نستكمل ما بدأناه الأسبوع الماضى من استعراض مؤشر الإرهاب العالمى لعام 2018م، والذى اضطلع بإعداده معهد الاقتصاد والسلام الدولى (IEP)، كرصد وتوثيق للنشاط الإرهابى المسلح الذى وقع فى العام 2017. واعتبر المؤشر أن فى ذلك العام كانت هناك أربعة تنظيمات كبرى، ذكرناها تفصيلاً فى الأسبوع الماضى، لكنه أورد إلى جانب التنظيمات الإرهابية الأربع الخطيرة، عشرات من التنظيمات والجماعات المتطرفة تتوزع فى أنحاء العالم، والمعظم منها يتشكل من مجموعات متوسطة وصغيرة. ويشكل «تنظيم القاعدة» وحده استثناء من هذا النسق، باعتبار أن التقديرات الاستخباراتية العالمية حددت عدد عناصره بنحو «30 ألف مقاتل»، موزعين على ما يقارب «17 دولة» تضم فروعاً للتنظيم الرئيسى وتعمل وفق تنسيق كامل مع قيادة المركز.
هناك مجموعات أخرى أقل شهرة، لكنها بدأت تبرز فى الآونة الأخيرة، وتحقق ما أُطلق عليه «التنظيمات الهجين». وهى مهجنة من الناحية الفكرية والمرجعيات ما بين «القاعدة» و«داعش»، وبين أنساق فكرية لها ارتباطها الوثيق بعباءة «السلفية الجهادية» الفضفاضة. وقد هجنت أيضاً تلك التنظيمات المشار إليها على مستوى العناصر المنخرطة فى صفوفها، فالبعض منهم انضم إلى تنظيمات أكبر فى مرحلة ما من مسيرتهم القتالية، أو تدرب وتأهل على أيدى آخرين تجهزوا للعب هذا الدور التعليمى فى ساحات قتال مفتوحة وممتدة زمنياً مثلما الأمر فى الصومال وسوريا وقبلهما أفغانستان، ومعهما بصورة أقل كل من العراق وليبيا.
من نماذج تلك التنظيمات التى ورد ذكرها فى مؤشر الإرهاب العالمى، احتلت «جماعة الفولانى» فى مالى ونيجيريا مساحة بارزة فى التقرير، باعتبار أن معهد السلام والاقتصاد العالمى قد وثق وأشار إلى مسئولية التنظيم عن «321 حالة وفاة». ويعود تنامى ظاهرة العنف المسلح إلى أن «قبائل الفولانى» ظل مصدر رزقها يقوم عبر عقود على رعاية الماشية حول نهر النيجر. لكن بعد أن تسبب التغير المناخى الذى ضرب تلك المنطقة فى تقليص المساحات الخضراء على ضفاف النهر، وأدت الزيادة السكانية إلى استنزاف مياهه، فضلاً عن اتساع مساحة الرقعة الزراعية، بدأ أبناء قبائل الفولانى فى الانزلاق سريعاً إلى هاوية الفقر. وعند هذه المحطة بدأ تسلل المتطرفين الإسلاميين، وكان من السهل إذكاء العديد من الفتن العرقية التى استلزمت تشكيل الميليشيات، حيث وقعت الأخيرة بسهولة فى أحضان التنظيمات المتطرفة التى صارت رقماً فاعلاً فى كافة أشكال العمل المسلح.
فى سوريا، احتل المكون المسلح الذى تسمى بالعديد من الأسماء، والتى استقرت مؤخراً على «هيئة تحرير الشام» بعد أن كانت «جبهة النصرة» ثم «جبهة فتح الشام»، وهى خلال كافة تلك التقلبات معروفة بانتمائها القاعدى المباشر. وفى نسختها الحديثة حاولت أن تتبرأ من هذا التمثيل، عبر إصدار بيان رسمى لقادتها، لكنه لم يقنع أحداً من المتابعين، وظلت على هذا التصنيف فى كافة مراجع الرصد للتنظيمات المسلحة فى سوريا وخارجها. أورد تقرير مؤشر الإرهاب عن هذا التنظيم مسئوليته عن «176 حالة وفاة» وقعت على الأراضى السورية فى عام 2017، كما كانت هناك إشارة بارزة أيضاً لتنظيم «جيش الإسلام» الذى عُد منتخباً للعديد من الفصائل السلفية التى اندمجت أثناء الحرب الداخلية السورية. وكان لهذا التنظيم نشاط بارز فى العام 2017، حيث بدأ العام بأكبر عملية اندماج جرت فى صفوفه بالانضمام إلى «أحرار الشام»، وأسفر نشاطهما المسلح عن «127 حالة وفاة»، وقع معظمها فى مناطق الغوطة الشرقية وفى محيط مدينة «حلب».
فى المربع الآسيوى الأكثر خطورة فيما يخص العمل الإرهابى المسلح، ذكر المؤشر لدولة باكستان أنها تتعرض لتهديد متكرر، من خلال «فصيل خراسان» الذى يمثل الفرع الداعشى فى الداخل الباكستانى، كما ينشط بصورة أكبر فى المنطقة الحدودية التى تتيح له العمل داخل أفغانستان، فضلاً عن تنظيم باكستانى محلى يسمى «لاشكار جانجفى». أما فى الهند المجاورة فقد كانت المجموعة الأكثر نشاطاً وفتكاً فى العام 2017 هى الحزب الشيوعى الهندى «الماوى»، حيث قام بتنفيذ عمليات قتل بحق «250 شخصاً»، وذلك من خلال «190 هجوماً» موثقاً بحسب ما جاء بالمؤشر. ورغم أن هذا الحزب تأسس فى العام 2004 من خلال اندماج الحزب الشيوعى الهندى الماركسى اللينينى والمركز الشيوعى الماوى بالهند وحزب الشعب، فإن تصنيفه بالهند كمنظمة إرهابية لم يعلن سوى عام 2009. كما تظل «ولاية جامو وكشمير» الهندية الشمالية محوراً مثيراً وخاصاً للنشاط الإرهابى فى الهند، خاصة مع تنامى حركات العنف المسلح التى وصلت إلى «5 جماعات مسلحة» جميعها فاعلة على الأرض، ويُعد أشهرها «لاشكر طيبة» و«حزب المجاهدين». وورد ذكرهما بمؤشر العام 2017 باعتبارهما مسئولين وحدهما عن مقتل «120 شخصاً» من السكان المحليين فى هذا العام وحده.
وليس ببعيد عن تلك المنطقة، وفى آسيا أيضاً، يمثل تنظيم «جيش الشعب» الجديد فى الفلبين عنصر تهديد لافت، حيث ذُكر فى المؤشر باعتباره الأخطر خلال هذا العام، من خلال تنفيذه «235 هجوماً» داخل الفلبين وحدها، أسفرت عن وفاة «113 شخصاً». كما بدأ الفرع الداعشى المعروف بمسمى «جماعة أبوسياف» بالبروز على الساحة الفلبينية أيضاً، من خلال مسئوليتها عن مقتل «37 شخصاً». كما كانت تعمل إلى جوارها جماعة أصولية أخرى، تُدعى «ماتوى» نسب المؤشر لها أيضاً تنفيذ العديد من العمليات الأقل، لكنها أودت هى الأخرى بحياة «26 شخصاً».
أورد المؤشر أيضاً بصورة مفاجئة مساحة معتبرة للمتطرفين اليمينيين فى كل من أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية، باعتبارهم يشكلون تهديداً متنامياً بحسب وصف تقرير المؤشر. ووثق لهم قيامهم بتنفيذ «59 هجوماً» تحت دوافع عنصرية، مما أسفر عن مقتل «17 شخصاً» فى بلدان متفرقة. ولأول مرة يذكر المؤشر أن منفذى تلك الهجمات يؤمنون بتفوق العرق الأبيض، ويمارسون عمليات عدائية ممنهجة بحق الأقليات الدينية والعرقية.
*نقلا عن صحيفة الوطن المصرية، بتاريخ ٨ يناير ٢٠١٩.