منذ أن نمت شعبية منصة “نتفلكس” وغيرها من خدمات البث الرقمي الأخرى تصاعدت المخاوف من تأثيرها، وهي مخاوف مبررة نظرًا لما تتمتع به شركة الترفيه الأمريكية من قدرة بعيدة المدى على إحداث تغييرات ملموسة في عقول وسلوك عملائها من ناحية، والقيم المغايرة التي تتبناها هذه المنصات غير الخاضعة للرقابة التقليدية من ناحية أخرى. ونظرًا للتمدد المتسارع لمنصة “نتفلكس” في الشرق الأوسط بشكل عام وفي مصر بشكل خاص، فقد أثار وجودها جدلًا كبيرًا في الآونة الأخيرة، وقد جاء هذا الجدل مقترنًا بطبيعة ما تبثه المنصة من محتوى، وتصاعد الحديث عن ملاءمة هذا المحتوى للمنظومة القيمية الخاصة بالمجتمع المصري، وأُثيرت تساؤلات عدة حول مدى تأثير ما تبثه المنصات الرقمية بشكل عام من محتوى على الوعي الجمعي المصري، وآليات التعامل مع هذا التأثير في ظل تزايد شعبية هذه المنصات، والتصاعد الهائل في عدد مشتركيها. ومن هنا يحاول التحليل الراهن التعرف على مدى تأثير المنصات الرقمية الغربية -بالتركيز على منصة “نتفلكس”- على المنظومة القيمية والوعي الجمعي المصري، ويجيب عن تساؤلات عدة، منها: هل ما تنتجه هذه المنصات يهدف إلى إحداث تأثير مقصود في قيم المجتمعات؟ وما هي حدود هذا التأثير؟ والأهم هو: ما مدى صلابة المجتمعات في مواجهة الثقافات والقيم المغايرة التي تبثها هذه المنصات؟.
المنصات الرقمية وحروب البث.. نتفلكس نموذجًا
شهدت صناعة السينما والتلفزيون مؤخرًا تحولًا هائلًا نتيجة ظهور موجة جديدة من خدمات بث الفيديو عبر الإنترنت (OTT)، والتي تعتمد جميعها بشكل كبير على استخدام الخوارزميات، وهو ما أدى إلى ما أطلقت عليه وسائل الإعلام “حروب البث” Streaming Wars التي عززتها جائحة (كوفيد-١٩) والإغلاق العالمي اللاحق، حيث أدت الجائحة إلى تسريع هذا التحول المضطرب الذي يحدث في صناعة السينما والتلفزيون، وانتشار “دور السينما الافتراضية” و”مهرجانات الأفلام عبر الإنترنت”، كما أدت إلى تكثيف الديناميكيات التنافسية لـحروب البث، وهو ما جعل خدمات مثل “نتفلكس” تحقق أرقامًا قياسية في عدد المشتركين. ونظرًا إلى أن هذه الخدمات تتنافس على الاشتراكات، فإن ما ينتهي إلى جذب المستخدمين المحتملين إلى خدمة واحدة على أخرى قد لا يعتمد على المحتوى الفعلي الذي تقدمانه، بقدر ما يعتمد على الطرق التي يتم إنتاج المحتوى وتنظيمه والتوصية به عن طريق التكنولوجيا الخوارزمية، وهو ما يعني أن الصناعة ستشهد تسارعًا في التطوير الاستراتيجي وتنفيذ الخوارزميات، الأمر الذي سيؤدي -بدوره- إلى زيادة أهمية وجودها وانتشارها.[1]
وبالنظر إلى منصة نتفلكس، يتضح أن الشبكة قد تأسست في عام١٩٩٧، وقد بدأت خدماتها كشركة متخصصة في تأجير أقراص الفيديو (DVD)، وتحولت الشبكة نحو إطلاق خدمة بث الفيديو عبر الإنترنت في عام ٢٠٠٧، وتشعبت رسميًا إلى الأسواق الدولية في عام ٢٠١٠ مع إطلاقها في كندا. وفي عام ٢٠١١ تم إطلاقها في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، وامتدت إلى أوروبا في عام ٢٠١٢، وأصبحت متاحة رسميًا في المملكة المتحدة وأيرلندا ودول الشمال. وقد واصلت نتفلكس مسيرتها في جميع أنحاء العالم في عام ٢٠١٥، وأطلقت أخيرًا خدمتها في أستراليا ونيوزيلندا واليابان ومواقع أخرى. واعتبارًا من عام ٢٠١٦، أصبحت نتفلكس متاحة في جميع أنحاء العالم تقريبًا باستثناء عدد قليل من البلدان.
Source: Netflix & Statista.
ولا شك في أن نتفلكس هي الفائز الأكبر من ثورة البث عبر الإنترنت، حيث يذهب ١٥٪ من حركة مرور الويب في العالم إلى نتفلكس التي شهدت نموًا هائلًا في عدد مشتركيها الذي بلغ في الربع الثالث من عام ٢٠٢١ حوالي ٢٢١.٨٤ مليون مشترك. وفي خلال ثلاث سنوات (٢٠١٨-٢٠٢٠) أضافت نتفلكس أكثر من ١٠٠ مليون مشترك جديد للخدمة. وتتمركز القاعدة العريضة من مشتركي نتفلكس في الولايات المتحدة وكندا، حيث تمثل الدولتان ما يزيد على ٣٥٪ من عدد المشتركين في المنصة على مستوى العالم. وبحلول عام ٢٠٣٠ تخطط “نتفلكس” لأن يكون لديها ٥٠٠ مليون مشترك على مستوى العالم. [2] ووفقًا لـ”مجموعة ليتشتمان للأبحاث” Leichtman Research Group، فإن ٦٢٪ من الأسر الأمريكية لديها الآن حساب على نتفلكس التي تعد خدمة البث الأكثر انتشارًا في الولايات المتحدة وخارجها، [3] والتساؤل الذي يبرز هنا هو:
كيف نجحت نتفلكس في بناء هذه القاعدة العريضة من المشتركين حول العالم؟
أنفقت “نتفلكس” في عام ٢٠١٩ حوالي ١.٥ مليار دولار على البحث والتطوير، بزيادة نسبتها ٢٦٪ عن إنفاقها في عام ٢٠١٨. [4] وفي عام ٢٠٢١، تم ترشيح نتفلكس لما مجموعه 35 جائزة أوسكار، وهو مؤشر قوي على أن منتجات المنصة قد نالت استحسان النقاد. ولم يكن هذا التحرك لجذب النقاد بسبب الحظ أو جودة المحتوى الذي تنتجه المنصة؛ بل يرجع إلى التسويق أيضًا. ففي عام ٢٠٢٠، أنفقت نتفلكس ما يُقدر بـ100 مليون دولار أمريكي على حملات تسويق الجوائز (awards marketing campaigns). قارن ذلك بالأستديوهات التقليدية، التي عادةً ما تنفق ما بين ٥ ملايين إلى ٢٠ مليون دولار لكل فيلم على تسويق الجوائز، لكن الفوز بالجوائز ليس مجرد تعزيز للأنا بالنسبة لـنتفلكس؛ فهناك سبب تجاري وراء ذلك. فهناك فوائد إنتاجية لكونك أستديو حائزًا على جوائز، لأنه سيجعل أفضل الممثلين والمخرجين والكتاب يتسابقون للعمل معك.
ولعل السبب الأهم في تصاعد عدد مشتركي نتفلكس يتمثل في “إضفاء الطابع الشخصي” Personalization، فقد أشارت دراسة أجرتها شركة “أكسنتشر” Accenture [5] عام ٢٠١٥ إلى ثلاثة أساليب لإضفاء الطابع الشخصي لها تأثير مباشر على سلوك الشراء: [6]
- اعرف اسمي: يفضل ٥٦٪ من العملاء الشراء من بائع تجزئة يعرفهم بالاسم.
- اعرف ماضي: يفضل ٦٥٪ من العملاء الشراء من بائع تجزئة “يعرف تاريخ الشراء”.
- اعرف ما أريد: يفضل ٥٨٪ من العملاء الشراء من بائع تجزئة يوصي بالخيارات بناءً على مشترياتهم السابقة.
لا يخفى على أحد أن نتفلكس أجادت صياغة الواجهات الصديقة للمستهلك والمدعومة بإضفاء الطابع الشخصي، وهو ما دفع المنصة لأن تصف نفسها بأنها “مهووسة بالعميل“، وتسعى جاهدة لتقديم تجربة شخصية بالكامل. تُعد فئة “لأنك شاهدت…” مثالًا رئيسيًا على هذه الفلسفة في العمل[7]. وفقًا لـنتفلكس يأتي ٨٠٪ من المحتوى الذي تتم مشاهدته من التوصيات،[8] لقد مضى وقت طويل حتى نضج النظام الأساسي للمنصة ليتجاوز نموذج اكتشاف المحتوى الأساسي “البحث بالكلمات الرئيسية” إلى نموذج يعتمد خوارزميات متقدمة تستخدم بيانات المشتركين لتقديم توصيات المشاهدين بناءً على ما يحلو لهم (وما لا يعجبهم) وما قد شاهدوه (وآخرون) من قبل، وقد حددت نتفلكس أكثر من ٢٠٠٠ “مجتمعات ذوق” taste communities، أي مجموعات من الأشخاص الذين لديهم تفضيلات المحتوى نفسها. هذه الملفات الشخصية هي التي تقود ما تراه على نتفلكس، في الواقع فإن الاسم الأكثر دقة لصف “شائع على نتفلكس” الذي يظهر على الصفحة الرئيسية للموقع سيكون “شائعًا بين أولئك الذين لديهم أذواق مماثلة ولهم تاريخ مشاهدة مثلك، وهذا ليس سوى جزء صغير من طبقة التخصيص الهائلة التي تدعم تجربة نتفلكس، حيث إن كل شيء، بما في ذلك الصفوف والعناوين الموجودة في تلك الصفوف وترتيب تلك العناوين داخل الصفوف والعمل الفني في الصور المصغرة، يتم النظر فيه بعمق لكل مستخدم.[9]
في نقد نظرية المؤامرة: هل نحن مستهدفون بالتغيير؟
لا شك في أن وسائل الإعلام بشكل عام تُحدث تأثيرات مباشرة على “الوعي الجمعي”، والوعي الفردي. قد تحدث هذه التأثيرات بصورة مقصودة أو بصورة غير مقصودة، فقد يكون لمنتجي المحتوى الإعلامي -على سبيل المثال- مصالح خاصة في تحقيق أهداف اجتماعية معينة، والتي -بدورها- قد تدفعهم إلى ترويج أو دحض وجهات نظر معينة. يمكن أن يصبح هذا النوع من التأثير الإعلامي، في أشد أشكاله وضوحًا، “دعاية” تحاول عن قصد إقناع الجمهور لأغراض أيديولوجية أو سياسية أو تجارية. أيضًا غالبًا ما تعمل الدعاية (ولكن ليس دائمًا) على تشويه الحقيقة، أو تقديم الحقائق بشكل انتقائي، أو استخدام النداءات العاطفية، هنا ينبغي وضع خط فاصل بين العرض الانتقائي (ولكن “المباشر”) للحقيقة والتلاعب الذي تقوم به الدعاية. بشكل عام، قد تُقدم العلاقات العامة جانبًا واحدًا من الحقيقة، بينما تسعى الدعاية لابتكار وخلق حقيقة جديدة.
وبعيدًا عن الحديث استنادًا إلى “نظرية المؤامرة” في هذا الصدد التي تتحدث عن سعي متعمد لدى القائمين على مثل هذه المنصات لإحداث تغييرات داخل المجتمع، وفرض قبول قيم مختلفة عليه، يتعين الحديث عن “إمكانية حدوث هذا التأثير من عدمه”، وهنا يُثار تساؤل هام: ماذا لو لم تكن هناك نظرية مؤامرة؟ هل ستتحقق المخاوف الثائرة ويحدث هذا التأثير؟.
تتبادر إلى الذهن عند محاولة الإجابة عن هذا التساؤل نظرية “حراس البوابة”، وهي نظرية نفسية شهيرة في مجال صناعة الإعلام تتناول تفصيلًا تأثير القائمين على توصيل الرسائل الإعلامية. و”حراس البوابة” هنا هم “الأشخاص الذين يساعدون في تحديد الأخبار التي تصل إلى الجمهور، بما في ذلك المراسلون الذين يقررون المصادر التي يجب استخدامها، والمحررون الذين يقررون ما يتم الإبلاغ عنه وأي الأخبار تصل إلى الصفحة الأولى”. ترى النظرية أن حراس بوابات وسائل الإعلام هم جزء من المجتمع، وبالتالي فإنهم مثقلون بتحيزاتهم الثقافية، سواء بوعي أو بغير وعي، فعند تحديد ما يمكن اعتباره ذا قيمة إخبارية أو ترفيهية أو غيرها، يقوم حراس البوابة بنقل قيمهم الخاصة إلى الجمهور الأوسع. في المقابل، يمكن أن تظل القصص التي تُعتبر غير مهمة أو غير مثيرة للاهتمام للمستهلكين منسية في الصفحات الخلفية من الصحيفة، أو لا يتم تغطيتها على الإطلاق، وهذا هو ما يحدث في العصر الرقمي مع فارق أن حراس البوابة هنا قد أصبحوا يمتلكون أدوات أكثر وصولًا وبالتالي أكثر فعالية، وبالتالي يمكن النظر للانتشار المتصاعد لمثل هذه المنصات كمقدمة لخلق “حراس بوابة” جدد، يفرضون عن عمد -أو بدون- قيمهم الثقافية وقناعاتهم على عقول المتلقين ويؤثرون على المدى الطويل في تشكل الهوية الجمعية. لا يقتصر هذا التأثير بالطبع على المنصات، بل يمتد إلى وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تصاعد الجدل بشدة حول وظيفة حراسة البوابة عندما بدأ “تويتر” -على سبيل المثال- في إدراج المستخدمين المقترحين للمبتدئين الذين لم يتابعوا أي شخص ولم يعرفوا كيف تعمل الخدمة، ولم يكن هناك تفسير لكيفية دخول أي شخص إلى مثل هذه القائمة، وبدأ جميع المستخدمين المميزين في جمع أعداد هائلة من المتابعين،[10] وهو ما يقوم به “إنستجرام” و”يوتيوب”. حتى في ظل “إضفاء الطابع الشخصي” على المعروض على الإنترنت، لا يزال هناك دور هام ومؤثر لحراس البوابات الجدد الذين يفرضون نفوذهم ورؤاهم على المستخدمين.
تأثير نتفلكس: المنصات والتعاطف مع القيم المغايرة
في حدود ما تم إجراؤه من بحث، لم يتم إجراء دراسة منظمة أو مسح واسع النطاق لتأثير المنصات الرقمية الغربية على “منظومة القيم المجتمعية المصرية”. التساؤل الذي لم يعد محل جدل هنا، هو أن ما تثيره هذه المنصات التي تتبنى نظمًا قيمية مغايرة، هو “التعاطف” الناتج عن مشاهدة الأعمال الدرامية المشحونة عاطفيًا والتي تستغرق المشاهدين وتجذبهم للجلوس لمشاهدتها لساعات طويلة. وفقًا لعالم النفس البريطاني إدوارد تيتشنر Edward Titchener، فقد “أصبحنا ملتصقين بالقصص المعقدة والمشحونة عاطفيًا بسبب ما تتيحه لنا من قدرة على التعرف على مشاعر الآخرين”، هذه القدرة هي التي تدفع نحو التوحد مع الآخر، وهذا التوحد الناتج عن التعاطف هو المفتاح الرئيسي لتفسير تأثير وسائل الإعلام بشكل عام والمنصات بشكل خاص على قيم واتجاهات الأفراد.
يُعرِّف علماءُ النفس التعاطفَ ببساطة بأنه يعني “القدرة على وضع أنفسنا في مكان شخص آخر”، ويقسم علماء النفس التعاطفَ إلى نوعين، هما: التعاطف المعرفي Cognitive empathy، والتعاطف العاطفي emotional empathy. يعني “التعاطف المعرفي” كيف يمكن للبشر أيضًا تبني وجهات النظر النفسية للآخرين، بما في ذلك منظور الشخصيات الخيالية التي يشاهدونها في الأعمال الدرامية.[11] فعندما نمارس التعاطف المعرفي، فإننا نتدرب على تبني منظور شخص آخر، حيث نتخيل كيف يمكن أن يكون الأمر إذا وضعنا أنفسنا في موضعه، ولهذا يُشار إلى التعاطف المعرفي أيضًا باسم تبني المنظور perspective-taking، مع وسائل الإعلام التقليدية والأعمال المنتجة محليًا تكون القيم المجتمعية المحلية هي “المنتج المعروض” على المشاهدين، والتعاطف يتم مع “قيم مراقبة” تسير داخل إطار واضح، وبالتالي كانت المخاوف في الماضي تتعلق -على سبيل المثال- بتكرار مشاهد العنف التي يرتكبها “بطل” العمل، أو “التدخين”، أو “الإدمان”، أو غيرها من العادات والاتجاهات والقيم التي كان الخوف منها مشروعًا ومبررًا في ذلك الوقت. ولكن مع ما شهده العالم من انفتاح ومع تحلل الدور الرقابي وسيولة الحدود بين المجتمعات، أصبحت “المنتجات المعروضة” تتضمن قيمًا مغايرة وقد تكون صادمة يتبناها “أبطال” محبوبون، في سياق عمليات سرد مصاغة بصورة محكمة تجعل التعاطف مع هذه القيم يحدث بصورة تلقائية دون جهد تلقيني، بل ربما يحدث دون عمد، وبالتالي فالمخاوف من تأثير المنصات الغربية مثل “نتفلكس” جزء من مخاوف أكبر عززها الانفتاح على العالم بثقافاته وقيمه المغايرة التي أصبح وجودها أمرًا واقعًا يصعب تفاديه. ولعلّ النظرية الأكثر انتشارًا حول هذا التأثير هذه هي نظرية الغرس Cultivation theory، وهي نظرية تركز بصورة حصرية على مشاهدة التلفزيون، وتفترض أن التلفزيون يقدم رؤية مشوهة للعالم (على سبيل المثال: المزيد من العنف، والمزيد من الثراء، والمزيد من عدم الأمانة وعدم الثقة)، وأن المشاهدة المتكررة تجعل المشاهدين يدمجون هذه التشوهات في عالمهم الحقيقي (المواقف والمعتقدات). لقد تراكم قدر كبير من البحث لدعم هذا الاقتراح، ثبت أن تكرار المشاهدة مرتبط بشكل إيجابي بتقديرات انتشار الجريمة والعنف، وتعاطي المخدرات، والبغاء، وإدمان الكحول، وغيرها.
نقد الحتمية: القيم لا تعمل بهذه البساطة
في النهاية، على الرغم من وجاهة الرؤى التي تفترض حدوث هذا التأثير بصورة تلقائية، فإن صحة الاعتقاد في حتمية هذه التأثيرات نفتها العديد من البحوث التجريبية، حيث وجد العلماء أن الوسائط المقنعة لا تؤدي دائمًا إلى إحداث تغيير متوقع في المواقف. على سبيل المثال، أظهرت الدراسات أن أفلام التدريب العسكري زادت المعرفة بالقضايا، ولكنها لم تغير المواقف، وأن تأثير وسائل الإعلام أثناء الانتخابات الرئاسية عزز المواقف الحالية بدلًا من تغييرها. ومع قيام العلماء بمزيد من التدقيق، لاحظوا أنه لم يتم الحصول على تأثيرات الإقناع المتوقعة في كثير من الأحيان، نتيجة لعدد من العوامل السياقية أو الظرفية. أي: في ظل ظروف معينة، قد يكون للرسائل المقنعة الجماعية تأثيرات قوية نسبيًا، ولكن في ظل ظروف أخرى، قد يكون لتلك الرسائل نفسها تأثير ضئيل، أو قد لا يكون لها تأثير على الإطلاق. من هذه الملاحظة، تم تطوير المزيد من النماذج المعاصرة للإقناع، وبالتالي فليس كل من سيشاهد منصة “نتفلكس” سيتعاطف مع “المثلية الجنسية” على سبيل المثال، أو من سيشاهد منصة “آبل تي في” سيتعاطف مع “الحركة النسوية”؛ بل سيظل التأثير هنا رهنًا بالعديد من العوامل، مثل: قوة الرسالة، وتواتر التغطية وكثافتها، والسياق المجتمعي المحيط.
Sources:
[1] Pajkovic N. Algorithms and taste-making: Exposing the Netflix Recommender System’s operational logics. Convergence. May 2021. doi:10.1177/13548565211014464
[2] Gordon Schmidt. Netflix. The SAGE International Encyclopedia of Mass Media and Society, 2019, (pp.1204-1205), available at: https://www.researchgate.net/publication/342876163_Netflix
[3]SAM COOK.50+ Netflix statistics & facts that define the company’s dominance in 2022, Comparitech, December 9, 2021, available at: https://www.comparitech.com/blog/vpn-privacy/netflix-statistics-facts-figures/
[4] Gordon Schmidt, Op.cite.
[5] Accenture, Retail Hyperpersonalization, 2015, available at: shorturl.at/inGV9
[6] How Netflix Used Psychology to Perfect Its Customer Experience, ChoiceHaking, available at: https://www.choicehacking.com/2021/11/04/how-netflix-uses-psychology-to-perfect-their-customer-experience/#
[7] Ibid.
[8] NADINE SAYEG.What’s the Netflix Effect?.TRTWorld, 8 December 2020, available at: https://www.trtworld.com/opinion/what-s-the-netflix-effect-42164
[9] ChoiceHaking, Op.cite.
[10] Mark Glaser.New Gatekeepers Twitter, Apple, YouTube Need Transparency in Editorial Picks, available at: http://mediashift.org/2009/03/new-gatekeepers-twitter-apple-youtube-need-transparency-in-editorial-picks085/
[11] The Psychology Behind Binge-Watching. Psychreg, 31 August 2020, available at: https://www.psychreg.org/the-psychology-behind-binge-watching/