شهدت منطقة القرن الإفريقي عددًا من التطورات الهامة خلال عام 2020، فقد عانت دول المنطقة من التوترات الداخلية، لتأجيل الانتخابات في الصومال وإثيوبيا بسبب تفشي فيروس كورونا المستجد، وقد كان لهذه الأزمات الداخلية تداعيات سلبية على الإقليم الذي شهد عددًا من الخلافات بين دوله، كما هو الحال في التداعيات الإقليمية للأزمة الداخلية في إثيوبيا، والتوترات بين إثيوبيا والسودان، والأزمة بين الصومال وكينيا.
كما شهدت منطقة القرن الإفريقي تنافسًا بين القوى الدولية والإقليمية خلال عام 2020، نظرًا لما تمثله منطقة القرن الإفريقي من موقع له أهمية استراتيجية. فهي تتمتع بمنافذ بحرية متميزة، سواء كانت في البحر الأحمر أو بموقع خليج عدن والمحيط الهندي، وهي تعد أهم منفذ تجاري على مستوى العالم، كما أن هذا الموقع يتيح السيطرة على البحر الأحمر عن طريق التحكم في مضيق باب المندب.
وللوقوف على أهم الأحداث التي طرأت على منطقة القرن الإفريقي خلال عام 2020، يستعرض التحليل الحالي في المحور الأول أبرز التوترات الداخلية التي حدثت في عددٍ من دول الإقليم والتي تُعتبر مؤشرًا على عدم الاستقرار السياسي في هذه الدول. ويتناول المحور الثاني أبرز الخلافات البينية بين دول الإقليم. وتُختتم الورقة باستعراض مؤشرات التنافس بين القوى الإقليمية والدولية للحضور في منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر.
أولًا- التوترات الداخلية في دول الإقليم:
شهدت بعض دول القرن الإفريقي حالة من حالات عدم الاستقرار السياسي، واندلاع الاضطرابات الداخلية، لتأجيل الاستحقاقات الانتخابية. ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:
قد تأجلت الانتخابات في إثيوبيا المقرر إجراؤها في مايو 2020، وقد قام البرلمان الإثيوبي في يونيو 2020 بتأجيل الانتخابات مرة ثانية التي كان مقررًا إجراؤها في أغسطس 2020، وذلك بسبب تفشّي فيروس كورونا. وشنت المعارضة هجومًا على رئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد” لعدم إجراء الانتخابات في موعدها، وقام إقليم التيجراي بإجراء الانتخابات الإقليمية في سبتمبر 2020 دون موافقة حكومة إثيوبيا المركزية. واشتعل التوتر بين الحكومة المركزية وإقليم التيجراي في نوفمبر 2020، فقد أعلنت الحكومة الإثيوبية أن مسلحين تابعين لإقليم التيجراي هاجموا القطاع الشمالي التابع للجيش الإثيوبي، وتم شن عملية حرب عسكرية ضد الإقليم.
ولم تقتصر تداعيات الصراع داخل حدود إثيوبيا، بل امتدت لتشمل دول الجوار، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي: تأثرت إريتريا بالصراع، فقد قامت جبهة تحرير التيجراي بقصف مطار أسمرة بثلاثة صواريخ، بعدما ترددت أنباء بأن إريتريا تشارك في الحرب مع الحكومة المركزية ضد الإقليم. كما نتج عن الصراع موجة نزوح من إقليم التيجراي في اتجاه السودان، كما سحبت إثيوبيا 3000 جندي من قوات حفظ السلام في الصومال، وقامت بنشرهم في المناطق الشمالية الإثيوبية للمساعدة في العملية العسكرية ضد جبهة تحرير التيجراي.
أما على صعيد دولة الصومال، فقد تم تأجيل الانتخابات البرلمانية والرئاسية في الصومال عن موعدها بسبب خلافات بين الحكومة المركزية بقيادة الرئيس “محمد عبدالله فرماجو” وبين المعارضة وعدد من رؤساء الأقاليم الفيدرالية. فقد كان من المقرر أن يتم انتخاب أعضاء البرلمان بغرفتيه وعددهم 329 عضوًا في موعد أقصاه 27 شهر ديسمبر 2020، وأن يتم انتخاب الرئيس في 8 فبراير 2021. وتتمحور الخلافات بين الحكومة الصومالية والمعارضة حول تشكيل اللجنة الوطنية للانتخابات ولجان حل الخلافات التي تتقاسمها الحكومة المركزية مع الأقاليم الفيدرالية الخمسة في البلاد. ويشير الوضع في الصومال إلى حالة من الصدام السياسي بين الحكومة المركزية ورؤساء الولايات الإقليمية، كما انعكست حالة عدم الاستقرار السياسي على الشارع الصومالي، فقد شهدت العاصمة الصومالية مقديشو في 15 ديسمبر 2020 مظاهرات احتجاجًا على تأجيل الانتخابات البرلمانية، وتم استخدام القوة لقمع هذه المظاهرات، وهو ما أسفر عن سقوط عدد من القتلى والإصابات.
كما ساءت الحالة الأمنية في الصومال خلال عام 2020، فقد نشطت حركة الشباب الإرهابية في الصومال، وقد وقع 15 هجومًا إرهابيًا خلال النصف الأول من العام، وقتل على إثرها نحو 30 شخصًا وإصابة 22 آخرين. أما النصف الثاني من العام فشهدت الصومال 45 هجومًا، وقد وقع 116 قتيلًا وإصابة 150 شخصًا. ولا شك أن القرار الذي أعلنه الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” في أواخر عام 2020، كانت له تداعيات سلبية على الحالة الأمنية في الصومال، المتعلق بسحب واشنطن قواتها المتواجدة في الصومال. ويقدر عدد الجنود الأمريكيين في الصومال بـ700 عنصر، يقومون بالمساعدة في مكافحة القوات الحكومية الصومالية لحركة الشباب الإرهابية. وهذه الخطوة من شأنها أن تحفز حركة الشباب الإرهابية لتصعيد عملياتها الإرهابية في الصومال. ونجد أنه بعدما تواترت الأنباء بشأن سحب قوات الولايات المتحدة الأمريكية، شنت حركة “الشباب” الإرهابية، نهاية شهر نوفمبر 2020، هجومًا مسلحًا على مقر عسكري في إحدى بلدات إقليم مدغ، وسط الصومال. كما وقع انفجار ضخم في 18 ديسمبر 2020، في أحد ملاعب مدينة جالكعيو، التي تقع في وسط الصومال، قبل خطاب كان مرتقبًا لرئيس الوزراء الصومالي “محمد حسين روبلي” في الملعب الذي شهد التفجير. وقد تبنت حركة الشباب هذا الهجوم، وكانت تستهدف رئيس الوزراء الصومالي الذي نجا من هذا الهجوم الإرهابي.
ومن الجدير بالذكر أن نشاط حركة الشباب لم يتوقف داخل الحدود الصومالية فحسب، بل امتد إلى دول جوار الصومال، حيث تعرضت كينيا لعدد من الهجمات خلال عام 2020، وأبرز هذه الهجمات:
قيام حركة الشباب مطلع عام 2020 بشن هجوم إرهابي على قاعدة عسكرية تديرها قوات أمريكية وكينية في لامو (جنوب شرق كينيا) قرب الحدود الصومالية، واستهدف الهجوم قاعدة تعرف باسم “معسكر سيمبا” في خليج ماندا قرب جزيرة لامو السياحية. وأعلنت حركة الشباب مسئوليتها عن الهجوم. وأكدت الحركة -في بيان- أنها نجحت في مهاجمة القاعدة العسكرية المحصنة بشدة، واستطاعت السيطرة على جزء منها.
شنت عناصر تابعة لحركة الشباب الإرهابية، أواخر عام 2020، هجومًا على مناطق داخل العمق الكيني المجاور للصومال، واستهدف الهجوم قاعدة لقوات الشرطة الكينية في منطقة “برو” الواقعة في ضواحي مدينة مانديرا في إقليم شمال الشرق الكيني الحدودي مع الصومال.
وفي المقابل، نجد أن هناك تطورات إيجابية حدثت في دولة السودان، فقد تم توقيع اتفاق سلام في 3 أكتوبر 2020 بين الحكومة السودانية الانتقالية مع الفصائل المسلحة المنضوية تحت لواء الجبهة الثورية. واحتوى الاتفاق على ثمانية بروتوكولات، من أبرزها الترتيبات الأمنية ودمج الحركات المسلحة في جيش سوداني موحَّد. وهذا الاتفاق قد يكون فرصة لتحقيق استقرار سياسي في السودان، وإنهاء حالة الحرب الأهلية. ونجد أن هناك تحديات تواجه هذا الاتفاق، فقد جرى التوقيع على هذا الاتفاق في ظل مقاطعة العديد من الحركات المسلحة، لا سيما حركة عبدالواحد نور، والحركة الشعبية لتحرير السودان، وحركة عبدالعزيز الحلو.
كما أعلن الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب”، رفع السودان من قائمة الولايات المتحدة للدول الراعية للإرهاب في 23 أكتوبر 2020، وتمت إزالة السودان رسميًا من قائمة الدول الراعية للإرهاب في 14 ديسمبر 2020. ويعود إدراج السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب منذ تسعينيات القرن الماضي، لاستضافة السودان زعيم القاعدة “أسامة بن لادن”، وهذا القرار قد أدى إلى تداعيات سلبية بالنسبة للسودان، سواء فيما يتعلق بعزلة دولية وتداعيات اقتصادية سلبية لفرض العقوبات الاقتصادية على السودان، وهو ما أدى إلى تراجع المستثمرين الأجانب عن الدخول في الأسواق السودانية.
ثانيًا- التفاعلات البينية لدول الإقليم:
نجد أن هناك محاولة من جانب رئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد” لتشكيل تحالف يضم الصومال وإريتريا لمواجهة التحديات المشتركة، وتحقيق التعاون في المجالات محل الاهتمام المشترك، ولكن هناك تحديات واجهت رغبة رئيس الوزراء الإثيوبي لإنشاء التكتل الإقليمي، حيث اندلاع الصراعات في الداخل الإثيوبي بين الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير التيجراي إلى جانب التوترات بين السودان وإثيوبيا في عدد من القضايا. وهذه العوامل تقوض إثيوبيا للقيام بدور نشط في منطقة القرن الإفريقي، والدليل على ذلك قيام إثيوبيا بسحب قواتها المشاركة في بعثة حفظ السلام في الصومال لإعادة نشرهم في إثيوبيا لاحتواء أزمة الداخل. ويمكن رصد أهم التفاعلات بين دول الإقليم خلال عام 2020، في اتجاهين رئيسيين:
تعزيز التحالف بين إثيوبيا وإريتريا والصومال
شهد مطلع عام 2020 انعقاد قمة ثلاثية بالعاصمة الإرتيرية أسمرة بحضور رئيس وزراء إثيوبيا “آبي أحمد”، والرئيسين الإرتيري “أسياس أفورقي”، والصومالي “محمد عبدالله فرماجو”، وتم إجراء مناقشات تطورات منطقة القرن الإفريقي وتأكيد الالتزام بالاتفاق الثلاثي الذي تم توقيعه في سبتمبر 2018، وتم الاتفاق بشأن تعزيز التعاون في مجال مكافحة التهديدات المشتركة، خاصة قضايا الإرهاب والأسلحة والاتجار بالبشر والمخدرات. وجاءت هذه القمة لتوطيد العلاقات بين الدول الثلاث، والتفاهم حول قضايا المنطقة دبلوماسيًا من خلال مناقشة القضايا الأمنية والسياسية والاقتصادية محل الاهتمام المشترك، وهو ما يساهم في تقليل التوترات في هذه المنطقة. ووفقًا لهذه المعطيات، يمكن تقييم زيارة الرئيس الإريتري إلى أديس أبابا، فإضافة لما يجمع “أفورقي” و”أحمد” من علاقة خاصة وتقارب أفكار، فهناك مستجدات التحديات التي ما زالت قائمة على المستويين المحلي والإقليمي، حيث إن الدولتين تواجهان واقعًا إقليميًا متغيرًا مع واقع دولي يعيش عالمه ظروفًا استثنائية، خاصة بعد ظروف تفشي جائحة كورونا، التي تأثرت بها معظم دول العالم.
وقد زار الرئيس الإريتري إثيوبيا مرتين خلال عام 2020، الزيارة الأولى في مايو 2020، حيث انعقدت قمة بين الرئيس الإرتيري “أسياس أفورقي” ورئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد”، وقد تمت مناقشة العلاقات الثنائية والتصدي لجائحة كورونا، فضلًا عن مناقشة القضايا لإقليمية. وجاءت الزيارة الثانية في 12 أكتوبر 2020، وشهدت هذه الزيارة تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، فضلًا عن قيام الرئيس الإرتيري “أسياس أفورقي” ورئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد”، بزيارة تفقدية لسد النهضة. وهذه الزيارات تكشف أن هناك تقاربًا وتنسيقًا بين البلدين تجاه التحديات المحلية والإقليمية، وخاصة بعد إنهاء حالة العداء بين البلدين وتوقيع اتفاق السلام في يوليو 2018.
تأزم العلاقات السودانية الإثيوبية:
فقد شهدت العلاقات السودانية الإثيوبية توترًا في عدد من القضايا أبرزها: النزاع الحدودي بين البلدين، وقضية سد النهضة. قد تفاقمت أزمة الحدود بين البلدين خلال عام 2020، ويمكن رصد مؤشرات ذلك على النحو التالي:
النزاع الحدودي بين البلدين:
توغلت قوة من الجيش الإثيوبي داخل الأراضي السودانية بمنطقة القلابات بولاية القضارف في السادس والعشرين من مايو 2020، واشتبكت قوة من الجيش الإثيوبي مع القوات العسكرية السودانية في تلك المنطقة، وجرى تبادل إطلاق النار، مما أسفر عن مقتل ضابط سوداني برتبة نقيب، و6 أفراد من القوة ومدنيين.
يمكن القول إنه عندما وقع الاشتباك الحدودي بين السودان وإثيوبيا في بداية الأزمة، عمل البلدان على احتواء الأزمة، فقد دعت الخارجية الإثيوبية السودان إلى إجراء تحقيق مشترك، كما أعربت عن تعاطفها مع أسر الضحايا في البلدين. ولكن يبدو أن نهج الحوار لوضع حل لمعالجة النزاع الحدودي بين البلدين لم يحقق الهدف المنشود، والدليل على ذلك هو تجدد الاشتباكات على الحدود في ديسمبر 2020، فقد أعلنت القوات المسلحة السودانية في الخامس عشر من ديسمبر 2020، أن قوة تابعة لها تعرضت لكمين داخل الحدود السودانية في منطقة أبو طوير الحدودية شرق ولاية القضارف من القوات والمليشيات الإثيوبية داخل الأراضي السودانية، وقد أدى ذلك إلى حدوث خسائر في الأرواح والمعدات. وقد أرسل الجيش السوداني تعزيزات كبيرة للحدود مع إثيوبيا بعد مقتل عدد من جنوده، كما تقدَّمت السودان بشكوى للاتحاد الإفريقي ومنظمة إيجاد بشأن الاعتداءات الإثيوبية. وأعلن الجيش السوداني -في بيان له- أنه يتم التواصل مع أديس أبابا لوقف الاعتداءات من ميليشيات وقوات إثيوبية، وأنه سيتصدى بقوة لأي محاولات عسكرية لاختراق حدوده، وجاء رد رئيس الوزراء الإثيوبي “أبي أحمد”، في تعليقه على الهجوم، بأن توترات الحدود مع السودان لن تؤثر على العلاقات بين البلدين.
قضية سد النهضة:
تشهد العلاقات بين البلدين توترًا في هذا الملف بسبب تعنت إثيوبيا، واستمرارها في عملية بناء السد وتشغيله دون التوصل لاتفاق مُرضٍ مع الجانب المصري أو السوداني، وقد اقترحت السودان منح دور أكبر للمتخصصين والخبراء من الاتحاد الإفريقي في صياغة البنود العالقة في اتفاق ملء وتشغيل سد النهضة. وقد أعلنت السودان في نوفمبر 2020، توقفها عن المشاركة في المفاوضات بشأن سد النهضة. ونجد أن عام 2020 شهد تحولًا في موقف السودان تجاه ملف سد النهضة، فقد كان الموقف السوداني يتسم بالانحياز لإثيوبيا بشأن سد النهضة، ولكن نجد أن السودان قد أدركت أن هناك مخاطر للسد، حيث ستكون السودان الأكثر تضررًا من سد النهضة، سواء في حالة اكتماله أو انهياره، فعند اكتماله سيحرم السودان من حصة مائية كبيرة سنويًا مما يؤدي لجفاف ملايين الأفدنة، وهو ما يؤدي إلى نقص الإنتاج الزراعي، وتعرض السودان لخسائر اقتصادية. أما في حال انهيار سد النهضة، فسينهار معه سد الروصيرص الواقع على بعد أقل من 115 كيلومترا من السد الإثيوبي، وهو ما يؤدي لفيضانات مدمرة، وإغراق مساحات كبيرة من الأراضي والمنازل والمنشآت. وفي ضوء المخاوف السابقة، يتمسك السودان بضرورة التوصل إلى اتفاق ملزم، وتشكيل آلية تنسيق تمنع أي أضرار قد تلحق بسد الروصيرص السوداني.
ثالثًا- التنافس الدولي والإقليمي في منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر:
تحظى منطقة القرن الإفريقي باهتمام العديد من القوى الدولية والإقليمية، لاعتبارات استراتيجية، حيث تعد المعبر والشريان للتجارة الدولية نتيجة امتداد معابرها المائية من باب المندب وصولًا للبحر الأحمر، وهو ما ساهم في اشتداد التنافس لفرض النفوذ في هذه المنطقة، وتسعى الأطراف العالمية والإقليمية لإنشاء قواعد عسكرية في المنطقة لتوسيع نفوذها وحماية مصالحها التجارية.
فعلى صعيد التنافس الدولي للحضور في منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر، تعمل روسيا والصين على استعراض القوة وزيادة نفوذهما في منطقة القرن الإفريقي ومواجهة دور الولايات المتحدة في المنطقة. فقد قامت الصين بإنشاء قاعدة عسكرية في جيبوتي عام 2017 لحماية مصالحها التجارية في منطقة القرن الإفريقي. كما توصلت روسيا إلى اتفاق مع السودان لإنشاء قاعدة بحرية على ساحل البحر الأحمر. ويسمح الاتفاق، الذي تم الإعلان عنه في 8 ديسمبر 2020، الذي يسري لمدة 25 عامًا، لروسيا باستخدام المطارات السودانية لنقل الأسلحة والمعدات لدعم قاعدتها البحرية الجديدة. وهذه القاعدة ستسمح لروسيا بتعزيز علاقاتها التجارية، وكسب مزيد من النفوذ من خلال إيجاد موطئ قدم في منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر.
أما على صعيد التنافس الإقليمي، فقد تعاظمت الأهمية الاستراتيجية للقرن الإفريقي بعد اندلاع الحرب في اليمن، وتصاعد الدور الإيراني في منطقة القرن الإفريقي بغية الهيمنة على واحدة من مناطق الممرات البحرية الحيوية في العالم، وقد اشتد التنافس الإقليمي بعد اندلاع الحرب في اليمن، حيث تدعم إيران الحوثيين في اليمن الذي يطل على مضيق باب المندب الذي يمر من خلاله 11% من التجارة الدولية، وتتطلع لأن يكون لها دور إقليمي في هذه المنطقة. وقد أدى الدعم الإيراني للحوثيين في اليمن إلى استهداف ناقلات النفط للدول الخليجية، حيث وقع عدد من الأعمال الإرهابية الموجهة ضد الأنشطة الحيوية السعودية، وهو ما يهدد أمن إمدادات الطاقة للعالم. ونجد أنه في ضوء المخاوف الخليجية من سيطرة القوى الإقليمية على باب المندب من خلال الحوثيين، تحولت المنطقة كساحة للتنافس مع إيران لتقليص نفوذها.
على هذا الأساس عملت المملكة العربية السعودية على زيادة حضورها بالقرن الإفريقي لمواجهة النفوذ الإيراني، عبر خطوات متعددة أبرزها رعاية تشكيل “مجلس الدول العربية والإفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن” في ديسمبر 2018، والذي يضم ثمانية بلدان (السعودية، مصر، الأردن، السودان، اليمن، الصومال، إريتريا، جيبوتي)، وتم التوقيع على ميثاقه في 6 يناير 2020. ونجد أن هذا المجلس يهدف إلى تعزيز الأمن والاستقرار وحماية التجارة وحركة الملاحة بهذه المنطقة، كما يسعى إلى احتواء الدور التركي والقطري المتنامي في منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر، والحيلولة دون سيطرة جماعة الحوثيين المدعومة من إيران على الممرات الملاحية وتهديد أمن الطاقة.
مجمل القول، شهدت منطقة القرن الإفريقي خلال عام 2020 مجموعة كبيرة من الأزمات تتقدمها التطورات في إقليم التيجراي بإثيوبيا، والأزمة الدبلوماسية بين كينيا والصومال، والتوترات بين إثيوبيا والسودان، فضلًا عن تنامي حدة المنافسة الدولية في إقليم القرن الإفريقي، وهي الاتجاهات التي يُنتظر أن تشهد استمرارًا خلال العام الجديد.