تعاني مصر من الفقر المائي في ظل عجز الميزانية المائية بسبب الزيادة السكانية المستمرة، وتعدد الأنشطة المستخدمة للمیاه، مما يزيد من الطلب عليها، في الوقت الذي تشهد فيه الدولة ثباتًا نسبيًا في حصتها من الموارد المائية.
ولهذا تزايدت الحاجة إلى البحث عن مصادر بديلة غير تقليدية يُمكن الاعتماد عليها لتقليص حجم الفجوة المائية، حيث أصبح التوسع في إنشاء محطات لتحلية المياه أحد أهم الخيارات الاستراتيجية المطروحة أمام الحكومة المصرية لمواجهة ندرة المياه المتوقعة، وذلك لاستخدام المياه المحلاة بالمناطق الساحلية والنائية وكذلك في الأماكن السياحية.
وفي آخر التطورات المتعلقة بهذا الشأن، تسعى مصر للبحث عن شركاء للاستثمار في مبادرة بقيمة 2.5 مليار دولار لتشييد نحو 17 محطة لتحلية المياه تعمل بالطاقة المتجددة بحلول عام 2025، بهدف إنتاج 2.8 مليون متر مكعب من المياه المحلاة يوميًا كجزء من خطة واسعة النطاق لإضافة 6.4 ملايين متر مكعب من المياه يوميًا بحلول عام 2050.
محدودية الموارد المائية
تواجه مصر أزمة مائية من المرجح أن تزداد حدتها مستقبلًا تتمثل في تراجع نصيب الفرد من المياه العذبة، واستقرار حجم الموارد المائية، وتزايد احتياجات الشعب من المياه، وهو ما يُمكن توضيحه من الأشكال الآتية:
1.العجز المائي:
تواجه مصر عجزًا مائيًا يصل إلى 20 مليار متر مكعب سنويًا في المتوسط، وفقًا لتصريحات وزير الري المصري “محمد عبدالعاطي”، حيث تبلغ احتياجات مصر من المياه نحو 80 مليار متر مكعب، فيما سجل مجموع المياه العذبة المتاحة حوالي 60 مليار متر مكعب، ليتم تعويض هذه الفجوة من خلال إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي والمياه الجوفية السطحية في الوادي والدلتا، بالإضافة لاستيراد منتجات غذائية من الخارج تقابل 34 مليار متر مكعب سنويًا من المياه.
الشكل (1): مصادر المياه التقليدية (مليار متر مكعب/ سنة)
يتبين من الشكل السابق ارتفاع حجم المياه القادمة من المصادر التقليدية للمياه (نهر النيل، المياه الجوفية العميقة، الأمطار والسيول، تحلية مياه البحر) بنحو 0.82% فقط خلال الفترة التي تتراوح بين العام المالي 2015/2016 وحتى 2018/2019 من 59.11 مليار متر مكعب إلى 59.6 مليار متر مكعب. أما عن 2.استخدامات المياه:
الشكل (2): استخدامات الموارد المائية (مليار متر مكعب/ سنة)

يوضح الشكل السابق ارتفاع استخدامات الموارد المائية في مصر بنحو 0.31% من 80 مليار متر مكعب خلال 2015/2016 إلى 80.25 مليار متر مكعب، مع ثبات حجم استخدامات المياه خلال عامي 2017/2018 و2018/2019. وتوزع تلك الاستخدامات على النواحي التالية:
الشكل (3): توزيع استخدام الموارد المائية
يتبين من الشكل استحواذ قطاع الزراعة على حوالي 76.8% من إجمالي استخدامات المياه، تليه مياه الشرب بنحو 13.3% بفارق يبلغ 63.4%، كما يتضح ثبات حصة فواقد البخر ومياه الصناعة من إجمالي الاستخدامات خلال الأعوام المذكورة سلفًا.
3.نصيب الفرد من المياه العذبة:
انخفض نصيب المواطن المصري من المياه العذبة بشكل متتالٍ وملحوظ مع مرور السنوات حتى تراجع عن حد الفقر المائي العالمي البالغ 1000 متر مكعب سنويًا، وهو ما يتبين من الشكل التالي:
الشكل (4): نصيب الفرد من المياه

يلاحظ من الشكل أن نصيب الفرد من المياه في مصر خلال 1889 بلغ حوالي 5000 متر مكعب سنويًا، لينخفض في أعقاب توقيع اتفاقية النيل بين مصر والسودان خلال عام 1959 إلى 2000 متر مكعب، وتوالت الانخفاضات عقب ذلك وصولًا إلى أقل من 600 متر مكعب سنويًا خلال 2019.
أسباب أزمة المياه
تتراوح أسباب الأزمة والفجوة المائية بين ظروف وعوامل خارجية وأخرى داخلية، مثل: ارتفاع نسب نمو السكان، والاعتماد على مصادر قليلة للمياه مما يفاقم من مشكلة سد النهضة، فضلًا عن تداعيات التغيرات المناخية على الموارد المائية.
1.الزيادة السكانية:
تمثل الزيادة السكانية تحديًا رئيسيًا أمام الحكومة المصرية على جميع الأصعدة، فمن المتوقع أن يصل إجمالي السكان إلى أكثر من 175 مليون نسمة بحلول عام 2050 بما يمثل ضغطًا على الموارد المائية، كما يتضح تاليًا:
الشكل (5): عدد السكان (مليون نسمة)
يتبين من الشكل السابق نمو عدد السكان في مصر بنسبة ثابتة تتراوح حول 2% تقريبًا لتصل إلى 102.33 مليون نسمة، في حين نما عدد السكان بحوالي 21.05% خلال عقد زمني.
2. التغيرات المناخية:
يُنظر إلى التغيرات المناخية كتحدٍّ هام أمام موارد مصر المائية، حيث أشار التقرير الوطني الثالث المقدم للجنة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ إلى أن أكثر القطاعات المصرية عرضة للتداعيات السلبية لهذه الظاهرة هي موارد المياه العذبة والزراعة، وذلك في ظل الارتفاع الملحوظ بدرجة الحرارة أو قلة الأمطار.
3.عدم تنوع الموارد المائية:
اعتمدت مصر على نهر النيل كمصدر أساسي للموارد المائية خلال السنوات الماضية، حيث يلبي أكثر من 90% من الاحتياجات المائية للسكان، ولذا بدأت الدولة في السعي إلى زيادة حصتها من المياه القادمة من المصادر الأخرى، وهو ما يتضح من الشكلين التاليين:
الشكل (6): توزيع موارد مصر المائية (مليار متر مكعب/ سنة)
يتضح من الشكل السابق ثبات حصة مصر من مياه نهر النيل والأمطار والسيول، وارتفاع حصتها من المياه الجوفية العميقة وتحلية مياه البحر، ولذا تغيرت نسبة تلك المصادر من إجمالي الموارد على النحو الآتي:
الشكل (7): نسب توزيع موارد مصر المائية (%)
يتضح من الشكل تراجع حصة نهر النيل من إجمالي موارد المياه بنسبة ضئيلة للغاية تبلغ 0.77% في ظل ارتفاع نسبة الاعتماد على تحلية مياه البحر والمياه الجوفية بنحو 0.23%، و0.56% على التوالي.
4.ضآلة الاستثمارات الموجهة للقطاع المائي:
ارتفع إجمالي الاستثمارات العامة الموجهة لقطاع المياه من قبل الحكومة أو الهيئات الاقتصادية إلى 14.4 مليار جنيه حتى العام المالي 2019/2020، كما صعدت نسبتها من إجمالي الاستثمارات الموجهة لجميع القطاعات الاقتصادية، ورغم ذلك فهي لا تزال نسبة ضئيلة للغاية مقارنة بحجم التحديات التي يواجهها هذا الملف.
الشكل (8): إجمالي الاستثمارات في قطاع المياه
5.سد النهضة:
يعتبر سد النهضة الإثيوبي أحد التحديات الكبرى التي تواجه مصر حاليًا، خاصة في ظل الإجراءات الأحادية التي يقوم بها الجانب الإثيوبي فيما يخص ملء وتشغيل السد، مما قد يفاقم أزمة المياه التي تواجهها مصر حاليًا.
الجهود المصرية في مجال تحلية المياه
تبين من التحليل السابق ضآلة حصة المياه المصرية من مصدر تحلية مياه البحر بالتوازي مع الاعتماد على نهر النيل في تلبية احتياجات المواطنين من المياه. وفي هذا السياق، اتجهت الدولة للتوسع في تشييد محطات تحلية مياه البحر ليصل إلى 90 محطة على مستوى الجمهورية، منها 76 محطة تم الانتهاء منها، و14 محطة سيتم الانتهاء منها بحلول عام 2022.
وتمتلك محافظة مطروح نحو 17 محطة، والبحر الأحمر حوالي 17 محطة، فيما تستحوذ شمال سيناء وحدها على 29 محطة، وجنوب سيناء على 10 محطات، لتوزع باقي المحطات على محافظات الإسماعيلية، وبورسعيد، والسويس، والإسكندرية، والدقهلية.
وفي هذا الشأن، أعدت وزارة الإسكان المصرية مع الشركة القابضة للمياه والصرف الصحي وهيئة المجتمعات العمرانية وهيئة التخطيط العمراني خطةً خمسية (2020-2025) للتوسع في محطات تحلية مياه البحر بالجمهورية كجزء من خطة ترشيد المياه وتعظيم الاستفادة من المواد المائية المتاحة. وتشمل الخطة أربعة محاور، هي:
- الأول: توفير الاحتياجات المائية لحل المشاكل الحالية والزيادة السكانية الطبيعية المستقبلية للمجتمعات السكانية القائمة.
- الثاني: توفير الاحتياجات المائية البديلة لإيقاف نقل مياه الشرب إلى مطروح والبحر الأحمر وسيناء.
- الثالث: توفير الاحتياجات المائية البديلة للمياه السطحية.
- الرابع: توفير الاحتياجات المائية المطلوبة للتنمية العمرانية.
وتستهدف الخطة من خلال تلك المحاور، تنفيذ وتطوير 47 محطة تحلية مياه البحر بطاقة إجمالية 2.44 مليون متر مكعب يوميًا، وتكلفة مقدرة 45.18 مليار جنيه، كما يتضح من الجدول التالي:

يتبين من الجدول مدى أهمية المحور الثالث المتعلق بتوفير مصادر بديلة للمياه، حيث تم تخصيص 29.64 مليار جنيه لتنفيذه بنسبة 65.6% من إجمالي التمويل المخصص للخطة، بطاقة يومية مقدرة بنحو 1.2 مليون متر مكعب.
ومن المرجح أن تتوزع الخطة على 10 محافظات هي: شمال سيناء، وجنوب سيناء، وبورسعيد، والإسماعيلية، والسويس، والبحر الأحمر.. بقطاع شرق. والدقهلية، وكفر الشيخ.. بقطاع شمال الدلتا. والبحيرة، ومطروح.. بقطاع شمال غرب.
ومن الجدير بالذكر أن الجهود المصرية في الملف المائي لا تقتصر على تشييد محطات لتحلية المياه، بل إنها تمتد لتشمل إنشاء محطات تنقية مياه الصرف الصحي، ومشروعات تبطين الترع، إلى جانب التوسع في مشروعات إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي.
وفي الختام، يُمكن توقع زيادة حصة المياه من محطات تحلية البحر خلال السنوات القادمة إذا تم تنفيذ خطط الدولة المُعلن عنها بهدف مواجهة التزايد السكاني وثبات حصة مصر من مياه نهر النيل مما قد يساهم في تقليص الفجوة المائية وحجم العجز في الميزان المائي.