غيّر التحول الرقمي وجه العالم، وفرضت التكنولوجيا الرقمية نفسها على المجتمع، حيث تغلغلت في حياة الأفراد، وأصبح أغلب الأطفال يقضون كثيرًا من أوقاتهم خلف الشاشات، فقد أعلنت اليونيسف في فبراير 2018، أن 71 % من الأطفال موجودون بالفعل على الإنترنت، وأن أكثر من 175,000 طفل يستخدمون شبكة الإنترنت للمرة الأولى في كل يوم جديد، أي بمعدل طفل جديد كل نصف ثانية. الأمر الذي يعني أن الأطفال والمراهقين الذين تقل أعمارهم عن 18 عامًا يشكّلون ما يقدر بنحو ثلث مستخدمي الإنترنت في مختلف أنحاء العالم. وفي بعض البلدان، يكون معدل استخدام الإنترنت بين الأطفال دون 15 سنة مماثلًا للمعدل عند البالغين فوق 25 سنة. وقد فرضت المخاطر المتزايدة التي يتعرض لها الأطفال يومًا بعد يوم على المواقع الإلكترونية، وغياب الرقابة على المحتويات التي يتابعونها؛ إعادة النظر في القوانين التي قد تبدو -في العديد من الأحيان- غير مواكبة لطبيعة التغيرات المتسارعة، مما يعرض الأطفال لمزيد من الخطر.
ونظرًا للفجوة الرقمية بين الأجيال، فإن غالبية الآباء لا يفهمون الكثير عما يفعله الأبناء على المواقع الإلكترونية، مما يعرض الأطفال للعديد من المخاطر، منها: التحرش الإلكتروني، والابتزاز، واستغلالهم في التربح، أو استقطابهم وتجنيدهم في أنشطة غير مشروعة، أو تقليدهم لمحتوى عنيف مثل حادث بشتيل الذي وقع في يوليو 2020 عندما قلدت الطفلة “حنين” البالغة من العمر 13 عامًا، محتوى عنيفًا شاهدته على “موقع يوتيوب” وقامت بخنق الطفلة “هايدي” 3 سنوات، مما دعا منصة اليوتيوب لأن تصدر بيانًا صرحت فيه “إننا نعمل جاهدين، وبأسرع وقت ممكن، على إزالة الفيديوهات التي تنتهك سياساتنا حين إبلاغنا عنها، أو نقوم بتقييدها بأعمار محددة عندما لا تكون مناسبة لكل فئات الجمهور، إلا أن منصة “يوتيوب” لا تعتبر مكانًا للأطفال، ونوفّر عددًا من الإرشادات والموارد للأهل بهدف مساعدتهم في إدارة ومتابعة تجربة العائلة على المنصة”.
أنواع المخاطر الرقمية
على الرغم من الفرص والفوائد العديدة التي يمكن أن يحصل عليها الأطفال من الاستخدام الإيجابي للإنترنت؛ إلا أن الاستخدام الخاطئ يعرّضهم أيضًا لمجموعة من المخاطر والأضرار، وقد قسم تقرير منظمة “اليونيسيف” المُعنوَن “حالة أطفال العالم لعام 2017: الأطفال في عالم رقمي” تلك المخاطر إلى ثلاث فئات رئيسية:
١- مخاطر المحتوى: حيث أصبح الإنترنت صاحب الدور الأكبر في رسم سلوك الطفل، من خلال المحتوى الذي يتعرض له ثم يحاكيه ويتكون على أساسه سلوكه وتفكيره. ومن المخاطر التي يواجهها الطفل تعرضه لمحتوى غير لائق، ويشمل ذلك: الصور الإباحية والعنيفة، والمواد التي تحتوي على خطاب الكراهية والتمييز والعنصرية، وأيضًا إدمان الطفل بعض المواقع والألعاب (مثل: “الحوت الأزرق”، و”بابجي”، و”مومو”) التي قد تروج لسلوكيات غير صحية كإيذاء النفس والانتحار.
٢- مخاطر الاتصال: وتتمثل في تواصل الطفل مع أشخاص مجهولين أو مواقع غير آمنة مما يعرضه للتحرش والإغواء الجنسي، ناهيك عن التنمر، والمضايقات الإلكترونية، والابتزاز، والاستقطاب الفكري، وغيرها من السلوكيات الخطرة.
٣- مخاطر السلوك: وتتمثل في قيام شخص بالغ باستغلال الطفل في تقديم محتوى غير لائق، إما بغرض الاتجار بالأطفال، أو بغرض التربح الشخصي، أو تأثر الطفل نفسه بالمحتوى الذي يُفرض عليه عمدًا أو دون قصد وترجمته في فعل يقوم به، سواء بتقليد المحتوي أو بإنتاج محتوى آخر غير لائق، وتحريض أطفال غيره على العنف أو التنمر والسخرية من أطفال آخرين.
وفي هذا الصدد، ظهرت العديد من الفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي تحذر من قناة لفتاة صغيرة تدعى “شفا”، استغلتها والدتها في عمل فيديوهات للتربح، واحتوت تلك الفيديوهات على مشاهد “ظهرت فيها الفتاة وهي تطلب من والدتها أن تزوجها رغم سنها الصغير، وخضعت الأم لإلحاح الطفلة، ووافقت وهي تبكي لأن طفلتها صغيرة ومصرّة على الزواج”. إضافة إلى ظهور الفتاة مع أختها الكبرى حيث قامتا بعمل “مقالب” في بعضهما، احتوت “وضع محتويات مؤذية على الطعام، وقص شعر بعضهن أثناء النوم”، مما أثار حفيظة العديد من الآباء، لأن تلك الفيديوهات بدأت في التأثير سلبًا على الأطفال المتابعين لها، والذين بدءوا في تقليدها، ما عرّض عددًا منهم لمخاطر عدة.
منحنى متصاعد
تُظهر الدراسات اتجاهًا متزايدًا للتنمر عبر الإنترنت، حيث تشير الإحصائيات الخاصة بوزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية لعام 2018, إلى أن ما يقرب من 50% من الأطفال والمراهقين قد تعرضوا للتنمر عبر وسائل الإنترنت المختلفة، ووفقًا لإحصائيات التنمر عبر الإنترنت الصادرة عن مؤسسة “آي سيف” (i-SAFE) للعام نفسه فإن طفلًا من كل ثلاثة أطفال يتعرض للابتزاز والتهديد الإلكتروني، وقد كانت الفتيات أكثر عرضة للتعرض لمثل تلك التهديدات مقارنة بالذكور.
وعلى صعيد آخر، وبحسب مؤسسة مراقبة الإنترنت (IWF) فقد تم تسجيل 132 ألف موقع، وتحميل أكثر من 45 مليون صورة ومقطع فيديو يركز على الاستغلال الجنسي للأطفال والاعتداء عليهم جسديًّا في عام 2019.
المصدر: الإنتربول، قاعدة البيانات الدولية لصور الاستغلال الجنسي للأطفال.
كما أشار التقرير التقني للإنتربول المعنون “الضحايا المجهولون في مواد الاستغلال الجنسي للأطفال: مؤشر عالمي 2018“؛ إلى أن الضحايا المستهدفين دائمًا هم الأصغر سنًا، وأن حوالي 84% من المواد المبلغ عنها عبر المواقع الإلكترونية احتوت بالفعل على أنشطة استغلال جنسي كان ضحاياها أطفال، 60% منهم لم يبلغوا مرحلة البلوغ. وحسب نوع الضحايا بلغت نسبة الإناث حوالي 64.4%، و30.5% من الذكور، و5% من الجنسين مجتمعين في مادة واحدة، أما عن الجناة فكانت النسبة الأكبر من الذكور بحوالي 92,7%، وبلغت نسبة الجناة الإناث حوالي 2%، واشترك الجناة الإناث والذكور في أفعال استغلال جنسية للأطفال بنسبة 5,5%.
تزايد التهديدات أثناء الجائحة
اعتبر الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU) أن الأطفال معرضون بشكل متزايد لخطر الأذى عبر الإنترنت أثناء جائحة “كوفيد-19″، وأن “ضمان سلامة الأطفال على الإنترنت في عصر كورونا أصبح أكثر إلحاحًا من أي وقت مضي“، وهذا ما أكدته وكالة إنفاذ القانون في الاتحاد الأوروبي (يوروبول)، والتي كشفت عن حدوث زيادة بنسبة 50% في النشاط الإجرامي عبر الإنترنت من قِبل أولئك الذين يسعون للحصول على مواد تتعلق بإساءة معاملة الأطفال جسديًا وجنسيًا، حيث تضاعفت البلاغات عن المواد الإباحية الخاصة بالأطفال عبر الإنترنت على مستوى العالم إلى أكثر من أربعة ملايين بين مارس وأبريل 2020، وكان هناك ما يقرب من تسعة ملايين محاولة في أبريل 2020 للوصول إلى مواقع الاعتداء الجنسي على الأطفال، والتي سبق أن حجبتها مؤسسة مراقبة الإنترنت (IWF).
القانون المصري
تناول قانون الطفل المعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008 في المادة 116 (مكرر أ) منه الاستغلال الجنسي للأطفال عبر شبكة الإنترنت، والتي نصت على أن “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين، وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه، ولا تتجاوز خمسين ألف جنيه، كل من استورد أو صدر أو أنتج أو أعد أو عرض أو طبع أو روج أو حاز أو بث أي أعمال إباحية يشارك فيها أطفال أو تتعلق بالاستغلال الجنسي للطفل، ويحكم بمصادرة الأدوات والآلات المستخدمة في ارتكاب الجريمة والأموال المتحصلة منها، وغلق الأماكن محل ارتكابها مدة لا تقل عن ستة أشهر، وذلك كله مع عدم الإخلال بحقوق الغير حسن النية.
وعلى الرغم من ذكر المواد 80, 96, 126 من الدستور المصري، والمادة 291 من قانون العقوبات، حالات تعرض الطفل للخطر، وتهديد سلامة التنشئة الواجب توافرها له، وحظر المساس بحق الطفل من الاتجار به أو استغلاله جنسيًّا؛ إلا أنها لم تواكب التطورات التكنولوجية والمشاكل المستحدثة التي تواجه الأطفال في البيئة الرقمية الجديدة، والتي تختلف في طبيعتها ونوعها عن المصطلحات الفضفاضة الواردة في المواد السابقة، وهذا ما يدفع القضاة لاستخدام مواد بديلة لمعاقبة أفعال معينة لم تذكرها القوانين، مثل قضايا التربح الإلكتروني بالأطفال التي يصنفها القاضي تحت بند قانون 64 لسنة 2010 الخاص بمكافحة الاتجار بالبشر.
ختامًا، حققت الدولة المصرية بعض التقدم في صياغة السياسات الساعية للقضاء على المخاطر عبر الإنترنت بإصدار قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، والذي تم إقراره في يونيو 2018، واشتمل على 45 مادة، لكن لا يزال هناك قصور في فهم الحياة الإلكترونية للأطفال، لذلك هناك حاجة إلى بذل المزيد من الجهد في وضع “استراتيجية وطنية لتعزيز سلامة الأطفال” وحمايتهم إلكترونيًّا بالاشتراك مع المراكز البحثية، وسلطات إنفاذ القانون، والوزارات المعنية، وبالتعاون مع المجتمع المدني تكون محاورها الرئيسية، كالتالي:
- إنشاء قواعد بيانات خاصة بالجرائم الإلكترونية التي ضحاياها من الأطفال، وإتاحة هذه البيانات للمراكز البحثية، حتى يُمكن تقدير الحجم الحقيقي للظاهرة، ومعدلات وأشكال تغيره، والوقوف على الأسباب، والبحث عن سبل العلاج والوقاية.
- تعديل القوانين وتغليظها واستحداث قوانين جديدة تتماشى مع التغيرات التكنولوجية.
- توفير المعلومات الكافية للأطفال وأولياء أمورهم حول فهم المخاطر والتهديدات والأضرار الإلكترونية، وأفضل سبل الحماية عبر الإنترنت، وذلك بإنشاء موقع إلكتروني يهتم ببقاء الأطفال آمنين عبر الإنترنت، ويصمم بالتعاون مع المجلس القومي للأمومة والطفولة والمؤسسات التعليمية وغيرها من الجهات المعنية.
- تقديم الدعم النفسي لأولئك الأطفال الذين تعرضوا للاستغلال والابتزاز الإلكتروني.
- تدشين حملات للتوعية للتنبيه على خطورة الاستخدام الخاطئ من جانب الأطفال لشبكة الإنترنت.