يتنامى الوجود التركي فى منطقة القرن الإفريقي والساحل الغربى للبحر الأحمر بشكل لافت خلال الأعوام الأخيرة، فى إطار سياسية خارجية يغلب عليها “العسكرة” و”البقاء الدائم” ، فقد افتتحت تركيا قاعدتها العسكرية فى الصومال 2017 تبعها إعلان نوايا عن بناء قاعدة مماثلة فى جزيرة “سواكن” السودانية ضمن امتياز إدارة لإعادة أعمار الجزيرة، وبالحسابات الجيوستراتيجية فإن التحركات التركية فى تلك المناطق تنم عن مساعي تركيا لاستكمال مسار “الانخراط المتدرج” فى الشرق الأوسط وعمقه الإفريقي، لاسيما وأن تلك التحركات لم تتم بمعزل عن التموضع العسكري التركي فى قطر فى الخليج والتي تم إنشاؤها فى ظل الأزمة الخليجية الراهنة.
وقد صادف هذا التوجه التركي غياب لمنظومة أمن فى البحر الأحمر لفترة طويلة من جانب الدول المشاطئة له، فلطالما اعتبر البحر الأحمر بحيرة عربية – افريقية، لكن هذا المنظور تغير مع إعلان قيام إسرائيل وإنشائها ميناء إيلات التي يشغل ما لا يزيد عن 0.2 % من إجمالي مساحة سواحله لكنها كانت كفيلة بتقويض تلك المنظومة التقليدية، كما أن تلك المساحة المحدودة للغاية شكلت قاعدة للانطلاق فى البحر الأحمر واستغلاله كجسر للتمدد فى العمق الإفريقي، واستدعى ذلك بالتبعية ظهور منافسين آخرين كإيران منذ فترة طويلة تلاه الظهور التركي .
وفى ظل تقاعس القوى التقليدية عن التقاطع مع تلك التطورات وفرض حالة أمن جماعي فى دائرة إستراتيجية تمثل عمق أمنها القومي الإقليمي، والعزوف عن الانخراط النشط فى قضايا الأمن الإقليمي بصفة عامة والأمن البحري بصفة خاصة رغم ظهور تهديدات كعمليات القرصنة التي تستهدف الحركة التجارية، وهو سلوك كاشف عن قصر النظر الاستراتيجي لدى تلك الأطراف حول أهمية حوض البحر الأحمر والاكتفاء باعتباره مجرد مجرى ملاحي، ما أفضى إلى تواجد أمنى محدود وفردي لاسيما فى باب المندب بهدف تأمين الملاحة فى قناة السويس، وكشف الصراع فى اليمن عن ضعف تلك الإجراءات وفشلها فى ردع الحركة الحوثية لدى تهديدها الملاحة فى البحر الأحمر.
ويؤشر حاصل تلك التطورات على أن الصيغة القائمة فى السابق لا تشكل “ترتيبات أمن” بأي حال من الأحوال بل كانت هناك حالة ” إتكالية ” رهنت حالة الأمن بالنفوذ الأمريكي فى تلك المنطقة وقدرتها على السيطرة على التهديدات على الرغم من ثبوت فشل تلك النظرية ، فقد تعرضت الولايات المتحدة لأبرز حالات التهديد غير التقليدي مع استهداف المدمرة USS-COLE قبالة سواحل عدن على يد تنظيم القاعدة فى أكتوبر 2000، وربما تغيرت هذه السياقات أيضا فى ظل نظريات التكلفة والعائد فى حسابات التحرك الأمنى والعسكري والتي تعد إدارة ترامب الحالية أبرز المسوقين لها ، فضلا عن أن المنطقة لم تعد تمثل أولوية فى حسابات الاهتمام الأمريكي على النحو الذى كانت تمثله من قبل.
وإجمالاً أفرزت هذه التطورات جملة من التداعيات منها على سبيل المثال :
– سمحت بحالة من الفراغ تمددت فيها قوى إقليمية ودولية دون مراعاة أي حسابات للقوى التقليدية التي غابت عن الساحة طواعية ، على النحو الذى أديرت به السياسة الخارجية المصرية تجاه عمقها الإفريقي فى أعقاب حادث أديس أبابا 1994 وحتى استدراك تلك السياسة مؤخراً مع تراكم التهديدات والمخاطر فى ملفات عديدة لعل أبزرها ملف المياه .
– ديناميات الصراعات الإقليمية والتي أدخلت قطاع شرق إفريقيا ضمن دائرة الدائرة الإقليمية، وشكلت محصلة هذه التفاعلات سباق قوى يهدف إلى فرض ترتيبات أمن إقليمي جديدة فى إطار تقاطع جيوسياسي لثلاث دوائر هى الخليج والبحر الأحمر وشرق المتوسط، ومن ثم يصعب عزل تلك المسارات وأطرفها وتفاعلاتها عن بعضها البعض ضمن أي إطار يسعى إلى استشراف السيناريو المستقبلي للأمن الإقليمي.
دوافع وحسابات التواجد التركي فى البحر الأحمر :
– تجاوز مأزق السياسات الداخلية: إذ يمكن فهم المسعى التركي في إفريقيا في سياق الانتخابات المحلية المقبلة في عام 2019. حيث يريد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن يثبت للشعب التركي أنه لا يزال الزعيم القوي والاستراتيجي الذي تحتاجه تركيا، وأن التورط التركي المستمر في سوريا وعدم اليقين بشأن توازن القوى الإقليمية بعد انتهاء الصراع السوري يدفع أردوغان إلى تحديد قنوات إضافية لسياسته الخارجية التوسعية. ومع ذلك، فإن النتيجة النهائية للحرب الأهلية السورية ليست هي الشاغل الوحيد للرئيس التركي. وأن تركيا تحدد منصات ومناطق إضافية لزيادة قوتها الاقتصادية والعسكرية. إلى جانب طموح أردوغان لتعزيز موقع تركيا في الشرق الأوسط وما وراءه..
– تأمين شبكة المصالح الاقتصادية فى إفريقيا: والتي تمثل بدورها سوقاً اقتصاديا كبيراً ورافداً هاماً للمواد الخام، و تكشف التقارير الاقتصادية عن تحقيقها لقفزات هائلة على مدار العقدين الأخيرين، فقد ارتفع حجم التبادل التجاري بين تركيا والدول الإفريقية جنوب الصحراء من 742 مليون دولار عام 2000 إلى 3 مليار دولار في عام 2005 ثم قفز إلى 5.7 مليار دولار في عام 2008 وتابع الزيادة إلى 15.710 مليار دولار عام 2010. إلى 30 مليار دولار 2017، وتهدف تركيا إلى مضاعفة هذا الرقم إلى 50 مليار دولار بحلول 2023.
– تأمين بدائل السياسية الخارجية التركية تجاه أوربا: فى ظل فشل سياسات الاندماج فى الاتحاد الأوربي وتحول تركيا نحو مسار مختلف، وجدت أن التمدد فى هذه الدائرة يلبى تلك الغاية، وربما بكلفة أقل وبشكل أسرع، فضلا عن أن الأجندة التركية التي تقدمها حكومة العدالة والتنمية تبدو ملائمة لطبيعة هذه المناطق وظرفها وطبيعة التطورات السياسية والأمنية فيها، ففي 2005 أصبحت تركيا عضو مراقب فى الاتحاد الإفريقي وشريك إستراتيجي فى 2008 ، وذلك على عكس مشروطيات الاندماج فى الاتحاد الأوربي، بل إن فرص الانضمام تضاءلت إلى درجة العدم ، فى مقابل طرح صيغة “الشراكة” كبديل وهو ما رفضته تركيا التي اعتبرت أنها لن تنتظر لتستجدى الانضمام للاتحاد الأوربي بعد 54 عاماً ، ويقود هذا التطور إلى احتمالات أكثر بشأن مزيد من التمدد التركي خارج هذا المسار ، وتعتبر إفريقيا من الدوائر المرشحة للتوسع التركي خارجياً.
– خدمة الأجندة الإقليمية التركية فى الشرق الأوسط: فى مساحات الاشتباك الخاصة بالصراعات الإقليمية تؤمن تركيا لنفسها منصة إقليمية بحضور واسع ومنافس للقوى الإقليمية الأخرى فى القرن الإفريقي والبحر الأحمر الذين أصبحا فى دائرة الاهتمام الرئيسية كقاعدة لوجستية للقوى الإقليمية غير عربية كإيران وإسرائيل، أو العربية الخليجية والإفريقية كالسعودية والإمارات ومصر فى تلك الساحات وفى ساحات الصراع ذاتها، وبالتالي فالتموضع التركي فى تلك المنطقة يخدم الأجندة الإقليمية التركية ويؤمن لها الحضور كمنافس إقليمي فى الشرق الأوسط، كما يعزز النظرية الحالية بأن الأمن الإقليمي فى هذه المنطقة لم يعد مجرد أمن الدول المشاطئة للبحر الأحمر فى ضوء اعتبارها من أحد أهم دوائر الحركة الاقتصادية فى العالم، وأيضا كمركز عالمي للأمن خاصة فى منطقة القرن الإفريقي كما يمثل قاعدة لوجستية للتحرك على مسارح العمليات فى الصراعات المختلفة، ، ويعتقد أيضا أن التواجد فى التركي فى سواكن سوف تعيد تقييم أهمية الساحل الشرقي للسودان فى إطار إعادة هيكلة منظومة الأمن فى البحر الأحمر.
التكتيك التركي للتواجد فى البحر الأحمر .. “انخراط متدرج”
سعت تركيا إلى التغلغل الواسع فى إفريقيا بشكل عام من خلال آليات القوة الناعمة، من علميات الدعم الانسانى عبر برامح الإغاثة والمساعدات الإنسانية حيث حصلت 27 دولة افريقية على مساعدات من تركيا فى عام 2008 ، كما تشارك تركيا فى 6 من عمليات حفظ السلام فى القارة تحت مظلة الأمم المتحدة، ومن المتصور أن تركيا حصدت نجاح هذه السياسيات حيث حصلت فى عام 2009 على عضوية غير دائمة فى مجلس الأمن بفضل الأصوات الإفريقية .
وبشكل خاص سعت تركيا إلى التواجد على سواحل البحر الأحمر وعمقه فى القرن الإفريقي من خلال إتباع تكتيك “الانخراط المتدرج” ، ولعل الوجود التركي فى الصومال مؤشراً على هذا النهج، حيث تعتبر تركيا أول دولة تنخرط بشكل رسمي على الساحة الصومالية وكان الرئيس التركي أول زائر رسمي لها فى أغسطس 2011 ، تلتها زيارة أخرى فى 2015 شهدت توقيع اتفاقيات عديدة أمنية ودبلوماسية واقتصادية كما شهدت تدشين خط طيران بين اسطنبول ومقديشو، وبناء 10 ألاف وحدة سكنية فضلا عن عشرات المدارس والمساجد والمستشفيات ومطار وميناء مقديشو، وبالتالى من أهم ممولى برنامج إعادة الأعمار فى الصومال، وتتوجت باتفاق عسكري شمل بناء قاعدة تركية فى مقديشو تم افتتحها فى 30 سبتمبر 2017 والتى تعد أكبر قاعدة عسكرية تركية فى الخارج لها فى الخارج وأكبر قاعدة عسكرية فى الصومال، إلى جانب أن تركيا تحظى بأكبر مستوى تمثيل دبلوماسي وأكبر سفارة أجنبية فى الصومال، وتستخدم وفقا للاتفاق المعلن عنه فى عملية تأمين الحكومة الحليفة فى مقديشو ولتدريب قوات الأمن والجيش وتفعيل الشراكة فى برنامج مكافحة الإرهاب وإعادة تأهيل البنية العسكرية .
واتبعت تركيا النهج ذاته مع السودان، حيث أعلن بعد اقل من ثلاثة أشهر على افتتاح القاعدة فى الصومال وخلال زيارة الرئيس التركي للخرطوم فى 24 ديسمبر2017 عن إطار تعاون ثنائي بين أنقرة والخرطوم فى المجال الدفاعي وكشف عن نوايا إنشاء قاعدة عسكرية تركية فى جزيرة “سواكن ” ، وعلى الرغم من التراجع السوادنى بشأن الشق العسكري الخاص بالجزيرة وقصره على التعاون فى إعادة أعمارها الجزيرة وتأهيلها سياحياً ، إلا أنه لا ينفى طموح تركيا فى إنشاء القاعدة العسكرية فى الجزيرة ، خاصة مع تعزيز التعاون العسكري الثنائي، كالتدريب البحري المشترك في ميناء بورسودان في يونيه 2015 ، ودورات التدريب الشرطية التي تجرى في تركيا كل عام لضباط سودانيين ، وقد تم تدريب أكثر من 3800 ضابط سوداني في إطار التعاون الأمني بين البلدين.
كذلك فمن المتصور أن السودان لديه رغبة فى التخلص من سيف العقوبات الدولية المسلط عليه منذ فترة طويلة، ويرى أن المساعدة السعودية لرفع العقوبات لم تكن كافية، فالسودان لم ير بعد أي فائدة ملموسة من هذا الإجراء حيث لا تزال جميع الواردات والصادرات تخضع لضوابط صارمة ولا تزال عمليات التحويل المالي صعبة للغاية. بل إن السودان ربما دفع مقابل أكبر من ذلك لدى مشاركة قواته فى حرب اليمن، إلى جانب أن جوار السودان فى ليبيا و جنوب السودان يشهد صراعاً ممتدا ويصعب الرهان على احتمالات احتواء أو توقف تلك الصراعات، وفى المقابل هناك دولا تعزز من قدراتها العسكرية كمصر للتعامل مع تلك التهديدات وغيرها، وبالتالى هناك طلب سودانى على إسناد أكبر لتجاوز تداعيات حقبة العقوبات التي كانت سارية منذ عام 1997، الدافع الذى ظهرت مؤشراته فى إبداء الرئيس السوداني عمر البشير الرغبة فى تعاون عسكري روسي – سوداني خاص فى منطقة البحر الأحمر خلال لقاؤه والرئيس الروسي فلاديمير بوتين فى سوتشي فى نوفمبر 2017 . حيث ناقش الرئيس السوداني إمكانية إقامة قاعدة عسكرية على البحر الأحمر وطلب تزويد بلاده بأسلحة دفاعية روسية، وبالتالى من المتصور أن هناك نهم سوداني للتعاون العسكري مع أطراف خارجية وربما تكون الأطراف غير العربية الدولية والإقليمية كإيران أو تركيا الأقرب إلى تحقيق تلك الغاية لديها. وهناك وجهة نظر أخرى ترى احتمالية تلاقى الاتجاهين سويا ( تركيا – روسيا ) فى السودان ، فى حال ما قرر الروس دعم البحث عن موطئ قدم تركي في جزيرة سواكن كعنصر إيجابي لاستراتيجيات موسكو البحرية المستقبلية في البحر الأحمر مع استمرار تدهور العلاقات الأمريكية-التركية.
تداعيات تنامي النفوذ التركي :-
– تهديد إقليمي : إن ارتباط التواجد التركي فى البحر الأحمر والقرن الإفريقي بأجندة السياسية الخارجية الإقليمية التركية تجاه الشرق الأوسط يمثل عامل تهديد إقليمي، فعلى سبيل المثال شهدت زيارة الرئيس التركي الأخيرة إلى السودان مشاركة قطرية عالية المستوى بل ربما كان اللافت حضور وزير الدفاع وعقد لجنة ثلاثية مشتركة ( سودانية – تركية – قطرية ) فى الخرطوم، وما يعنى تعزيز هذا المحور بناء على القواسم الايدولوجية والتوجهات السياسية المشتركة لدى الأطراف السياسية والتى تحمل ضمنياً عامل التهديد للقوى العربية المناوئة للسياسية القطرية وتحديدا رباعية المقاطعة ( السعودية – الإمارات – البحرين – مصر ) والتى تعتبر أن التواجد التركي فى تلك الخليج يشكل عامل تهديد لدعمه السياسات القطرية فى مواجهة باقى أعضاء المنظومة الخليجية وأنه لولا ذلك الدعم لما تمكنت قطر من الإفلات من سياسية العقوبات الخليجية وان انتقال تركيا إلى البحر الأحمر قد يضاعف من مستوى التهديد.
– إخلال بالتوازن الاستراتيجي: فى تلك المنطقة ويدعم استمرار التوترات وعدم الاستقرار الأمنى فيها نظرا إلى إحداثيات الانتشار التركي فى الإقليم والتى ترتكز فى ثلاث مواقع إستراتجية فى (الصومال – السودان – قطر ) ، وهو يشكل تهديد بالدرجة الأولى للقوى الخليجية خاصة السعودية فى إطار أن إنشاء قاعدة عسكرية فى سواكن يعنى تطويق السعودية على الاتجاهين شرقا وغربا فى الخليج وفى البحر الأحمر، وهو ما حاولت تركيا تداركه فى الزيارة التى قام بها رئيس الوزراء التركي بينالي يلدريم إلى السعودية في محاولة لتهدئة الأمور، كما انه يشكل تهديدا بالنسبة لمصر الجارة للسودان بالنظر إلى مآلات العلاقات المصرية –التركية فى ضوء الموقف من 30 يونيو وما تلاه من تطورات، ما كان سبباً للتصعيد الدبلوماسي على الجانبين وصل إلى حد سحب الخرطوم لسفيرها من القاهرة وإشعال أزمة حلايب وشلاتين قبل أن يتم تسوية الأزمة وتعود العلاقات إلى طبيعتها لدى تعهد الخرطوم بأنها ليست بصدد إقامة قاعدة عسكرية فى سواكن .
– إشعال السباق الاقليمى نحو البحر الأحمر : فالقوى المنافسة والمناوئة للسياسية التركية ستتجه بدورها إلى مزاحمة التواجد التركي، ومن المتصور أن باقى القوى الإقليمية بصدد إعادة تقييم مستوى وحجم تواجدها فى البحر الأحمر، كذلك فإن سباق القوى بدأ بالفعل بفعل تأجج الصراع فى اليمن، فالسعودية والإمارات توجهتا إلى التواجد فى القرن الإفريقي فى اريتريا وجيبوتي على خلفية تصاعد التهديدات فى حركة الملاحة فى البحر الأحمر بالتوازي مع تزايد نشاط تهريب الأسلحة الإيرانية إلى الحركة الحوثية فى اليمن خاصة الأسلحة فوق التقليدية كالصواريخ التى استهدفت الحركة فى البحر الأحمر خاصة سفن تحالف استعادة الشرعية. كذلك من المتصور أن يشعل هذا السباق حالة التوتر الراهنة فى داخل القرن الإفريقي ذاته وهو ما أشار إليه صراحة الرئيس الاريتري إسياس أفورقي والذى اعتبر أن الوجود العسكري التركي في البحر الأحمر يؤدي إلى نتائج عكسية لأمن المنطقة وأنه غير مرحب به.
– عسكرة التواجد فى تلك البحر الأحمر : تميل أغلب الأدبيات السياسية التى تتناول التواجد التركي فى إفريقيا والبحر الأحمر إلى التركيز على سياسة القوى الناعمة التى تنتهجها تركيا، ولكن الواقع الراهن ربما يعكس سياسية مغايرة ، إذ أن التواجد التركي بات يركز على البعد العسكري ، ولا يشترط ذلك بناء قواعد عسكري ، إذ أن التعاون العسكري والدفاعي والأمني كفيل بأن يهيئ الأجواء لذلك مرحلياً، وبالتالى فإن سباق القوى الإقليمية وخاصة تركيا على هذا النحو يأخذ منحى ” العسكرة “، بخلاف ما يروج له من تواتر الحديث عن تنمية اقتصادية وسياحية وباقي الأنشطة البيئية، وربما لا تعد تركيا سبباً رئيساً فى عسكرة المجال فى البحر الأحمر لكنها تعد إضافة إلى حالة العسكرة الراهنة وقد تشكل دافعاً لدى القوى الأخرى فى رفع مستوى مظاهر العسكرة الراهنة. فهناك على سبيل المثال رؤية اسرائيلية مفادها أن أنقرة مشغولة بإقامة حلقة من التعاون العسكري على طول سواحل البحر الأحمر في شرق أفريقيا، إلى جانب قطر فالثلاثي كانوا حريصين على إجراء أنشطة وتدريبات بحرية مشتركة في البحر الأحمر مؤخراً ، كما يبدو أن إيران وتركيا، وهما الدولتان المسلمتان غير العربيتان الكبيرتان تستغلان الفوضى الإقليمية لتطوير مصالحهم كما تدفع تلك السياسيات إلى دفع روسيا نحو مزيد من الهرولة إلى المنطقة لسد الفراغ الأمريكي في ضوء تخليها عن الشرق الأوسط “. وفى ضوء هذه الرؤية لا يعتقد أن إسرائيل هي الأخرى ستقف موقف المشاهد بل على العكس من ذلك يرجح أنها أكثر الأطراف انشغالاً بمليء الفراغ ومحاولة إحراز قصب السباق في معادلات ميزان القوى في البحر الأحمر، ومن اللافت للانتباه فى هذا الصدد أن تركيا تحركت فى تلك الدائرة بمعزل عن الولايات المتحدة، التى أنشأت قاعدة USAFRICOM فى ليمونيه فى جيبوتي المجاورة للصومال فى الوقت الذي لم تكن العلاقات الأمريكية- التركية شهدت تدهورا على النحو الذي آلت إليه، وكذلك فى السودان رغم سياسة العقوبات الأمريكية. كذلك السباق.
الخلاصة:
يضيف الظهور التركي على مسرح القرن الإفريقي وساحل البحر الأحمر تهديداً إضافيا للأمن فى تلك المنطقة، فى الوقت الذى لا تزال القوى التقليدية التى ينظر إليها باعتبارها صاحبة السيادة فيه على تكافح تداعيات محاولات مماثلة لإيران فى اليمن والتى تتضح من العملية الخاصة لاستعادة الساحل الغربى التى تشنها قوات التحالف العربي فى اليمن، وبالتالى لن تقبل بوجود تركى على الساحل المقابل فى السودان يصعب القبول به خاصة وأنه اقترن بسياقات تهديد واضحة فى إطار العلاقة مع قطر والموقف الخليجي منها ، إلى جانب طبيعة العلاقات التركية – المصرية المتأزمة على خلفية الموقف من 30 يونيو والتصعيد اللاحق على خلفية اكتشافات الغاز فى شرق المتوسط فى ضوء مقاربة العلاقات المصرية – القبرصية أيضا . إن التهديد الحقيقي للبحر الأحمر هو غياب منظومة امن جماعي عربية- إفريقية، ما يعنى الحاجة إلى آلية جماعية لإدارة البحر الأحمر ، وسيظل هذا الغياب هو النافذ التى تتسلل منها القوى الإقليمية والخارجية للتهديد الأمن القومي الاقليمى فى المنقطة .
المصادر :
- Einat Elazari, Turkey’s southern ambitions, Global Risk Insights – 14Feb, 2018.
- Shaul Shay, Turkey – Sudan strategic relations and the implications for the region, INSS –January, 2018.
- -Theodore Karasik and Giorgio Cafiero, Turkey’s move into the Red Sea unsettles Egypt, middle east institute-17Jan, 2018 .
- Ali Topchi, why is Sudan’s Suakin island important for Turkey? TRT WORLD، 26 DEC, 2017
- Engidu Woldie, Turkey’s presence in Red Sea counterproductive: Eritrean President, ESAT News (January 15, 2018).
- ZVI MAZEL, Jerusalem Post, IS TURKEY SETTING UP A NAVAL BASE ON THE RED SEA?, 6 JAN 2018.
- العلاقات التركية مع الدول الأفريقية، صفحة وزارة الخارجية التركية بالعربية فى الانترنت ، www.mfa.gov.tr
- ماكرون يعرض على أردوغان “شراكة” عوضا عن الانضمام للاتحاد الأوروبي، فرانس 24 ، 06/01/2018.
- وزير الخارجية السوداني ينفي لنظيره المصري تحويل جزيرة سواكن إلى قاعدة عسكرية تركية ، RT، 08.02.2018