استضافت العاصمة السودانية الخرطوم في 30 نوفمبر 2022 الاجتماع الثامن والأربعين لوزراء منظمة الإيجاد، برئاسة وزير الخارجية السوداني المكلف على الصادق الذي يرأس الدورة الحالية للمجلس الوزاري للمنظمة، في ضوء رئاسة السودان للمنظمة، منذ نوفمبر 2019، كجزء من توجهات الدول الأعضاء لدعم عملية الانتقال الديمقراطي في السودان، وإتاحة الفرصة لانخراطه مرة أخرى والاضطلاع بأدوار دبلوماسية وإقليمية في محيطه الإقليمي، بعد التهميش الذي أصاب الدور السوداني في الهيئة الإقليمية على مدار ثلاثين عامًا، والتي تضم في عضويتها كلٍ من السودان وجنوب السودان والصومال وجيبوتي وإثيوبيا وإريتريا وكينيا وأوغندا.
ويتزامن هذا الاجتماع مع أزمات متلاحقة إقليمية ومحلية تمر بها دول الإقليم، على نحوٍ يضفي أهمية متزايدة على الأدوار الإقليمية المنوط بالهيئة الاضطلاع بها من أجل تعزيز التعاون والجهود الإقليمية لمجابهتها. وقد انعكست هذه القضايا والتحديات على جدول أعمال الاجتماع، حيث عكست القضايا التي نوقشت وتم التطرق إليها بالاجتماع طبيعة التحديات التي تمرّ بها المنطقة، والتي يتعين على المنظمة لعب دورًا إقليميًا فاعلًا بها.
جدول أعمال مكثف
تضمن جدول أعمال الاجتماع العادي لوزراء خارجية الإيجاد، عدد من القضايا التي تهمّ المنظمة والإقليم مثل: قضايا السلم والأمن الإقليمي، والآثار السلبية للكوارث الطبيعية والأوضاع الإنسانية بالإقليم، هذا إلى جانب عدد من الجوانب الإدارية والهيكلية الرامية إلى إعادة النظر في الاتفاقية المؤسسة للمنظمة؛ حيث تمت الدعوة إلى اعتماد اللغة العربية بالمنظمة إلى جانب كلٍ من الإنجليزية والفرنسية. ويمكن إيجاز هذه القضايا على النحو التالي:
- الأمن والسلم الإقليمي
كانت قضايا الأمن والسلم المجتمعي حاضرة على جدول أعمال وزراء المنظمة، للبحث في النزاعات داخل الدول الأعضاء وكذلك النزاعات البينية فيما بينهم. وقد لعبت المنظمة أدوارًا دبلوماسية وإقليمية في النزاعات الإقليمية والتوترات التي تشهدها أغلب دول المنطقة، وهو ما أوضحه تقرير السكرتير التنفيذي للهيئة، باضطلاع المنظمة بأدوارها لدعم السلم والأمن الإقليمي في ضوء ما نصت عليه الاتفاقية المنشئة للهيئة.
وفي هذا المجال، لعبت الهيئة دورًا مهمًا في محادثات السلام التي استضافتها بريتوريا في 2 نوفمبر لوقف الأعمال العدائية وإسكات المدافع في شمال إثيوبيا، إضافة إلى مشاركتها في خارطة الطريق لتنفيذ اتفاقية السلام الموقعة في نيروبي في 12 نوفمبر.
كذلك لعبت المنظمة دورًا في توحيد القوى في جنوب السودان تجنبًا للمزيد من العنف في البلاد، فضلًا عن الوساطة المستمرة في السودان لدعم العملية السياسية، علاوة على المبادرة التي قادتها الإيجاد على هامش الاجتماع الاستثنائي التاسع والثلاثين لرؤساء دول وحكومات الهيئة، الذي انعقد في نيروبي بكينيا في يوليو الماضي، وعلى هامشه التقى كلٍ من رئيس الوزراء الإثيوبي ورئيس المجلس السيادي السوداني، واتفقا على وقف التصعيد على طول الحدود المشتركة بين البلدين.
وتكرر هذا المشهد مع اللقاء الثنائي الذي جمع نائب رئيس مجلس السيادة بوزير الخارجية الإثيوبي دميكي ميكونن، على هامش الاجتماع الوزاري الجاري؛ حيث اتفق على حلّ النزاع الحدودي بين البلدين سلميًا إلى جانب اتفاق الطرفين على حل الخلافات القائمة بشأن سد النهضة الإثيوبي، فضلًا عن مناقشة القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، بما يعزز من الأدوار الدبلوماسية التي تلعبها الإيجاد.
- التصحر والأمن الغذائي
يأتي هذا الاجتماع بعد حوالي شهر من انعقاد الاجتماع الوزاري القطاعي حول نزاعات الأراضي بدول الإيجاد برئاسة السودان، والذي استضافته العاصمة الأوغندية كمبالا في أواخر أكتوبر الماضي. وهو الاجتماع المعقود في سياق يتسم بتصاعد النزاعات الداخلية على الموارد وتحديدًا النزاعات على المراعي والأراضي الخصبة بين الرعاة والمزارعين. وأكدّ الاجتماع السالف على أهمية الاستخدام العادل والمستدام للموارد والأراضي الطبيعية، وتأمين حقوق الأراضي المحلية والنظم الغذائية المستدامة، مع الإشارة إلى تجربة مفوضية الأراضي بالسودان.
وتتصاعد أهمية قضية الأراضي، مع تفاقم أزمات المتفاقمة للجفاف والتصحر في منطقة القرن الإفريقي، وهي القضايا التي تتصل بالأهداف التي أنشئت من أجلها المنظمة بالأساس في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، حينما دعت الأمم المتحدة إلى تأسيس هيئة مشتركة لمكافحة الجفاف والتصحر الذي أدى إلى حدوث مجاعات بالمنطقة.
وتعزيزًا لقدرة الدول الأعضاء على الصمود في مواجهة موجات الجفاف المتتالية، دعا الأمين العام للمنظمة، خلال الاجتماع الوزاري رفيع المستوى في منتصف مايو الماضي إلى أهمية الاستجابة الفورية لحالات الطوارئ ودعم صندوق الاستجابة للكوارث التابع للهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية، بنحو 6.3 مليار دولار أمريكي لمعالجة حالات الجفاف التي تضرب المنطقة.
وجاءت قضايا التغير المناخي وتحقيق الأمن الغذائي وإعادة توزيع الأراضي، في سياق من تصاعد أزمات الأمن الغذائي وتحدي الجوع في المنطقة، والمرتبطة بالتحديات البيئية والمجتمعية من ناحية، والأوضاع العالمية وانعكاساتها على حالة الأمن الغذائي في المنطقة من جهة أخرى.
مخرجات متعددة
في ختام أعماله، أوصى الاجتماع بتعزيز العمل المشترك لمواجهة التحديات التي تواجه الإقليم، وفي مقدمتها الجفاف والمجاعة والنزوح. ومن جانبه، أوضح السكرتير التنفيذي ” وركينا قبياهو”، أن الاجتماع خرج بتوصيات للتعاون المشترك في مجالات قضايا السلام لدول الإيجاد والتحديات الماثلة أمامها، ومعالجة القضايا المتعلقة بالاستقرار لدول المنطقة.
كما تقدم السودان، وفقًا لتصريحات وزير خارجيتها، بمبادرات وخطط تعلقت بالإنذار المبكر والتعامل مع الأحداث الطارئة وخارطة الطريق لسير الإيجاد لعام 2023. ويأتي ذلك في ضوء خطط السودان لتفعيل دورها كرئيس للدورة الحالية للمنظمة، إذ أوضح وزير خارجيتها تبني السودان خارجة طريق ترتكز على عدة محاور؛ يتعلق المحور الأول منها بالزراعة والموارد الطبيعية والبيئية كاستجابة للتغير المناخي وموجة الجفاف وشبح المجاعة في الإقليم وتحقيق الأمن الغذائي، بينما يتعلق المحور الثاني بالتعاون الاقتصادي والتكامل الإقليمي والتنمية الاجتماعية. وتطرفت المبادرة أيضًا إلى العمل على تعزيز دور الإيجاد في تمكين المرأة والشباب، وكذلك تفعيل مخرجات مبادرة كلٍ من السودان وجنوب السودان حول اللاجئين والنازحين والمجتمعات المضيفة.
ويتضمن محور التكامل الاقتصادي طرح السودان مجموعة من الأهداف والأولويات جاءت كالتالي:
مبادرة إنشاء التجمع الاقتصادي لدول القرن الإفريقي وتعظيم الفائدة لمبادرتي القرن الإفريقي ومبادرة الصين فيما يتعلق بالبنية التحتية لدول الإيجاد.
وكذلك تفعيل مبادرة الإيجاد للبنية التحتية وطرح مبادرة النقل البحري والإقليمي لدول الإيجاد سعيًا لتعزيز التكامل الإقليمي. ويتقاطع ذلك مع اتفاقية حرية التنقل وبروتوكول عبر البشر الذي وقعته الدول الأعضاء بالهيئة باستثناء أوغندا، خلال اجتماع في مطلع نوفمبر الماضي بالسودان، على أن يعقد العام المقبل في جيبوتي.
وسعت المبادرة لتنويع شركاء الإيجاد والبحث عن شركاء غير تقليديين، إذ يضم منبر شركاء الإيجاد التقليديين 28 عضوًا أغلبهم من دول الاتحاد الأوروبي، فضلًا عن منظمتي جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي. وفي سبيل ذلك، أشارت المبادرة إلى كلٍ من الصين وروسيا ودول الخليج كشركاء غير تقليديين، وهو ما يسفر تبني المبادرة للمبادرات الصينية في المنطقة، وهو الأمر الذي ربما يفاقم بدوره حدة التنافس الدولي على المنطقة.
يتضح أخيرًا من القضايا والأولويات المشار إليها، الأولويات محل الاهتمام الجماعي لدول الإيجاد، والتي تدور في مجملها حول قضايا التكامل والتنمية من جهة، وقضايا السلم والأمن من جهة أخرى، ولعل هذه القضية تثير بدورها قضايا متعلقة بقضايا التنافس الدولي على المنطقة، سواء تلك الدول الحريصة على الأمن والاستقرار في المنطقة حماية لمصالحها الاستراتيجية، أو تلك التي تحمل أجندة تجارية واقتصادية تتقاطع مع أولويات التكامل والتنمية في المنطقة، والتي اتضحت بشكل جليّ في رغبات بعض دول المنظمة لتنويع الشركاء والاتجاه شرقًا، الأمر الذي يضاف إلى فصول من التنافس في المنطقة.
وعلى أي حال، لا بد للمنظمة من تحديد أجندة واضحة للقضايا ذات الأولويات المشتركة، كمرجعية للتعاون فيما بينها والشركاء الدوليين، خاصة في قضايا الأمن الغذائي ومواجهة التداعيات الكارثية للأزمات البيئية والإنسانية، إلى جانب الأولويات التنموية المتعلقة بمشروعات البنية التحتية والتكامل الاقتصادي، التي باتت ضمن أولويات التعاون الإقليمي، وأخيرًا قضايا السلم والأمن الإقليمي، في تنامي التهديدات في أغلب دول المنطقة.