نشر معهد جورج تاون للمرأة والسلام والأمن (Georgetown University’s Institute for Women, Peace and Security) ومعهد أبحاث السلام في أوسلو The Peace Research Institute Oslo))، بدعم من وزارة الخارجية النرويجية، الإصدار الثالث من مؤشر المرأة والسلام والأمن العالمي 2021/2022 Women, Peace and Security Index، في أكتوبر 2021، ليكون أول مؤشر جنساني يقيس الرفاهية الشاملة للمرأة، ويشمل 170 دولة ليغطي أكثر من 99% من سكان العالم.
ويُركز المؤشر على وضع المرأة وإنجازاتها من حيث القيمة المطلقة وليس بالنسبة للرجل؛ حيث يتم قياس البلدان على أساس أدائها العام في إدماج المرأة والعدالة والأمن، بدلاً من التركيز على الفجوات بين النساء والرجال، وتم إضافة مؤشر خاص بالنزوح القسري، مع الأخذ في الاعتبار تداعيات جائحة “كوفيد-19” على المرأة، ليعكس تصور يوضح أن الدول تصبح أكثر تقدمًا وسلامًا عندما تعطي للمرأة حقوقها كاملة والعكس صحيح.
استند المؤشر على ثلاث أبعاد لقياس وضع المرأة في الدول محل الدراسة التي بلغ عددها 170 دولة، تتمثل في الإدماج (Inclusion) على الصعيد الاقتصادي، والسياسي، والاجتماعي، والعدالة (Justice) من خلال المعايير الرسمية وغير الرسمية، والتمييز والظلم القانونيين، والأمن (Security) في الأسرة، والمجتمع، والعنف المنظم) من خلال 11 مؤشرًا يتجسد في قياس إنجازات المرأة في (التعليم، والشمول المالي، والتوظيف، واستخدام الهاتف المحمول، والتمثيل البرلماني) أما العدالة فيتم التحقق من مدى( التمييز ضد المرأة في النظام القانوني، والتحيز لصالح الذكور، والسلوكيات التمييزية التي تستهدف تقويض فرص المرأة في المجال الاقتصادي وفي بيئة العمل والأجور) وأخيرًا الأمن فيقيس (عنف الشريك، وسلامة المجتمع وتداعياته على تنقل المرأة خارج المنزل، والعنف المنظم الناتج من النزاعات الحكومية وغير الحكومية والأحادية الجانب).
تباطؤ مستمر
كشف مؤشر المرأة والسلام والأمن العالمي عن مجموعة من النتائج حول وضع المرأة في الدول محل الدراسة التي شهدت وتيرة مُتباطئة من التقدم في المؤشر بشكل كبير، مع اتساع الفوارق بين الدول، نتيجة استمرار الدول التي تحتل القمة في التحسن مقابل تنامي معدلات تراجع الدول الأسوأ مما يعكس الاتجاهات العالمية في الثروة وعدم المساواة في الدخل. علاوة على تداعيات الجائحة التي ساهمت في تزايد الفجوة، وتفاقم التحديات التي تواجهها المرأة على كافة المستويات. وعليه؛ يوضح الجدول التالي أفضل عشر دول في المؤشر، بجانب أسوأ عشر دول من أصل 170 دولة.
كما تطرق المؤشر إلى وضع المرأة في عدد من المناطق؛ حيث تصدرت جنوب آسيا مقدمة المناطق الأسوأ أداءً هذا العام لأول مرة، نتيجة المستويات المرتفعة من التمييز القانوني في المنطقة، وعنف الشريك، والسلوكيات التمييزية التي لا تزال تحرم المرأة من حقوقها، وغالبًا ما يقترن ذلك بمستويات منخفضة من الإدماج. فأقل من امرأة واحدة من بين كل أربع نساء في المنطقة تعمل بأجر، وهو معدل أقل من نصف المتوسط العالمي.
فيما تعد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا المنطقة الأسوأ أداءً على الصعيد القانوني، بمتوسط 50 نقطة فقط من أصل 100 نقطة، مع حصول فلسطين على أسوأ نتيجة قانونية وهي 26 على مستوى العالم. فيما بلغت نسبة الرجال الذين يعتقدون أنه من غير المقبول أن تحصل المرأة على وظيفة مدفوعة الأجر خارج المنزل إذا رغبوا في ذلك – وفقًا للمعايير التمييزية – هي الأعلى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وأشار المؤشر إن مركز أمريكا اللاتينية كان سيئ فيما يتعلق بسلامة المجتمع؛ حيث تشعر امرأة واحدة من بين كل ثلاثة فقط بالأمان وهي تمشي بمفردها ليلًا، على الرغم من أن البلد الذي تشعر فيه النساء بأقل قدر من الأمان هو أفغانستان، فيما تعتبر سوريا هي الأسوأ عالميًا فيما يتعلق بالعنف المنظم والأسوأ إقليميًا فيما يتعلق بسلامة المجتمع.
تداعيات “كوفيد-19”
وفقًا للمؤشر؛ تسببت الجائحة “كوفيد-19” في حدوث أزمات مُتعددة، على الرغم من الافتقار إلى البيانات الشاملة المُصنفة حسب الجنس، هناك أدلة متراكمة على أن اثنين من الأبعاد الثلاثة الرئيسية للمؤشر وهم الإدماج والأمن قد تضررا بشدة. إذ تجاوزت الخسائر المُقدرة في العمالة مدفوعة الأجر للنساء في عام 2020 (5 %) بينما كانت خسائر الرجال (3.9 %). وعلى الصعيد العالمي، بين الأشخاص الذين فقدوا وظائفهم، 9 من كل 10 نساء أصبحوا غير نشيطين اقتصاديًا، معظمهم من الشابات، في المناطق الحضرية، وأقل تعليمًا، مقارنة بـ 7 من كل 10 رجال.
وأفاد المؤشر أن هناك دلائل على أن الشركات المملوكة للنساء تعرضت للإغلاق إبان الجائحة نتيجة عدد من الأسباب التي تتمثل: في صغر حجمها، وزيادة الطابع غير الرسمي، والعمل في القطاعات الأكثر تضررًا. فعلى الصعيد العالمي، عملت 40 % من النساء في القطاعات المُتضررة من الجائحة، مقارنة بـ 37 % من الرجال.
فيما بلغت نسبة العاملات في القطاعات الأكثر تضررًا من الجائحة في عام 2020 في شرق آسيا والمحيط الهادي 54%، وفي أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي 53%، وفي الدول المتقدمة 49%، وفي وسط وشرق أوروبا وآسيا الوسطى فبلغت 48%، وفي الدول الهشة كانت 45%، أما أفريقيا جنوب الصحراء فوصلت إلى 43%، تلاها الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الذي بلغت فيه 29%، وأخيرًا جنوب آسيا الذي قُدر فيها بنحو 25%.
والجدير بالذكر، قبل الجائحة وصلت نسبة النساء في سن العمل عالميًا كن خارج قوة العمل مدفوعة الأجر بسبب مسئوليات الرعاية غير مدفوعة الأجر إلى نحو 42%، مقارنة بـ 6 % من الرجال.
النزوح القسري
اهتم المؤشر بالنزوح القسري وتداعياته على وضع المرأة نتيجة ارتفاع عدد النازحين لما يقرب من 90 مليونًا في نهاية عام 2020، بلغ منهم 55 مليونًا نازحًا داخليًا؛ حيث نزح حوالي 48 مليون نازح بسبب الصراع والعنف، ونحو 7 مليون نتيجة الكوارث الطبيعية. ومن بين 1.44 مليون لاجئ في حاجة لإعادة التوطين على مستوى العالم، شهد العام الماضي إعادة توطين 23 ألف نازحًا فقط، وهو أقل عدد منذ ما يقرب من عقدين، وفقًا لتقديرات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين.
وعليه تم بناء مؤشر للمرأة والسلام والأمن للنازحين قسرًا لإدراك أهم التحديات التي تواجههم فيما يتعلق ببعد الإدماج، والعدالة، والأمن لخمس دول أفريقية ذات مستويات عالية من النزوح: إثيوبيا ونيجيريا والصومال وجنوب السودان والسودان، بالاعتماد على بيانات البنك الدولي التي تغطي النازحات ونساء المجتمعات المضيفة لهم، لتقييم الاختلافات بين تجارب النازحات وتجارب نساء المجتمع المضيف، في الإدماج والعدالة والأمن.
فقد كان لدى إثيوبيا ونيجيريا والصومال وجنوب السودان والسودان أعداد كبيرة من النازحين حتى قبل النزاع في منطقة تيجراي في عام 2021. وتقدر المفوضية أن عدد النازحين داخليًا في الصومال بلغ ما يقرب من 3 ملايين شخص في يناير 2021 بسبب الجفاف والفيضانات والمجاعة والصراعات المسلحة والعشائرية. وقد سبق أن أدى الجفاف في الصومال عام 2017، والذي تلاه فيضانات شديدة في عام 2018، إلى نزوح أكثر من 926 ألف شخصًا.
ووفقًا للمؤشر، كانت الدرجات في الدول الخمس أسوأ بالنسبة للنازحات مقارنة بنساء المجتمع المضيف، بمتوسط حرمان يبلغ حوالي 24٪. وقد واجهت النساء النازحات مخاطر أعلى بكثير من نساء المجتمع المضيف وخاصة المُتعلقة بالعنف في المنزل، وحرية التنقل، والشمول المالي. فيما تصدرت كل من إثيوبيا وجنوب السودان والسودان الدول الخمس التي لديها فجوات كبيرة في درجات المؤشر بين النازحات ونساء المجتمع المضيف. فيما كانت الأسر التي يعولها اللاجئون / النازحون داخليًا أكثر عرضة للفقر من الأسر التي يرأسها رجال، وقد يرجع ذلك وفقًا للمؤشر إلى عدم المساواة بين الجنسين الذي ساهم في تفاقم تداعيات النزوح والفقر.
فيما تجاوزت الفجوات بين معدلات الشمول المالي لللاجئات والمجتمعات المضيفة 15 نقطة مئوية في إثيوبيا ونيجيريا والصومال، مقارنة بـ 4 نقاط مئوية في السودان. هذا بجانب أن أداء النازحات كان أسوأ بشكل منهجي من نساء المجتمع المضيف خاصة في الشمول المالي وخطر عنف الشريك في الدول الخمس.
ملاحظات ختامية
- على الصعيد العالمي ارتفعت درجات مؤشر المرأة والسلام والأمن بمتوسط 9% منذ عام 2017، وبمعدلات أعلى من المتوسط في 31 دولة، فيما تحسنت النتائج بأكثر من 5% في 90 دولة، كما أن 6 من 10 الأوائل الذين حسنوا من مستوياتهم كانوا من أفريقيا جنوب الصحراء وهم: جمهورية أفريقيا الوسطى، مالي، الكاميرون، بنين، كينيا، ورواندا.
- أفاد المؤشر أن النزوح والموقع الجغرافي يمكن أن يضاعف عدم المساواة بين الجنسين، ويؤدي إلى تحديات إضافية للمرأة، كما تُظهر نتائج مؤشر النزوح القسري إلى أن النساء النازحات عادة ما يواجهن تحديات إضافية، في حين أن طبيعة الحرمان تختلف من دولة إلى أخرى.
- نوه المؤشر إلى أهمية مراعية المنظور الجنساني عند معالجة التحديات التي تواجه المرأة، فضلاً عن أهمية النظر إلى سياق الأزمات المُتعلقة بالنزوح.
- كشف التقرير أهمية التعليم كمحدد قوي لآفاق التوظيف لكل من النساء النازحات والمجتمعات المضيفة، مما يؤكد الحاجة إلى الاستثمار في التعليم.
- توضح المؤشرات الجديدة التحديات والاحتياجات المُتنوعة التي تواجه المرأة داخل الحدود الوطنية. كما أنها تؤكد على أهمية المقاييس متعددة الأبعاد لوضع المرأة والفرص المتاحة لها.
- أكد المؤشر على أهمية الحاجة إلى قاعدة بيانات أفضل شاملة ومُحدثة ومُصنفة حسب الجنس تغطي جميع الفئات بما فيها النازحين لمختلف المجموعات العرقية والإثنية.
للاطلاع على التقرير من الرابط التالي:
https://giwps.georgetown.edu/wp-content/uploads/2021/10/WPS-Index-2021.pdf