أعلنت المفوضية الأوروبية، في ٢ يونيو 2021، اعتزامها بدء مرحلة من التفاوض مع الدول الأعضاء حول فرض رسوم على وارداتها كمرحلة أولى من سلع الصُلب والأسمنت والألمونيوم، المُنتج في البُلدان التي لديها سياسات بيئية غير صارمة، أو تتراخى في تطبيق هذه السياسات.
أولًا– دوافع الاتحاد الأوروبي لفرض ضرائب الكربون:
يستهدف الاتحاد الأوروبي دفع القارة الأوروبية بأكملها لتكون أولى قارات العالم التي تصل إلى تحقيق أهداف الكربون وذلك مرحليًا بأن تخفض بحلول ٢٠٣٥ مُعدل انبعاثاتها إلى ٥٠٪ مُنه في عام ١٩٩٠، ثم تصل إلى التعادل الكربوني في عام ٢٠٥٠، ولذا فقد تبنت دول الاتحاد نظامًا يُطلق عليه نظام التجارة في الانبعاثات الكربونية، أدى إلى تغيير قواعد الصناعة في القارة بشكل كبير.
- النظام الأوروبي للتجارة في الانبعاثات:
في عام 2005، أطلق الاتحاد الأوروبي نظام EU ETS أو EU Emission Trading System لتنظيم سوق الانبعاثات الحرارية، ويشمل بالإضافة إلى دول الاتحاد الأوروبي دول النرويج وأيسلندا وليختنشتاين، وينضوي تحت ETS حوالي 10 آلاف منشأة في قطاع الطاقة والصناعة التحويلية، وكذلك شركات الطيران العاملة بين هذه البلدان، ويغطي حوالي 40٪ من انبعاثات الغازات الحرارية في الاتحاد الأوروبي.
تكمُن فحوى هذا النظام في أن الاتحاد الأوروبي يُحدد سنويًا حصة مُتناقصة من الانبعاثات الحرارية لإجمالي الدول المُدرجة داخل النظام، وتوزع هذه الحصص على المُنشآت البالغة 10 آلاف التي يشتمل عليها، بحيث تلتزم كل شركة بحصتها من الانبعاثات ولا تتجاوزها. وفي حالة ما إذا اضطرت أي مُنشأة أو شركة لتجاوز حصتها من هذه الانبعاثات، فعليها شراء حصص شركات أخرى، بحيث تكون مُحصلة الانبعاثات مُتوافقة مع إجمالي ما حدده الاتحاد في بداية العام، وفي حالة تجاوز أي شركة حصتها، فإنه يوقع عليها عقوبات مالية ضخمة.
تأثير النظام على شركات الاتحاد الأوروبي:
أدى هذا النظام إلى رفع تكلفة المُنتجات الأوروبية عند مُقارنتها بنظيرتها من خارجه، لسببين:
أولًا: نتيجة التزام الشركات بحصصها من الانبعاثات، أو شراء حصص في حالة رغبتها تجاوزها، مما يُحدد الإنتاج أو يرفع تكلفته في حالة شراء مزيد من الحصص.
ثانيًا: اتجاه أسعار الحصص للزيادة بسبب ارتفاع الطلب عليها، في ظل ارتفاع الطلب على إنتاج السلع، وفي الوقت ذاته خفض الاتحاد الأوروبي الحصص تدريجيًا، حيث ارتفع السعر من مُستوى 7.08 دولارات للطن في أول يناير 2019، إلى 64.03 دولارًا أول أكتوبر 2021، كما يوضح الشكل التالي:
شكل (1):
تطور أسعار حصص الكربون في الفترة ما بين يناير ٢٠١٥ وحتى أكتوبر ٢٠٢١
- أدت هذه الارتفاعات إلى خفض تنافسية مُنتجات الاتحاد الأوروبي مع الشركات المُصدرة من خارجه، وخاصة من دول العالم التي لا تفرض شروطًا بيئية على الأنشطة الاقتصادية في المُجمل وخاصة الصناعية، وخاصة تلك الواردة من الصين.
ثانيًا- تأثيرات الضرائب المُحتملة على الاقتصاد المصري:
ستتأثر مصر بالنظام المُرتقب في حالة ما إذا انطبقت عليها شروط تطبيقه، وكان من بين صادراتها أحد المُنتجات المُستهدفة بالضريبة، وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى:
1- التجارة بين مصر والاتحاد الأوروبي:
صدرت مصر ما إجماليّه 7.053 مليارات دولار من السلع للاتحاد الأوروبي في عام 2020، كما يوضح الشكل التالي:
شكل (2):
تطور الصادرات المصرية للاتحاد الأوروبي في الفترة من ٢٠١١ وحتى ٢٠٢٠
ويتضح من الشكل تأثر الصادرات المصرية بالسلب في عام ٢٠٢٠ بجائحة كورونا، وانخفاض الطلب العالمي، حيث انخفضت من ٩٫٣ مليارات دولار، إلى ٧٫٠٥ مليارات دولار، الأمر الذي يعني أنه في حالة تطبيق الضريبة فإنها ستتعرض لمزيد من الانخفاضات، مما يؤدي لتضرر الاقتصاد المصري بشكل أكبر، خاصة وأن الصادرات المصرية من السلع الثلاث الداخلة في المرحلة الأولى بلغت ما إجماليه نحو 757 مليون دولار، كما يوضح الجدول التالي:
جدول (1): يوضح تطور صادرات مصر من سلع المرحلة الأولى للاتحاد الأوروبي في الفترة من ٢٠١١ وحتى ٢٠٢٠
2011 | 2012 | 2013 | 2014 | 2015 | 2016 | 2017 | 2018 | 2019 | 2020 | |
بالمليون دولار | ||||||||||
الحديد والصُلب | 285.41 | 95.82 | 153.28 | 119.52 | 32.21 | 148.62 | 300.75 | 332.69 | 149.91 | 240.98 |
صفائح من الحديد والصُلب | 67.23 | 47.28 | 55.64 | 38.54 | 32.10 | 22.63 | 21.69 | 41.60 | 41.11 | 72.12 |
صفائح من الألومنيوم | 513.18 | 487.24 | 426.68 | 409.19 | 343.59 | 303.92 | 382.05 | 481.52 | 386.16 | 385.33 |
أسمنت وأملاح أخرى | 110.47 | 100.57 | 117.41 | 60.66 | 46.19 | 62.71 | 64.58 | 51.42 | 67.00 | 58.76 |
المجموع | 976.28 | 730.91 | 753.01 | 627.91 | 454.09 | 537.88 | 769.06 | 907.24 | 644.17 | 757.19 |
2- التأثير على الاقتصاد المصري:
لا يقتصر التأثير على إجمالي الصادرات المصرية للاتحاد الأوروبي، بل يمتد للبنود التالية:
ففي حال تطبيق هذه الضريبة فعليًا ستتأثر مصر والاقتصاد المصري، حيث ستنخفض ربحية الصادرات المصرية التي تُصدر بما يُقارب نحو ٧٥٠ مليون دولار من الصادرات المُستهدفة بالضريبة. وفي حال استجابة مصر للضغوط البيئية الأوروبية، ورفعت معاييرها واشتراطاتها البيئية، فإن ذلك سيسفر عن انخفاض تنافسية الاقتصاد المصري في عمومه، حيث يُشكل تساهل مصر مع الاشتراطات البيئية أحد عوامل جذب الاستثمارات الأجنبية المُباشرة.
كما ستتعرض عوائد مصر من اتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي إلى الانخفاض بشدة، بعد أن تطال البضائع المصرية هذه الضريبة. وربما تفقد مصر في المديين المتوسط والبعيد عددًا كبيرًا من الوظائف وكذلك من تدفقات العُملات الأجنبية.
في النهاية، تجدر الإشارة إلى أن المُفاوضات بين الدول الأوروبية ستستغرق أوقاتًا طويلة قد تزيد على العامين، وذلك بسبب الارتباطات الخارجية لكل منها، وهو ما ينبغي استغلاله مُبكرًا، وممارسة ضغوط عن طريق الشُركاء الأوروبيين الأكثر قُربًا من مصر (مثل: فرنسا، إيطاليا، اليونان)، وذلك إما لاستثناء مصر مُطلقًا، أو استثنائها لفترات طويلة حتى تُعدل أوضاعها الداخلية، وقد يكون ذلك بطريق استغلال كون مصر من دول الجوار الأوروبي التي تُنفذ مع الاتحاد سياسات مُكافحة الهجرة غير المُنتظمة، في حين أن هذه الاشتراطات ستعرض هذه الجهود للخطر، في ظل ما ستفقده مصر من وظائف. كذلك يُمكن أن تفرض مصر ضرائب مماثلة على واردات الاتحاد التي يبلغ إجماليها 16.8 مليار دولار، اعتمادًا على أية قيود كمية أو عراقيل تنظيمية أخرى.