خلفت التداعيات الأمنية للأزمة الليبية العديد من المخاطر والتهديدات الأمنية التى شكلت قواسم مشتركة لدى جميع دول الجوار على مستوى الظاهرة ومسارها وتطورها، وعلى مستوى آليات التعامل معها من جانب دول الجوار فى أغلب الحالات على الرغم من تناقض الأطر السياسية الخاصة بكل منهم حيال التعامل مع الأزمة. وعلى الرغم من أن المسار الحالي يغلب عليه من الناحية الشكلية التقارب السياسي بين دول الجوار الليبي لاحتواء استمرار تداعيات التمزق الليبي الشامل، إلا أن هذا المسار يصطدم بمرحلة تحول ليبيا إلى قبلة العائدون والمنتقلون من العراق وسوريا إلى إفريقيا، وبالتالي لا تزال ليبيا مرشحة للبقاء كدولة غير مستقرة وبؤرة أساسية لتهديد محيطها.
محددات تعامل دول الجوار مع الحالة الليبية
الأمن قبل السياسية هو المرتكز الأساسي الذي تدور حوله القواسم المشتركة والتناقضات الخاصة بدول الجوار الليبي تجاه التعامل مع الأزمة العميقة التى تعيشها البلاد منذ نحو سنوات لدى اندلاع ثورة فبراير 2011 ، وهى الفترة التى تنقسم لمراحل انتقالية مختلفة شهدت تطورات فى مسارات التعامل من جانب دول الجوار تجاه الأزمة، لعل أهمها مسار التعامل مع اتفاق الصخيرات 2015 والذى لا يزال قيد إعادة التفاوض مجدداً، وبالتالى فالمسافات السياسية فيما بين التقارب والتباعد ترسمها الحسابات الأمنية وفقاً لتكتيكات كل طرف من الأطراف تجاه تطورات الأزمة، إلى جانب التفاعلات الطارئة من آن لأخر على المسرح الليبي مثل إعادة تشكل التحالفات بين التنظيمات على الساحة الليبية، إلى جانب التحولات السياسية التى شهدتها بعض دول الجوار مثل التحول الذى شهدته مصر لدى اندلاع ثورة 30 يونيو واتجاه الدولة المصرية لدعم مسار مختلف فى ليبيا عن المسار الذى كان يدعمه نظام حكم الإخوان المسلمين، بالإضافة إلى التحولات التى شهدتها تونس بعد وصول الرئيس الباجى قايد السبسي إلى السلطة نهاية 2014 .
وفى هذا السياق يمكن اعتبار أن المخاطر والتهديدات الأمنية التى شكلتها ليبيا كبؤرة صراعات مركبة ومعقدة ومركز نشاط لتنظيمات السلفية الجهادية تم التعاطي معها وفقا لتدابير أمنية متقاربة من دول الجوار يغلب عليها عده قواسم مشتركة منها : التركيز على ضبط الحدود وتشديد آليات المراقبة وتركيب نظم مراقبة سطحية إلى جانب آليات المراقبة الجوية فضلا عن استحداث قطاعات عسكرية متخصصة مثل قوات الانتشار السريع على الحدود وإعادة تأهيل القواعد العسكرية وإنشاء قواعد جديدة، لكن هذه القواسم المشتركة لم تنعكس على المستوى السياسي فى أغلب مراحل الأزمة حيث بدت السياسات الخاصة بدول الجوار الليبي تميل إلى التباين والانقسام الحاد عبر مراحل الأزمة ، وربما يبرر هذا الانقسام بحكم الطابع الجيوسياسي لتطورات المشهد بين تقارب مصري مع حكومة طبرق التى تسيطر على الشرق الليبي بحكم الاتصال الحدودي، وعلى الضفة الأخرى تقارب جزائري – تونسي مع حكومة طرابلس فى الغرب ، فى حين أن قاعدة الحدود الليبية ظلت لفترة طويلة فى حالة انكشاف حتى وقت قريب مع اعتماد آلية جماعية للتعامل مع مآلات الحالة الليبية وعبر تنسيق مشترك مع الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية .
طبيعة دول الجوار الليبي وموقفها من الحالة الليبية
تشترك ليبيا حدوديا مع ستة دول هي مصر وتونس والجزائر وتشاد والنيجر والسودان، وفى حين أن مساحة الحدود السياسية خاصة فيما يتعلق بدول الجوار العربي تشترك فيها مع مصر بطول 1150كم، والتى تتقارب نسبيا مع الجزائر بطول 982 كم ، وفى حين تبدو أقل بمقدار النصف تقريبا مع تونس بطول 459 كم بينما تبدو أقل فى الحدود مع السودان بما يصل إلى السودان 383 كم ، لكن هذه المسافات لا تعبر من الناحية العملية عن مقدار التهديدات التى تفرضها تلك الحدود بحجم امتداداها النظري على الخريطة، إذ يمكن القول أن طول خط الحدود السياسية ليس هو المؤشر الحاكم لمستوى انتقال الخطر والتهديد بل هناك عوامل أخرى تتعلق بطبيعة مصادر التهديد وحجم اشتباك هذه المصادر تجاه دول الجوار، فهناك مساحات حدودية تشهد نشاط أقل كثافة وخطراً من الأنشطة المناظرة على الحدود الأخرى، بالإضافة الى ثقل التنظيمات وتمركزها فى مواقع محددة فمركز الثقل فى البداية ظل فى المنطقة الشرقية المتاخمة للحدود المصرية ، ومنها بدأ بتفرع تدريجياً إلى العمق الليبي غربا وجنوباً ، وبالتالى فإن مؤشر ارتدادات هذا الثقل على الجانب المصري ربما كان أكثر أثراً من غيره على مستوى الاتجاهات الأخرى، وهو ما يبدو فى كل حالة على النحو التالى :
أ-حالةمصر: تنشط تنظيمات السلفية الجهادية داعش والقاعدة فى ليبيا ضد مصر انطلاق من الجبهة الليبية من خلال اختراق الحدود المشتركة لتوجيه بعض الضربات لها فى العمق من جهة أو ضرب أهداف مصرية داخل ليبيا مثل حادث ذبح الأقباط المصريين على الاراضى الليبية، ومن اللافت أن كلا التنظيمين نشط ضد الأقباط المصريين كهدف أساسي فى المواجهة كما تقاسمت الأهداف الأخرى مثل القوات الأمنية خاصة فى القطاع الغربى فى مناطق الوادي الجديد والفرافرة. ويشكل تنظيم مجلس شورى مجاهدي درنه المحسوب على تنظيم القاعدة أحد روافد الدعم الأساسية ماليا ولوجستيا وتسليحا للجماعات المسلحة فى سيناء، خاصة مرحلة ما قبل تحول تنظيم ما “أنصار بيت المقدس ” إلى مبايعة تنظيم “داعش ” لاعتبارات تتعلق بالروابط التنظيمية، فى حين أن تنظيم داع شفى ليبيا كان الأقرب إلى التنظيم في مرحلة الإعلان عما يسمى ” ولاية سيناء “.
وإجمالا يمكن القول إن مصر تعاملت مع التنظيمات المتواجدة فى ليبيا كتهديد من خلال ثلاث آليات أساسية هي:
–الردعالمباشر: من خلال التدخل الهجوم لضرب مواقع التنظيمات كما حدث فى الضربتين الموجهتين إلى درنة لاستهداف مجلس شورى المجاهدين التى يشكل مظلة حاضنة لتنظيم المرابطون الذى يقوده هشام عشماوي والذى يتمركز في منطقة الفتائح في درنة.
–دعم الجيش في الشرق: بقيادة خليفة حفتر، حيث توفير التنسيق المباشر مع الجيش الوطني الليبي وإسناده لوجستيا في العمليات الخاصة بالمواجهات مع تلك التنظيمات.
- ضبط وإحكامالحدود: سواء من خلال تطوير آليات مراقبة الحدود بشكل متنامي، من خلال المراقبة الجوية، إلى جانب زيادة التعزيزات العسكرية كما هو الحال فى إنشاء قاعدة برانى بالقرب من الحدود المشتركة المصرية الليبية أو التدريبات العسكرية الخاصة بمواجهة النشاط الارهابى كمناورات رعد والتدريب الاحترافي للقوات الخاصة أو قوات الانتشار السريع في تلك المناطق.
لكن تبقى هناك العديد من التحديات فى هذا السياق، منها مساحة حدود الإرهاب، والتى تمت الإشارة إليها سابقاً والتى يمكن تفصيلها فى عدة نقاط على النحو التالي:
–عائق التضاريس: على مستوى الحدود البرية هناك صعوبة ووعورة فى طبيعة الحدود، حيث أن هناك ممرات ومدقات وعره يتم التسلل عبرها من جانب العناصر الإرهابية المدربة، إلى جانب الحدود البحرية التى تشهد أيضا عمليات تسلل أو تهريب الساحل على خط برانى – مساعد وهى المساحة الساحلية لحدود نشاط العمليات الإرهابية وتهريب السلاح، ثم مثلث الحدود فى الجنوب الأكثر وعورة عند جبل العوينات ومثلث الحدود المصرية السودانية الليبية والذى يشهد نشاط مكثف لتحركات التنظيمات في ليبيا.
–انعدام قدرة الداخل على الضبط الموازى: فالإسناد الدفاعي من داخل الحدود الليبية لضبطها مع الجانب المصري لا يزال محدود القدرات بسبب حداثة نشأة الجيش وانخراطه فى معارك على الجبهة الداخلية فى مواجهة التنظيمات المختلفة، كما أنه لم ينجح فى اختراق التنظيم الذى يستهدف مصر بشكل أساسي وهو تنظيم مجاهدي درنة حيث لا يحاصر المدينة دون القدرة على اختراقها والمواجهة المباشرة مع التنظيم، وكذلك الافتقار للإمكانيات، فلا يزال هناك حظر مفروض على تسليح الجيش الليبي من جانب القوى الغربية بشأن عملية توريدات السلاح، حيث أن أغلب الدول الغربية والأوربية لا تعترف بالجيش فى المنطقة الشرقية بقيادة خليفة حفتر، وحتى القوى الداعمة له مثل روسيا من الصعوبة بمكان أن تتجاوز القرار الدولي بحظر السلاح، وإن كان من اللافت أن الساحة الليبية مليئة بالسلاح وفقا للعديد من التقديرات الدولية المعنية بالتسلح لكن فى الغالب يميل ميزان التسلح لصالح التنظيمات بالنظر الى قدرتها على جلبه وتمويل صفقات الحصول عليه .
ب – حالة تونس: يمكن القول إن هناك مراوحة في التأثير بين كل من ليبيا وتونس فى نشاط الجماعات الإرهابية، بالنظر لعدة أسباب منها على سبيل المثال أن تونس تشكل محطة رئيسية في الإسهام في عملية تكوين تنظيمات الإرهاب الرئيسية داعش والقاعدة حيث تعتبر وفقا للتقديرات الدولية أكبر مصدر للإرهاب من حيث أنها تسهم بأكبر عدد من عناصر داعش، ووفقا للتقديرات بريطانية تشير إلى وصول هذا العدد إلى 3 ألاف عنصر فى حين يقول مركز أبحاث الكونجرس إلى ضعف هذا الرقم تقريبا والأخيرة أقرب أيضا إلى تقديرات الأمم المتحدة.
وتشكل تونس أيضا أهمية خاصة على صعيد دول الجوار الليبي حيث أن اغلب قيادات التنظيم فى ليبيا من تونس مثل أبو عياض جدل الإعلان عن مقتله من عدمه إلا أن مستوى القيادات التونسية يكل عماد رئيسي فى التنظيمات على الساحة الليبية، إلى جانب التشبيك على مستوى قواعد التنظيم مع التنظيمات فى الخارج سواء فى سوريا والعراق أو على المستوى الإفريقي.أيضا من المتصور أن عملية التجنيد كانت تنطلق من تونس فى مسار ليبيا للتدريب والإعداد والتجهيز إلى العراق وسوريا للانخراط فى العمليات هناك والحصول على مستوى أعلى من التأهيل ، ثم فى ظل مآلات التنظيم فى العراق وسوريا فإن كلا من ليبيا وتونس مرشحتان كنقاط أساسية للعائدون من التنظيم على مستوى قياداته المتبقية وقواعده أيضاً .
كذلك على مستوى عملية ضبط الحدود فإن الدولة تونس كغيرها من دول الجوار لجأت إلى إحكام الحدود لكن على ما يبدو بآليات أقل فاعلية من نظيراتها مصر والجزائر ، كما أنها قامت بتغطية قطاع قد يصل إلى نصف طول الحدود فقط بطول 250 كم بسواتر ترابية وخنادق وهى آليات من السهل تعامل التنظيمات معها بالنظر إلى خبرات الحالة فى العراق وسوريا ، إلى جانب تغطية الحدود بالكاميرات والرادارات الأرضية والطائرات بدون طيار والتى أعلنت أنها بدأت فى عام 2015 وانتهت عام 2016 لكنها لم تحول دون وقف العمليات والاختراق المتوالي داخل العمق التونسي.
ومن المتصور أن هناك قواسم مشتركة أمنيابين القاهرة وتونس تظهر على السبيل المثال فيما يلي: –
- رخاوة مناطق الحدود المشتركة مع الجانب الليبي وهو ما سمح بسهولة حركة تلك العناصر فى ظل ضعف الدولة خلال المرحلة الانتقالية التى تلت الانتفاضات الشعبية التى شهدتها البلدين ، خاصة مع وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم وتشجيعهما المناظر فى ليبيا ودعمهم له، وبالتالى كان الغالب هنا هو تقاسم ضعف الدولة فى الحالتين، وهو ما سمح بانتشار السلاح بصورة كبيرة وأصبح من السهولة تداوله فى يد التنظيمات وتسريبه لدول الجوار. حتى بدأت البلدين تشهدان تحولا سياسيا أطاح بحكم العدالة والتنمية فى مصر ولم يجدد الثقة في حكم النهضة في تونس في الانتخابات، وعكست نظم الحكم الجديدة خاصة مصر مساراً مختلفاً فى التعامل مع ليبيا باتجاه اعتبار جماعات الإسلام السياسي وعلى رأسها الإخوان المسلمين والسلفية الجهادية خطرا مباشر وتهديدا للدولة المصرية.
–على الرغم من قصر طول الحدود التونسية مقابل نظيرته المصرية إلا أن ليبيا شكلت قاعدة تهديد للجماعات التى تنطلق تجاه كلا من مصر و تونس، ففي الحالة المصرية تحرك جماعة هشام عشماوي تحت مظلة مجلس شورى المجاهدين لضرب أهداف فى مصر ، وأيضا جماعة أنصار الشريعة التى كان يقودها أبو عياض التونسي الأصل ظلت تهدد تونس عبر اختراق الحدود بتجييش العناصر ضدها وقامت بتصفية العديد من الشخصيات في الداخل التونسي كشكرى بلعيد والهجوم على قوات الجيش فى بعض المدن وهو السلوك ذاته الذى انتهجته المجموعات المماثلة من أنصار الشريعة تجاه مصر، وذلك على الرغم من محدودية عدد عناصر كتيبة ” المرابطون ” التي يتزعمها هشام عشماوي مقابل مجموعة أبوعياض ، حيث يشير المركز العام التونسي لدراسات الأمن إلى أن عدد جهادي تونس فى ليبيا المنتمين للقاعدة يصل تقريبا إلى 4500 عنصر وهو ما يعنى أن تونس أيضا من أكبر المساهمين فى القاعدة ولديها كتائب متاخمة لدول مستهدفة ولم تركز فقط على سوريا منذ البداية كما هو حال عناصر داعش ، فأبوعياض دعا إلى عدم السفر إلى سوريا مقابل البقاء فى ليبيا والاستعداد لمعركة اختراقها من الجنوب حتى تم الإعلان للمرة الأولى عن مقتله فى 2014 ، ثم الإعلان للمرة الثانية فى 2015 بغارة أمريكية على الحدود مع تونس .
ج – الجزائر : ربما كان مسار الوضع مختلف نسبيا بالنسبة للتعاطي مع الوضع فى ليبيا منذ البداية عن كل من تونس ومصر ، بالنظر إلى أن الجزائر لم تمر بظروف مصر وتونس فيما أجواء ما يسمى بالربيع العربي إلا أن الجزائر شكلت مصدرا وهدفاً للتنظيمات الإرهابية تطور مع تطور الحالات الموازية فى محيطها، فى إطار مسار تطور الظاهرة بشكل عام من حيث التشبيك مع الأشكال والأنماط الجديدة من تلك التنظيمات، حيث التقى تنظيم القاعدة فى ليبيا وتونس ومصر مع نظيره الجزائري بقيادة مختار بلمختار فى إطار مشروع توحيد الفروع فى مناطق الصراع فى الشرق الأوسط إلى جانب أن بعض التقارير أفادت بلقاءات أيضا جمعت عناصر فرع التنظيم فى أفغانستان الحالية بتلك التنظيمات كما يشير إلى ذلك المركز العام التونسي لدراسات الأمن .
القاسم المشترك الرئيسي على مستوى الإجراءات الأمنية التى اتخذتها الجزائر هو نفس الإجراءات التقليدية التى اتخذتها كل من مصر وتونس بتكثيف الانتشار الأمنى والسعي إلى الحصول على أجهزة مراقبة جديدة، لكن من المتصور أن الجزائر كانت أعلي فى مستوى التنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية من مصر خاصة فى فترة ما بعد حكم الإخوان فى مصر خلال عهد الإدارة الأمريكية السابقة فبمجرد توقيع اتفاق الصخيرات الذى استضافته الجزائر بين فرقاء المشهد الليبي بدأ التنسيق الجزائري الامريكى لضرب أهداف إرهابية فى ليبيا وبدا عملية الانتشار المكثف للجيش الجزائري فى فبراير 2016 . بالإضافة إلى إجراء غلق الحدود الذي جرى أولا مع ليبيا منذ حادث استهداف إرهابي داخل الحدود في 2014، ثم مع الدول المجاورة مثل تشاد ومالي والنيجر التى تشهد نشاطا مكثفاً من جانب تلك الجماعات وتوعدها بالمواجهات ضد الحكومة في الجزائر.
وخلال المرحلة الانتقالية الثانية فى ليبيا والتى يشار إليها فى مرحلة اتفاق الصخيرات كان الأقرب إلى تونس أيضا على مستوى التنسيق الأمنى بحكم التقارب مع حكومة السراح التى أسفر عنها الاتفاق فى الغرب ، فقط سلمت الجزائر تونس قائمة بنحو 4500 عنصر يقاتلون على الساحة الليبية فقط ، فى حين اختلف مستوى التنسيق الجزائري مع مصر خلال تلك المرحلة فعلى الرغم من أن القاهرة اتخذت المسارات ذاتها التى اتخذتها الجزائر باستثناء حالة استهداف درنة من منطلق حد الدفاع عن النفس كما أعلنت مصر مجلس الأمن بذلك ، إلا أن الجزائر كانت تقوم فى المقابل باستنفار أمنى على الحدود المشتركة مع ليبيا بدعوى أنها ستواجه رد الفعل من الضربات المصرية فى العمق الليبي .
ومع تحسن أجواء العلاقات المصرية الجزائرية تجاه العلاقة الثلاثية مع ليبيا فى أغسطس 2017 من خلال الآلية الجديدة التى شملت دول الجوار والجامعة العربية والتى أطلقت اجتماعاتها بالتوازي، إلا أن الجزائر أعادت رفع مستوى الحضور الامنى على الحدود بزيادة 3 آلاف جندي تقريبا، وفقا لمخطط أمنى جديد بالتوازي مع رفع مستوى المراقبة الحدودية، وهو الإجراء ذاته الذى اتخذته مصر تقريبا برفع وتأهيل مستوى الحدود سواء عبر إنشاء قواعد عسكرية أو تعزيز تواجدها بالإضافة إلى تركيب الأجهزة والمراقبة الحدودية على مدار الساعة ، وبالتالى يعتقد أن الأمر توازى مع إنذارات أمريكية بأن القاعدة وداعش كلاهما يستعد لتعزيز المسار باتجاه إفريقيا وأن 11 دولة أفريقية من بينها الجزائر وتونس والمغرب ستشهد عمليات استهداف من جانب تلك التنظيمات من خلال داعش ليبيا أو قاعدة شمال مالي .
هناك قاسم مشترك أيضا بين الجزائر ومصر، وهو أن كلاهما نجح فى أكثر من مرة فى استهداف قيادات التنظيمات وتوجيه ضربات قاسيه لها فى الداخل رغم تعرضهما لخسائر فى العديد من العلميات، فقد استهدفت مصر قادة تنظيم داع شفى سيناء على التوالي توفيق فريج وأبو دعاء الأنصاري ومسئول المنطقة المركزية داخل العمق المصري أشرف الغرابلى فى نوفمبر 2015، كذلك نجحت الجزائر فى استهداف القيادات الرئيسية مثل خالد أبو سليمان في 2014.
د– السودان: الوضع بالنسبة للسودان فيما يتعلق بالأزمة الليبية يبدو مختلفاً عن اغلب الجبهات الأخرى، فالسودان كانت مصدرا لتعزيز تلك التنظيمات في ليبيا، لكن الوضع بالنسبة للسودان ارتبط منذ بداية الأمر بتهديد الحدود المصرية انطلاقا من السودان مرورا بليبيا، بالنظر إلى طبيعة المثلث الحدودي بين الدول الثلاثة، والذي يشهد نشاط إرهابي مكثف خاصة مع صعوبة ووعورة هذا المثلث منذ مرحلة ما قبل الثورة، كمنقطة رخوة نشطة للتهريب بأشكاله المختلفة. فعلى سبيل المثال لجأ الجيش الليبي فى الشرق إلى إغلاق الحدود مع السودان فى يونيو العام الجاري 2017، وهو الإجراء الذي اتخذته كتيبة (سبل السلام) التابعة للقيادة العامة للجيش الوطني الليبي في مدينة الكفرة جنوب شرق البلاد، وهو مما يكشف عن أن الهدف كان الحدود المصرية حيث أن البيان الصادر عن قيادة الكتيبة تضمن الأمر بإيقاف الحركة عبر الحدود الليبية – السودانية – التشادية إلى الحدود المصرية.
القاسم المشترك فيما يتعلق بالتعامل مع الحالة الليبية هو إعلان السودان اتخاذ ذات الإجراءات التى اتخذتها اغلب دول الجوار الليبي خاصة المجموعة العربية المتمثلة فى مصر والجزائر وتونس وهى اعتماد آلية نشر القوات على الحدود، وهى الآلية التى ظلت محل شك فى فاعليتها وإمكانيتها وقف تمدد نشاط الجماعات انطلاقا من العمق السوداني، وعلى الرغم من أن تنظيم داعش لم يستهدف السودان ولا تنظيم القاعدة وهو ما يبدو أنها الصيغة المفضلة لدى السودان لتأمين نفسه، لكن فى مرحلة لاحقة عرضت السودان على القاهرة نشر قوات مشتركة على الحدود مع ليبيا، فقد أعلن الغندور لدى اتخاذ قرار ” كتيبة السلام ” أن السلطات الأمنية السودانية تدرس مقترح لتشكيل قوات مشتركة “بقيادة واحدة تبادلية” لحماية حدود بلاده مع ليبيا ومصر، مشيراً إلى أنها تأتي على شاكلة التجربة مع تشاد التى يعتبرها تجربة ناجحة. وعلى الأرجح فإن القاهرة عملت على تعزيز الانتشار على الحدود فى منطقة المثلث منذ مايو 2017، بعد حادث الاعتداء على الأقباط في صحراء المنيا والذي يعتقد انه استخدم تلك المنطقة للتسلل إلى داخل الحدود المصرية لتنفيذ العملية. لكن من المتصور بعد دعوة السودان كمراقب إلى النجم الساطع التى شهدت أنشطة خاصة بمكافحة الإرهاب ومع التحول الأمريكي تجاه ليبيا فان السودان قد يتخذ مسارا مختلفاً تجاه الوضع في ليبيا.
فى الأخير يمكن القول أن هامش التناقضات السياسية بين دول الجوار الليبي ربما يشكل المعوق الحالي فى تجاوز تداعيات تلك التناقضات وهى الثغرة الكبيرة التى تستغلها تلك التنظيمات ، فآليات التعامل الامنى لم تفسر عن كبح الظواهر التى لا تزال مرشحة للتطور ، حيث لا تزال ليبيا مرشحة للاستمرار لفترة طويلة كبيئة مناسبة لاستمرار الفوضى والتمزق وبالتالى من المهم اعتماد آلية متوازية ومشتركة من جانب الجميع فى محاصرة بيئة الفوضى الأمنية إلى جانب تقوية مناعة ليبيا من خلال آليات التقارب السياسي لدى دول الجوار وانعكاس ذلك على قوى الداخل .