لم يعد استخدام الطائرات بدون طيار(الدرونز) حكرا على جيوش الدول، وإنما أضحت سلاحا متاحا في يد التنظيمات الارهابية بطريقة باتت تشكل مصدرا لتهديد لسلامة الدول وأمنها. ومن ثم تتزايد التحذيرات حول قيام التنظيمات الإرهابية بالاستخدام الموسع لأنظمة تلك الطائرات ليس فقط من أجل المراقبة والاستطلاع وإنما من أجل شن هجمات أيضاوقد تزامنت تلك التحذيرات مع وقوع عدد من التهديدات الإرهابية التي تمت بواسطة الدرونز، من بينها، التحليق فوق البيت الأبيض، والمفاعل النووي بالقرب من نهر سافانا بولاية كارولينا الجنوبية بالولايات المتحدة الأمريكية، وبرج إيفل بباريس، ومكتب رئيس الوزراء الياباني، فضلا عن؛ استهداف مطار أبها بالسعودية، ومطار أبو ظبي بالإمارات وغيرها. الأمر الذي يفرض التساؤل حول إمكانية قيام تلك التنظيمات الإرهابية بتطوير واستخدام منظومة الطائرات بدون طيار.
سلاح متاح: –
بدأ استخدام منظومة الطائرات بدون طيار للأغراض العسكرية في سنة 1924 كأهداف متحركة للمدفعية، ثم تطور استخدامها لأغراض الاستطلاع والتجسس والمراقبة لأرض المعركة. ثم تطورت تكنولوجيا تصنيعها نتيجة لرغبة الولايات المتحدة الأمريكية خلال الحرب العالمية الثانية في تطوير قاذفات قنابل بدون طيار لمهاجمة المدن الألمانية، أي أن الغرض الأساسي الذي وُجدت من أجله هو غرض عسكري ودفاعي بالأساس. ثم اتسع استخدامها في العديد من التطبيقات المدنية والتجارية؛ مثل: الحماية المدنية ومواجهة الكوارث، التعقب والمراقبة، الرصد الصحفي والإعلامي، مجالات الزراعة والطاقة، نقل وتوصيل السلع والبضائع، فضلا عن الاستخدامات الترفيهية، ويرجع ذلك إلى ما تتميز به من انخفاض التكاليف، وسهولة التشغيل، وصغر الحجم وخفة الوزن، وصعوبة التتبع والتعقب.
وارتباطا بذلك؛ اتجهت العديد من الدول إلى تصنيع وتطوير الطائرات بدون طيار، حيث أظهر تقرير للكونجرس في عام 2012 أن هناك ما يقرب من 76 دولة تعمل على تطوير وتصنيع 900 نظام من نظم الطائرات بدون طيار. ومن ثم؛ أضحت الطائرات بدون طيار سلعة متاحة للتداول في العديد من المتاجر بما فيها متاجر لعب الأطفال، ويمكن الآن شراء طيارة صغيرة بدون طيار من خلال موقع أمازون بمبلغ 250 دولار. ولذلك؛ باتت الطائرات بدون طيار سلاحا متاحا لدي التنظيمات الإرهابية توظفه لتحقيق أهدافها وقتما شاءت وكيفا شاءت. ويمكن القول بشكل عام؛ أن التنظيمات الإرهابية تحصل على الطائرات بدون طيار عبر 4 طرق: –
1- الاستيلاء على الطائرات بدون طيار التي بحوزة القوات النظامية. مثلما حدث عندما استولت داعش على كبري مخازن أسلحة الجيش العراقي بمدينة الموصل.
2- التصنيع باستخدام وسائل بدائية نسبيا، ويؤكد هذا الافتراض التصريح الذي أدلي به عبد الملك الحوثي” قادمون بطائراتنا المُسيَّرة ذات المدى البعيد والفاعلية الجيدة والقدرة العسكرية الممتازة”، ثم تأكيده أن “انتاج الطائرات المسيّرة محلياً هو حقّ طبيعي لليمنيين وسيتم العمل على تفعيلها بشكل كبير ونوعي”. ورغم هذا؛ يؤكد بعض الخبراء أن الطائرات بدون طيار التي تستخدم من قبل مليشيات الحوثي (قاصف 1) ما هي إلا نسخة شبيهة من الطائرات بدون طيار الايرانية (أبابيل.
3- تطوير الطائرات بدون طيار ذات الاستخدام السلمي إلي الاستخدام العسكري. حيث تعمد بعض التنظيمات الارهابية إلى إضافة متفجرات أو صواريخ وحتى مواد كيماوية. ومن أشهر الأمثلة: استخدام داعش للطائرات بدون طيار العادية المتاحة في الأسواق في معاركه ضد القوات العراقية، حيث وجهها لإسقاط القنابل اليدوية وقذائف الهاون بدقة عالية. الأمر الذي حدي بالبنتاجون إلى إصدار تحذير من قدرة تنظيم داعش على تعزيز قدراته القتالية باستخدام الطائرات بدون طيار (المتاحة تجاريا)، وتزويدها بالعبوات الناسفة والكاميرات.
4- الحصول على الطائرات بدون طيار العسكرية من خلال وكلاء. وتثار مزاعم حول قيام تركيا بتزويد المليشيات المسلحة بسوريا بطائرات بدون طيار، حيث طالبت وزارة الدفاع الروسية من رئيس أركان الجيش التركي”منع وقوع هجمات مماثلة من طائرات مسيرة” بحسب ما اوردت صحيفة كراسنايا زفيزدا الروسية.
قوة إضافية: –
يمكن القول إن الطائرات بدون طيار أصبحت قوة إضافية لصالح التنظيمات الإرهابية التي باتت تعتمد عليها لتحقيق أهداف عديدة، ومنها: –
1- عمليات الرصد والاستطلاع: حيث توفر الطائرات بدون طيار فرصة أكبر للحصول على المعلومات، وكذا القيام بعمليات المراقبة والاستطلاع. وفي هذا السياق؛ يمكن الاشارة إلى مقطع الفيديو الذي عرضه داعش في أغسطس 2014، والذي عرض خلاله لقطات عبر طائرة بدون طيار للقاعدة العسكرية 93 التي استولي عليها في الرقة. وفي ديسمبر 2014، أطلق داعش لقطات جوية لمواقع التفجيرات الانتحارية في مدينة كوباني بسوريا، وقد زعم التنظيم أن هذه المشاهد تم التقاطها بواسطة طائرة بدون طيار.
2- شن الهجمات: توفر الطائرات بدون طيار المعلومات، وتتيح كذلك فرصة القيام بالعمليات بشكل أسرع وأكثر كفاءة. تم بث فيديو على موقع “يوتيوب” يعرض هبوط طائرة بدون طيار (مُحملة بقنبلة)، تابعة لتنظيم القاعدة على ثكنة عسكرية سورية. وفي أغسطس 2016، نشر فيديو لحزب الله، يعرض قيام طائرات بدون طيار بإلقاء قنابل عنقودية على ثلاثة مواقع لمتمردي سوريا خارج حلب. فضلا عن؛ قيام الحوثيين بشن عدد من الهجمات باستخدام الطائرات بدون طيار ضد السعودية (استهداف مطار أبها)، وضد الامارات (استهداف مطار أبو ظبي).
3- إخفاء هوية المستخدمين: إن استخدام الطائرات بدون طيار يجعل المستخدمين في مأمن من حيث عدم إمكانية الرصد والتعقب. حيث يتم توجيهها والتحكم فيها عن بعد، وبالتالي في حالة إسقاطها أو الاستيلاء عليها قد يصعب التحقق من مطلقها ومكان تواجده إلى أن يكشف عن مسئوليته.
دائرة المخاطر: –
ارتباطا بما سبق؛ يبدو جليا اتساع حجم المخاطر الناتجة عن توظيف واستخدام التنظيمات الإرهابية للطائرات بدون طيار كسلاح جديد لتحقيق أهدافهم، ويمكن رصد هذه المخاطر على النحو التالي: –
– توافر سلاح جديد رخيص ودقيق للتنظيمات الإرهابية وصعب التعقب.
– تزايد قدرة التنظيمات الإرهابية علي جمع أكبر قدر من المعلومات ليس فقط المتعلقة بالهجوم المزمع شنه، وإنما برصد كافة الإجراءات والأدوات التي تقوم بها الأجهزة الأمنية والعسكرية في مواجهة تلك التنظيمات.
– اختراق الأجهزة والمؤسسات السيادية والمرافق الحساسة ليس فقط من أجل الاستطلاع وجمع المعلومات، وإنما أيضا استهداف وشن هجمات ضدها.
– اتساع حجم الاستهداف الناتج عن تزويد هذه الطائرات بمتفجرات أو صواريخ أو مواد كيماوية، علي عكس ما يثار حول ضعف نطاق تأثيرها الفيزيائي.
– نشر حالة من الذعر والخوف بين المدنيين حتي في حالة وقوع عملية إرهابية محدودة، ويرجع ذلك إلي الصورة الذهنية التي ستتكون لدي المدنيين والخاصة بالقدرات الفائقة للتنظيمات الإرهابية.
– القدرة على استهداف عدد كبير من المدنيين من خلال استهداف تجمعاتهم كاستهداف ستاد لكرة القدم، أو استهداف طائرة مدنية حال إقلاعها أو هبوطها.
السيناريوهات المحتملة:
السيناريو الأول: توسع وانتشار الظاهرة
يعني مزيد من العمليات الإرهابية بالاعتماد على الطائرات بدون طيار، ويدعم هذا السيناريو عدد من الشواهد:
- التطور التكنولوجي المتزايد في صناعة الطائرات بدون طيار سيزيد من قدرة التنظيمات الإرهابية على تطويرها.
- توجه عدد أكبر من الشركات إلى تصنيع الطائرات بدون طيار بشكل يجعلها تبحث عن أسواق حتى بين التنظيمات الإرهابية.
- اعتماد بعض الدول على التنظيمات الإرهابية في صراعها مع خصومها سيدفعها إلى تزويد هذه التنظيمات بالأسلحة والطائرات بدون طيار.
- تراجع قدرة وسائل الدفاع الجوي التقليدية عن مواجهة الطائرات بدون طيار، فضلا عن؛ ضعف القدرة على تتبع وتعقب مستخدميها.
- عدم وجود قواعد دولية ناظمة لعملية تطوير وبيع وتداول واستخدام الطائرات بدون طيار.
- تتجه التنظيمات الإرهابية إلى التوسع في الاعتماد على الطائرات بدون طيار بسبب قلة تكلفتها ودقة توجيهها.
ويترتب على هذا السيناريو؛ مزيد من العمليات الإرهابية سواء المحدودة (كعمليات الاغتيال على سبيل المثال)، أو عمليات واسعة نسبيا (كاستهداف الطائرات المدنية على سبيل المثال).
السيناريو الثاني: انحسار الظاهرة
يعني تراجع العمليات الإرهابية التي تتم من خلال الطائرات بدون طيار، ويدعم هذا السيناريو عدد من الشواهد، من بينها: –
- • تطوير الدول للقدرات المضادة للطائرات بدون طيار سواء المتقدمة منها مثل: عمليات التشويش الإلكتروني أو استهدافها من قبل أنظمة دفاع جوي متقدمة، أو البسيطة مثل: استخدام الطيور الجارحة كالصقور، أو استخدام الشباك والقناصة.
- توجه الدول لوضع ضوابط وقيود على استخدام الطائرات بدون طيار مثل: حظر استعمالها بالقرب من المطارات، أو خروج المناطق الحيوية من عمليات البرمجة الداخلية للطائرات بدون طيار.
- قد يتجه المجتمع الدولي إلى وضع قيود وضوابط على تداول الطائرات بدون طيار، ومنها على سبيل المثال: إجبار الشركات على عمل قاعدة بيانات لمستخدمي الطائرات بدون طيار تتطلب الدخول بشكل منتظم بين الحين والآخر إلى الموقع الإلكتروني للشركة لعمل تحديثات وإلا سيتم وقفها. الأمر الذي سيسمح دائما بتتبع عمل الطائرات بدون طيار.
- وقد يرجع انحسار العمليات الإرهابية المعتمدة على الطائرات بدون طيار إلي تراجع الظاهرة الإرهابية بشكل عام ونجاح الدول في تحجيم دورها وآثارها.
ويترتب على هذا السيناريو تزايد قدرة الدول على مواجهة العمليات الإرهابية التي تتم باستخدام الطائرات بدون طيار، وبالتالي انحسار قدرة التنظيمات الإرهابية وتراجع عملياتها.
السيناريو الثالث: تباين الظاهرة
يعني هذا السيناريو أن العمليات الإرهابية التي تتم من خلال الطائرات بدون طيار سوف تتباين في انتشارها ووقوعها بين منطقة وأخري وبين وقت وآخر. ويدلل على هذا السيناريو عدد من الأمور: –
- إن فرض قيود على استخدام وتداول الطائرات بدون طيار لن يمنع بالضرورة وقوعها في يد التنظيمات الإرهابية مثلما يحدث مع باقي الأسلحة والعتاد التي تصل للتنظيمات الإرهابية.
- إن تطوير الدولة للأنظمة الدفاعية الموجهة ضد الطائرات بدون طيار لن يمنع وجود بعض الثغرات التي تستطيع التنظيمات الإرهابية التي تتسلل من خلالها.
- قد تستمر حالة غياب القواعد التنظيمية لبيع وتداول واستخدام الطائرات بدون طيار، وفي حالة التوجه لفرضها، فإن ذلك لا يعني افتقاد التنظيمات الإرهابية بشكل كامل للقدرة على الالتفاف عليها.
ويترتب على هذا السيناريو وقوع العمليات الإرهابية المعتمدة على الطائرات بدون طيار بشكل متباين يرتبط بمسرح الأحداث الذي تتم فيه وما قدرة الدولة علي مواجهته من خلال وسائل فعالة تستطيع التعاطي مع هذه الظاهرة.
يبدو من العرض السابق أن السيناريو الثالث هو الأكثر ترجيحا حيث أن الشواهد تؤكد توجه الدول إلى تطوير أنظمة مواجهة الطائرات بدون طيار بالاعتماد على كافة الوسائل البسيطة والمتقدمة. وعلى الجانب الآخر؛ تتجه التنظيمات الإرهابية إلى تطوير طائرات بدون طيار أكثر دقة وأشد فتكا. لذلك فالعمليات الإرهابية المعتمدة على الطائرات بدون طيار ستصبح متباينة بين منطقة وأخري وبين وقت وآخر طبقا لمدي تطور كل تنظيم من جانب ومدي قدرة أنظمة الدفاع الجوية لدي الدول على مواجهة واستهداف الطائرات بدون طيار علي الجانب الآخر.
رئيس وحدة الدراسات الأمريكية