شهد الاتحاد الأوروبي في الاجتماع الذي عقده برئاسة “جوزيب بوريل” -الممثل السامي للشئون الخارجية والسياسة الأمنية- انقسامات حادة بين مواقف الأعضاء إزاء البيان المشترك الذي دعا الاتحاد إلى إصداره لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وقطاع غزة. فقد ظهرت تلك التباينات حينما دعمت كل من التشيك والمجر بشكل رسمي سياسات التصعيد الإسرائيلية، فضلًا عن إظهارها تأييدًا رمزيًا حين رفعت أعلام إسرائيل على مقار مؤسساتها الرسمية. ونتيجة لهذا الدعم، رفضت المجر الانضمام إلى التوقيع على بيان وقف إطلاق النار الذي يتطلب تصويتًا بالإجماع لتمكين الاتحاد الأوروبي من لعب دور إقليمي في إنهاء التصعيد.
في هذا الإطار، يسعى التحليل الراهن إلى مناقشة محددات العلاقات بين إسرائيل ودول فيشجراد (المجر -تشيك – سلوفيكيا – بولندا) باعتبار هذا التجمع هو أحد أهداف نهج السياسة الخارجية الإسرائيلية في أوروبا والتي ظهرت بشكل واضح منذ عام 2017 بدعم من الرئيس الأمريكي السابق “ترامب”، وتحليل مدى استقرار هذه العلاقات وتأثيراتها المحتملة على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وملف الطاقة.
محددات العلاقة بين إسرائيل ودول الفيشجراد
حرصت إسرائيل على تطوير علاقاتها الخارجية مع مجموعة فيشجراد لدعم روايتها ولضمان وجود تكتل مؤيد لها صوته مسموع في قلب الاتحاد الأوروبي، وهو ما انعكس في عقد قمة مشتركة هي الأولى من نوعها على مستوى رؤساء الحكومات عام 2017 في بودابست لبحث تطوير آليات التعاون المشترك، ظهرت في البيان الختامي للقمة الذي تضمن نقاطًا شملت أبعادًا استراتيجية، وجاءت هذه القمة في الوقت الذي كانت فيه الانتقادات من قبل باقي دول الاتحاد الأوروبي إزاء سياسات الاستيطان والضم الإسرائيلية ذات صدى كما جاء العمل علي تنمية العلاقات في وقت اتسعت فيه دائرة الانقسامات الأوروبية بشأن القضايا الملحة مثل الهجرة والتهديدات الأمنية. ووجدت دول الفيشجراد في إسرائيل الشريك صاحب توجهات مشابهة فيما يخص تحديد الاستراتيجيات المطلوبة وضرورة الترويج لها.
انتهجت إسرائيل مدخلين أساسيين لخلق مساحة حوار بينها وبين دول الفيشجراد هما: (1) أن كلًا من إسرائيل ودول الفيشجراد يواجهان انتقادات من المؤسسات والمجتمع المدني الأوروبي، وبالتالي فإن الطرفين يشتركان في نفس الخبرة المتعلقة بموقفهما من الاتحاد الأوروبي وإداناته المتكررة لهم، وبما يدفع إلى وجود (2) قاسم ورد مشتركين يدفعان الطرفين للاستثمار في رأسمال سياسي أمام تلك الانتقادات وفي آليات التصدى لها. بعبارة أخرى، انطلقت كل من إسرائيل ودول الفيشجراد من أرضية مشتركة هي المواقف والمشروعات المناوئة لمواقف ومشروعات مؤسسات الاتحاد الأوروبي لدعم وتدشين استراتيجية تعاون وتوطيد العلاقات. علاوة على ذلك، قدمت دول الفيشجراد -وعلى رأسها المجر- دعمًا للمجتمعات اليهودية على أراضيها بهدف دحض الانتقادات الموجهة إليها بمعاداة السامية.
في إطار ما سبق، يمكن تناول محددات العلاقة بين إسرائيل وفيشجراد على النحو التالي:
- رؤى مشتركة للتهديدات: شرعت إسرئيل ودول الفيشجراد في صياغة رؤى مشتركة حول مجموعة من التحديات تتعلق بالقضايا السياسية والأمنية، دفعهم في اتجاه تبني سياسات مشتركة وفق عدد من الأسس السياسية والأيديولوجية؛ ففيما يتعلق بقضية الهجرة، أكدوا على أهمية مكافحة ظاهرة الهجرة الأجنبية، فضلًا عن اشتراكهم في ضرورة تقييد أنشطة منظمات المجتمع المدني الأجنبية وتحجيم الحركات التقدمية اليسارية.
بالإضافة إلى ذلك، شكلت قمة بودابست الترجمة الدبلوماسية لوجهات النظر المتقاربة، عززتها تأكيدات دول الفيشجراد على أهمية دور إسرائيل بالنسبة للاتحاد الأوروبي، فقد صرح رئيس الوزراء المجري “فيكتور أوربان” بضرورة تقدير أوروبا للجهود الإسرائيلية في دعم الأمن، وأن المجر بإمكانها لعب دور وسيط ينتهي بتطبيع العلاقات بين إسرائيل وباقي دول الاتحاد وذلك عبر ضمانها تحديث اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل التي دخلت حيز التنفيذ في عام 2000.
- الأيديولوجيا القومية: تعتبر الأيديولوجيا أحد المحددات الرئيسية لتوثيق أسس العلاقات، وذلك من خلال انتشار الأحزاب اليمينية في تلك الدول والتي تتشارك في هدف إقامة نظم قومية في مواجهة التهديدات الأمنية الصاعدة، وسعيها إلى تدشين جمهوريات تستند إلى القومية العرقية تأثرًا بأفكار الثورة الفرنسية الخاصة بحق تقرير المصير، مفادها أن لكل شعب أو إثنية حق حكم نفسه بنفسه وحقًا في ألا يحكمه من لا ينتمي إلى هذه الإثنية، وتقديم إسرائيل لنموذج الجمهورية العرقية الذي تسعى دول أوروبا الشرقية لتطبيقه. وفضلًا عن ذلك، فإن هجرة معظم يهود أوروبا الشرقية إلى إسرائيل قد يكون بمثابة عامل لوجود لغة تفاهم مشترك بينهما. من المعروف أن العديد من مؤسسي إسرائيل هاجروا من أوروبا الوسطى والشرقية وتم تشكيل خيالهم السياسي من خلال سياسات الدول المستقلة حديثًا التي ظهرت في المنطقة بعد الحرب العالمية الأولى.
- الأمننة: انعكست الأيديولوجيا القومية والدفاع المستمر عن مصير الدولة وسيادتها على انتهاج دول الفيشجراد وإسرائيل لمنطق أمننة القضايا، وذلك من خلال اعتبار أي قضية بمثابة مهدد للأمن القومي وتوسيع نطاقه. فقد عمل كلا الطرفان على إدراج القضايا العامة مثل الهجرة والإرهاب والأسلمة والتبادل التجاري ووسائل الإعلام الليبرالية باعتبارها مسائل أمنية تمثل تهديدًا لهوية ولبقاء القومية العرقية المزمع تكرسيها في المجتمعات.
وبعد زيادة الإنفاق العسكري في دول الفيشجراد، خاصة بعد ضم روسيا لجزيرة القرم، أصبحت تلك الدول سوقًا جذابة لصناعة الأسلحة الإسرائيلية، وذلك عبر عقد صفقات للسلاح تركزت في شراء التكنولوجيا الإسرائيلية المسئولة عن مكافحة ظاهرة الهجرة واللاجئين، إذ استقدمت المجر أجهزة للمراقبة وبناء الحواجز الإسرائيلية، وعقدت بولندا صفقات لشراء صواريخ مضادة للدبابات وتكنولوجيا الطيران والطائرات بدون طيار من أجل تحديث ترسانتها العسكرية، كما قامت التشيك بشراء أنظمة الرادار الإسرائيلية عام 2016.
إلا أن أغلب التحليلات تشير إلى أن صفقات السلاح بشكل عام مع دول الفيشجراد لم تتعدَّ حاجز 4% من إجمالي مبيعات السلاح الإسرائيلية بين 2004 حتى 2013، فضلًا عن عدم ترجمة زيادة الإنفاق العسكري بشراء متزايد للسلاح الإسرائيلي وإنما اقتصاره على بعض الأجهزة التكنولوجية المعنية بالمراقبة، وإن كانت بولندا هي الأكثر تعاونًا في شراء السلاح دون باقي المجموعة، هذا بالإضافة إلى وجود عقبات تتعلق بالصعوبات المحتملة في تشغيل المعدات الإسرائيلية مع أنظمة الدفاع الجوي التابعة لحلف الناتو.
- التبادل الاقتصادي: أعربت دول الفيشجراد عن تطلعها لزيادة التعاون مع إسرائيل في مجال التكنولوجيا، فقد تم تشكيل مجموعة عمل بالبحث والتطوير والابتكار في يونيو 2018 كأحد مخرجات قمة بودابست، تم على إثرها توقيع مذكرة تفاهم بشأن التعاون التدريبي في مجال الابتكار لرواد الأعمال من دول المجموعة.
وفيما يتعلق بالطاقة، يوجد تخوف لدى تلك الدول وبالأخص بولندا من الاعتماد المتزايد على الغاز الروسي خاصة في مرحلة ما بعد ضمها لجزيرة القرم في 2014. وفي هذا الإطار، قد توفر إسرائيل بديلًا استراتيجيًا لمستوردي الغاز الطبيعي والطاقة لتقليل الاعتمادية على الغاز الروسي، وذلك حينما صرح وزير الخارجية المجري حسب وسائل الإعلام المجرية “بيتر سيزيجورتو” بأن إسرائيل ستبدأ في نقل الغاز الطبيعي من موقعها البحري إلى وسط أوروبا بحلول عام 2024.
وفي مجال الاستثمارات، قدر البنك الوطني المجري أن رأس المال الإسرائيلي وصل إلى ما يقرب من 10 مليارات يورو حتى عام 2014 وهو ما جعل إسرائيل ثالث أكبر مستثمر في المجر باستحواذ على 11٪ من جميع الاستثمارات الأجنبية، إلا أن تلك الاستثمارات جاءت عبر تحويل رءوس أموال إسرائيلية من دول أمريكا الوسطى من ناحية، وهولندا وسويسرا من ناحية أخرى، وليس عبر تل أبيب بصورة مباشرة. كما تظهر مؤشرات التبادل التجاري أن حصة الصادرات الإسرائيلية إلى دول الفيشجراد في 2017 بلغت حوالي 1.59٪.
- التقارب مع الولايات المتحدة: تسعى دول الفيشجراد إلى دعم علاقتها بإسرائيل في إطار ضمان علاقتها مع الولايات المتحدة. فقد أوضحت إحدى الدراسات أن المشاركة البولندية في قمة الفيشجراد عام 2017 مع إسرائيل استهدفت بشكل أساسي رغبة وارسو في دعم علاقتها بالولايات المتحدة وسعيها لضمان وجود عسكري أمريكي ولإنشاء قاعدة عسكرية أمريكية على أراضيها، الأمر الذي من شأنه أن يوفر ثقلًا كبيرًا موازيا للضغط الروسي المتزايد. بالإضافة إلى ذلك، فإن ضمان تلك الدول للعلاقات مع إسرائيل قد يكون له ارتدادات على دخول دول أوروبا الشرقية للسوق الأمريكي وتدعيم علاقتها الاقتصادية معها.
- الذاكرة التاريخية: جاءت معظم الهجرات إلى إسرائيل من دول أوروبا الشرقية بما يشكل عامل وجود لغة تفاهم مشترك بينهما، لكن من ناحية أخرى تشهد أنماط العلاقة بين إسرائيل ودول الفيشجراد عددًا من التحديات المرتبطة بالذاكرة التاريخية والداخل المجتمعي، إذ يأتي أحد التحديات إزاء اختلاف وجهات النظر حول التاريخ المشترك وارتباط الذاكرة بنظرة مجتمعات أوروبا الشرقية إلى اليهود وبما حدث في فترة الحرب العالمية الثانية والهولوكوست. وقد شرّعت بولندا قانونًا لمكافحة التشهير في 2018 بهدف نفي مسئوليتها عن جرائم الهولوكوست، لكن نتنياهو ألقى المسئولية على بولندا إزاء أحداث الهولوكوست أثناء خطابه في فعاليات مؤتمر الأمن في الشرق الأوسط في وارسو 2019، الأمر الذي دفع بولندا إلى إلغاء مشاركتها في قمة فيشجراد التي كان من المفترض انعقادها في إسرائيل وتضامن باقي الأعضاء معها في إلغاء انعقاد القمة.
- النظرة المجتمعية لليهود: رغم تبني النخب السياسية خطابات تظهر فيها ميولًا لنفي ادعاءات ارتباطها بمعاداة السامية، إلا أن المجتمعات ما زال بها قدر من التباينات بشأن النظرة لليهود بشكل عام نتيجة للخبرة التاريخية المعاشة. فقد أوضح تقرير Eurobarometer لعام 2015 بشأن التمييز في الاتحاد الأوروبي أن دول الفيشجراد وخاصة سلوفيكيا لا تزال تسجل مستويات أعلى من المتوسط من الريبة تجاه اليهود، فضلًا عن تصاعد ما يعرف بمعاداة السامية الجديدة New Antisemitism التي تنتقد السياسات الإسرائيلية بشكل محدد داخل مجتمعات دول الفيشجراد وإن كانت بدرجة أقل في المجر وجمهورية التشيك.
وفي استطلاع للرأي بالتعاون مع مؤسسة “كونراد أديناور” عام 2019 تم إجراؤه مع قائمين على صياغة السياسة الخارجية في دول الفيشجراد، ظهر أن التشيك بشكل رئيسي ثم المجر تريد تقاربًا مع إسرائيل، في حين أن حوالي 30% في سلوفاكيا لا يرون أي أهمية لها. من جانب آخر، أوضح المستطلعون التشيك والمجريين أن العلاقات مع إسرائيل جيدة نوعًا ما، إلا أن المستطلعين البولنديين يرون أن العلاقات بين بولندا وإسرائيل في وضع أسوأ بكثير خاصة بعد التصعيد الدبلوماسي في 2019 بشأن الهولوكوست.
حجم تأثير العلاقة المشتركة على قضايا الشرق الأوسط
تنعكس العلاقات بين إسرائيل ودول الفيشجراد على مجموعة من القضايا المشتركة ذات الأهمية بمنطقة الشرق الأوسط، وذلك ضوء توجه الفيشجراد إلى دور أكثر فعالية في المنطقة وتقاطعها مع أولويات السياسة الخارجية الإسرائيلية، من بينها القضية الفلسطينية وملف الطاقة
- القضية الفلسطينية: تضمن البيان الختامي المشترك بين إسرائيل ودول الفيشجراد لقمة بودابست 2017 إيمان الأطراف المشاركة في القمة بحل الدولتين كأساس لتسوية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، إلا أنه وضع الاعتبارات الأمنية لإسرائيل كمحدد أساسي لتعريف حل الدولتين، وهذا ما يفسر دعم دول الفيشجراد لإسرائيل في الحرب الأخيرة على غزة.
إذ تتبنى دول الفيشجراد وجهة النظر الإسرائيلية بشأن طبيعة إدارة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في الآونة الأخيرة، خاصة في حال تقاطعت وجهة النظر تلك مع الولايات المتحدة الأمريكية. ظهر ذلك في تأييدها لصفقة القرن التي قدمتها الإدارة الأمريكية إبان رئاسة دونالد ترامب في يناير 2020، كما انعكس في معارضتهم لقرار الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على إسرائيل إذا ما شرعت في ضم غور الأردن، وأيضًا معارضتهم لفرض عقوبات على الدول التي تعتزم نقل سفارتها إلى القدس اعترافًا بها كعاصمة لإسرائيل، الأمر الذي أعقبه ذلك إعلان المجر نقل سفارتها إلى القدس، وأخيرًا، دعم دول الفيشجراد لإسرائيل في حربها الأخيرة على غزة.
ولكن بالنظر إلى نمط تصويت دول الفيشجراد لقضايا الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي (مثل المستوطنات وحقوق الفلسطينيين) على قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ 1993 وحتى 2018، يتبين أنها لم تسر بشكل إيجابي لصالح إسرائيل، كما يلاحظ أنها تتبنى موقفًا جماعيًا يتفق بشكل كبير مع ألمانيا وبولندا. من جانب آخر يمثل هذا التكتل عاملًا مهمًا في افتقاد الاتحاد الأوروبي للقدرة على صياغة سياسات تتعارض مع المصالح الإسرائيلية.
وفي هذا الصدد، قد تستخدم إسرائيل بدورها علاقتها مع الفيشجراد والكتل الإقليمية الأخرى داخل أوروبا للاستفادة من الانقسامات الداخلية في الاتحاد الأوروبي، وتوظيف هذه الانقسامات في التأثير على السياسات الخارجية للاتحاد الأوروبي لصالحها في قضايا مثل الاتفاق النووي الإيراني أو الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، أو على أقل تقدير أن تستغل افتقار الاتحاد الأوروبي لقدرته على صياغة موقف مشترك في مواجهة السياسات الإسرائيلية باستمرار هذه السياسات.
- ملف الطاقة: ركزت أحد مخرجات قمة بودابست على أهمية تعزيز التعاون في مجال الطاقة وذلك بعد الاتفاق على تبادل وجهات النظر حول الوضع العالمي لمجال الطاقة وبالتحديد في قطاع الغاز الطبيعي. وتعد بولندا أولى الدول الساعية للاستقلال عن المورد الروسي للغاز الطبيعي، إذ اتخذت الشركة البولندية PGNiG خطوات جادة لتقليل اعتمادها على إمدادات الغاز الروسية، فضلًا عن أنها لا تنوي توسيع تعاونها مع غازبروم الروسية ولم تناقش تجديد تمديد عقد التوريد الذي سينتهي في 2022، كما أشار رئيس الشركة في 2019 إلى إمكانية توريد الغاز من إسرائيل ولبنان في ظل ظروف أفضل.
لكن في حين أن حزمة التمويلات المتعلقة بدعم إقامة مشاريع البنية التحتية لتحفيز سياسات أمن الطاقة (مثل خط أنابيب غاز شرق المتوسط) تأتي من الاتحاد الأوروبي، فإنه ليس من المؤكد أن تنتهج دول الفيشجراد سياسة مستقلة بعيدة عن توصيات بروكسل خاصة في مجال الطاقة؛ وذلك كونها تفتقر إلى التسهيلات المالية اللازمة لإقامة خطوط أنابيب لنقل الغاز.
من ناحية أخرى، فإن هناك متغيرين رئيسيين يحدان من موقف إسرائيل ودول الفيشجراد حول التعاون في مجال الطاقة، هما: أولًا، على المستوى السياسي، لا يبدو أن الاتحاد الأوروبي يشترك في موقف موحد بشأن سياسات أمن الطاقة، ويُستدل على ذلك موقف ألمانيا من مشروع “نورد ستريم 2” القادم من الخصم الأول لأوروبا وهي روسيا، وبالتالي فعلى المدى القريب والمتوسط قد لا تظهر أي استراتيجيات واضحة لتنويع مصادر الطاقة بعيدًا عن الهيمنة الروسية. ثانيًا، على المستوى الاقتصادي، ويتمثل في التكلفة الباهظة في إقامة خط أنابيب يخرج من إسرائيل حتى دول الفيشجراد دون جدوى اقتصادية، فضلًا عن عدم امتلاك إسرائيل مصانع تسييل الغاز الطبيعي. إلا أنه نظرًا لمحاولات إسرائيل تعزيز بنية تحتية تسمح بنقل “الكهرباء” ونقلها إلى أوروبا عبر قبرص واليونان، وبالتالي فإن التعاون في مجال الطاقة لا يمكن قصره على الغاز الطبيعي فقط.
باختصار، فإن العلاقات الراهنة بين إسرائيل وفيشجراد تقوم على أساس هوياتي كما تتخلله اعتبارات براجماتية. فعلى الرغم من وجود تقارب سياسي وأيديولوجي بين الطرفين، إلا أن ذلك لم ينصرف إلى تعزيز التعاون بشكل وثيق في المجالات الاقتصادية والعسكرية، فضلًا عن أن الهوية القومية لدول الفيشجراد تمثل مصلحة وطنية وأولوية إذا ما تعارضت مع إسرائيل، وهو ما ظهر في التوتر بين بولندا وإسرائيل حول الروايات القومية لهما.