ظل العنف جزءًا لا يتجزأ من أدوات جماعة الإخوان في سبيل الوصول إلى السلطة منذ تأسيسها حتى الآن. إذ عمدت الجماعة إلى تشكيل جناح مسلح لها أطلقت عليه “التنظيم الخاص” من أجل تصفية معارضيها. وقد تطور ذلك الجناح العسكري في فترة ما بعد ثورة 30 يونيو 2013، فيما عرف “باللجان النوعية” وتبلور في حركة “حسم” التي تعد الوريث للتنظيم الخاص لجماعة “الإخوان”.
وفي ضوء استمرار الجماعة في توظيفها للعنف لتحقيق أهدافها بجانب انكشاف وجهها الحقيقي للمجتمع الدولي؛ أدرجت وزارة الخارجية الأمريكية حركةَ “حسم” التابعة للجماعة واثنين من قادتها هما: “يحيى موسى” و”علاء السماحي” على لائحة الإرهاب، وفقًا لبيان نُشر على موقع الوزارة، إذ جاء في البيان: “عززت وزارة الخارجية من العقوبات على حركة (سواعد مصر)، المعروفة أيضًا باسم حركة (حسم)، من خلال إدراج الحركة كمنظمة إرهابية أجنبية بموجب المادة 219 من قانون الهجرة والجنسية”. وبحسب البيان: “سبق أن تم إدراج حركة حسم ككيان إرهابي دولي مدرج بشكل خاص بموجب الأمر التنفيذي رقم 13224 في يناير 2018، لأنها تشكل خطرًا كبيرًا نتيجة ارتكابها أعمالًا إرهابية”. ومن ثم، يُشير هذا التطور الأخير المتمثل في تعزيز العقوبات على الحركة إلى وضعها على أعلى تصنيف إرهابي بدرجة “منظمة إرهابية عالمية”.
ملاحظات أساسية
هناك جُملة من الملاحظات الأساسية المتعلقة بقرار إدراج حركة “حسم” وقاداتها على قوائم الإرهاب الأمريكية، يمكن إجمالها على النحو التالي:
الملاحظة الأولى: تشير إلى تداعيات إدراج حركة “حسم” على قائمة الإرهاب الأمريكية، حيث يترتب على ذلك تجريم أي اتصالات سياسية أو اقتصادية أو مالية معها أو مع أعضائها بموجب القانون الأمريكي، بالإضافة إلى فرض عقوبات اقتصادية على عناصرها، وعلى الكيانات الداعمة لها، وعلى كل شخص أو دولة تقيم علاقات معها، وتقييد سفر العناصر المنتمية لها، مما يسهم في تجفيف مصادر تمويلها، ومن ثم التضييق على تحركات أعضاء وقيادات التنظيم الدولي.
الملاحظة الثانية: تتعلق بإعادة المؤسسات الأمريكية النظر في إدراكها لجماعة “الإخوان”، ففي مرحلة ما قبل ثورة 30 يونيو كان هناك عدم إدراك من قبل الولايات المتحدة للأهلية السياسية للإخوان، حيث اقتنعت الولايات المتحدة بأن الجماعة لديها النضج السياسي والإمكانيات الإدارية الكافية لإنجاحها في إدارة الدولة وتولي مقاليد السلطة، بينما كان الواقع المصري مغايرًا تمامًا لذلك الطرح؛ إذ إن الجماعة لم تكن مؤهلة لإدارة المشهد السياسي برمته، حيث انتهجت العنف والإقصاء، فلم تدرك حدودها في المجتمع المصري، ولذا كانت 30 يونيو بمثابة النهاية لفترة حكم “الإخوان”.
الملاحظة الثالثة: تنصرف إلى رؤية الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” في التعامل مع ملف الإرهاب، إذ سعى إلى التعامل بحسم مع التنظيمات الإرهابية عبر اتباع استراتيجية “قطع الرؤوس”، وتجفيف منابع التمويل، وتبادل المعلومات الاستخباراتية مع الحلفاء، وفي هذا السياق يُعد إدراج حركة “حسم” على قائمة الإرهاب الأمريكية امتدادًا لقرارات عديدة اتخذها “ترامب” في الأيام الأخيرة من ولايته، منها تصنيف جماعة “الحوثيين” كجماعة إرهابية ووضع ثلاثة من قادتها على قوائم الإرهاب، وكذلك وضع خمسة أعضاء منتمين لتنظيم “القاعدة”على القوائم ذاتها.
الملاحظة الرابعة: ترتبط بما يُثيره ذلك القرار من علامات استفهام حول الدول الراعية للإرهاب، ولا سيما في ضوء إقامة كل من “يحيى موسى” و”علاء السماحي” في تركيا، وبالتالي يؤكد ذلك القرار على قيام الأخيرة بتوفير المأوى والنوافذ الإعلامية للعناصر الإرهابية، الأمر الذي يسلط الضوء على توظيفها للإرهاب كأداة من ضمن أدوات سياستها الخارجية.
الملاحظة الخامسة: تنصرف إلى دعم جهود الدولة المصرية في ملف مكافحة الإرهاب، إذ يُشير ذلك التحرك من قبل الولايات المتحدة إلى التأكيد على الرؤية المصرية المتعلقة بتصنيف جماعة “الإخوان” كجماعة إرهابية من ناحية، ودقة المعلومات والتحريات الأمنية المصرية المتعلقة بممارسات الجماعة من ناحية أخرى. ومن ثم يُعزز ذلك من دعم الأطروحة المصرية القائمة على ضرورة اضطلاع المجتمع الدولي بدوره في ملف مكافحة الإرهاب.
الملاحظة السادسة: تمتدّ إلى حجم التحديات التي تمر بها جماعة “الإخوان”، إذ يُمثل إدراج حركة “حسم” على قائمة الإرهاب الأمريكية تحديًا إضافيًا يضاف إلى ما تعانيه الجماعة من واقع ضاغط متمثل في وجود انشقاقات داخل اجنحتها من ناحية، وفقدانها حاضنتها الشعبية داخل المجتمعات التي تتواجد بها من ناحية أخرى، بجانب سعي بعض الحكومات الأوروبية إلى مواجهة تمددها في المجتمعات الغربية من ناحية ثالثة.
الملاحظة السابعة: تُشير إلى تفسير بعض الخبراء قرارَ إدراج حركة “حسم” على قوائم الإرهاب الأمريكية، حيث يجادل البعض بأن إدراج الحركة ما هو إلا هروب من حظر تنظيم “الإخوان” نفسه وإدراجه على قوائم الإرهاب، إذ إن ذلك القرار غير المكتمل يحمل في طياته تبرئة ضمنية للإخوان بالفصل بين أجنحتها العسكرية المسلحة وبين التنظيم. ويمكن تفسير ذلك في ضوء سعي جماعة “الإخوان” الدائم إلى تقديم صورة مفادها وجود انشقاقات بداخلها، بحيث تقدم نفسها للمجتمع الدولي كجناح سياسي سلمي، وتقدم نفسها إلى المتطرفين والإرهابيين كجناح عسكري يسعى إلى تحقيق أهدافه عبر استخدام الإرهاب كوسيلة.
تصنيف جماعة الإخوان كتنظيم إرهابي
في أعقاب إدراج حركة “حسم” على قائمة الإرهاب الأمريكية، تصاعد الحديث عن احتمالية امتداد ذلك التوجه إلى جماعة “الإخوان” باعتبار أن الأولى هي الجناح العسكري للثانية. وتجدر الإشارة إلى أن الحديث عن تصنيف جماعة الإخوان كتنظيم إرهابي على قوائم الإرهاب الأمريكية بدأ منذ عام 2015 حينما قام مجموعة من نواب الكونجرس الأمريكي وهم: “دياز بلارت” و”جومرت ويبر” و”بلاك وبوميو”، بتقديم مشروع قانون يعتبر جماعة “الإخوان” تنظيمًا إرهابيًا. كما تم تقديم 49 طلبًا منفصلًا من أعضاء في الكونجرس يطالبون الإدارة الأمريكية بإدراج الإخوان كتنظيم إرهابي دولي.
وفي يناير 2017، قدم كل من السيناتور “تيد كروز” (العضو الجمهوري عن ولاية تكساس)، والنائب “ماريو دياز بلارت” (العضو الجمهوري عن ولاية فلوريدا)، للمرة الخامسة، مشروع قانون لإدراج جماعة “الإخوان” كمنظمة إرهابية. وكذلك في 11 يوليو 2018، نظمت اللجنة الفرعية للأمن القومي التابعة للكونجرس سلسلة من جلسات الاستماع حول “التهديد العالمي للإخوان”، بهدف تحديد المخاطر التي يشكلها الإخوان على المصالح الأمريكية حول العالم. وتوصلت اللجنة إلى أن الإخوان تنظيم إرهابي أفرز شبكة من الفروع في أكثر من 80 دولة، الأمر الذي يستدعي تصنيفها جماعة إرهابية كونها تشكل خطرًا على المصالح الأمريكية.
وفي ضوء تلك المعطيات، يمكن القول إن هناك سيناريوهين ينتظران جماعة الإخوان؛ إذ يشير السيناريو الأول إلى احتمالية إدراج جماعة “الإخوان” كجماعة إرهابية على قوائم الإرهاب الأمريكية كمرحلة لاحقة بعد إدراج حركة “حسم” التابعة لها. بينما يشير السيناريو الثاني إلى عدم إدراج الجماعة على قائمة الإرهاب الأمريكية، ولا سيما مع فشل كل المحاولات السابقة في هذا الصدد منذ عام 2015، وذلك نتيجة لاختلاف نظرة النخب الأمريكية تجاه “الإخوان” بين من يراهم جماعة معتدلة، ومن يراهم جماعة متطرفة.
وارتباطًا بما تقدم، يتسنى لنا التأكيد على وجود جملة من المتغيرات هي التي تحدد احتمالية حدوث السيناريو الأول أو السيناريو الثاني. يتعلق أولها بقوة جماعة “الإخوان” داخل الدول التي تنشط فيها، وينصرف ثانيها إلى تواجدها داخل المجتمع الأمريكي، ويتصل ثالثها بقناعات الإدارة الأمريكية المتعلقة بالتعامل مع “الإخوان”.مجمل القول، يمثل إدراج حركة “حسم” على قائمة الإرهاب الأمريكية تحديًا جديدًا لجماعة “الإخوان”، ولا سيما في ضوء التحديات الكبرى التي تمر بها في الآونة الأخيرة، ومن ثمّ حريٌّ بالمجتمع الدولي والدول المعنية بشأن مكافحة ذلك التنظيم الإرهابي الاستمرار في الضغط الأمني والاستخباراتي عليه من أجل تقويض نفوذه من ناحية، والحيلولة دون إعادة تموضعه من ناحية أخرى، على أن تأتي تلك المكافحة الأمنية بالتوازي مع المكافحة الفكرية الإعلامية بهدف تقويض نشاطه الإرهابي ومنع انتشار فكره المتطرف.