اتصل وزير خارجية مصر سامح شكري بكل من رمطان لعمامرة وزير خارجية جمهورية الجزائر، وناصر بوريطة وزير خارجية المملكة المغربية، لبحث التطورات الأخيرة التي شهدتها العلاقات بين البلدين الشقيقين، والسيناريوهات المتاحة للتوصل إلى حل حول الخلاف الجاري بينهما والذي تطور إلى إعلان لعمامرة خلال مؤتمر صحفي انعقد في الرابع والعشرين من أغسطس في عام 2021، عن قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، متهمًا المملكة المجاورة بارتكاب أعمال وصفها بـ”غير الودية والعدائية” ضد الجزائر. فلماذا كل ذلك الخلاف بين الدولتين؟ وما هي الأبعاد الاقتصادية لذلك الخلاف؟ خاصة أن الجزائر تزود المغرب بالنصيب الأكبر من احتياجاتها من الغاز الطبيعي.
الخلفية التاريخية
يمتد الخلاف بين البلدين لسنوات طويلة، وينظّم الحدود بين الدولتين الجارتين (تتشاركان في حوالي 1600 كم) معاهدة تم توقيعها في عام 1972 لترسيم الحدود بين البلدين، وتمت المصادقة عليها من جانب مجلس النواب المغربي في 28 مايو من عام 1992. وعلى الرغم من أن التركيبة الديمغرافية بين البلدين متشابهة إلى حد كبير، حيث تعود الجذور للسكان بالدولتين إلى 99% من العرب والأمازيغ، و1% للآخرين، وتشترك الدولتان في كون الدين الإسلامي يمثل نسبة 99% من الدين بهما، ويتشاركان أيضًا في اللغات الرسمية بين البلدين، وهي العربية والأمازيغية، بالإضافة إلى التحدث باللغة الفرنسية. غير أن تلك التشابهات الكبيرة لم تقدم حلولًا للمشكلات المتجذرة بين الجارتين، فدائمًا ما تحدث مناوشات بين الطرفين، بداية من اتهام المغرب لفرنسا بمحاباتها للجزائر عند ترسيم الحدود بين البلدين، مما مهد لإشعال حرب بين الجارتين خلال الأعوام 1963 و1964 والتي لم تتوقف إلا بعد تدخل جامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي لوقف إطلاق النار بين الطرفين، لكن تلك الحرب تركت أثرًا لا يُمحى في جسد العلاقات بين الجارتين.
بينما كانت تتأهب إسبانيا في عام 1975 للانسحاب من مستعمراتها بالصحراء الغربية مترامية الأطراف، زحف قرابة 350 ألف مواطن مغربي للمكوث في ذلك الإقليم فيما يُعرف بـ”المسيرة الخضراء”، فنشأ ما يُسمى بـ”الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب” المعروفة باسم “البوليساريو” باللغة الإسبانية في 20 مايو 1973. وقد جاءت تلك النشأة لهدف واحد هو تحرير الصحراء الغربية مما تراه استعمارًا مغربيًا. ولم تَرْقَ تلك الجبهة لاعتراف الأمم المتحدة بها كدولة مستقلة (الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية)، لكن تم الاعتراف بوجود الجبهة كمفاوض للمغرب. من جانب آخر، حظيت تلك الجبهة بتأييد دولة الجزائر، وليس ذلك فحسب بل قدمت الجزائر لاحقًا الملاذ لعدد من أبناء الصحراء الغربية، وآوتهم في مخيمات بواحة تندوف (مدينة وبلدية جزائرية، وهي نفسها دائرة تندوف التابعة إداريًا إلى ولاية تندوف)، وكانت الجزائر أول دولة تعترف بالجمهورية الوليدة. ومنذ ذلك الوقت، تتكرر الاتهامات المغربية للجزائر بدعمها جبهة البوليساريو عسكريًا بقوات في معارك الصحراء الغربية، ودائمًا ما تنفي الجزائر تلك المزاعم.
وقد شهدت الأوضاع في السنوات الماضية تشديد الحماية العسكرية على الحدود بين البلدين، وبناء أسوار، وإغلاق الحدود البالغ طولها 1600 كم تقريبًا بين البلدين، خاصة بعد أحداث تفجير مراكش في عام 1994. وتستمر قضية الصحراء الغربية دون التوصل إلى حلٍّ يلقى رضا الأطراف الثلاثة (جبهة البوليساريو، والجزائر.. من جهة، والمغرب من جهة أخرى). وفي 24 أغسطس 2021، أعلنت الجزائر عبر وزير خارجيتها قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، معللًا ذلك الإجراء باستمرار المملكة المغربية في أعمالها العدائية تجاه الجزائر.
العلاقات التجارية
بالنظر إلى حجم اقتصاد البلدين فإن اقتصاد الجزائر أكبر من اقتصاد المغرب بنسبة 30%، حيث يبلغ الناتج المحلي الإجمالي المقوم بعملة الدولار الأمريكي في عام 2020 مبلغ 145.2 مليار دولار للجزائر، مقابل 112.9 مليار دولار للمغرب العربي. لكن الأداء الاقتصادي للمغرب خلال السنوات العشر الأخيرة أفضل بكثير من نظيره الجزائري؛ إذ ينمو الاقتصاد المغربي بمعدل نمو سنوي مركب بنسبة 2%، وهو ما مكّن المغرب من زيادة حجم الناتج المحلي الإجمالي لها من 93.2 مليار دولار في عام 2010 إلى 112.9 مليار دولار في عام 2020. على الجانب الآخر، فإن الأداء العام لاقتصاد الجزائر سيئ، حيث ينخفض بمعدل انخفاض سنوي مركب يبلغ 1%، حيث انخفضت قيمة اقتصاد الجزائر من 161.2 مليارًا في عام 2010 إلى 145.2 مليارًا في عام 2020، بسبب انخفاض أسعار المواد الهيدروكربونية.
وعلى الرغم من أنّ العمليات التجارية بين البلدين تخضع لقواعد المصلحة لا السياسة؛ إلا أن العلاقات السياسية السيئة بين الجارتين في هذه الحالة أثّرت على العلاقات التجارية. فوفقًا لتصريحات رئيس الجمعية الوطنية للمصدرين الجزائريين فإن العلاقة التجارية بين البلدين لا تتجاوز 200 مليون دولار في حال استبعاد أنبوب الغاز الرابط بين الجزائر وبين المغرب، إضافة إلى أن ذلك الأنبوب يُستخدم لتصدير الغاز إلى إسبانيا عبر المرور من الأراضي المغربية، وتحصل المغرب على ريع نظير إيجار ذلك الأنبوب لإسبانيا بموجب اتفاقية تُنظم ذلك الأمر. وبالنظر إلى صادرات المغرب للجزائر فهي مستمرة في الانخفاض خلال السنوات الثلاث الماضية، حيث بلغت تلك الصادرات 133.8 مليون دولار في عام 2020، مقابل 159 مليون دولار في عام 2019، و173.6 مليون دولار في عام 2018. فوفقًا لبيانات عام 2019، بلغت قيمة صادرات معادن الحديد والألومنيوم والمنتجات الأخرى المرتبطة بها 41.9 مليون دولار، وهي تمثل تقريبًا نسبة 26% من إجمالي صادرات المغرب للجزائر. وبلغت الصادرات من المنتجات الكيميائية 30.3 مليون دولار بنسبة 19% من الصادرات، ثم أتت في المرتبة الثالثة والرابعة صادرات الملابس والمنتجات الغذائية بقيم 28.8 مليون دولار و20.7 مليون دولار، لتمثل تلك المنتجات الأربعة حوالي 121.7 مليون دولار بنسبة 76% من صادرات المغرب للجزائر. على الجانب الآخر، تراجعت صادرات الجزائر للمغرب سنويًا إلى 433.4 مليون دولار خلال عام 2020، مقابل 480 مليون دولار عن عام 2019، و742 مليون دولار عن عام 2018. ومثّلت المنتجات النفطية نسبة 85% من إجمالي الصادرات بقيمة 430 مليون دولار، تليها صادرات الفواكه الاستوائية والزجاج الحجارة بقيم 18.6 و16.9 مليون دولار على التوالي، وتمثل تلك المنتجات الثلاثة نسبة 96% من صادرات الجزائر للمغرب.
خط أنابيب المغرب-أوروبا
يُسمى أيضًا بخطّ غاز پردو دوران فاريل، وهو خط أنابيب يُستخدم لنقل الغاز الطبيعي بين حقل حاسي الرمل في الجزائر عبر المغرب إلى قرطبة في إسبانيا، بعد ذلك يجد طريقه إلى كلٍّ من إسبانيا والبرتغال. وتم اقتراح الخط للمرة الأولى في عام 1963 عن طريق بعض الشركات الفرنسية بهدف مد الأنابيب إلى استراسبورج في فرنسا، لكن النزاع الذي كان دائرًا في منطقة الصحراء الغربية حال دون تنفيذ ذلك المخطط، هذا فضلًا عن أن استهلاك الغاز الطبيعي في إسبانيا كان منخفضًا للغاية بشكل يترتب عليه أن تكلفة إنشاء الخط أعلى من الفوائد التي ستنتج عنه. لكن في عام 1992 وافقت كل من إسبانيا والجزائر على البدء في إنشاء خط الأنابيب، وفي الوقت نفسه وقّعت كل من سوناطراك (الشركة العامة لأبحاث وإنتاج ونقل وتحويل وتجارة الهيدروكربونات) وإناغاز (شركة طاقة إسبانية تمتلك وتدير شبكة الغاز في إسبانيا) اتفاق إمداد طويل الأجل، تلا ذلك الاتفاق اتفاقية مغربية على البدء في إجراءات الإنشاء والتشغيل واستخدام خط الأنابيب، وفي العام نفسه تأسس مشروع خط أنابيب المغرب-أوروبا في عام 1994، وافتتح القسم الإسباني في عام 1996، كما افتتح القسم البرتغالي في 1997 وفي عام 2000 تم تسميته بخط پردو دوران فاريل.
وقبل قطع العلاقات الدبلوماسية بين الجارتين، كان المغرب قد أعرب عن رغبته في تجديد العقد بين البلدين والذي بموجبه يمر الغاز الجزائري إلى أوروبا عبر الأراضي المغربية، وتحصل المغرب على جزء منه؛ إلا أنه بعد قطع العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين لوّح الجانب الجزائري باحتمالية الاستغناء عن ذلك الخط لتوصيل صادراته من الغاز إلى أوروبا، مشيرًا إلى توسيع طاقة خط أنابيب الغاز ميدغاز الذي يربط الجزائر مباشرة بإسبانيا عبر البحر المتوسط. وبموجب الأنباء الصادرة عن الإعلام الجزائري (صحيفة “الشروق”) يحصل المغرب على حوالي 600 مليون متر مكعب من الغاز الذي يمر من الجزائر إلى أوروبا، ويتمّ استخدام ذلك الغاز في توليد 89% من الكهرباء في المغرب، هذا فضلًا عن استفادة المغرب من إتاوات نتيجة لتأجيره الأنبوب للجانب الإسباني، ومن ثم فإن كل تلك المعطيات تضطر المغرب للبحث عن حلول لتعويض الغاز الجزائري. ومن جانب آخر يشير المغرب إلى أن الغاز الجزائري لن يؤثر على الكهرباء، حيث إنه يعتمد على الغاز الجزائري لتوليد 17% من إجمالي إنتاج الكهرباء، علاوة على حصوله على حصة بحوالي 500 مليون متر مكعب من الغاز تغطي 50% من احتياجات البلاد.
خلاصة القول: من المؤكد أن الطرفين سيخسران في حال تطور تلك القطيعة الدبلوماسية إلى قطيعة اقتصادية، بصرف النظر عن طبيعة وحجم الخسارة التي سيتحملها كل طرف. وعلى الأرجح أن ذلك الخلاف لن يتطور على الأقل في المدى القصير، خاصة وأن أوروبا (إسبانيا والبرتغال) طرف في ذلك النزاع، ولا سيما في ظل فرضية عدم جاهزية خط الغاز المباشر “ميدغاز” الذي يربط الجزائر بإسبانيا بشكل مباشر، لكن من المؤكد أن الجزائر ستعمل على تطوير ذلك الأنبوب بشكل عاجل. وفي المقابل، ستحاول المغرب البحث عن بدائل للغاز المغربي، سواء بتنويع مصادر الطاقة أو البحث عن مصدر جديد للغاز الخاص بها.