شهد الأسبوع الماضي جولات مكثفة من الحوار الليبي للخروج بحل سياسي لهذه الازمة التي تدخل عامها العاشر دون ان يتحقق أي شيء من مطالب الثورة التي اسقطت نظام معمر القذافي، ولا من التدخل العسكري الفاشل الذي ادخل بعدها البلاد في دوامة من الفوضى والصراع حول السلطة.
وقد توصل المشاركون في مسار الحوار الليبي، الأسبوع الماضي، بمصر، إلى اتفاق على إجراء استفتاء حول الدستور، قبل الانتخابات المقرر تنظيمها في 24 ديسمبر 2021. واعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أن الفرقاء الليبيين أقروا آلية اختيار سلطة تنفيذية انتقالية، حتى تحل محلها سلطة منتخبة بعد الانتخابات المرتقبة نهاية العام. كما انتهت محادثات لجنتي مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، ببوزنيقة المغربية، بالاتفاق على توزيع المناصب السيادية بين الأقاليم الثلاثة (طرابلس، وبرقة، وفزان).
ولأن الازمة الليبية عصية على الحل، فكلما تم التقدم خطوة للأمام، ظهر ما يعرقل هذا التقدم. من ناحية، رفض المجلس الأعلى للقضاء الليبي، الأحد الماضي، التفاهمات التي توصل إليها طرفا النزاع في مدينة بوزنيقة، معتبرا ان مناصب المؤسسات السيادية يجب أن يتم توزيعها على أساس الكفاءة، وليس وفق منطق المحاصصة المناطقية والتوزيع الجغرافي. وقد يهدد هذا الرفض بإجهاض التوافق بخصوص توحيد المؤسسات السيادية، خاصة ان القانون الليبي ينص على أنه لا يحق التدخل في شؤون المؤسسة القضائية وفرض تعيين مناصبها السيادية من قبل السلطة التشريعية والاحتكام في ذلك إلى معايير مناطقية وجهوية. وأن السلطة القضائية هي التي تختار مرشحها لمنصبي المحكمة العليا والنائب العام.
من ناحية أخرى، انتهت السبت الماضي، مهلة 90 يوما التي حددتها لجنة (5 + 5) في جنيف، دون ان تحقق أيا من أهدافها بخصوص إخلاء جميع خطوط التماس من الوحدات العسكرية والمجموعات المسلحة بإعادتها إلى معسكراتها، بالتزامن مع خروج جميع المرتزقة والمقاتلين الأجانب من الأراضي الليبية برا وبحرا وجوا، تمهيدا لتنفيذ خارطة الطريق. فالسلاح والمرتزقة والمقاتلين الأجانب لايزالون يتوافدون على ليبيا من كل حدب وصوب وتحت أنظار المجتمع الدولي، مادام المتدخلون الرئيسيون في ليبيا يدركون أن الاتفاقيات التي ترعاها الأمم المتحدة غير ملزمة لهم.
وقد كشفت مبعوثة الأمم المتحدة بالإنابة إلى ليبيا، في ديسمبر الماضي، عن وجود 20 ألفا من “القوات الأجنبية والمرتزقة” في ليبيا، ووجود 10 قواعد عسكرية تشغلها بشكل جزئي أو كلي قوات أجنبية ومرتزقة. وفي 22 من ذات الشهر، مددت تركيا نشر جنودها وخبرائها ومرتزقتها لمدة 18 شهرا. وارسلت طائرات مسيرة ومدربين ومستشارين عسكريين إلى طرابلس بموجب اتفاق عسكري موقع مع حكومة الوفاق، مع استمرارها في ارسال مرتزقة سوريين، وفق ما جاء في تقارير اممية. وتحاول تركيا اللعب بورقة المرتزقة حتى تضمن تحقيق مصالحها في المرحلة الانتقالية القادمة، او ستلجأ الى الصدام العسكري ونسف كل مبادرات التسوية السياسية.
هناك مستجدين جديدين يمكن ان يشكلا منعطفا لمسار الازمة الليبية. أولا، تعيين السلوفاكي “ايان كوبيتش” مبعوثا أمميا لليبيا بعد 10 أشهر من استقالة المبعوث السابق غسان سلامة. هناك مجموعة من التخوفات ترافق تسليم كوبيتش مهامه مطلع فبراير القادم. أولا: عدم إلمامه الكافي بالملف الليبي الذي يشهد مجموعة من التعقيدات على المستوى الخارجي وأيضا المحلي وسط صراعات مكتومة بين قادة البلاد الساعين للبقاء في المشهد وعدم مغادرته. ثانيا، التوقيت الحساس لتعيينه، بحيث توشك المبعوثة الامريكية بالإنابة على إنهاء المرحلة الأخيرة لمسار الحوار. وامام حاجة المبعوث الجديد للسماع والجلوس مع كافة الأطراف، يمكن لذلك ان يعرقل أي توافق او مسار سابق ويعود بالأوضاع الى مربع الصفر.
ورغم هذه التخوفات، يجب الإقرار ان المبعوث الاممي الجديد لديه فرصة ثمينة لتحقيق نتائج إيجابية اذا ما انطلق من حيث انتهى مسلسل الحوار الحاصل بين المتصارعين. لكن سيبقى امامه مجموعة من التحديات أبرزها امكانية اخراج القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا، بناء على ما سيطرحه من مبادرات في هذا الاتجاه. والتحدي الثاني يتعلق بتفاقم الصراع داخل كل طرف من طرفي النزاع من اجل ضمان مكان ضمن المرحلة الانتقالية. من شأن ذلك جعل فرصة كوبيتش لاستمرار العمل على ذات المسارات، سواء في تشكيل سلطة جديدة أو توحيد المؤسسات السيادية، امرا محفوفا بالمخاطر، خاصة وانه يقف على عتبة مرحلة انتقالية محددة بزمن لا يتعدى 10 أشهر.
المتغير الثاني يتعلق بتعاطي الإدارة الامريكية الجديدة مع الملف الليبي، حيث من المتوقع ان تعتمد إدارة الرئيس الأمريكي الجديد على منهجية جديدة في التعاطي مع الضغوط التي يمكن أن تظهر في إدارة الملفات المعقدة بمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وهي تقوم على مقاربة “الشراكة مع الحلفاء”، بدلا عن “المقاربة الأحادية” وفرض الحل والهيمنة التي كان يعتمدها ترامب. وتعتبر الموافقة الامريكية على تعيين كوبيتش إشارة إلى استعداد الولايات المتحدة لإشراك قوى دولية وإقليمية في حل الأزمة الليبية. ومع ذلك تبقى، أيضا، العقبة الأساسية امام إدارة بايدن هي تفكيك الميليشيات وإخراج القوات الأجنبية والمرتزقة خارج ليبيا.
ــــــــ
نقلا عن “جريدة الأهرام”، الخميس ٢٨ يناير ٢٠٢١.