أعادت وزارة التربية والتعليم المشروع القومي لبناء وتشغيل المدارس بالشراكة مع القطاع الخاص إلى دائرة الاهتمام من جديد بعد أن أعلنت عن انطلاق المرحلة الثانية من المشروع منتصف أكتوبر 2020. ويعد هذا المشروع أحد المشروعات التي تسهم في حل المشكلات الرئيسية التي يواجهها المجتمع المصري منذ سنوات، وتتماشى مع أهداف خطة التنمية المستدامة (رؤية مصر 2030).
وبالرجوع إلى إعلان المرحلة الأولى من المشروع، والتي أُطلقت في أغسطس 2016، يتضح أن هناك جملةً من التحولات التي طرأت على أهداف المشروع وآليات تنفيذه.
بداية طموحة لم تكتمل
بدأت فكرة الشراكة بين وزارة التربية والتعليم والقطاع الخاص عندما تقدم بعض المستثمرين بمقترحات للمشاركة في بناء عدد من المدارس لمواجهة المشكلات المتعلقة بالإتاحة منذ عام 2013، ولكن لم تستجب الوزارة لمبادرتهم إلا بعد صدور الكتاب الدوري الصادر عن مجلس الوزراء رقم (2) لسنة 2015 الذي أتاح الفرصة للقطاع الخاص للمشاركة في تمويل مشروعات حكومية في مختلف المجالات، ووافقت اللجنة الوزارية الاقتصادية بمجلس الوزراء على البدء في “المشروع القومي لبناء وتشغيل المدارس المتميزة للغات” منذ 2016.
وقد أعلنت الوزارة في أغسطس 2016 عن طرح المرحلة الأولى من المشروع كخطوة جادة نحو تحقيق هدفها الذي تمثل -آنذاك- في بناء 1000 مدرسة بحلول عام 2018، واستهدف المشروع تشجيع المستثمرين على بناء مدارس على غرار المدارس الرسمية للغات من خلال المشاركة بنظام حق الانتفاع لمدة 30 عامًا، مع إمكانية أن تزيد عشر سنوات أخرى. وتضمنت الشراكة المعلنة قيام وزارة التربية والتعليم بتوفير قطع الأراضي ومنحها للمستثمر بنظام حق الانتفاع، كما تقوم بتسهيل الحصول على تراخيص بناء المدارس وتشغيلها تحت متابعة الوزارة شأنها شأن المدارس الخاصة. وألزم الإعلان المستثمر بإتمام بناء المدرسة في الفترة المحددة (عامين)، وأن يلتزم بالمصروفات الدراسية التي يتم الاتفاق عليها بين الطرفين، مع احتفاظه بالحرية في اختيار وتعيين هيئة إدارة وتشغيل المدرسة.
وعلى الرغم من أن الإعلان عن المرحلة الأولى من المشروع كان في أغسطس 2016، فإن الإعلان عن استقبال عروض الشركات التي استوفت الشروط لم يحدث إلا في يوليو 2017، بعد تولي الدكتور “طارق شوقي” حقيبة الوزارة، أي قرابة عام كامل، وهو ما يتعارض مع ما كان مخططًا، حيث استهدفت الوزارة طرح 200 مدرسة في كل مرحلة لتصل إلى 1000 مدرسة في ثلاثة أعوام. وقد يرجع هذا التأخير إلى عدم وضوح بنود الاتفاق بين الوزارة والقطاع الخاص فيما يتعلق بعدد سنوات الانتفاع، وتحديد مصروفات هذه المدارس، خاصةً بعد البدء في برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي بدأ في نوفمبر 2016؛ ومسئولية صيانة المباني المدرسية، وأماكن توزيع المدارس المزمع إنشاؤها، والجدول الزمني للمشروع.
وأدى الخلاف حول النقاط السابقة بين الوزارة والمستثمرين إلى نتيجة تتعارض كليًّا مع البداية الطموحة للمشروع، حيث مر عام 2018 دون إنجاز مدرسة واحدة من 1000 مدرسة مستهدفة، ولم يتم توقيع العقود إلا في 2019 ليبدأ العمل في تنفيذ 24 مدرسة فقط، على أن يتم إنهاء أعمال البناء خلال عام واحد، بدلًا من عامين كما جاء في الشروط الأولية للطرح.
تقييم المرحلة الأولى للمشروع
استهدفت المرحلة الأولى من المشروع تنفيذ 54 مدرسة موزعة جغرافيًا في 16 محافظة، لكن لم يتم طرح سوى 24 مدرسة فقط في ست محافظات، هي:
وقد تضمنت شروط الطرح أن يكون طالب التأهل لديه القدرة على إثبات خبرته في تصميم وبناء وتجهيز وتشغيل وصيانة المدارس، وتقديم وإدارة الخدمات التعليمية من خلال سابق إدارته لمشروعات تعليمية ناجحة، أو تقديم ما يثبت تعاقده مع شركة متخصصة فيما سبق طبقًا للآتي:
شروط الخبرة والقدرة على الاقتراض لدى المتقدمين للمشروع
كما تضمنت الشروط ألا تقل السعة الإجمالية للمدرسة عن )١٤ (فصلًا، ويجب أن يكون طالب التأهل قد قام بتشغيل المدارس لمدة لا تقل عن ست سنوات متتابعة، خلال الخمسة عشر عامًا السابقة. وطبقًا لهذا الشروط فاز خمسة تحالفات فقط بعقود تنفيذ 24 مدرسة بسعة فصول إجمالية 910 فصول في ست محافظات.
وبالرغم من الإعلان عن تنفيذ مدارس المرحلة الأولى من المشروع ودخول معظمها الخدمة بدايةً من العام الدراسي 2020/2021، فإن الوزارة لم تعلن رسميًّا عن عدد المدارس التي دخلت الخدمة أو أماكنها أو مصروفاتها وشروط الالتحاق بها، وهو أمر ضروري من أجل تقييم التجربة قبل الشروع في المرحلة الثانية التي أعلنت الوزارة عنها في أكتوبر 2020. ومن خلال البحث والتقصي، اتضح أن عدد المدارس التي دخلت الخدمة فعليًّا هو تسع مدارس فقط في خمس محافظات موزعة كالتالي:
وبالاطلاع على قيمة المصروفات الدراسية لهذه المدارس، يتضح أنها أعلى من الرسوم التي أُعلن عنها وفقًا لتصريحات مدير وحدة الشراكة مع القطاع الخاص بوزارة التربية والتعليم، حيث كان من المقرر أن تتراوح المصروفات بين 4 آلاف و12 ألف جنيه، ولكن المصروفات التي أعلنتها المدارس تفاوتت فيما بينها، حيث بدأت من 11 ألف جنيه في مدارس المنوفية والشرقية، و18 ألف جنيه في مدارس القاهرة والجيزة والقليوبية، وقد يرجع هذا التفاوت إلى إضافة قيمة الأنشطة إلى المصروفات المتفق عليها مع الوزارة.
بذلك، يتضح أن المرحلة الأولى من المشروع القومي لبناء وتشغيل المدارس بالشراكة مع القطاع الخاص لم تحقق أهدافها بشكل كامل، حيث بلغت نسبة المدارس التي دخلت الخدمة بالفعل 38% من المدارس التي تم طرحها، وحوالي 17% فقط من المستهدف. كما أنها لم تتوافق بشكل كامل مع ما أعلنته الوزارة فيما يتعلق بالمصروفات، ولكنها مناسبة إلى حد ما إذا ما قورنت بأسعار المدارس الخاصة في المحافظات التي طُرحت فيها.
التحولات في المرحلة الثانية للمشروع
تضم المرحلة الثانية من المشروع 98 مدرسة، منها مدارس لغات، وأخرى دولية، وثالثة لذوي الاحتياجات الخاصة، وتم الإعلان عنها في أكتوبر 2020. ويختلف الطرح في هذه المرحلة عن المرحلة الأولى في عدة نقاط، منها ما يلي:
- المناهج الدراسية: تضمنت شروط المرحلة الأولى من المشروع القومي لبناء وتشغيل المدارس بالشراكة مع القطاع الخاص أن تقوم هذه المدارس بتدريس مناهج مدارس اللغات، والتي يتم تدريس معظمها باللغة الإنجليزية، ولكن شروط المرحلة الثانية تضمنت أن تقدم المدارس المدرجة ضمن هذه المرحلة المناهج الدراسية الأجنبية للطلاب، بما في ذلك منهج “البكالوريا الدولية” والمنهج الدراسي لشهادة الثانوية البريطانية، ما يعني أن المشروع تحول من استهداف التوسع في مدارس قومية تعتمد على المناهج المصرية إلى إنشاء مدارس دولية تقدم مناهج أجنبية.
- تعيين المعلمين الأجانب: حددت شروط المرحلة الأولى الحد الأقصى لتعيين المعلمين الأجانب في مدارس المشروع بنسبة لا تتخطى 10% من إجمالي هيئة التدريس، ولكن مع التحول في شرط المناهج المقدمة في هذه المدارس فإن الوزارة قد تتجه نحو إلغاء الحد الأقصى أو زيادة النسبة على أقل تقدير للوفاء باحتياجات المدارس الجديدة من المعلمين المؤهلين لتدريس المناهج الدولية.
- الرسوم الدراسية: وفقًا لتصريحات رسمية عن مدير وحدة المشاركة مع القطاع الخاص بوزارة التربية والتعليم، فإن مصروفات المدارس في المرحلة الأولى من المشروع تتراوح بين 4 آلاف و12 ألف جنيه حسب المحافظة التي تتواجد بها المدرسة وحسب الصف الدراسي، ولكن نظرًا للتغيير الذي طرأ على المناهج وطبيعة المعلمين المعينين في مدارس المرحلة الثانية، فمن المتوقع أن ترتفع الرسوم الدراسية عما هي عليه في مدارس المرحلة الأولى، ويمكن الاستدلال على ذلك من قيمة الرسوم الدراسية في المدارس الدولية الرسمية التي تبلغ مصروفاتها 15 ألف جنيه.
في النهاية، مر المشروع القومي لبناء وتشغيل المدارس بالشراكة مع القطاع الخاص بعدة مراحل، وشهد تطورات اختلفت عما كان مستهدفًا، وتأخر المشروع عن معدلات التنفيذ المخططة، فتنفيذ المدارس سار بشكل بطيء خلال المرحلة الأولى.