاعة حيث يعاني أكثر من 20 مليون يمني من انعدام الأمن الغذائي ونقص الأدوية، بالإضافة إلى البنية التحتية التي دُمرت في الحرب الدائرة منذ 2015[iv].
٢- آثار الأسلحة المتفجرة: تسبب استخدام الأسلحة المتفجرة بالمناطق المأهولة بالسكان في بلوغ نسبة المدنيين من الضحايا 90%، بالإضافة إلى تدمير البنية التحتية من حيث أنظمة الصرف الصحي وشبكات الكهرباء والمرافق والمباني العامة، فهناك ما يقرب من 19.7 مليون شخص يفتقرون إلى الرعاية الصحية الكاملة، بالإضافة إلى أن 49% من المرافق الصحية لم تعد تعمل بكامل طاقتها. وقد تم تدمير أكثر من 24% من شبكة الطرق في اليمن وفقًا لتقدير البنك الدولي، وأدت هذه العوامل مجتمعة إلى نزوح قسري للمواطنين بسبب انعدام الأمن أو تدمير الخدمات الأساسية.
وبالإضافة إلى الضرر الذي أحدثه الصراع وأثّر في ميناء الحديدة الذي يُعد شريانًا حيويًّا للأمن الغذائي ومسئولًا عن 70-80% من الواردات التجارية، وهو ما يعني أن استمرار التصعيد يمثل تهديدًا للأمن الغذائي في اليمن؛ فقد تعرضت مطاحن البحر الأحمر للقصف المدفعي، ولم يتمكن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة من إيصال المساعدات الإنسانية لليمن بسبب انعدام الأمن والاشتباكات المستمرة[v].
٣- عرقلة التسوية السياسية: ساهم الخلاف بين السعودية وإيران في استمرار الحرب، بالإضافة إلى تنازع الفصائل السياسية ما بين الحوثيين وحكومة “هادي” والمجلس الانتقالي الجنوبي حول السلطة، كما أن هناك خرقًا للاتفاقات من قبل أطراف الصراع، وهو ما أدى إلى عدم حدوث تقدم في العملية السياسية، حيث لم يلتزم الحوثيون بمفاوضات استكهولم في ديسمبر 2018، والتي تضمنت وقف إطلاق النار في مدينة الحديدة، وتبادل أكثر من 15 ألف سجين، وتشكيل لجنة مشتركة لوقف تصعيد العنف.
بالإضافة إلى استيلاء المجلس الانتقالي الجنوبي على عدن في أغسطس 2019، واستمرار المواجهات المسلحة بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة الشرعية في محافظة أبين، وعدم التزام المجلس الانتقالي باتفاق الرياض نوفمبر 2019، والذي يقضي بسحب قوات المجلس الانتقالي من عدن مقابل اشتراكه في الحكومة الشرعية ومشاورات الحل السياسي[vi]، إضافة إلى التصعيد الحوثي المستمر، ومنها الهجوم الصاروخي على منشآت نفط أرامكو السعودية.
٤- استمرار الصراع في مأرب: تمثل مأرب رقمًا مهمًا في المعادلة السياسية والاقتصادية باليمن، فهي محافظة غنية بالغاز والنفط، وبها مصفاة صافر النفطية، وما زال التصعيد قائمًا في محافظة مآرب وعلى طول حدودها مع محافظات الجوف وصنعاء والبيضاء، وما يرتبه ذلك الصراع من قتل للمدنيين ونزوح للمواطنين، فهناك أكثر من مليون نازح في مأرب منذ عام 2015، كما يمثل الأمن تحديًا للمحافظة، حيث يتم الاعتماد على الجهود الاجتماعية في حفظ الأمن وليس على قدرات أجهزة الأمن، كما لا تزال منطقة صرواح جبهة قتال مفتوحة مع الحوثيين، ما يمثل تهديدًا للمحافظة، إذ تُطلق قوات الحوثيين الصواريخ منها، ويحافظ الحوثيون على وجودهم في أطراف مأرب، ولا سيما منطقة صرواح، حيث ينتمي بعض أفراد قبائل جهم والأشراف للمذهب الزيدي الذي ينتمي إليه الحوثيون[vii].
ختامًا؛ يمكن القول إن اتفاق تبادل الأسرى هو جزء من الملف الإنساني في اليمن، وخطوة في مسار الحل مرهونة بالتزام الأطراف به، لكنّ هناك ملفات أخرى عالقة تتطلب تسويتها بين الأطراف الداخلية والإقليمية، وأن أي حل للأزمة في اليمن يبدأ من توافق الأطراف جميعها بما يُحقق وحدة الدولة الوطنية.
المصادر
[i] اتفاق تبادل الأسرى، مكتب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لليمن، متاح على الرابط: تاريخ الدخول 6 أكتوبر 2020.
[ii] اتفاق تبادُل الأسرى والمعتقلين بين الحكومة اليمنية والحوثيين: هل يُمثِّل “انفراجه” في مسار التسوية؟، مركز الإمارات للسياسات، 6 أكتوبر 2020، متاح على الرابط: تاريخ الدخول 7 أكتوبر 2020.
[iii] Saleh Baidhani, Uncertainties as to what’s next after Yemen prisoner swap, the Arab weekly,28 September 2020, available at: accessed on 6 October 2020.
[iv] Zachary Laub and Kali Robinson, Yemen in Crisis, council on foreign relations, 29 July 2020, available at: https://on.cfr.org/2GUpfmI accessed on 9 October 2020.
[v] Death Sentence to Civilians: The Long-Term Impact of Explosive Weapons in Populated Areas in Yemen, May 2020, available at: accessed on 10 October 2020.
[vi] Ali Said al-Ahmadi, The Southern Issue in Yemen: Hopes and Challenges, the Washington institute,16 September 2020, available at: accessed on 9 October 2020.
[vii] مأرب: تداعيات الصراع ورؤية المأربيين للسلام، مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية،1 أغسطس 2019، متاح على الرابط:
تاريخ الدخول 10 أكتوبر 2020.