مثل صعود تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” عنصرا جاذبا لاستقطاب عدد من المقاتلين الأجانب للانضمام الى دولة الخلافة المزعومة في سوريا والعراق، الا أنه مع زيادة التحديات التي يواجهها التنظيم وتراجع نشاطه وانحصار في مناطق نفوذه، زادت مخاوف الدول التي ينتمي إليها مقاتلو التنظيم من إمكانية عودتهم إلى بلدانهم الأصلية. وفي الواقع فإن الإحصاءات حول أعداد المقاتلين الأجانب متنوعة ومتباينة في الوقت نفسه، فلا توجد بيانات دقيقة بخصوص أعدادهم ، في عام 2016 اعلن مدير لجنة الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب أن عدد المقاتلين الأجانب في سوريا والعراق يقترب من 30 ألفا، كذلك صدر تقرير عن مركز صوفان للاستشارات الأمنية تناول اعداد المقاتلين العائدون عام 2017 ، اشار الى أن من بين 40 ألف أجنبي انضموا لتنظيم الدولة في العراق وسوريا من 110 دول، عاد 5600 منهم إلى 33 دولة حول العالم.وقد كشف التقرير أن مواطني خمس دول هم الأكثر مساهمة في صفوف تنظيم الدولة، وهي روسيا 3417مقاتل ، والسعودية 3244 مقاتل، والأردن 3000مقاتل، وتونس2926 مقاتل، وفرنسا 1910 مقاتل. وفيما يخص مصر أشار التقرير أن عدد المقاتلين الذين ذهبوا الى سوريا والعراق يقدر بأكثر من 600 مقاتل، وفى عام 2016 اشارات تقديرات خاصة بالمقاتلين القادمين من مصر، إلى أن هذا العدد يتراوح بين 350- 600 مقاتل، بينما ذكرت مصادر أخرى في نفس العام إلى أن العدد ربما يزيد على الألف
أنماط المقاتلون العائدون:
- نمط “عدم التكرار مرة أخرى”: هؤلاء يشكلون فئة قليلة تركت “أرض الخلافة” حيث انهم لم يجدوا فيها ما يبحثون عنه، وهؤلاء كان لديهم الحماس الشديدة للانخراط في القتال، ولكنهم اكتشفوا بعد ذلك بشاعة القتال، وقرروا عدم المشاركة وهذا النمط لا يمثل خطورة حال عودتهم الى بلدانهم الأصلية لكن يصعب التنبؤ بأفعالهم
- نمط “السياح المستكشفون”: هؤلاء أعجبوا بالتنظيم وصورته البطولية، وسبب عودتهم أنهم حققوا رغبتهم في المغامرة والاستكشاف، ولم يكن الاستمرار مغريا لهم. ولكنهم يحاولون خداع الآخرين عند عودتهم الى بلدهم بنشر أفكار عن عظمة التنظيم ونجاحاته، وهذا النمط يشكل خطورة على الدول الأوروبية.
- نمط “المجاهدون العابرون للقارات”: وهم مقاتلون بدأ التنظيم منذ إعلانه الخلافة بتدريبهم وإرسالهم إلى دولهم أو دول أخرى. وهؤلاء لديهم التزام إيديولوجي للعنف في الداخل والخارج، وهو النمط الأشد خطورة والأكثر انتشاراً. ويعد أبرز مثال على ذلك النمط، عبد الحميد أبا عود البلجيكي من أصول مغربية، الذي قتلته السلطات الفرنسية في عملية نوعية، وهو العقل المدبر لهجمات باريس الدامية في نوفمبر 2015، والتي أودت بحياة 140 شخصاً، قد عاد من سوريا بعد مبايعته تنظيم “الدولة” أوائل العام 2015، ليقوم بالهجمات بعد التخطيط لها في مدينة منبج “شمال سوريا”.
تحولات ظاهرة المقاتلون العائدون
تختلف الموجه الحالية من المقاتلون العائدون عن الموجات السابق’ من ظاهرة العائدون حيث شهدت كل من أفغانستان، والشيشان، والبوسنة، والعراق، على الترتيب تدفقات عالمية من المتطرفين، ويأتي اختلاف هذه الموجه نتيجة لعدة تحولات طرأت عليها وتمثلت في:
- ضخامة الأعداد: أعلنت الامم المتحدة في عام 2016 أن عدد المقاتلين الأجانب في سوريا والعراق يقترب من 30 ألاف مقاتل، وبالرغم من عدم وجود رقم فعلى دقيق حول عدد المقاتلين الأجانب في العراق وسوريا، إلا أن هذا لا ينفى ضخامة عدد العائدين في الموجات السابقة، فطبقا لتقرير صادر عن مجموعه صوفان عام 2015 ان أعداد المقاتلين أجانب في سوريا والعراق أكثر من مجموع الذين سافروا إلى أفغانستان إبان الحرب التي دامت عشر سنوات.
- التنوع على المستوى الديموغرافي: تعد هذه الموجة أكثر تنوعا واختلافًا على المستوى الديموغرافي، من حيثُ الفئاتُ العمرية والجنس لهؤلاء العائدين من مناطق النزاع في سوريا والعراق، فنجد أن هذه موجة العائدين تضم النساء والأطفال، علمًا بأن الموجات السابقة كانت تقتصر على الرجال الذين تجاوزوا سن التجنيد.
- اتساع النطاق الجغرافي وتنوع الجنسيات: حيث ينتمي المقاتلون الأجانب المنخرطون في التنظيمات المسلحة إلى أكثر من 100 دولة من مناطق مختلفة في العالم، كما أن العائدين هذه المرة منهم جنسيات كثيرة ولاسيما من الأوروبيين، وليسوا من العرب فحسب، الأمر الذي يساهم في تعقد الظاهرة وتعدد جوانبها.
- اعتناق الفكر التكفيري: نتيجة التشدد العقائدي الذي تبنته التنظيمات الجديدة أصبح الفكر التكفيري هو المسيطر على العناصر المنخرطة فيها. وتتمثل خطورة الفكر التكفيري في تأكيده على ضرورة سفك الدماء من اجل إقامة الدولة الإسلامية من وجهه نظر معتقديه.
التداعيات المحتملة لظاهرة المقاتلون العائدون:
التداعيات الأمنية:
من الناحية الأمنية، يمثل التهديد الذي يشكله هؤلاء العائدون فيما اكتسبوه من خبرات قتالية واستخباراتية، كما انهم تلقوا التدريبات على استخدام الأسلحة، وعاشوا في أجواء العنف جعلت منهم خطرا دائما أينما يتواجدوا، وتتمثل أكثر المخاوف في انخراط المقاتلين العائدين من سوريا والعراق في أعمال الإرهاب داخل أوطانهم بعد عودتهم ، كما أن هناك احتمال أن يصبح العائد خلية نائمة بين ثنايا المجتمع، يمكن لها أن تنشط في أي وقت إذا سنحت لها الفرصة، وليس من المستبعد قيام العائدون بتجنيد مقاتلين أخرين وتكوين خلايا إرهابية . وفيما يخص المجتمعات الغربية فإن التخوف الرئيسي لديهم هو قيام العائدون بعمل مشابه لهجمات الحادي عشر من سبتمبر.
التداعيات الاقتصادية:
من الناحية الاقتصادية، يمثل العائدون عبئا اقتصاديا على مجتمعاتهم، فعادة ما تعتمد هذه الجماعات على أعمال القرصنة والسلب والاعتداء على ممتلكات الغير، فتمثل تلك الزيادة في الأعداد زيادة في المتطلبات، والتي تساهم بشكل أو بآخر في زيادة عمليات القرصنة والنهب والسلب. ومن ناحية أخرى لا يمكن استبعاد احتمالية قيام العائدون باستهداف السائحين الأمر الذي سيؤثر بشكل سلبي على العائدات الاقتصادية لقطاعات السياحة وبالتالي التأثير على الموارد الاقتصادية للدول. كما أن المقاتلين العائدين يحملون مشاعر عدائية للطوائف المختلفة عنهم، مما قد يترتب عليه قيامهم باستهداف الأقليات والطوائف الأخرى، وبالتالي احتمال زيادة تدفق اللاجئين الى البلدان المجاورة وزيادة الضغط الاقتصادي عليها.
التداعيات الاجتماعية:
من الناحية الاجتماعية، قيام المقاتلون العائدون باستهداف الأقليات والطوائف المختلفة، سيرتب عليه نشر الطائفية واحتماليه تفكك المجتمع وتمزق نسيجه الاجتماعي. كذلك إمكانية قيام العائدون بعمليات إرهابية بواسطة استخدام أدوات بسيطة كالسيارات والشاحنات، والأسلحة البيضاء ينتج عنها عدد من القتلى والجرحى، وهو الأمر الذي سيرتب عليه الشعور بعدم الأمان وبالتالي التأثير السلبي على أركان الحياة الاجتماعية في المجتمعات.
سيناريوهات التعامل مع ظاهرة العائدون:
في إطار تعاطى الدول مع ظاهرة المقاتلون يمكن الإشارة إلى ثلاثة سيناريوهات تتمثل فيما يلي:
أ- الدمج الاجتماعي
أعطت بعض الدول أهمية لإعادة دمج المقاتلين العائدين ولكي يتم تحقيق آلية الدمج لابد من إجراء عملية تقييم فردية لكل مقاتل من المقاتلين العائدين يفهم من خلالها أسباب المغادرة وأسباب العودة، ففهم دوافعهم يمكن أن يزود السلطات بالأدوات اللازمة لإعادة التوجيه بعيدا عن التطرف العنيف.
ب- الاحتجاز في السجون
قد تلجا عدد من الدول- خاصة الدول العربية- في التعامل مع ظاهرة العائدين الى الاحتجاز في السجون ولا سيما في ظل حالة عدم الاستقرار الأمني التي تعاني منها عدد من الدول العربية في مواجهة التنظيمات الإرهابية. ويعد هذا الخيار الأسهل ويتيح خيار الاحتجاز للقيام بمراجعات فكرية خاصة وأن معظم المراجعات الفكرية التي حدثت في المنطقة العربية تمت داخل السجون.
ج– التصفية:
في إطار التعامل مع ظاهرة المقاتلين العائدين تبرز دعوات تطالب بتصفية العناصر”الداعشية” من الأجانب، ، بسبب الخوف من تكوين خلايا تنظيمية إرهابية، وهذا السياق عبر وزير الدولة البريطاني لشئون التنمية الدولية “روري ستيوارت” عن الطريقة التي يراها مناسبة للتعامل مع المواطنين البريطانيين الذين انضموا لتنظيم داعش الإرهاب قائلا “”يجب قتلهم” مؤكدا أنها الطريقة الوحيدة التي يجب أن تتعامل بها حكومته مع عناصر داعش، كذلك قال نظيره الفرنسي”جان إيف لودريان”: نريد لمقاتلي “داعش” الحاملين للجنسية الفرنسية، أن يحاكموا في العراق أو سوريا بالإعدام أو السجن المؤبد، فهذا الأمر يزيح الثقل عن كاهلنا.