بينما يختزل الخطاب الأصولي المتطرف الماضي والحاضر والمستقبل في شعاراته، إلا أنه ينكر دائما أزماته الراهنة، مصرا على التطهر وادعاء النقاء والقداسة، متجاهلا كثيرا من فضائحه، كمشكلة عبد الحكيم عابدين، سكرتير الجماعة وصهر حسن البنا سنة 1948، وأثناء حرب فلسطين الأولى سنة 1948 أو يتجاهل أزماته وانقساماته ومشاكله الراهنة، وهو ما يتضح في خطاب جماعة الإخوان المسلمين الإعلامي بشكل واضح، وهو ما سنوضحه فيما يلي من أمثلة:
تجاهل الخلل الإداري وأزمة التنظيم:
يتجاهل الإعلام الإخواني أزمات وانتكاسات الجماعة وجود خلل في الهيكل القيادي والإداري للتنظيم، بعد انقسام المكتب الإرشادي والسياسي للجماعة بين لندن وتركيا، والتركيز إعلاميا من الجماعة ذاتها على هذا الخلل سيسقط ما تبقى لها من أي أثر سياسي أو اجتماعيا كان، وسيؤدي بلا شك إلى تعرية التنظيم وكشف حالة أزمته العميقة التي يعيشها حاليا، وهو ما يعكسه أيضا انقسام منصاته.
ففي العام 2016 تدهور آداء موقع الجماعة الرسمي “إخوان أون لاين” نتيجة الصراع بين جناحي إدارة الجماعة، وكان يسيطر عليه جناح الإخوان “الثوريين”، والذي يقوده عضو مكتب الإرشاد محمد كمال (الذي تم تصفيته في عملية أمنية لاحقا)، لتُنشئ جبهة الحرس القديم ورموزها محمود حسين وإبراهيم منير ومحمود عزت موقعًا آخر بعنوان “إخوان. سايت”، ويصبح المنصة الإعلامية الرسمية لجبهة محمود حسين.[1]
تناقض أصيل في خطاب الجماعة الإعلامي:
قبل وبعد سقوط المشروع السياسي الإخواني في مصر عام 2013، دأب خطابها الإعلامي على التهرب من الحقيقة، مرددا لشعاراته، سواء قبل السقوط أو بعد السقوط، دون ممارسة النقد الذاتي الأصيل، وهو الفضيلة التي تتجاهلها الجماعة دائما، وهو الأمر الذي استمرت فيه الجماعة منذ تأسيسها عام 1928 حتى صدور صحيفة الحرية والعدالة الناطقة باسم الجماعة (2011-2013).
وهو ما يمكن تفسيره بالإنكار الأصولي ووصاية المرشد والهيكل الإداري ومركزية دوره في توجيه وسائل الإعلام والخطاب الاتصالي للجماعة من جهة ثانية وذلك لأسباب عديدة.
ولم يواجه الإعلام الإخواني أزمة انهيار الشعارات، التي كان يرددها قادة الجماعة عبر وسائل اتصالهم التقليدية والرقمية على أرض الواقع الميداني للحكم، كالعدالة الاجتماعية وسلمية الدعوة والإسلام هو الحل ونحو ذلك، وصولاً إلى وعود تحقيق أستاذية الإسلام وحاكميته للعالم، أو يعترف بفشله في ترجمة أي من هذه الشعارات على أرض الواقع عندما تولت الجماعة الحكم سنة 2012 و2013.
العمى أو تجاهل أمراض الذات:
أنكر وتجاهل علام الإخوان أزماتهم، سيسقط بكل تأكيد الصورة النمطية والمثالية التي روجها التنظيم عن نفسه خلال العقود الكثيرة الماضية عبر منابره الإعلامية المختلفة، تلك الصورة التي ضمت قيم التسامح والانفتاح والتعايش والحريات والديموقراطية واحترام حقوق الأقليات، كذلك التركيز على الجانب الدعوي والإرشادي الذي يمثل جوهر دعوة التنظيم منذ نشأته حتى وقتنا هذا.
ونتيجة لازدواجية وتناقض الإعلام الإخواني؛ يواجه في الوقت الراهن مأزقاً معقداً نتيجةً لمجموعة من الأسباب، بعضها يتعلق بتراجع ثقة الجيل الجديد من الشباب في الخطاب الإعلامي الإخواني، وبعضها الآخر يتعلق بمضمون هذا الخطاب القائم على التشكيك والتحريض، وبعضها الثالث يتعلق بحالة النفور العامة من القيادات الإعلامية الإخوانية، خاصة الموجودة في تركيا، التي لم تعد قادرة على التأثير في الشارع العربي[2]، خاصة بعد تحجيمها من قبل النظام السياسي التركي.
غياب المهنية وتجاهل مشاكل الأذرع الإعلامية:
لا تؤمن الجماعة بالممارسة الإعلامية المهنية المجردة؛ بل تؤمن فقط بالرسالة الإعلامية التي يصدرها التنظيم وتعبر عن أيدلوجيته السياسية الإسلامية، ولوحظ ذلك على مدار تاريخ الجماعة، حينما ذهبت لتشكيل صحف تماثل النشرات الدعوية، التي يتم حشوها بعشرات من المقالات التي تخدم التنظيم، وتمجد أفعاله، وتحاول حسب الظروف المواتية ممارسة هدم الدولة، ومحاولة الوصول للسلطة، متجاهلة انقساماتها وأمراضها الحاضرة أو تجاربها الفاشلة سابقا.
مثالا على ذلك، لم تتطرق أذرعه الإعلامية إليها، اللهم عدد قليل من العاملين في عدد الفضائيات والصحف التي يملكها التنظيم خارج مصر، والذين تضرروا بشدة جراء عدد من الإجراءات التعسفية التي اتُخذت بحقهم، ونشروا ذلك من خلال حساباتهم الشخصية على المواقع التواصلية. وكانت أزمة قناة “الشرق” الإخوانية التي كانت تُبث من تركيا لخير دليل على الفساد الكبير الذي يستشري في جسد المنظومة الإعلامية للجماعة، عندما بدأ عاملون في القناة في يوليو 2018 اعتصامهم، مطالبين بزيادة مستحقاتهم المالية، ما دعا أيمن نور، إلى فصل عدد منهم واستدعاء الشرطة التركية، وعدد من ذوي الجنسيات الأجنبية، الذين وصفهم المعتصمون بــ”البلطجية” لفض ذلك الاعتصام، وإنهائه بالقوة.
الموت الإكلينيكي:
وتأكيدا على ماسبق، يرى خبراء وإعلاميون أن الإعلام الإخواني أصبح في مرحلة “الموت الإكلينيكي” فعليا؛ لأنه كلما كان الإعلام ضعيفا ضعفت قدرته على نقل الأخبار بموضوعية وحياد، ويقدم فقط المنتج الخبري الذي يخدم وجهة نظره، وفي المرحلة الأسوأ يحاول أن ينتج الحدث أو يصنع الخبر لاستدرار العطف أو كسب قاعدة جماهيرية، وهذا هو حال الإعلام الإخواني. أيضا تأثير القنوات الموالية لـ الإخوان غير ملموس في الشارع المصري؛ نظراً لاعتماد خطابها على المبالغة والحشد؛ ما أفقدها المصداقية حتى عند القطاع المتعاطف مع الإخوان من الجمهور.
ما سبق عرضه لا يمنع أن يكون هناك دافع إخواني من تصدير الأزمات الأخيرة التي ضربت التنظيم للعلن في هذا التوقيت، فقد مرت الجماعة بأزمات مشابهة على مدار تاريخها لكنها بقيت سراً، ويرى مراقبون أن محاولة تسريب الخلافات والحديث عنها لا ينفي أنها قائمة بالفعل، ولكن هناك مبرر لخروجها للإعلام يتعلق بكون الجماعة تعمل في خط موازي للترتيب لأمر ما. كما أن الجماعة تحاول في الوقت الحالي استغلال كافة المنصات التي تمثل القوى الناعمة، للعودة إلى المشهد السياسي بشكل تدريجي في الدول العربية وتستغل في ذلك المؤسسات البديلة والأذرع الأكاديمية والإعلامية والجمعيات.
[1] بالوثائق.. إعلام الإخوان أداة في الصراع والأزمة، تقرير لموقع نون بوست، منشور بتاريخ 9 فبراير 2016، متاح على الرابط التالي:
[2] خبراء وباحثون: الإعلام الإخواني يتسم بالازدواجية ويحرض على العنف والكراهية، تقرير لصحيفة الوطن الإماراتية، منشور بتاريخ 12 نوفمبر 2020، متاح على الرابط التالي: