بعد اختتام مؤتمر الأطراف للمناخ بجلاسكو COP26، وما تم الاتفاق عليه فيما يخص المساهمات المحددة وطنيا للدول (NDCS)، والطموحات في تقليل الاعتماد علي الوقود الاحفوري والتخلص التدريجي من الفحم ، وزيادة الاعتماد على الطاقة المتجدة، وغيرها من النتائج الطموحة التي تم الاعلان عنها في ميثاق جلاسكة للمناخ 2021، إلا أن هذا العام أطل علينا بكثير من الأحداث الدولية التي أثرت ومازالت تؤثرعلى عمل الحكومات وإحياء أهداف اتفاقية باريس، وتعزيز أهداف وسياسات المناخ.
إن الظروف المناخية القاسية مثل الفيضانات في باكستان ، فضلاً عن موجات الحر والجفاف في أوروبا والولايات المتحدة ، تذكرنا بشكل مقلق بأهمية تعزيز التخفيف من آثار المناخ ، لا سيما في المناطق الأقل نموًا. في غضون ذلك ، ألقى الغزو الروسي لأوكرانيا وأزمة الطاقة اللاحقة بظلال من الشك على التعاون العالمي والتعهد العالمي الذي تم التوقيع عليه في COP26 ، كل هذا يشكل نظرتنا لمؤتمرالأطراف السابع والعشرين للمناخ COP27، الذي انطلق 6 نوفمبر 2022 في مدينة شرم الشيخ وسيستمر حتي يوم 18 نوفمبر، وربما ستشكل النقاشات والمفاوضات الدولية أهمية بالغة هذا العام في الانتقال من الوعود والتعهدات إلي التنفيذ ، وفقا لأربعة محاور رئيسية وهي : تمويل المناخ – هدف 1.5 درجة مئوية – التكيف والتخفيف – الخسائر والأضرار .
افتتاح مؤتمر الأطراف للمناخ COP27
انطلقت فاعليات القمة الأهم عالميا في مجال تغير المناخ اليوم في مدينة شرم الشيخ ، وقد تضمن الجلسات الافتتاحية مراسم تسليم وتسلم رئاسة المؤتمر الي الدول المضيفة، مع كلمات كلا من ” ألوك شارما ” رئيس مؤتمر الأطراف السادس والعشرين، والوزير “سامح شكري” رئيس مؤتمر الأطراف السابع والعشرين، ثم استكمال الجلسة العامة ببيانات كلا من الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، ورئيس الهيئة الدولية المعنية بتغير المناخ “IPCCC” .
الجدير بالذكر أن الجميع أتفق أنه لم يعد هناك رفاهية الوقت ، وأن الدورة السابعة والعشرون لمؤتمر المناخ لابد أن تخرج من إطار المناقشات والتعهدات إلي حيز التنفيذ وبسرعة شديدة وبتدبير التمويل اللازم، حيث أن الأهداف الوطنية التي تم تحديدها بحلول عام 2050 ، وهو الوقت الذي يحتاج فيه العالم إلى تحقيق صافي انبعاثات صفرية للوصول إلى هدف اتفاق باريس البالغ 1.5 درجة وتجنب العواقب الكارثية لتغير المناخ أصبحت غير كافية وتحتاج لمراجعة لدقيقة من الدول وخاصة الدول المسببة لهذا الكم الهائل من الانبعاثات .
هدف 1.5 درجة مئوية
قد تؤدي المساهمات الحالية المحددة وطنياً ( أو تعهدات البلدان التي تغطي السياسات المتفق عليها للمناخ ) على الأرجح إلى زيادة تتراوح بين 2.4 و 2.6 درجة مئوية في درجة الحرارة العالمية بحلول عام 2100 ، وهوأعلى بكثير من هدف اتفاقية باريس الذي تدور المفاوضات الآن حول محاولة تحقيقه. وربما تعد تقديرات وكالة الطاقة الدولية أكثر تفاؤلاً قليلاً ، حيث تشير إلى أنه من المرجح أن ترتفع درجة الحرارة العالمية بمقدار 1.7 درجة مئوية بحلول عام 2100 ، إذا تم تحقيق جميع الطموحات المناخية الحكومية بالكامل وفي الوقت المحدد. لذلك هناك فجوة بين الطموح والسياسات الحالية ، حيث تشير التقديرات إلى أن أحدث الخطط تضع العالم على طريق زيادة 2.5 درجة بحلول نهاية القرن ، مع احتمال 10٪ أن يكون ارتفاع درجة الحرارة أعلى من 3.2 درجة، وهو ما يخبرنا أن سياسات المناخ التي وضعتها الحكومات ليست فقط غير كافية لتحقيق الأهداف ، ولكن ربما أهداف المناخ نفسها ليست شاملة بما فيه الكفاية. لذا من المنتظر أن يكون الإعلان عن تعزيز الحكومات المساهمات المحددة على المستوى الوطني الخاصة بها ، والإعلان عن التطبيق الفعلي لخطط الاستثمار لمكافحة تغير المناخ ،نقطة محورية في COP27.
ويوضح الشكل التالي أكبر 15 دولة مصدرة للنبعاثات في العالم ، وخططها للوصول إلي صافي انبعاثات صفرية.
تمويل المناخ
من الموضوعات الساخنة الأخرى التي يتعين مناقشتها في COP27 ، تمويل المناخ من البلدان المتقدمة نحو البلدان النامية، تنبع الضرورة الملحة لهذا الموضوع هذا العام عن اي عام مضي بسبب الأجواء المغايرة التي شهدتها مناطق متعددة من العالم وليست نامية فقط والتي باتت أكثر تواترًا وشدة. سيكون لهذه الأحداث الشديدة تأثير غير متناسب على البلدان الفقيرة التي لن تكون قادرة على التخفيف بشكل فعال من الآثار السلبية لتغير المناخ. لذا من الضروري أن يركز COP27 بقوة على هذا التمويل وخاصة للقارة الافريقية ، فمن المرجح أن تعاني إفريقيا أكثر من غيرها من تغير المناخ وتحتاج إلى المال والتكنولوجيا للتخفيف من آثاره. حيث لا يقتصر العمل على سد الفجوة بين التمويل المطلوب على منح المال فقط، بل يشمل مساعدة الدول النامية على تحسين قدرتها علي المرونة و الوصول إلى التمويل، والاستخدام الأمثل للموارد المتاحة، وتقديم الدعم الفني لها، مما يجعل في النهاية تحقيق الأهداف التمويلية أكثر استدامة.
حققت البلدان المتقدمة أقل من هدفها التمويلي البالغ 100 مليار دولار سنويًا ، والذي كان من المقرر تحقيقه في عام 2020 ، حيث بلغ إجمالي تمويل المناخ في البلدان المتقدمة مجتمعة 83.3 مليار دولار فقط في ذلك العام، علاوة على ذلك ، فشل COP26 في إنشاء آلية تمويل ، لذلك سيظل العبئ ثقيلا هذا العام إلى أن يتم تحقيقه .
يوضح الشكل التالي إجمالي تمويلات المناخ التي تمت من عدد من الدول المتقدمة المتقدمة، وفقا لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية.
الأولولية للتخفيف أم التكيف
عادة ما يقصد بالتمويل المناخي تمويل إجراءات التكيف والتخفيف من أثار تغير المناخ فيقصد ب “التخفيف”، هي تلك الإجراءات التي يتم اتخاذها لتقليل والحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ، بينما تستند تدابير “التكيف” إلى الحد من التعرض لآثار تغير المناخ. ولذلك ، فإن التخفيف يهتم بأسباب تغير المناخ ، بينما يعالج التكيف آثاره.
فليست الأولوية هنا لإجراء علي حساب الأخر . فعلي سبيل المثال : يهتم كثير من الدول علي اجراءات التخفيف مثل:
- ممارسة كفاءة الطاقة
- زيادة الاستثمار في الطاقة المتجددة
- التحول إلى الاقتصاد الأخضر
- وسائل نقل نظيفة وفعالة: نقل عام كهربائي ، دراجات ، سيارات مشتركة
- ضريبة الكربون وأسواق الانبعاثات
بينما تهتم الدول التي تعاني من الأثار المدمرة لتغير المناخ بتدابير التكيف مثل:
- بنى تحتية أكثر استدامة وأمانًا للمنشآت
- زراعة مرنة ومتنوعة لتكون جاهزة للكوارث الطبيعية
- البحث والتطوير بشأن الكوارث المحتملة وسلوك درجات الحرارة وما إلى ذلك.
- الإجراءات الوقائية والاحترازية (خطط الإخلاء ، قضايا صحية ، إلخ)
وعلي الرغم من أهمية كلا من اجراءت التخفيف والتكيف ، إلا أن الاجراءات العالمية هي ما تحوز علي الاهتمام العالمي ، فنجد أن التخفيف هو قضية التي تحظي بالاهتمام العالمي لما لها فوائد علي المدي البعيد ، ويتركز معظم التمويل المناخي في قطاعات الطاقة والنقل والصناعة.
وقد جاء اليوم الأول من مؤتمر الأطراف للمناخ يبشر بمؤتمر مثمر وبزخم عالمي حول التحول للتنفيذ ، فبمشاركة ما يزيد عن 40 ألف ممثل لجهات دولية واعلامية وبحثية ومتخصصة في مجال تغير المناخ ، وأكثر من 90 من قادة وزعماء العالم في هذه الظروف العالمية الاستثنائية، من الضروري الاتفاق علي آليات العمل الدولية في الفترة القادمة ، وأطر تفعيلها وتنفيذها. وأن يكون العالم كله علي نفس الخطوات من تحقيق الأهداف المناخية .