صنف تقرير المخاطر العالمية لعام 2020 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، فقدان التنوع البيولوجي وانهيار النظام البيئي ضمن أهم خمسة تهديدات تواجه البشرية، وذلك لاعتماد أنظمة الرعاية الصحية على التنوع البيولوجي، حيث يعتمد أربعة مليارات شخص على الأدوية الطبيعية، وكذلك 70% من عقاقير السرطان مستمدة من الطبيعة.
يتعرض التنوع البيولوجي لكثير من الأخطار مثل: ضغط النمو السكاني، والصيد الجائر للحيوانات، وإزالة الكثير من النباتات والأشجار، وتدهور البيئات نتيجة التلوث، بالإضافة إلى الظروف المناخية المتغيرة التي أثرت على درجات الحرارة والبرودة ونسب هطول الأمطار، مما أدى إلى عدم تحمل العديد من الكائنات الحية وموتها.
لقد صدقت 196 دولة خلال قمة الأرض للأمم المتحدة التي تم عقدها عام 1992 في البرازيل على معاهدة عالمية باسم “اتفاقية التنوع البيولوجي”، والتي تهدف إلى الاستخدام المستدام للطبيعة، والحفاظ على التنوع البيولوجي، والتقاسم المنصف للمنافع الناشئة عن العلوم الجينية. وهناك اتفاق دولي على الالتزام بتنفيذ الخطة العشرية التي تم اعتمادها في اليابان في أكتوبر 2010، خلال انعقاد مؤتمر الأطراف العاشر بصفته الهيئة الإدارية العليا لأي اتفاقية دولية بيئية، والتي سُميت بـ”الاستراتيجية الحديثة للاتفاقية الدولية للتنوع الحيوي” أو “أهدف آيتشي العشرون”، نسبة إلى إقليم (AICHI) في اليابان حيث تضمنت تلك الأهداف: التقليل من إزالة الغابات، والتصدي للأسباب الكامنة وراء فقدان التنوع البيولوجي، وخفض الضغوط المباشرة التي يتعرض لها، وصون النظم الإيكولوجية والتنوع الجيني.
ومع هذا فقد صرح السيد “غوتيريش” الأمين العام للأمم المتحدة خلال قمة التنوع البيولوجي لعام 2020، بأن العالم يفقد كل عام 13 مليون فدان من الغابات، فيما يتعرض مليون نوع من الأجناس لخطر الانقراض، كما انخفضت الفقاريات بنسبة 68%، وأكثر من 60% من الشعاب المرجانية معرضة للخطر بسبب الصيد الجائر والممارسات المدمرة في الأعوام الخمسين الماضية.
التوازن البيئي في مصر
تم إدخال الكثير من النباتات والحيوانات إلى مصر خلال القرنين الماضيين، وتسبب إدخال هذه الأنواع الغازية إلى البيئة المصرية في إهمال الأنواع المصرية، وبالتالي تدهورت بعض الأصول الوراثية، أو كادت تختفي. وفي المقابل، ظهرت أنواع جديدة لم تكن معروفة سلفًا لدينا، مثل الآفات الزراعية وورد النيل. ويمكن القول إن جميع البيئات المصرية، سواء النيلية، الزراعية، الصحراوية، وحتى الجبلية والبحرية، وخاصة المناطق العميقة جدًا في البحر المتوسط، قد وصلتها يد الإنسان، الأمر الذي أدى إلى تدهور كبير في النظم البيئية والموائل والتنوع البيولوجي، ولذلك تعمل مصر على ثلاثة محاور متوازية للتصدي لهذا التدهور هي: التنوع البيولوجي، والتشجير والغابات، والمحميات الطبيعية.
المحميات الطبيعية
ارتبطت فكرة المحميات في العصور القديمة بالممارسات الدينية، إذ كان يعد دخول الإنسان للصيد في هذه المناطق المقدسة من المحرمات على البشر. ثم بدأ مالكو الأراضي في تنظيم عمليات الصيد عن طريق تخصيص مناطق معينة لممارسة هذا النشاط. إلا أن فكرة حماية الحيوانات بهدف الحفاظ عليها من الموت لم تظهر حتى القرن 19 الميلادي.
فالمحمية الطبيعية هي مساحة محددة من الأرض أو البحر تتوافر فيها ظروف طبيعية ملائمة للحفاظ على الموارد الطبيعية الموجودة بتلك المساحة، ويتم ذلك تحت إشراف الدولة طبقًا لبعض القوانين وخطط الإدارة المنظمة للاستخدام المستدام لتلك الموارد، حيث تحدد أنواع وحجم الأنشطة البشرية التي يمكن القيام بها دون أن تتضرر تلك الموارد بسبب الإهمال أو العشوائية، مما يساهم في حماية الحياة البرية والموائل الطبيعية لضمان عدم انقراض بعض الأنواع، وحماية المعالم الطبيعية التي يمكن أن تختفي تدريجيًا، بالإضافة إلى الحفاظ على مجموعة كبيرة من الجينات التي يمكن استخدامها في المستقبل في تقنيات التهجين أو التعديل الوراثي لغرض زراعة مصادر غذائية وعلاجية قد يحتاجها العالم.
المحميات الطبيعية في مصر
يبلغ عدد المحميات الطبيعية في مصر 30 محمية طبيعية بنسبة تزيد على 15% من إجمالي مساحة مصر، وهي موضحة بالخريطة التالية.
خريطة المحميات في مصر
المحميات في مصر

رصد الحياة البرية عالميًا
هناك عدة منظمات دولية تهتم برصد ومتابعة الحياة الطبيعية في العالم منها: الاتحاد الدولي لصون الطبيعة (IUCN)، وهو السلطة الرسمية القائمة على رصد التنوع البيولوجي في العالم، ويختص بإعادة تقييم كل فئة من الأنواع النباتية والحيوانية كل خمس إلى عشر سنوات، ونشر قائمة حمراء للأنواع المهددة بالانقراض. وهناك أيضًا منظمة ” WWF NRDC Endangered “، التي تعد من أهم المنظمات التي تعمل على رصد وحماية واستعادة موائل الأنواع المهددة بالانقراض، حيث تقوم بحماية واستعادة الحياة البرية المختفية، وآخر الأماكن البرية المتبقية، من خلال تطبيق أفضل العلوم المتاحة والعمل عن كثب مع المجتمعات المحلية.
على الصعيد المحلي، تم القيام بعدة محاولات من جهات مختلفة من أجل إجراء تقييمات شاملة على المستوى الوطني بشأن القائمة الحمراء للمجموعات التصنيفية المختلفة داخل وخارج المحميات في مصر منذ 1995 وحتى الآن، ولكن كافة تلك المحاولات لم يتم توثيقها على المستوى الدولي لدى وحدة القائمة الحمراء بالاتحاد الدولي لصون الطبيعة (IUCN)، نظرًا لعدم اتّباعها المعايير الدولية المتعارف عليها، باستثناء القليل من التقييمات التي مر عليها العديد من السنوات وتحتاج لتحديث. ومن خلال البيانات المتوافرة بنهاية عام 2016 على موقع القائمة الحمراء بالاتحاد الدولي لصون الطبيعة (IUCN)، فقد تم تحديد حالة التهديد لبعض المجموعات التصنيفية للكائنات الحية بمصر كالتالي:
القوائم الحمراء للكائنات الحية بمصر

إيمانًا من الحكومة المصرية بحق أبنائها من الأجيال القادمة في ثرواتها الطبيعية، فقد خصصت هيكلًا تنظيميًا وتشريعات مسئولة عن حماية التنوع البيولوجي في مصر. كما تبذل جهودًا كبيرة في عملية تطوير المحميات الطبيعية، ودمج مفاهيم التنوع البيولوجي بأهداف التنمية المستدامة. وقد أشاد الاتحاد الدولي لصون الطبيعة IUCN ضمن تقريره عن مواقع التراث الطبيعي العالمي لعام 2020، بالكفاءة والحرفية التي صمم بها موقع وادي الحيتان كأحد مواقع التراث العالمي الجيولوجي في مصر. كما كان فوز مشروع “صون الطيور الحوامة المهاجرة” التابع لوزارة البيئة والذي ينفذ بالتعاون مع الـ UNDP، GEF بجائزة الطاقة العالمية دليلًا على نجاح تلك المجهودات، كما تعمل على تذليل العديد من المعوقات التي تواجه تلك المجهودات مثل: عدم توافر البنية التحتية، ضعف التشريعات والقوانين المنظمة، قلة الموارد البشرية والمالية المخصصة لعمليات الرصد والمتابعة، المساحات غير الواقعية لمعظم المحميات، اعتماد المجتمع المحلى على بعض الأنشطة الاقتصادية الضارة بموارد المحمية، بالإضافة إلى بعض السلوكيات الخاطئة لهم.
المصادر:
https://www.arabstates.undp.org/content/rbas/ar/home/sustainable-development-goals.html
https://news.un.org/ar/story/2020/09/1062842