اتخذت الدولة المصرية منذ ثورة الـ30 من يونيو 2013، خطوات متسارعة على طريق الإصلاح على مختلف الأصعدة، ووضعت خطة طموحة من أجل تحقيق تنمية شاملة ومستدامة ذات أبعادٍ ثلاثة: اجتماعي، واقتصادي، وبيئي، يساهم فيها كل أفراد المجتمع. ونظرًا للطبيعة الشابة التي يتمتع بها المجتمع المصري، لم يكن الشباب بمعزل عن المشاركة في تنفيذ برامج الإصلاح وتحمل نصيبهم من المسئولية لتحقيق التنمية. ولكن قبل تحمل المسئولية، كانت هناك رحلة من التأهيل والتدريب بدأها الرئيس “السيسي” حين أعلن “عام 2016” عامًا للشباب المصري.
التأهيل وتعزيز الثقة
(*) يمثل الشباب في الفئة العمرية بين 18 و29 عامًا أكثر من 20% من إجمالي عدد سكان مصر، في حين يمثل عدد السكان أقل من 40 عامًا حوالي 60% من إجمالي السكان، وفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في 2019. وفي ظل تدني مستوى التنمية البشرية في مصر وفقًا للتقارير الدولية (مثل: تقرير التنافسية الدولية، ومؤشر رأس المال البشري حتى 2016) لم تجد الدولة المصرية مفرًا من القيام بتدخلات عاجلة لتأهيل أعداد محددة من الشباب، وتزويدهم بالمهارات التي تؤهلهم للمشاركة بفاعلية في دفع عجلة التنمية.
(*) كان البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة أول هذه التدخلات، حيث انطلق البرنامج في سبتمبر 2016 بهدف تأهيل وتدريب 3500 شاب يمثلون نموذجًا تحتذي به الهيئات والمؤسسات في تدريب وبناء كوادرها، ويساهمون في صنع السياسة العامة للدولة مستقبلًا. وقد حقق هذا البرنامج مكتسبات عديدة على مستوى بناء الثقة بين الشباب ومؤسسات الدولة من خلال تنمية شعور الشباب بأنهم فاعلٌ رئيسي في عملية البناء والتنمية، حيث نجحت مؤتمرات الشباب الوطنية التي انبثقت عن البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة والتي عُقدت في مختلف محافظات مصر في فتح قناة اتصال مباشرة بين الشباب ومؤسسات الدولة، والتعبير عن الاحتياجات الحقيقية للمواطنين، والخروج بتوصيات صالحة للتنفيذ على أرض الواقع.
(*) في 2017، منحت القيادة السياسية شكلًا مؤسسيًا لبرامج تأهيل وتدريب الشباب من خلال إنشاء الأكاديمية الوطنية للتدريب، والتي كانت إحدى توصيات مؤتمرات الشباب، وهدفت الأكاديمية إلى تحقيــق متطلبــات التنميــة البشــرية للكــوادر الشــبابية بجميــع قطاعــات الدولــة، والارتقــاء بقدراتهــم ومهاراتهــم مــن خلال البرامــج التدريبـيـة فــي المجالات المختلفــة. ولم تكتفِ الأكاديمية ببرنامج تأهيل الشباب في الفئة العمرية 20-30 عامًا، ولكنها توسّعت لتضم أربع فئات مختلفــة من خلال البرنامــج الرئاســي لتأهيــل الشــباب للقيــادة ويستهدف الشباب فئة 20-30 عامًا، والبرنامـج الرئاسـي لتأهيـل المتفوقيـن للقيـادة ويستهدف المتفوقين من شباب الجامعات، والبرنامـج الرئاسـي لتأهيـل التنفيذييـن للقيـادة ويستهدف العاملين في القطاع الحكومي فئة 30-45 عامًا، والبرنامـج الرئاسـي لتأهيـل الشــباب الإفريقي.
(*) تجدر الإشارة إلى أن عددًا من الوزارات والهيئات، أبرزها وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية ووزارة الشباب والرياضة، انتهجت نهجًا مشابهًا لمؤسسة الرئاسة وبدأت في تنفيذ برامجها التدريبية الخاصة التي تستهدف قطاعات الشباب المختلفة ليبدو تضافر الجهود واضحًا في تنفيذ المادة 82 من الدستور المصري التي تنص على “أن تكفل الدولة رعاية الشباب والنشء، وتعمل على اكتشاف مواهبهم، وتنمية قدراتهم الثقافية والعلمية والنفسية والبدنية والإبداعية، وتشجيعهم على العمل الجماعي والتطوعي، وتمكينهم من المشاركة في الحياة العامة”.
تمكينٌ متعدد الاتجاهات
لم يقتصر الأمر على تقديم البرامج التدريبية أو المبادرات التوعوية فقط، ولكنه امتد أيضًا إلى تمكين حقيقي للشباب في جميع الاتجاهات: الاقتصادي، والسياسي، والاجتماعي، أشادت به المنظمات والهيئات الدولية، كان آخرها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
(*) التمكين الاقتصادي: يبدأ التمكين الاقتصادي بتوفير فرص العمل اللائقة التي تحمي الأفراد من براثن الفقر والعوز، وقد بذلت الحكومة المصرية جهودًا حثيثة منذ 2014 وحتى الآن لتقليل معدلات البطالة من خلال المشروعات القومية العملاقة ودفع المستثمرين لإنشاء مشروعات جديدة تستوعب الزيادة السنوية في الطلب على العمل، حيث انخفضت معدلات البطالة من 13% في 2014 إلى 7.3% في 2021، كما طرح البنك المركزي مبادرة لتمويل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر بلغ عدد المستفيدين منها 3.3 ملايين مواطن 63% منهم ينتمون لفئة الشباب.
(*) التمكين السياسي: شهدت الفترة من 2014 وحتى 2019 نموًا ملحوظًا في أعداد الشباب في المناصب القيادية، حيث صدر في 2014 قرار بتفويض الوزراء في اختيار معاونيهم، وبدأت بالفعل العديد من الوزارات في تطبيقه، ثم جاء قرار مجلس الوزراء في 2020 بالموافقة على مشروع قرار بشأن نظام تعيين مساعدي ومعاوني رئيس مجلس الوزراء والوزراء، على ألا يتجاوز عددهم عشرة لكل وزير. واستكمالًا لجهود تمكين الشباب في المناصب التنفيذية، وقع الاختيار على اثنين من الشباب لتولي منصب المحافظ 2019، كما بلغ عدد نواب المحافظين من الشباب في العام نفسه 23 نائبًا ونائبة بنسبة 60% من العدد الإجمالي لنواب المحافظين.
أما على صعيد الحياة النيابية، فقد تمكنت تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين (وهي مبادرة تأسست في 2016، وجمعت الشباب الحزبي من 19 حزبًا والمستقلين لتقديم نموذج للحوار القائم على الأهداف والرؤى المشتركة من أجل تنمية الحياة السياسية) من حصد 31 مقعدًا في مجلس النواب، و12 مقعدًا في مجلس الشيوخ، في إشارة واضحة إلى أن المجال السياسي مفتوح أمام الشباب ويدفع نحو المشاركة بإيجابية.
(*) التمكين الاجتماعي: يُقصد بالتمكين الاجتماعي للشباب مشاركتهم في عملية صنع السياسات وفي تحمل المسئولية الاجتماعية والأعمال التطوعية بشكل يساعد على النهوض بالمجتمع وتحسين مستوى حياة أفراده بما ينمي مشاعر الانتماء لديهم، ويقلل من الظواهر السلبية مثل التطرف العنيف أو اللجوء للهجرة غير الشرعية. وعلى الرغم من أن منظمات المجتمع المدني واجهت بعض التحديات خلال الفترة من 2014 وحتى 2017 بسبب قضايا التمويل الخارجي وصدور قانون تنظيم العمل الأهلي في 2017؛ إلا أن عدد الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني بلغ حوالي 52 ألف منظمة وجمعية أهلية، وهو عدد يمكن من خلاله الوصول إلى استنتاج مفاده أن عدد المتطوعين في مصر كبير، حيث بلغ في 2020 وفقًا لتصريحات مديرة مكتب متطوعي الأمم المتحدة أكثر من 1.5 مليون متطوع.
وفي عام 2019، صدر القانون رقم 149 الذي تلافى السلبيات التي أفرزها القانون السابق، وأعاد تقنين أوضاع الجمعيات الأهلية بشكل يضبط العمل الأهلي ولا يعوقه. علاوةً على ذلك، فقد أطلق الرئيس “السيسي” مبادرة “حياة كريمة” لتنمية القرى الأكثر احتياجًا والتي تطورت فيما بعد لتصبح المشروع القومي لتطوير الريف المصري، وقد ضمت المبادرة إلى الآن أكثر من 20 ألف متطوع، في إشارة إلى ثقة الشباب في جدية المشروعات التنموية، ورغبتهم في المشاركة فيها بفاعلية.
(*) لا يمكن أن يقتصر تمكين الشباب على ما سبق فقط، فلا يمكن إغفال جهود توفير السكن اللائق الذي يمثل أحد أهم متطلبات الشباب والأساس الذي تقوم عليه جهود التمكين الأخرى. وفي هذا الشأن، وفرت الحكومة المصرية على مدار ست سنوات وحدات سكنية بنظام التمويل العقاري لأكثر من 242 ألف أسرة من محدودي الدخل، وكانت نسبة الشباب المستفيدين من المبادرة 72% من العدد الإجمالي.
(*) ختامًا، يمكن القول إن الشباب هم المحرك الأول والأقوى لعجلة التنمية في أي مجتمع، وهو ما لم تغفله الدولة المصرية على مدار السنوات السبع الماضية بما حقق عددًا من النتائج الإيجابية، ولكننا في ظل التركيبة السكانية التي يغلب عليها الطابع الشاب ما زلنا في حاجة إلى جهود مضاعفة، كما أن الحاجة إلى استراتيجية وطنية لدمج وحماية وتمكين الشباب أصبحت ضرورة لا غنى عنها لضمان ألا يتأخر أحد عن الركب في مسيرة التنمية الشاملة والمستدامة.