في الخامس والعشرين من يوليو 2022، استقبل الرئيس عبدالفتاح السيسي بقصر الاتحادية رئيس جمهورية الصومال الفيدرالية حسن شيخ محمود، وتُعد الزيارة التاريخية التي أجراها الرئيس الصومالي “شيخ محمود” للقاهرة هي الأولى منذ فوزه بالولاية الثانية لرئاسة الصومال في منتصف مايو 2022، الأمر الذي يُشير إلى رغبة المسئولين الصوماليين في تقوية العلاقات مع القاهرة، للحصول على الدعم المصري لعملية الاستقرار السياسي والأمني في الصومال؛ إذ تم عقد لقاءات مع المسئولين المصريين، وتم بحث التطورات التي تشهدها الساحة الصومالية بجانب الأوضاع الإقليمية في دول الجوار وانعكاساتها على الأمن والاستقرار في منطقة القرن الأفريقي، فضلاً عن النظر في سُبُل دفع العلاقات الثنائية بين البلدين.
آفاق التعاون بين البلدين
تحمل زيارة الرئيس الصومالي للقاهرة أبعادًا استراتيجية مُهمة في إطار التأكيد على الحرص المصري-الصومالي على تعزيز العلاقات الثنائية والتعاون بين البلدين على كافة الأصعدة، ويمكن استعراض مجالات التعاون بين البلدين، وذلك على النحو التالي:
- الصعيد الدبلوماسي: ترتبط مصر والصومال بعلاقات سياسية قوية في الآونة الأخيرة، ويتضح ذلك من خلال بناء روابط أخوية على المستوى الرئاسي، فقد حرص السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال القمة الثنائية التي انعقدت بقصر الاتحادية على تهنئة نظيره الصومالي حسن شيخ محمود بمناسبة فوزه في الانتخابات الرئاسية الصومالية التي انعقدت في مايو 2022. كما نجد أن هناك مؤشرًا آخر يتمثل في الزيارات رفيعة المستوى التي قام بها المسئولون المصريون للصومال؛ إذ قام رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي بزيارة للعاصمة الصومالية مقديشو في يونيو 2022، للمشاركة في حفل تنصيب الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، وذلك نيابة عن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي. وقد شهدت المُشاركة المصرية في مراسم التنصيب ترحيبًا كبيرًا في الصومال على كافة المستويات، وهو ما يُبرهن على الحرص المصري على تعزيز العلاقات الثنائية مع الصومال، وتحقيق المصالح المُشتركة بين البلدين.
- الصعيد الأمني: هناك تعاون مصري صومالي في المجال الأمني، منها على سبيل المثال تدريب الضباط الصوماليين بالتعاون مع القوات المسلحة المصرية. فالصومال بحاجة إلى الدعم المصري في الملف الأمني، نظرًا لتزايد هجمات حركة الشباب الإرهابية في الداخل الصومالي، ولذا فالتعاون بين البلدين سيساهم في بناء قدرات الأجهزة الأمنية الصومالية، بحيث تكون قادرة على مجابهة التحديات الأمنية. كما يُمكن للصومال الاستفادة من التجربة المصرية في محاربة الإرهاب التي لا تقتصر فقط على الجانب الأمني، إذ تتبنى مصر مُقاربة شاملة لمحاربة الإرهاب ترتكز على معالجة جذور الظاهرة، وتنشط مؤسسة الأزهر في هذا المجال؛ إذ تعمل المؤسسة على نشر مبادئ الإسلام الصحيحة، ودحض الأفكار المُتطرفة.
- الصعيد الاقتصادي: هناك حرص على تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين. فعلى سبيل المثال، نجد أن مصر تقوم بتصدير عدد من السلع الغذائية والأدوية ومواد البناء، وخلال عام 2021 وصل حجم الصادرات المصرية للصومال 63. 88 مليون دولار أمريكي. كما نجد أن هناك حرصًا على تقوية العلاقات المصرفية بين البلدين؛ إذ تسعى البنوك المصرية لافتتاح فروع بالصومال، فقد تم افتتاح فرع “بنك مصر” في مستهل شهر يوليو الجاري من خلال منح البنك المركزي الصومالي رخصة التشغيل النهائية لبنك مصر، وهي خطوة تُسهم في تعزيز الحضور التجاري والاستثماري في الصومال.
- المجال التعليمي: تعمل مصر على تعزيز التعاون مع الصومال في المجالات العلمية، وتقديم فرص تعليمية للطلاب الصوماليين للدراسة في الجامعات المصرية، وقد تمت مُضاعفة المنح المصرية المُقدمة للطلاب الصوماليين لتصل إلى 450 منحة بدلًا من 200 منحة.
تقارب الرؤى
ساهمت القمة المصرية الصومالية في تقريب وجهات النظر حيال عدد من الملفات الإقليمية محل الاهتمام المُشترك، يمكن استعراضها على النحو التالي:
- ملف “سد النهضة الإثيوبي”: تم التوافق بين الرئيسين المصري والصومالي فيما يتعلق بملف سد النهضة على خطورة السياسات الأحادية عند القيام بمشروعات على الأنهار الدولية، وحتمية الالتزام بمبدأ التعاون، والتشاور المسبق بين الدول المشاطئة، لضمان عدم التسبب في ضرر لأي منها، اتساقًا مع قواعد القانون الدولي ذات الصلة، ومن ثم ضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم، حول ملء وتشغيل هذا السد استنادًا إلى البيان الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في سبتمبر 2021 حفاظًا على الأمن والاستقرار الإقليمي.
- أمن البحر الأحمر: يُمثّل أمن البحر الأحمر مسألة هامة في ضوء تزايد التوترات التي تشهدها بعض دول المنطقة، ولذا فقد تم التوافق خلال القمة المصرية الصومالية على التأكيد على مسئولية الدول المشاطئة عند صياغة كافة السياسات الخاصة بذلك الممر المائي بالغ الحيوية، من منظور متكامل يأخذ في الاعتبار مختلف الجوانب التنموية والاقتصادية والأمنية. ويحقق أمن البحر الأحمر لمصر مصالح حيوية إذ يتعلق الأمر بحركة الملاحة عبر قناة السويس، وفي الوقت نفسه يحقق للصومال مصالح كبرى ومصالح حيوية إذا ما تعلق الأمر بتحقيق الاستقرار قبالة سواحلها واستغلال ثروات المياه الإقليمية المتاخمة لشواطئها. ويسهم التقارب في الرؤى بين البلدين حيال هذا الملف في تعزيز الأمن والاستقرار وحماية التجارة وحركة الملاحة بهذه المنطقة، والحيلولة دون سيطرة الجماعات الإرهابية على الممرات الملاحية وتهديد أمن الطاقة، والتصدي لأية محاولة من أطراف من خارج الإقليم لفرض رؤيتها على المنطقة.
السياق الراهن في الداخل الصومالي
لا شكّ أن الزيارة التي يقوم بها الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود للقاهرة والتي تأتي في توقيت بالغ الأهمية، لا تنفصل عما يحدث في الداخل الصومالي؛ إذ يسعى الرئيس الصومالي الذي فاز برئاسة الصومال في منتصف مايو 2022 للقيام بالجولات الخارجية لتعزيز التعاون مع دول الجوار العربي والأفريقي التي تُشكل العمق الاستراتيجي للصومال، وهو ما سيساهم بدوره في معالجة جملة التحديات الداخلية التي تواجه الرئيس الصومالي وتثبيت أركان حكمه. ويمكن التطرق إلى أبرز هذه التحديات، وذلك على النحو التالي:
- الملف الأمني: يُعد ملف استعادة الأمن والاستقرار في الصومال أبرز أولويات الرئيس الصومالي، والعمل على مواجهة حركة الشباب الإرهابية، ليس فقط عن طريق السلاح، بل أيضًا مواجهة الحركة أيديولوجيًا؛ وذلك لتقليل الهجمات الإرهابية التي تشنها الحركة، ومنع انضمام أعضاء جدد للحركة. فضلًا عن العمل على تقوية المؤسسات الأمنية وتقوية قدراتها القتالية.
ومن الجدير بالذكر أن حدة الهجمات التي تشنها حركة الشباب الإرهابية قد تصاعدت؛ إذ طالت العاصمة مقديشو خلال الأزمة السياسية التي شهدها الصومال (2020-2022). واستهدفت هذه الهجمات القيام بعمليات اغتيال ضد المسئولين السياسيين والأمنيين في مقديشو. ولا شك أن تزايد عمليات التفجير التي طالت العاصمة يُمثل مؤشرًا خطيرًا على هشاشة الأوضاع الأمنية، ومحدودية قدرة الأجهزة الأمنية الصومالية على إحباط هجمات حركة الشباب. ونجد كذلك أن حركة الشباب الإرهابية لم تقتصر هجماتها على استهداف الأجهزة الأمنية الصومالية، بل عملت على مهاجمة بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال، وكانت العملية الأبرز التي قامت بها الحركة مطلع شهر مايو 2022، وهو ما أسفر عن مقتل 30 جنديًا بورونديًا.
- الملف السياسي: العمل على تعزيز العلاقات بين الحكومة الفيدرالية الصومالية وحكومة الولايات، فقد اتسمت العلاقات بالتدهور إبان عهد الرئيس الصومالي السابق فرماجو. وكذا من المُحتمل أن يعمل الرئيس حسن شيخ محمود على استكمال الدستور المؤقت، وعرضه للتصويت الشعبي ليصبح دستورًا رسميًا للبلاد؛ إذ لا يفصل الدستور المؤقت في الصلاحيات بين المؤسسات التنفيذية والتشريعية، وهو ما يؤدي إلى نشوب الخلافات بين الأطراف السياسية، وكذلك إيصال البلاد إلى إجراء الانتخابات الرئاسية المُقبلة بشكل مُباشر.
- الملف الاقتصادي: يعاني الصومال من تحديات اقتصادية تنعكس على الأوضاع المعيشية للمواطن الصومالي؛ إذ ترتفع أسعار السلع الغذائية والوقود، ويرجع ذلك إلى عدد من العوامل أبرزها: الجفاف الذي يضرب الصومال والذي أدى إلى تراجع الإنتاج الزراعي، وقد تسبب الجفاف بنزوح العديد ممن يعملون في حرفتي الزراعة والرعي. ولا يمكن إغفال تأثر الصومال بالتداعيات السلبية التي خلفتها الحرب الروسية الأوكرانية فيما يتعلق بتقلبات أسعار المنتجات الغذائية. وأسهمت هذه العوامل بدورها في ازدياد معدلات البطالة والتضخم في البلاد، وتشير التقديرات الأممية إلى أن أكثر من ثلثي الصوماليين يعيشون تحت خط الفقر.
وفي الختام، يمكن القول إنه من المُتوقع أن تشهد العلاقات المصرية الصومالية مرحلة جديدة من تعزيز أواصر التعاون مع مصر في كافة المجالات، ولا سيما في ظل عهد الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، الذي يحتفظ بالعلاقات الجيدة التي جمعته مع مصر إبان الفترة الرئاسية الأولى له (2012-2017)، فقد ارتكزت سياساته الخارجية على التوازن في العلاقات مع القوى الإقليمية والدولية، وعدم الانجرار إلى إثارة التوترات.