يُعد قطاع البنية التحتية من القطاعات الرائدة في مصر في الآونة الأخيرة، كما أنه عامل رئيسي للأداء الاقتصادي لجميع الدول، وتتأثر به العديد من الصناعات والاستثمار المحلي والأجنبي. وعلى الرغم من تأثر القطاع بجائحة كورونا، والإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدولة التي تشمل الإغلاق وفرض حظر التجول؛ فإنه ساهم في الحد من التأثير الاقتصادي للجائحة، وساهم في جهود الدولة لتعزيز نمو الناتج المحلي الإجمالي.
أولًا- دور قطاع البنية التحتية في تعزيز النمو:
وفقًا لتقرير “تحفيز البنية التحتية ودورها في التعافي من كوفيد-19” الصادر عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء في 30 سبتمبر 2020، فإن صناعة البنية التحتية تمثل 6% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. كما أن الاستثمار في هذا القطاع له تأثير مضاعف -أي يساهم في النمو سنويًّا- بنسبة تتراوح ما بين 0.4 و2.2 في مضاعفة معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي. إضافة إلى ذلك، يمكن أن يولد القطاع عشرة آلاف وظيفة مع كل مليار دولار قيمة استثمارية.
ويُمكن أن تُساهم صناعة البنية التحتية في جهود التعافي الاقتصادي. ولكن في محاولة للحد من أوجه الضعف في القطاع، وأيضًا مع الحاجة إلى تغيير سلوك الأفراد والشركات والحكومات، وفقًا لمقال “البنية التحتية المستدامة ولماذا ستسرع من التعافي” الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي في 21 سبتمبر 2020؛ فإن الاستثمار في البنية التحتية يجب أن يتحول إلى استثمار مستدام. وبهذا فيجب أن يتسم الاستثمار في القطاع بعدة سمات؛ أولًا: المرونة البيئية التي تشمل التخفيف من الآثار البيئية للمشاريع وقدرة البنية التحتية على الصمود أمام التغيرات المناخية. ثانيًا: تقاسم المنافع من خلال إشراك المجتمعات في التخطيط والتصميم لتطوير البنية التحتية، وضمان وصول الخدمات الأساسية للمجتمعات المحرومة. ثالثًا: الفعالية الاقتصادية والمؤسسية، مما سيساهم في استدامة المشاريع ماليًّا. أخيرًا: الأخذ في الاعتبار الفرص والمخاطر المتعلقة بالتكنولوجيا ونماذج الأعمال المستقبلية.
ثانيًا- وضع قطاع البنية التحتية في مصر:
يمكن معرفة دور قطاع البنية التحتية في تعزيز الاقتصاد من خلال صناعة التشييد والبناء، حيث إن البنية التحتية هي الصورة الأكبر للمشاريع والتي تتضمن التصميم والتخطيط والبناء والعديد من العمليات الأخرى.
وتعد صناعة التشييد والبناء من الصناعات الأساسية في مصر، فوفقًا لبيانات وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية للناتج المحلي الإجمالي (عام وخاص)، بلغ حجم الصناعة 6.2% من الناتج المحلي الإجمالي في العام المالي 2018/2019، وحوالي 6.3% في العام المالي 2019/2020. ووفقًا للشركة القابضة للتشييد والتعمير، فإن القطاع يحتوي على أكثر من 8% من إجمالي العمالة المصرية. ووفقًا لبيان صادر عن مجلس الوزراء في يونيو، فإن منظمة “فيتش” تعلن احتلال مصر المرتبة الرابعة من حيث قيمة الصناعة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. كما أضاف التقرير تسجيل مصر المرتبة الثانية كأقوى سوق في المنطقة.
ولكن في بداية ظهور الجائحة ومع فرض الحكومة بعض التدابير الاحترازية لاحتواء فيروس كورونا، والتي تشمل فرض الإغلاق وحظر التجول، تأثر القطاع بشكل كبير.
شكل (1): حجم قطاع التشييد والبناء (عام وخاص) من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بالأسعار الثابتة لعام 2016/2017 (بالمليون جنيه)
المصدر: بيانات وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية (2020).
بناء على الشكل رقم (1)، فقد انكمش القطاع في الربع الأول من هذا العام (الربع الثالث من العام المالي 2019/2020 من يناير حتى مارس) بحوالي 2.6% عن الربع الذي سبقه، حيث ساهم في هذا الانخفاض الربع سنوي إيقاف الحكومة أعمال البناء لمدة أسبوعين (جدير بالذكر أن هذه القيمة تعد زيادة بحوالي 8.1% عن الربع نفسه في العام الذي سبقه). ولكن تعافى القطاع في الربع الثاني حيث نما بحوالي 4.1% عن الربع الذي سبقه. ووفقًا لمقال “قطاع المقاولات: تقييم الأداء وسط التحديات” المقدم من “آراب فاينانس” في 5 أكتوبر 2020، يرجع هذا التعافي لتمويل الحكومة لمشاريع البنية التحتية، مما جعله من القطاعات الأقل تأثرًا من حيث العمالة، حيث فقد القطاع 288 ألف وظيفة مقارنة بنحو 624 ألف وظيفة في قطاع تجارة التجزئة والجملة. وهذا يعني مساهمة القطاع في الحد من ارتفاع البطالة.
من ناحية أخرى، واجه القطاع تحديًا آخر يتمثل في البناء غير القانوني. ووفقًا لآراب فاينانس، في محاولة من الدولة لوقف هذه الأنشطة، قام وزير التنمية المحلية في مايو بفرض حظر لمدة ستة أشهر على تصاريح البناء في المراكز الحضرية للقطاع الخاص حتى يقدم أصحاب المساكن الخاصة خطط بناء تفي بالمتطلبات القانونية. ولكن أدّى ذلك إلى انخفاض حاد في الطلب على مواد البناء بنسبة تتراوح ما بين 40% و50% وبنسبة 60% على الصلب، كما أن مبيعات المصانع لا تتجاوز 40% من طاقتها الإنتاجية. لذا، قام السيد الرئيس “عبدالفتاح السيسي” في الشهر نفسه بإنهاء الحظر، والعمل على إدخال لوائح جديدة في أقرب وقت. ولكن ينطبق هذا الإعفاء على الشركات التي حصلت على تصاريح البناء المطلوبة.
أما بالنسبة إلى التوقعات المستقبلية للقطاع، وفقًا لبيان مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار ووفقًا لتقرير “آراب فاينانس”، فقد توقعت مؤسسة فيتش في سبتمبر نموًا حقيقيًا للقطاع بنسبة 5.5% (نموًا يأخذ في الاعتبار معدلات التضخم) في 2020 بانخفاض في توقعاتها السابقة البالغة 7.5% في تقريرها في أبريل. إضافة إلى ذلك، خفضت منظمة “فيتش” توقعاتها لمتوسط النمو للقطاع من 9% سنويًا من 2020 وحتى 2024 في تقرير أبريل إلى 8.3% في تقرير سبتمبر. ولكن أضاف التقرير أن هذه التخفيضات في التوقعات كانت في جميع دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. كما أنها توقعت في تقرير أبريل أن يتفوق القطاع في مصر على دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مع زيادة قيمة الصناعة من 25 مليار دولار حاليًا لتكون أكثر من 89 مليار دولار بحلول عام 2029 لتمثل حوالي 30% من سوق التشييد والبناء في المنطقة، مع الأخذ في الاعتبار استدامة البنية التحتية.
بشكل عام، تلعب صناعة البنية التحتية دورًا كبيرًا في النمو الاقتصادي وفي الحد من الآثار الاقتصادية في أوقات الأزمات. كما تلعب الصناعة دورًا مهمًا في الحد من البطالة بطبيعة القطاع الذي يتطلب عمالة كثيفة. ولكن أدت جائحة كورونا إلى الحاجة إلى تغيير النظرة للقطاع ليكون أكثر استدامة. إضافة إلى ذلك، يلعب القطاع دورًا مهمًا في الاقتصاد المصري، ولكنه تأثر بنسبة كبيرة خصوصًا في الربع الأول من هذا العام بأزمة كورونا، ولكنه كان أقل القطاعات تأثرًا في الربع الثاني، ويرجع هذا بنسبة كبيرة لتمويل الحكومة للقطاع. علاوةً على ذلك، واجه القطاع تحديًا آخر يتمثل في البناء غير القانوني، ولكن على الرغم من انخفاض الاستثمار في القطاع من قبل القطاع الخاص، إلا أن القطاع العام قام بتنفيذ مشاريعه في التوقيت المحدد له. أخيرًا، تتوقع منظمة “فيتش” أن يصبح قطاع التشييد والبناء المصري الأكبر في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من حيث القيمة.