أطلقت دار النشر العالمية (إلزفير Elsevier) تصنيفها السنوي للمؤسسات البحثية (سيماجو Scimago) في إبريل الماضي 2021. ووفقًا للتصنيف، فقد تمكنت (48) مؤسسة مصرية من الظهور على القائمة التي تضمنت (7533) مؤسسة تنوعت بين جامعات ومؤسسات حكومية ومؤسسات صحية وشركات ومؤسسات غير هادفة للربح. انقسمت المؤسسات المصرية التي ظهرت في التصنيف إلى: (35) جامعة، و(9) مؤسسات بحثية حكومية، وجهتين تابعتين للصحة، وشركة واحدة، ومؤسسة واحدة غير هادفة للربح. وسوف يركز هذا المقال على المؤسسات البحثية الحكومية نظرًا لاختلاف طبيعتها وطريقة إدارتها ومصادر تمويلها وحجم الإنفاق عليها عن الجامعات.
كيف يصنف (سيماجو Scimago) المؤسسات البحثية؟
يقوم تصنيف سيماجو للمؤسسات البحثية والأكاديمية على مؤشر مركب يعتمد على ثلاثة مؤشرات فرعية، هي: الأداء البحثي، ومخرجات الابتكار، والتأثير المجتمعي مقاسًا بمقدار ظهور المركز وأخباره على محركات البحث على شبكة الإنترنت. يصنف سيماجو المؤسسات وفقًا للقطاع الذي تنتمي إليه إلى خمسة أقسام، هي: جامعات، مؤسسات حكومية، مؤسسات صحية، شركات، ومؤسسات غير هادفة للربح. ويركز التصنيف على ما تنشره المؤسسات من بحوث وعدد الاقتباسات منها، مع الأخذ في الاعتبار الانتماء المؤسسي للمؤلفين المسجلين في قواعد البيانات. ويتم إعطاء الدرجات وحساب الترتيب عن طريق الاعتماد على النتائج التي حققتها المؤسسات خلال فترة زمنية تُقدر بخمس سنوات، على أن تكون آخرها قبل إطلاق التصنيف بعامين، أي إن النتائج المستخدمة في التصنيف الصادر في 2021 هي نتائج المؤسسات في الفترة بين 2015-2019.
بناء تصنيف سيماجو
المصدر: تصنيف سيماجو للمؤسسات 2021، متاح على:
https://www.scimagoir.com/rankings.php?sector=Government&country=EGY
ولكي يتم إدراج المؤسسات في هذا التصنيف، لا بد أن تنشر كل مؤسسة ما لا يقل عن مائة ورقة بحثية في قاعدة بيانات (سكوبس Scopus) خلال العام الأخير من الفترة الزمنية المختارة، أما الترتيب في مؤشرات الابتكار فيعتمد على قاعدة بيانات إحصاءات براءات الاختراع (PATSTAT)، ولحساب مستوى ظهور المؤسسات على شبكة الإنترنت يتم الاعتماد على بيانات (جوجل Google، وأهرفس Ahrefs)، أما التأثير المجتمعي فيُستخدم فيه بيانات من (مندلي Mendeley، وبلمكس (PlumX.
مراكز البحوث الحكومية في التصنيف الدولي
تنامت أعداد مراكز البحوث المصرية منذ إنشاء المركز القومي للبحوث في 1956، وتنوعت قطاعاتها ومجالات عملها، حيث وصل عدد المراكز البحثية في مصر -وفقًا لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لرئاسة مجلس الوزراء- إلى 219 مركزًا بحثيًا. ولكن على الرغم من هذا التوسع والتنوع في مجالات عمل المراكز البحثية الحكومية، إلا أن المراكز الحكومية التي ظهرت في قائمة تصنيف سيماجو بلغت تسعة مراكز فقط، أي إن تسعة مراكز فقط استطاعت أن تنشر ما يزيد على مائة ورقة بحثية في المجلات والدوريات الدولية، وهو ما يمثل 0.56% من إجمالي مراكز البحوث الحكومية في مختلف دول العالم التي أدرجت ضمن التصنيف، والتي بلغ عددها 1587 مركزًا. إفريقيًا، تمثل المراكز المصرية حوالي 40% من إجمالي مراكز البحوث الحكومية التي ظهرت في التصنيف، والتي بلغ عددها 23 مركزًا فقط. ويوضح الجدول التالي المراكز البحثية الحكومية المصرية وترتيبها عالميًا وإفريقيًا وعلى مستوى المؤشرات الرئيسية الثلاثة للتصنيف.
مراكز البحوث الحكومية المصرية في تصنيف سيماجو
المصدر: تصنيف سيماجو للمؤسسات 2021، متاح على:
https://www.scimagoir.com/rankings.php?sector=Government&country=EGY
يتضح من بيانات الجدول السابق أن مراكز البحوث المصرية المتضمنة في التصنيف جاء أفضل ترتيب لها في التأثير المجتمعي الذي يمثل 20% فقط من قيمة المؤشر الكلي، مما يعني أن هذه المراكز ظهرت بشكل أفضل في بيانات (جوجل ومندلي)، بينما كان ترتيبها في مؤشر الابتكار الذي يمثل 30% من المؤشر الكلي متأخرًا مقارنةً بمؤشري البحوث والتأثير المجتمعي، أي إن هذه المراكز بحاجة لمزيد من الجهد لإنتاج بحوث قابلة للتحول إلى مخترعات وابتكارات ذات تأثير تكنولوجي.
ومن الجدير بالذكر أن تصنيف سيماجو يتناول (19) مجالًا علميًا، ظهرت المراكز المصرية في (17) منها، حيث ظهر كل مركز من التسعة مراكز في أكثر من مجال. فعلى سبيل المثال، ظهر المركز القومي للبحوث في (16) مجالًا، بينما ظهر معهد بحوث البترول في خمسة مجالات. وعلى الرغم من تصدر المراكز المصرية إفريقيًا في بعض المجالات، إلا أنها غابت تمامًا عن مجالي (الآداب والعلوم الإنسانية، وعلم النفس)، ويبدو أن الاهتمام بهذين المجالين على وجه التحديد ضعيف في إفريقيا والشرق الأوسط. فعلى الرغم من ظهور (171) مركزًا عالميًا في مجال الآداب والعلوم الإنسانية؛ إلا أن إفريقيا ظهرت في هذا المجال من خلال مركز وحيد في جنوب إفريقيا، وظهرت منطقة الشرق الأوسط من خلال مركزين فقط أحدهما في إيران والآخر في إسرائيل. أما مجال علم النفس، فقد تضمن التصنيف (88) مركزًا عالميًا، من بينها مركز وحيد في إفريقيا، بينما لم تظهر منطقة الشرق الأوسط بالكامل في التصنيف الخاص بهذا المجال.
ويُظهر غياب مراكز البحوث الحكومية المصرية عن التصنيف في مجالي علم النفس والعلوم الإنسانية خللًا في التعامل مع كلٍ من المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية والمركز القومي للبحوث التربوية والتنمية، حيث يمكن أن يؤدي الاهتمام بهما إلى ظهور مصر في تصنيف متقدم في هذين المجالين. فالمركزان لا يظهر لهما موقع إلكتروني على الإنترنت، ولا تتم إتاحة البحوث الكاملة لهما إلكترونيًا، كما أن المركزين يحتاجان إلى مزيد من النشر الدولي وتحسين جودة الأوراق البحثية التي تُنشر، سواء في مجلات تابعة للمركزين أو في مجلات علمية خارجية.
حجم الإنفاق على مراكز البحوث الحكومية ومستوى تنافسيتها
يساهم حجم الإنفاق على المراكز البحثية الحكومية في تحسين مستوى تنافسيتها، سواء على المستوى المحلي أو الدولي. فهي تعتمد بشكل كلي على ما تتحصل عليه من الموازنة العامة للدولة، على عكس الجامعات أو الشركات التي تنفذ أنشطةً أخرى تساعدها في توفير موارد مالية إضافية.
ولكن يبدو أن حجم الإنفاق وحده لا يمثل المعيار الأساسي في تحسن تصنيف المؤسسات البحثية، حيث يوضح الجدول التالي أن المؤسسات البحثية الخمس الأعلى حصولًا على التمويل الحكومي ظهرت في التصنيف، ولكن مركز بحوث الصحراء الذي حلَّ سادسًا في حجم التمويل الحكومي لم يظهر في التصنيف، أي لم يكن قادرًا على نشر (100) ورقة بحثية خلال عام، بينما جاء مركز بحوث البترول في مرتبة متقدمة مقارنةً بالمراكز المصرية على الرغم من أن ميزانيته تمثل أقل من 50% من ميزانية مركز بحوث الصحراء.
مخصصات بعض مراكز ومعاهد البحوث في الموازنة العامة للدولة 2020/2021 (مليون جنيه)
المصدر: التقسيم الوظيفي للموازنة العامة للدولة 2020/2021، وزارة المالية.
إذن، المشكلة ليست في حجم التمويل فقط، وإنما كيفية إدارة ما تتحصل عليه هذه المراكز من تمويل، وترتيب أولويات الإنفاق بين أجور الباحثين، وتوفير المواد اللازمة لإجراء البحوث، وإطلاق أو تطوير الموقع الإلكتروني والمجلة الخاصة بكل مركز، ودعم الباحثين للنشر دوليًا. ولكن ذلك لا ينفي أن ضعف ميزانية بعض المراكز قد تكون سببًا رئيسيًا في ضعف تنافسيتها، فالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية تُمثل الأجور 71% من إجمالي ميزانيته، والمركز القومي للبحوث التربوية والتنمية تتخطى أجور العاملين فيه 90% من إجمالي ميزانيته، وهو ما يعوق الاهتمام بالمؤشرات التي يعتمد عليها تصنيف سيماجو.
ختامًا، يتضح أن بعض مراكز البحوث الحكومية تؤدي وظيفتها بشكل فعال وبطريقة تضعها في الربع الأول من التصنيف الدولي، والبعض الآخر اختفى تمامًا لعدم قدرته على استيفاء شروط الإدراج في التصنيف، مما يعني أن هذه المراكز تحتاج إلى إعادة النظر في حجم الإنفاق عليها وآلية العمل بها والجدوى من وجودها في ظل تدني مستوى تنافسيتها وضعف الاستفادة من مخرجاتها.