استطاعت الدولة المصرية خلال العقد الماضي 2010-2020 أن تقدم نموذجًا يُحتذى به في إدارة قطاع النقل الجوي، وذلك على الرغم من توالي الأزمات التي ألمت بالبلاد والتي أثرت بشكل مباشر على قطاعي السياحة والطيران، حيث استطاعت مصر أن تحافظ على مكانتها الدولية المتقدمة في مجال خدمات الطيران، كما نجحت في أن تُبقي على ريادتها الإفريقية في المجال ذاته.
من الأزمة إلى الازدهار
عاش قطاع النقل الجوي في مصر بين الأعوام 2011-2015 على وقع أزمة غير مسبوقة، حيث أدت مجمل التوترات السياسية والأمنية التي واجهتها البلاد خلال تلك الفترة (انظر جدول رقم 1) إلى خفض الطلب على خدمات الطيران الوطنية بنسبة 32.73%, وهو ما أدى بدوره إلى خسارة القطاع أكثر من 6 مليارات جنيه، بالإضافة إلى هبوط تصنيف قطاع النقل الجوي في تقارير التنافسية العالمي إلى المرتبة 53 في عام 2015 وذلك بعد أن كان في المرتبة 48 في عام 2011.
جدول رقم (1) – أبرز الأحداث السياسية والأمنية التي واجهت البلاد خلال الفترة من 2011 إلى 2015
لكن مع بداية استقرار الأحوال السياسية بالبلاد، وبسط الدولة لسيطرتها على مقاليد الأمور، بالإضافة إلى المجهودات الناجحة في تحجيم نشاطات الإرهاب والجريمة، وأيضًا انتعاش حركة السياحة والسفر؛ استطاع قطاع الطيران المدني أن يسجل ازدهارًا ملحوظًا. فبين الأعوام 2014 و2016 حقق القطاع زيادة في جملة إيراداته السنوية بنسبة تجاوزت 39%, لتصل في عام 2016 إلى 31 مليار جنيه. وفي عام 2017 استطاع القطاع أن يسجل قفزة قياسية في جملة الإيرادات، حيث حقق في هذا العام أكثر من 50 مليار جنيه (انظر شكل رقم 2), ليعلن القطاع بذلك عن تجاوزه فترة الأزمة التي امتدت أكثر من 5 سنوات.
* المصدر: الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
ولقد كان لتعافي قطاع الطيران دور في دعم الاقتصاد الوطني, حيث ساهم هذا القطاع في دعم الناتج المحلي الإجمالي لمصر بأكثر من 23 مليار جنيه في 2017, كما ساهم أيضًا في توفير 97,000 وظيفة مرتبطة بصناعة النقل الجوي. ولقد امتدت تأثيرات التعافي التي شهدها قطاع الطيران المدني, إلى قطاعات اقتصادية أخرى كالتجارة الخارجية, حيث استطاعت الموانئ الجوية أن تستحوذ على 15% من قيمة التجارة المتداولة بين مصر والعالم الخارجي, وذلك بعد أن كانت النسبة لا تتجاوز 12.5% خلال الأعوام السابقة (انظر شكل رقم 3).
* المصدر: الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
تواجد قوي على الساحة العالمية
في تقرير له بعنوان “أهمية التقل الجوي لمصر” الصادر عام 2018، أشار اتحاد النقل الجوي الدولي “IATA” إلى نجاح قطاع النقل الجوي المصري في زيادة عدد الوجهات الدولية التي تربط بين مصر والعالم بنسبة 19%، وذلك في الفترة بين العامين 2013-2018، ليصل العدد الإجمالي لتلك الوجهات إلى 195 وجهة, وهو ما ساعد -بدوره- على رفع أعداد الرحلات الجوية الدولية المنفذة بين مصر وباقي دول العالم إلى 135,000 رحلة سنويًّا (انظر شكل رقم 4), ولقد أدى هذا الارتفاع في أعداد الرحلات الدولية إلى تزايد أعداد الركاب الدوليين المترددين على المطارات المصرية لتصل في عام 2018 إلى 13 مليون راكب سنويًّا.
* المصدر: الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وتُعزَى تلك النجاحات السابقة إلى قوة منظومة النقل الجوي التي تمتلكها مصر, حيث تسمح البلاد لـ68 شركة طيران عالمية ومحلية بتسيير رحلات ركاب دولية منتظمة وغير منتظمة عبر المطارات المصرية, وتُعد شركات الطيران الوطنية والبالغ عددها 13 شركة من أكبر المستحوذين على عمليات تشغيل الرحلات الدولية في مصر بنسبة 67%, حيث تعمل أكثر من 150 طائرة من الأسطول الجوي المصري على الخطوط الدولية, كما أن شركات الطيران المصرية لديها اتفاقات مع 26 شركة أجنبية عاملة في مجال النقل الجوي, وذلك لتقديم خدمات نقل الركاب بنظام “Code share”.
كما يتميز قطاع النقل الجوي المصري بتوفير خدمات نقل البضائع Air Cargo لكافة أقاليم العالم الرئيسية، كأمريكا وأوروبا والشرق الأقصى, وذلك عن طريق شركات الطيران الوطنية، وعلى رأسها شركة مصر للطيران التي تسيطر منفردة على 64% من حجم البضائع المتداولة في مصر عن طريق الجو, بالإضافة إلى قيام قطاع النقل الجوي بعقد عدد من الاتفاقيات الدولية مع أكثر من 30 شركة طيران أجنبية, وهو ما ساعد على تعظيم حجم البضائع المتداولة عبر المطارات المصرية (انظر شكل رقم 4), كما ساعد عقد تلك الاتفاقيات على زيادة عدد الوجهات International destinations المرتبطة مع مصر عن طريق الجو, والتي وصلت في 2018 إلى 58 وجهة دولية.
* المصدر: الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
ولقد كان للبنية التحتية دور هام في تعزيز مكانة قطاع النقل الجوي المصري، فبين العامين 2016 و2018 قامت الدولة بتطوير وتشييد عدد من المطارات الدولية، بالإضافة إلى تطوير منظومات التوجيه الملاحي والمراقبة الجوية بقيمة مالية جاوزت 6 مليارات جنيه مصري, وهو ما ساهم في رفع تصنيف مصر بأحد مؤشرات التنافسية والمعروف بـ”airport connectivity” إلى المرتبة رقم 40.
تميّز مصري على الساحة الإفريقية
تعتبر مصر من أكبر الدول العاملة بمجال النقل على المستوى الإفريقي, فمصر هي صاحبة أضخم أسطول من الطائرات التجارية على مستوى القارة بواقع 180 طائرة, متفوقة بذلك على دول إفريقية كبرى في تعمل في ذات المجال مثل جنوب إفريقيا وإثيوبيا (انظر شكل رقم 5). ويتميز هذا الأسطول الوطني من الطائرات التجارية بحداثته النسبية، فـ55% من الطائرات العاملة لم يتجاوز عمرها التشغيلي عشر سنوات، كما يساعد الحجم الكبير الذي تمتاز به معظم تلك الطائرات في دعم قدرة القطاع على توفير 38,600 مقعد ركاب في آن واحد.
* المصدر: إحصاءات شركات الطيران الوطنية بالدول الخمس.
بالإضافة إلى ذلك، تمتلك البلاد شبكة من المطارات المدنية تقدر بـ22 مطارًا، تساهم جميعها في نقل ما يزيد على 30 مليون راكب سنويًا, وهو ما يمثل 26% من إجمالي أعداد الركاب المنقولين عن طريق الجو عبر مطارات قارة إفريقيا, ومن بين هذه المطارات المصرية السالف ذكرها هناك مطاران اثنان تم تسجيلهما من قبل الرابطة الإفريقية للنقل الجوي على أنهما من أكثر المطارات الإفريقية انشغالًا بالركاب (انظر الشكل التالي رقم 6).
*المصدر: الرابطة الإفريقية للخطوط الجوية – The African airlines association.
الميزات التي تمتعت بها مصر، سواء في حجم الأسطول أو الحركة النشطة للمطارات خاصة مطار القاهرة الدولي، كان لها دور في استحواذ البلاد على مجموعة من أهم الخطوط أو المسارات الجوية الرابطة بين القارة السمراء والأقاليم الدولية الأخرى، حيث تُعتبر مصر الآن هي نقطة الانطلاق إلى خمسة من أكثر الخطوط الجوية انشغالًا في القارة والتي تنقل سنويًا قرابة 4.7 ملايين راكب (انظر شكل رقم 7).
كما استطاعت مصر أن تحتل مركز الصدارة في نشاط الشحن الجوي Air Cargo بالمطارات الإفريقية، ففي عام 2019 تمكن مطار القاهرة من الحصول على المركز الأول بين كافة مطارات إفريقيا في هذا المجال، ليعيد بذلك سيطرته على تلك المرتبة والتي حازها خلال الأعوام 2016 و2015 و2014.
*المصدر: الرابطة الإفريقية للخطوط الجوية – The African airlines association.
تنافس إفريقي متصاعد
تسعى بعض الدول الإفريقية إلى اقتناص حصص أكبر من سوق الطيران الجوي في القارة السمراء، وذلك من خلال زيادة حجم أساطيل طائراتها التجارية، وأيضًا من خلال دعم بنيتها التحتية الجوية. وتعد دولة إثيوبيا الفيدرالية أحد أبرز الأمثلة في هذا الشأن، حيث قامت تلك الدولة خلال العقد الأخير بتقوية شركتها الوطنية Ethiopian Airlines عن طريق إضافة 79 طائرة تجارية جديدة، لتصبح الشركة الإثيوبية بذلك أكبر مشغل جوي في إفريقيا بإجمالي أسطول طائرات يصل إلى 115 طائرة، وهو ما جعلها تتفوق على الناقل الرسمي لجمهورية مصر العربية Egypt air بعدد 26 طائرة (انظر كل رقم 8), فيما ينتظر أن تتضاعف الطائرات العاملة تحت مظلة Ethiopian Airlines بنسبة 250% وذلك قبل حلول عام 2035.
* المصدر: التقارير السنوية لشركتي الطيران Egypt Air وEthiopian Airlines.
ختامًا, يمكننا القول إن قطاع النقل الجوي الوطني استطاع أن يثبت صلابة في وجه الأزمات التي ألمت به خلال العقد الماضي, ويعتبر خروجه الناجح من تلك الأزمات خير مؤشر على إمكانية تجاوزه لأزمة وباء كورونا الحالية, لكن الظروف التي سيكون عليها عالم ما بعد كورونا من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والصحية تفرض تحديًا جديدًا على تواجد قطاع النقل الجوي المصري على الساحتين الدولية والإقليمية, لذلك يجب الاستعداد من الآن لصفحة جديدة من العمل والإنجاز لدعم صناعة الطيران الوطنية.