أعادت الولايات المتحدة الأمريكية طرح مقترح لإقامة كونفيدرالية تضم الأردن وفلسطين، تكون فيها الضفة الغربية تحت حماية المملكة الهاشمية أمنياً ولا تضم تلك الكونفيدرالية المقترحة قطاع غزة، والذي اقترحت واشنطن أن يكون برعاية أمنية مصرية، كما أنها لا تضم القدس. وقد أشار الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن واشنطن قد عرضت الخطة عبر مبعوثيها للسلام في الشرق الأوسط كحل لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، و أكد أنه يقبل تلك الخطة بشرط أن تكون إسرائيل جزءاً من الكونفيدرالية وبينما ترى إسرائيل و الولايات المتحدة الأمريكية أن الخطة المقترحة هي الحل الأمثل لتسوية القضية الفلسطينية و إحلال السلام الفلسطيني الإسرائيلي ، يبدو أنه من الصعب تطبيق المقترح الأمريكي على أرض الواقع بصورته المطروحة كونه لا يتضمن حل عادل لإقامة دولة فلسطينية تضم القدس الشرقية ولا يضمن عودة اللاجئين الفلسطينيين،.
طبيعة الكونفيدرالية المقترحة:
الكونفيدرالية هي مصطلح سياسي يُطلق على رابطة أعضاؤها دول مستقلة ذات سيادة والتي تفوض بموجب اتفاق مسبق بعض الصلاحيات لهيئة أو هيئات مشتركة لتنسيق سياساتها في عدد من المجالات وذلك دون أن يشكل هذا التجمع دولة أو كيانا، وبشكل عام لا تتخلّى أي من الدول عن أي جزء من سيادتها الوطنية في إطار الكونفيدرالية، وإنما يقتصر الأمر على تفويض بعض الصلاحيات ومجالات التسيير للإطار الكونفيدرالي.
لم تتضمن الخطة الأمريكية المقترحة أفكاراً جديدة، بل قدموا فكرة قديمة سبق طرحها منذ عهد الملك الأردني الحسين بن طلال. فقد استمرت المملكة الأردنية في إدارة الضفة الغربية لسنوات طويلة بعد قيام إسرائيل عام 1948، واستمر الوضع حتى أعلن الملك الحسين فك الارتباط بين الأردن والضفة الغربية، وبعدها كان يتم طرح الفكرة بين الحين والآخر، لكنها انطلقت لأول مرة عام 1949 حين تم عقد مؤتمر أريحا، بين زعامات فلسطينيّة طالبت بوحدة الضفة الغربية مع المملكة الأردنية الهاشمية، وتمّت الوحدة فعلا عام 1950 وأجريت انتخابات مناصفة بين ضفّتي نهر الأردن، الغربية والشرقية. وأصبح بموجب الاتفاق، مواطنو الضفة الغربية مواطنين أردنيين واندمجوا في مؤسسات الدولة، دون أي اعتراف عربيّ ودولي.
وفي مارس من عام 1972، دعا الملك الأردني الراحل لإنشاء كونفيدرالية بين الأردن والضفة الغربية تحت اسم “المملكة العربية المتحدة“، وكان الشرط الأردني لإقامة هذه الكونفيدرالية هو تنازل إسرائيل عن القدس الشرقية التي احتلتها عام 1967 لصالح هذا الاتحاد من أجل أن تكون عاصمة لفلسطين في الكونفيدرالية. وقد لاقت الفكرة رفض جميع الأطراف آنذاك، سواء منظمة التحرير الفلسطينية أو إسرائيل، فاعتبرت منظمة التحرير أن الخطة تنازل من ملك الأردن واعتراف بالسلام مع إسرائيل وجسر يمكن أن تصل به إلى جميع الدول العربية، ووصل الأمر آنذاك إلى مطالبة المجلس الوطني الفلسطيني بإسقاط الملك الحسين، كما رفضت الدول العربية المقترح الأردني أيضًا. أما إسرائيل فكان رفضها حاضرا وفوريًا عبر رئيسة وزرائها جولدا مائير التي أدانت الخطة أمام الكنيست.
وبشكل عام، فإن الفكرة الأساسية للكونفيدرالية هي إقامة دويلة فلسطينية في الضفة الغربية على حدود 1967، على هيئة كانتونات مقطّعة الأوصال ومنزوعة السلاح تندمج باتحاد كونفيدرالي مع الأردن. وبالنسبة لإسرائيل فهي فرصة لنقل الهاجس الديموغرافي من إسرائيل إلى الأردن، ومن ثم إلغاء حق العودة للاجئين الفلسطينيين وضياع حقوقهم المشروعة.
الدوافع الأمريكية وراء طرح المقترح
تتمثل الدوافع الأمريكية لطرح الخطة في أولا سعيها لإيجاد حلول لما تواجهه إسرائيل من تحديات مثل الهاجس الديموغرافي و ضمان عدم الحديث عن عودة اللاجئين الفلسطينيين في المستقبل، ذلك بالإضافة إلى إخراج القدس من إطار القضية الفلسطينية و ضمان يهودية إسرائيل، حيث أن قيام الكونفدرالية يعني أن يتم حل قضية السكان الفلسطينيين المقيمين على الأرض المحتلة عام 67 ، وهو في حقيقة الأمر ترانسفير للفلسطينيين، وبالتالي تحويل الصراع من المطالبة بإنهاء الاحتلال إلى صراع حدودي بين دولتي الكونفيدرالية من جهة وإسرائيل من جهة أخرى. وثانيا الحفاظ على ما تم إنشاؤه من مستوطنات غير شرعية عبر جزء من الضفة الغربية لإسرائيل، ذلك بالإضافة إلى التخلص من استحقاق تنفيذ حق العودة، وبذلك يكون مثل هذا “الحل” على حساب الحقوق الفلسطينية وعلى حساب الأردن، ذلك أن الأردن سيجد نفسه مضطراً للدفاع عن أمن إسرائيل على أساس الحدود الجديدة بين دولتي الكونفيدرالية وإسرائيل من جهة، ومن جهة ثانية تحمل عبء إضافة نحو ثلاثة ملايين فلسطيني إلى الدولة العربية، حيث سيشكل حينها الفلسطينيون أغلبية سكانية، فيكون الشعب الأردني أمام خيارين، إما أن يفرض نظام تمييز عنصري لضمان حقوق الأردنيين السياسية في وطنهم، أو أن يقبل بما ستعلنه إسرائيل لاحقاً من أن الأردن صار هو دولة فلسطين، وذلك لمواجهة الضغط الدولي الذي يطالب منذ زمن طويل بدولة للشعب الفلسطيني. وثالثا فإن مقترح الكونفيدرالية يأتي منسجما مع الصفقة الأمريكيةالمعروفة باسم صفقة القرن، فالمقترح يظهر تفاصيل تلك الصفقة التي تهدف من وجهة النظر الأمريكية إلى تسوية السلام بين فلسطين وإسرائيل وإقامة دولة فلسطينية.
مواقف الأطراف من المقترح الأمريكي:
أكد ملك الاردن عبدالله الثاني التأكيد على أن موقف الأردن ثابت وراسخ وأنه لا بديل عن حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، وأي طرح خارج هذا الإطار لا قيمة له. ويرى بعض المحللون أن الأردن يخشى من صياغة حل للقضية الفلسطينية على حساب المملكة عبر صيغ مختلفة سواء كانت الكونفيدرالية أو الوطن البديل أو التوطين. أما مصر فقد أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي أن الموقف المصري من القضية الفلسطينية واضح وصريح، ولم ولن يتغير موقف مصر تجاه تلك القضية، حيث تؤيد مصر كافة القرارات التي صدرت عن الأمم المتحدة، كما أنها تدعم حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة على حدود أراضي 1967، على أن تكون عاصمتها القدس الشرقية. أماالفلسطينيون، فقد أعلن رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية الرئيس محمود عباس أنه يؤيد هذه فكرة الكونفيدرالية بشرط انضمام إسرائيل إلى إليها، أما حماس فإنها ترفض حركة حماس الفكرة بمنظورها الإسرائيلي وموقف السلطة منها وتعتبرها تصفية للقضية، وتساعد الاحتلال في جهوده لأن يكون جزءاً طبيعياً في المنطقة. أما إسرائيل فترى أنه على الرغم من صعوبة تطبيق فكرة الكونفيدرالية وأنها تستلزم أولا قيام دولة فلسطينية، فإن إقامة تلك الكونفيدرالية يمثل وسيلة لتفادي منح وضعية الدولة الكاملة للفلسطينيين في الوقت الراهن، ويجنبها تحمل مسؤولية 3.5 ملايين فلسطيني في الضفة الغربية المحتلة.وبشكل عام، فإن الاتحاد الكونفيدرالي يعني شطب حل الدولتين والقضاء على إمكانية قيام دولة فلسطينية وعودة مئات ألاف اللاجئين وهو أمر مرفوض بشكل قاطع من كافة الأطراف بسبب عدم ضمانه لحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة ولا يمثل حلا عادلاً لتسوية القضية الفلسطينية، وإنما يؤيد الموقف الإسرائيلي الذي يأمل في تذويب القضية الفلسطينية