بسبب تفشّي فيروس كورونا، شهدت مصر تطورًا سريعًا في خطة تحولها الرقمي، حيث زادت ساعات الذروة لاستخدام الإنترنت إلى 15 ساعة يوميًا من 7 ساعات يوميًا، وزادت الأحمال بحوالي 99%. ازداد معدل استخدام الهاتف الخلوي بنسبة 35%، وشهدت بعض تطبيقات التواصل الاجتماعي زيادات كبيرة في معدل الاستخدام، وكل تلك البيانات تعكس مدى أهمية قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات كونه أحد مصادر الدخل لعديد من البلدان، هذا فضلًا عن دعمه للقطاعات الاقتصادية الأخرى بالبلاد.
أهمية القطاع
يساهم التوسع في تطبيق نظم المعلومات والاتصالات الحديثة في العديد من التحولات التنظيمية التي تخفض الإجراءت الإدارية، وتتيح المعلومات بشكل أرخص وأكثر كفاءة، بل وصل الأمر إلى اعتماد العديد من المنظمات لنظام عمل جديد باستخدام تلك التكنولوجيا يساهم في خلق قيمة أكبر بالناتج المحلي الإجمالي. تأتي مساهمة القطاع بالاقتصاد في أشكال متعددة، منها التوسع في إنتاج الأجهزة والبرمجيات، وتسهيل الاستثمارات بالقطاعات الأخرى، وتوفير بيئة تدعم أنشطة الابتكار التي لها أثر إيجابي على الأداء الحالي والمستقبلي للمنظمات الصناعية بأكملها، إذ إنها تمثل موارد استراتيجية للبلدان.
ولفهم أفضل لمحددات ذلك القطاع سنعتمد على التصنيف الذي وضعته مؤسسة البيانات الدولية (IDC) التي قسمت القطاع إلى قسمين: تكنولوجيا تقليدية (الأجهزة، البرمجيات، وخدمات تكنولوجيا المعلومات، وخدمات الاتصالات)، وقد أطلق عليها بعض الباحثين مفهوم الاقتصاد الرقمي “Digital Economy” كونه اقتصادًا يعتمد في مخرجاته على نموذج أعمال قائم على إنتاج منتجات أو سلع رقمية. أما التصنيف الثاني فهو التقنيات الحديثة التي تشمل (الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، والطباعة ثلاثية الأبعاد، وتقنيات VR &AR، والروبوتات الطائرة بدون طيار). وقد أُطلق عليها مصطلح الاقتصاد الرقمي الجديد نظرًا لاعتمادها على الثورة الصناعية الرابعة التي تشمل البيانات والمعلومات.
وقد اختلفت الدراسات حول تأثير الإنفاق على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وأثره على النمو الاقتصادي بما في ذلك إنتاجية العمالة. حيث أشارت الدراسات التي تمت في التسعينيات (بداية ظهور الإنترنت والتوسع في انتشاره) إلى وجود تأثير ضئيل وغير المهم للاستثمارات بذلك القطاع على نمو الإنتاجية، لكن مع مرور الوقت وإعادة إجراء تلك الدراسات في وقت لاحق من انتشار تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الأعمال التجارية، وجدت تلك الدراسات أن الإنفاق على ذلك القطاع له أثر كبير على تحسن بيئة الأعمال، نتيجة لأثرها الإيجابي على ميكنة العمليات وخفض الأسعار، وتحسن الأداء ومن ثم نمو الإنتاجية، خاصة وأن الدراسات الأخيرة لم تركز على المفهوم التقليدي للاقتصاد الرقمي (التقنيات التقليدية)، بل إنها درست الاقتصاد الرقمي الجديد (التقنيات الحديثة) والتي تشمل الحوسبة السحابية، وتحليل بيانات إنترنت الأشياء، والبيانات الضخمة، والروبوتات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، والتجارة الإلكترونية المتنقلة.
أما عن وجود اختلافات بين أثر الاستثمار بذلك القطاع على الاقتصاد في الدول المتقدمة والدول النامية فتشير الدراسات إلى وجود أثر إيجابي للاستثمار بذلك القطاع على الاقتصاد في كلا التصنيفين، على الرغم من عدم تجانس النتائج (أي إن الأثر ليس بنفس الدرجة)، لكن الأبحاث وجدت أن التأثير المباشر لنشر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على النمو الاقتصادي بالبلدان النامية يعود إلى تنمية القطاع المالي بالمقام الأول. لكن التأثير على الإنتاجية والنمو الاقتصادي بين البلدان النامية والمتقدمة يتسم بالإيجابية في كل الأحوال.
الوضع عالميًا:
نما الإنفاق على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات عالميًا من 4.6 ترليونات دولار في عام 2018 إلى 4.9 ترليونات دولار في عام 2020، محققًا معدل نمو سنوي مركب قدره 3%، وظل الإنفاق على التقنيات التقليدية عند مستوى 4 ترليونات دولار بين الأعوام 2018-2020، أما عن الإنفاق على التقنيات الجديدة فقد نما من 654 مليار دولار في عام 2018 إلى 892 مليار دولار في عام 2020 محققًا معدل نمو سنوي مركب قدره 16.8% سنويًا في الفترة بين 2018 – 2020. ويمكننا ملاحظة الاختلافات الكبيرة بين معدلات النمو السنوية للإنفاق على التقنيات الجديدة مقارنة بالإنفاق على التقنيات التقليدية، لكنّ ذلك الاختلاف يعود في المقام الأول إلى حقيقة أن تلك التقنيات الجديدة لا تزال في بداية عملية الانتشار. وحيث إن كل دولار يتم إنفاقه على الاستثمار في التقنيات الحديثة لتكنولوجيا المعلومات تضيف 1.2 دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي، تُركز العديد من الدول في الوقت الحالي على الاستثمار في ذلك المجال. وهو ما تسبب في تباطؤ النمو في الإنفاق على التقنيات التقليدية من الناتج المحلي الإجمالي لتنمو من 3.1% في عام 2015 إلى 3.2% في عام 2019، بينما شهد الإنفاق على التقنيات الحديثة نمو أكبر، حيث نما الإنفاق كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي عالميًا من 0.40% في 2015 إلى 0.85% في 2019، وهو نمو بأكثر من الضعف تقريبا. أما الإنفاق على التكنولوجيا بشكل عام (تقليدية وحديثة) فقد نما من 3.50% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 4.05% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يعكس النمو المُطرد لهذ القطاع عالميًا.
الوضع المصري:
تنظيميًا، تتولى وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات إدارة صناعة تكنولوجيا المعلومات في مصر بالاشتراك مع العديد من الجهات الأخرى التي تشرف عليها الوزارة وهي: الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، وكالة صناعة تكنولوجيا المعلومات، معهد تكنولوجيا المعلومات مصر – إيتيدا، المعهد القومي للاتصالات ITI، مركز توثيق التراث الثقافي والإبداعي، مركز الإبداع التكنولوجي وريادة الأعمال، وصندوق تنمية التكنولوجيا للقرى الذكية. ومؤخرًا أطلقت الدولة مجمع الإصدارات المؤمنه والذكية والذي يتيح الربط المباشر بين الوزارات والهيئات، وإمكانية تجميع وتحليل ومعالجة البيانات الخاصة بها، وتصنيع الأوراق المؤمنة والبنكنوت، ومركزًا لتصنيع تكنولوجيا الهولوجرام التي ستحل بديلًا للأختام التقليدية، ومركزين لتجهيز وطباعة جوازات السفر، وثلاثة مراكز لتجهيز ودمج البطاقات البلاستكية (بطاقات الائتمان المصرفية، البطاقات الشخصية، بطاقات الكهرباء المدفوعة مقدمًا وغيرها)، وسيساهم ذلك المركز في تحقيق نقلة كبيرة في مجال التحول الرقمي بمصر، حيث إنه يضع معايير موحّدة للوثائق على مستوى الدولة، ويخفض نسبة الفساد من خلال تخفيض الاعتماد على العنصر البشري، والارتقاء بالخدمات المقدمة للمواطنين عبر قواعد بيانات مؤمنة. تقود تلك المؤسسات استراتيجية مصر للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والتحول الرقمي والتي تم وضعها في رؤية مصر 2030، وقد تم إعداد البنية التشريعية اللازمة لذلك التحول والتي شملت إصدار قانون مكافحة جرائم الإنترنت الذي صدر في أغسطس 2018، وقانون المدفوعات الإلكترونية الذي صاغه البنك المركزي في 2019 والذي فرض أن يتم إجراء المدفوعات التي تزيد قيمتها عن 500 جنيه إلكترونيًا. وأخيرًا قانون حماية البيانات الشخصية والذي تمت الموافقة عليه في البرلمان في فبراير 2020 والذي يتوافق مع اللائحة العامة لحماية البيانات التي يتبعها الاتحاد الأوروبي.
ولتحقيق تلك الخطة، أطلقت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات (MCIT) مبادرة تسمى “مستقبلنا الرقمي” والتي تهدف إلى تدريب 100 ألف شاب مصري وتطوير مهاراتهم في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ذات الطلب المرتفع في السوق والتي تشمل ثلاثة مجالات وهي تصميم المواقع الإلكترونية، وتحليل البيانات والتسويق الرقمي. هذا فضلًا عن إطلاق الوزارة برنامجًا تُشرك فيه الشركات الصغيرة والمتوسطة في عملية التحول الرقمي، وإطلاق مشروع مصر الرقمية الذي يهدف إلى تزويد الجهات الحكومية بوصلات كابلات الألياف الضوئية، وقد تم الانتهاء من عدد 5300 مبنى حكومي في مصر، من إجمالي 32000 مبنى بتكلفة إجمالية للمشروع تبلغ 6 مليارات جنيه. وإطلاق خطة لتحسين البنية التحتية لخدمات الإنترنت والتي تمثلت في التخطيط لزيادة سرعة الإنترنت إلى 20 ميجابايت في الثانية في عام 2020 (تجاوزت السرعة الخطة المقررة لعام 2020 لتبلغ 34.8 ميجابايت في الثانية، وهو ما حسن من ترتيب مصر عالميًا في سرعة الإنترنت لتصل إلى المركز 92 بدلًا من 97 لعام 2019)، و40 ميجابايت في الثانية في عام 2021، مقارنة بسرعات الإنترنت التي كانت تبلغ 15 ميجابايت في الثانية في عام 2019.
وساهمت تلك الجهود السابقة في تحسين إمكانية النفاذ لخدمات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمصر، حيث بلغ عدد مستخدمي الإنترنت من خلال الهاتف المحمول 42.3 مليونًا في يناير 2020 (نموًا بنسبة 23.9% عن العام السابق له الذي كان عدد مستخدمي الإنترنت من خلال الهاتف المحمول 23.9%)، ووفقًا لمؤسسة GMSA (مؤسسة متخصصة في جمع وعرض بيانات مشغلي الهواتف المحمولة عالميًا) سجلت مصر 53.7 نقطة على مؤشر الاتصال من إجمالي 100 نقطة (مؤشر يقيس نسبة وسهولة الوصول لخدمات الإنترنت من خلال تقييم مجموعة عناصر تتمثل في انتشار الهاتف المحمول والبنية التحتية والقدرة على تحمل التكاليف واستعداد المستهلك، والمحتوى والخدمات).
وقد انعكست تلك الإنجازات في التوسع في البنية التحتية للقطاع على زيادة حجمه في عام 2019 بنسبة 16.6% لينمو من 80.1 مليار جنيه إلى 93.4 مليار جنيه بدعم من سلسلة من المبادرات التي سبق الإشارة إليها، والتي تهدف إلى التحول الرقمي في مصر, وقد نمت مساهمة القطاع بالناتج المحلي الإجمالي لتصل إلى 4% لعام 2019 مقابل 3.5% في العام السابق له. ونمت صادرات القطاع إلى 3.6 مليار دولار في 2019 مقابل 3.3 مليار دولار في العام السابق له. وازداد إجمالي الاستثمارات بالقطاع إلى 24.3% في عام 2019 ليصل إلى 107 مليون دولار في الربع الأول من عام 2020 (وفقًا لآخر بيانات متاحة) وهو ما يشير إلى النمو المُطرد للاستثمار بهذا القطاع في مصر. ومن ثم فإن الاستثمار بقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وخاصة التقنيات الحديثة يعتبر أمرًا هامًا لتعزيز النمو الاقتصادي بالبلاد، حيث إنه يساهم في تسهيل عمل القطاعات الأخرى، وخلق قيمة مضافة جديدة من خلال التوسع بالثورة الصناعية الرابعة.