بدأت حالة التصدع الداخلي داخل تنظيم “الإخوان” تظهر إلى العلن منذ عام 2020، وذلك على خلفية أزمة القيادة التي يعاني منها والمرتبطة بالصراع المتصاعد بين أجنحته، وجاءت وفاة “إبراهيم منير” (القائم السابق بأعمال المرشد العام) في 4 نوفمبر 2022، لتضيف فصلًا جديدًا إلى الأزمات المركبة التي يشهدها، وتزيد من حالة التأزم والتشظي التي تعصف بمكوناته الهيكلية والتنظيمية. ومن ثم تسعى هذه الورقة إلى استعراض الأزمات المتتالية التي يواجهها التنظيم خلال الثلاث سنوات الأخيرة بهدف تفكيك ملامحها، وتفسير سياقاتها، واستعراض الإشكاليات المرتبطة بها.
أزمات متتالية
يشهد تنظيم “الإخوان” جملة من الأزمات المتتالية، والتي يمكن تناولها على النحو التالي:
صراع الجبهات: تبلورت الأزمة الداخلية داخل تنظيم “الإخوان” في أعقاب القبض على “محمود عزت” (القائم بأعمال المرشد العام آنذاك) في أغسطس 2020، ومع الإعلان عن تنصيب “إبراهيم منير” (قائمًا بأعمال المرشد العام) في سبتمبر 2020، ظهرت حالة من عدم التوافق حول الأخير، لا سيما من قبل “محمود حسين” (الأمين العام السابق) وعدد من القيادات داخل التنظيم، أفضت إلى الدخول في صراع مفتوح بين جبهة “إبراهيم منير” المعروفة بجبهة “لندن”، وجبهة “محمود حسين” المسماة بجبهة “إسطنبول”.
وقد شرع “منير” منذ تعيينه في اتخاذ جملة من الإجراءات، حيث أصدر قرارًا بإلغاء “الأمانة العامة” التي كان يرأسها “حسين”، ثم عمل على تشكيل “لجنة لإدارة التنظيم” تحت رئاسته، وحل “المكتب الإداري” لشئون التنظيم بتركيا نتيجة لعجزه عن القيام بمهامه في يوليو 2021، كما أحال “حسين” وعددًا من أعضاء “مجلس الشورى العام” للتحقيق بسبب رفضهم الامتثال لقراراته في أغسطس 2021، بجانب تشكيله “لجنة إدارة تركيا” (وهي لجنة خاصة تدير شئون التنظيم في تركيا) تتكون من مجموعة من القيادات الموالية له، وذلك على خلفية حل “مجلس شورى التنظيم” وحل “المكتب الإداري”، فضلًا عن أصدراه قرارًا بإيقاف 6 من قيادات التنظيم نتيجة “لمخالفات إدارية وتنظيمية”، على رأسهم “حسين” في أكتوبر 2021.
وفي مواجهة تلك الإجراءات، قررت جبهة “إسطنبول” اتخاذ خطوات تصعيدية، إذ نشر موقع “إخوان أونلاين” التابع لجبهة الأخيرة في أكتوبر 2021، بيانًا تحت عنوان “بيان من الإخوان بشأن قرارات مجلس الشورى العام” يفيد بأن “مجلس الشورى العام” اجتمع في نصاب قانوني تجاوز 75%، وقرر إعفاء “منير” من مهامه كنائب للمرشد العام للإخوان بموافقة 84% من المشاركين، كما قرر إلغاء الهيئة المشكلة طبقًا لوثيقتها الصادرة عن “مجلس الشورى العام” بموافقة 78% من المشاركين في 16 يناير 2021.
وفي سياق متصل، نشر الموقع سالف الذكر في نوفمبر 2021 بيانًا بعنوان “قرار مجلس الشورى العام لجماعة الإخوان”، يفيد بتشكيل لجنة مؤقتة يختارها مجلس الشورى العام تقوم بعمل المرشد العام لمدة ستة أشهر، واستمرارًا لذلك التوجه، أعلنت جبهة “حسين” عبر الموقع ذاته، في 18 ديسمبر 2021 تكليف “مصطفى طلبة” رسميًا بإدارة لجنة القائم بعمل مرشد “الإخوان”، في إشارة واضحة الى عزل “منير” رسميًا، وذلك استنادًا لقرار مجلس الشورى الصادر في أكتوبر2021.
وردًا على تلك التحركات، أعلنت جبهة “لندن” في بيانها الذي نشر على موقع “الإخوان سايت” في يناير 2022، تحت عنوان “ليسوا منا ولسنا منهم” التالي: “ليس منا ولسنا منه كل من خرج عن الصف وكل من ساهم في شق الجماعة وترديد الافتراءات الكاذبة، وبطلان ما يسمى (اللجنة القائمة بعمل فضيلة المرشد) التي قام البعض بالإعلان عنها، ويعتبر كل من شارك فيها قد اختار لنفسه الخروج عن الجماعة وذلك بمخالفته لوائحها وأدبيتها ورفض كل محاولات لم الشمل وتوحيد الصف”، لتعرب بشكل واضح عن خروج جبهة “حسين” من التنظيم.
وامتدادًا لتلك الخطوات التصعيدية، لفتت تقارير صحفية عده إلى قيام جبهة “لندن” بعقد مؤتمرًا في تركيا في الفترة من 14 – 17 يوليو 2022، بهدف انتخاب “مجلس شورى عام” جديد، واختيار نائبين لـــ”منير”. كذا قررت الجبهة ذاتها في أغسطس 2022، تشكيل “هيئة عليا” لتحل محل مكتب الإرشاد التابع لجبهة “حسين” وذلك في إطار المواجهة مع جبهة الأخير التي تتمسك بمواقعها التنظيمية كأعضاء سابقين في مكتب الإرشاد.
وبعد وفاة “منير” دخل الصراع بين الجبهتين منعطفًا جديدًا، إذ أعلنت جبهة “لندن” في 5 نوفمبر 2022 على لسان “صهيب عبد المقصود” المتحدث باسمها، تكليف “محيي الدين الزايط” (عضو مجلس شورى الإخوان) بإدارة أمور التنظيم “مؤقتًا” حتى يتم الإعلان عن القائم بالأعمال الجديد.
وفي المقابل، أصدرت جبهة “إسطنبول” على موقع “الإخوان أون لاين” التابع لها بيانًا جاء تحت عنوان “بيان هام من مجلس شورى عام جماعة الإخوان المسلمون “في 16 نوفمبر 2022، بهدف إعلان تنصيب “محمود حسين” قائمًا بأعمال المرشد العام للإخوان خلفًا لـ “منير”، وذلك استنادًا للمادة الخامسة من اللائحة العامة للتنظيم والتي تُعطي الحق لـ”حسين” لإدارة التنظيم، وذلك على خلفية كونه القيادة الوحيدة من بين أعضاء مكتب الإرشاد المتواجدة خارج السجن.
وكرد فعل على هذا التحرك، أعلنت جبهة “لندن” عبر موقعها ” إخوان سيت” في اليوم ذاته تصريحًا جاء تحت عنوان “جماعة الإخوان المسلمين: القائم بتسيير أعمال المرشد العام الدكتور محيي الدين الزايط” لتؤكد فيه أن “الزايط” هو القائم بتسيير أعمال المرشد العام، وذلك لحين استكمال الترتيبات اللازمة بتسمية القائم بالأعمال.
وقد أشارت تقارير إعلامية في 9 ديسمبر 2022 عن نية جبهة “لندن” لتعين “صلاح عبد الحق ” (عضو مجلس شورى الإخوان) قائما بالأعمال المرشد العام، وذلك تنفيذًا لوصية “إبراهيم منير”، ولفتت العديد من التحليلات أن اختيار “عبد الحق” قد يحول دون تصاعد الخلاف داخل جبهة “لندن” ذاتها، لكنه سيساهم بالتأكيد في تعميق الخلافات مع جبهة ” إسطنبول” لا سيما في ضوء تمسك “محمود حسين” برغبته في قيادته التنظيم.
شباب الإخوان وجبهة التغيير: في إطار الانقسامات التي يشهدها تنظيم “الإخوان” عادت جبهة المكتب العام أو “تيار التغيير” إلى الظهور مع إطلاق وثيقتها السياسية في المؤتمر الذي عقده المكتب العام في إسطنبول في 15 أكتوبر 2022، وجاء تحت عنوان “إطلاق الوثيقة السياسية لتيار التغيير”، إذ أعلن التيار أنه” كيان منفصل عن الجبهتين المتصارعتين على قيادة التنظيم، وسيستمر في ممارسة السياسة، وأن الثورة خياره الاستراتيجي للوصول إلى السلطة.”
وقد استعرضت الوثيقة السياسية التي أطلقها التيار رؤيته حول مختلف القضايا التي ينبغي عليها التعامل معها، حيث ركزت على القضية الفلسطينية، وملف المعتقلين، والتعاون مع الأحزاب والقوى السياسية المصرية بما ينصرف إلى المصلحة العامة. وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن جبهة “لندن” بالتزامن مع إعلان تيار التغيير تنظيم المؤتمر سالف الذكر، أعلنت في وثيقة سياسية خاصة بها عرفت باسم “وثيقة لندن” مؤرخة بتاريخ 18 سبتمبر 2022 عن “انسحابها من أي صراع على السلطة بمصر”، وذلك كتحرك استباقي في مواجهة “تيار التغيير” رغبًة من الأولى في تقديم نفسها كجناح معتدل في إطار توهمها بقدرتها على تحقيق مكاسب سياسية.
وتعود بداية تشكيل جبهة “المكتب العام” إلى الأزمة التي حدثت داخل التنظيم في عام 2015 كنتيجة لاختلافات إدارية وتنظيمية بين قياداته حول استراتيجيات عمله. وعلى إثر هذه الأزمة انقسم التنظيم إلى جبهتين الأولى بقيادة “محمود عزت” (القائم بأعمال المرشد العام للإخوان آنذاك) والثانية بقيادة “محمد كمال” (مؤسس اللجان النوعية الذي قتل في أكتوبر 2016) وقد ضمت الأخيرة عددًا كبيرًا من شباب التنظيم أطلق عليهم الكماليون، حيث تورط هذا التيار في الكثير من العمليات الإرهابية التي استهدفت رجال الجيش والشرطة المصرية.
تجدد ظهور جبهة “المكتب العام “عام 2020، مع تصريح “منير” في سبتمبر 2020 بإلغاء الأمانة العامة للتنظيم، حيث أعلنت الجبهة انتخاب مجلس شورى عام جديد لها، مع تغير اسمها إلى “تيار التغيير”. ومع مطلع عام 2021 تحديدًا في 22 يناير، استأنفت نشاطها حيث أعلنت إطلاق فعاليات “مؤتمر شباب التغيير”، والذي جاء تحت عنوان “عقد من النضال وخطوة للمستقبل “وعقد في إسطنبول بتنظيم من مؤسسة “ميدان” (يرأسها رضا فهمي القيادي الإخواني). وهدف المؤتمر إلى” تقييم حراك الشعوب في البلدان العربية”، بعد أكثر من عقد على انطلاقه مع التأكيد على أن “الثورات العربية لازالت مستمرة ولم تطوى صفحاتها بعد، وأن التغيير قادم لا محال على يد الشباب”.
وباستعراض الواقع الداخلي لتنظيم “الإخوان” نجد الجبهات الثالثة سواء جبهة “لندن” أو جبهة “إسطنبول” أو “تيار التغير “تسعي إلى التأكيد أن تمثل القيادة الفعلية للتنظيم في ضوء حالة الصراع السياسي بين أجنحته والتي تعصف بتماسكه وهياكله المؤسسية، والمرتبطة بالاختلاف التنظيمي حول أولويات العمل.
تغير السياسات: تبلور بشكل جليّ خلال العقدين الأخيرين دعم متزايد من قبل بعض الدول الإقليمية لتنظيم “الإخوان”، إذ عملت تلك الدول على دعم التنظيم بهدف إيصاله للسلطة، انطلاقًا من أن ذلك سيحقق مشروعهما الإقليمي، وهو ما اتضح بشكل متزايد منذ اندلاع الثورات العربية. ففي أعقاب ثورة 30 يونيو 2013، استضافه عدد من الدول عناصر التنظيم وقياداته، بجانب قيام دول أخرى بدور رئيسي في توفير الدعم الإعلامي له عبر تسخير أبواقها الإعلامية للدفاع عنه والترويج لمشروعه.
إلا أنه في الفترة الأخيرة طرأت جملة من التحولات على هذا المشهد، حيث ظهرت مؤشرات تشير إلى تراجع الدعم الموجهة لتنظيم “الإخوان” من قبل تلك الدول، في ضوء مراجعتها لسياستها نتيجة أداء “الإخوان” أنفسهم من ناحية، بجانب سعيهما للتقارب مع الإدارة المصرية من ناحية أخرى.
ومن ثَمّ شرعت بعض الدول في إغلاق القنوات التابعة للتنظيم التي كانت تبث من أراضيها، فضلًا عن تصريحاتها حول ترحيل بعض العناصر الإخوانية، وذلك تمهيدًا للتقارب المحتمل مع الدولة المصرية. وبالتالي، ساهم هذا التوجه في تقييد دعم التنظيم، الأمر الذي انعكس بصورة واضحة على حرية حركة عناصره وفرض قيود على أدواته.
تراجع التأثير: يعاني تنظيم “الإخوان” من تراجع التأثير داخل المجتمعات التي شهدت صعوده؛ فلم يتوقف الأمر عند السقوط الجلي لحكم “الإخوان” في لمصر، في أعقاب ثورة 30 يونيو 2013، وذلك نتيجة لإخفاقات التنظيم المتتالية على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي من ناحية، وممارساته الإقصائية من ناحية ثانية، وتوظيفه العنف والإرهاب بهدف استمراره من ناحية ثالثة.
بل امتد هذا المشهد إلى عدد من الدول الأخرى، فبالنظر إلى تونس، نجد أن حركة “النهضة” منذ عام 2021 بدأت تشهد حالة من تقويض نفوذها، إذ يشير واقعها الحالي إلى وجودها في عزلة اجتماعية وسياسية، نتيجة لفقدانها حاضنتها الشعبية على خلفية ممارستها الإقصائية، وتراجع قدرتها على التأثير داخل المجتمع التونسي، فلم تستطع تعبئة الشارع لصالح أجندتها، ناهيك عن عدم تمكنها من عقد تحالفات مع القوى السياسية، الأمر الذي انصرف إلى تراجع حضورها وتقليص مكانتها.
وبمتابعة الأوضاع في المغرب، نجد أن المشهد السياسي هناك يعكس حالة التراجع التي يشهدها التنظيم في المنطقة العربية، فقد مُني حزب “العدالة والتنمية” بخسارة مدوية بعدما حصد 12 مقعدًا في الانتخابات التشريعية في سبتمبر 2021مقارنة بـ 125 مقعدًا في انتخابات عام 2016، وبالنظر إلى أسباب ذلك التراجع يمكن إرجاعها إلى إدراك الناخب المغربي إلى التباين الشاسع بين وعود “الإخوان” وبين ما تم تنفيذه على أرض الواقع، ما يشير إلى عجزهم عن صياغة مشروع قابل للتطبيق.
وبالانتقال إلى ليبيا، نجد أن ممارسات “الإخوان” الممثلة في حزب “العدالة والبناء” لم تختلف عن ممارستهم في مصر وتونس والمغرب، إذ سعى الحزب إلى تحقيق أجندته بمعزل عن مصالح الدولة الليبية، ما ترتب عنه تصاعد حالة من الرفض الشعبي للحزب.
وباستعراض تجارب “الإخوان” في الحكم في دول مختلفة، يمكن القول إن فشل التنظيم في الاستمرار في الحكم نتيجة لما يعانيه من إخفاقاته الأيديولوجية والسياسية والتنظيمية في ضوء جملة من العوامل؛ يتعلق أولها بغياب مشروع فكري وسياسي للتنظيم صالح للتطبيق في الواقع، وينصرف ثانيها إلى توظيفه العنف والإرهاب من أجل الحفاظ على هيمنته، ويتصل ثالثها بسعيه نحو الإقصاء لكافة الفصائل السياسية وتحركه نحو ديكتاتورية الممارسة.
التضييق الأوروبي: يواجه التنظيم تضييقًا من قبل بعض الدول الأوروبية، إذ شرعت عدد من الدول في تفعيل خطوات في هذا الصدد، بداية من مراقبة نشاطه، مرورًا بمناقشه إمكانية حظره، وصولًا إلى تصنيفه كتنظيم إرهابي، وذلك على خلفية تغيير الموقف الأوروبي تجاهه، بعد أن انكشفت ازدواجيته ممارساته، واستغلاله الديمقراطية الأوروبية لتحقيق أهدافه السياسية.
وارتباطًا بهذا الطرح، اتخذت النمسا تحركات حاسمة في هذا السياق، فقد حظر البرلمان النمساوي، في يوليو 2021، تنظيم “الإخوان” ومنعه من ممارسة أي عمل سياسي في البلاد، إذ تعد النمسا أول دولة أوروبية تحظر التنظيم رسميًا. ويأتي ذلك ضمن الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها لمكافحة إرهاب تيارات الإسلام السياسي، والتي تتمثل في إقرار قانون يستهدف تعزيز جهود الدولة لحظر أنشطة التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها “الإخوان”
وقد اتفق قرار البرلمان النمساوي مع تحذيرات هيئة حماية الدستور (الاستخبارات الداخلية) بالنمسا، حيث حذر تقريرًا صادرًا عنها من تنظيم “الإخوان” في نوفمبر 2020، وخطره على الديمقراطية، إذ قالت الهيئة، في تقريرها أن “النظام الذي تسعى الإخوان لتطبيقه، يتعارض مع المبادئ الديمقراطية الأساسية مثل الانتخابات الحرة، والحق في المعاملة المتساوية، وحرية الرأي والدين”.
وبالنسبة لألمانيا، ناقش البرلمان الألماني في فبراير 2020 مشروع قرار قدمه “حزب البديل لأجل ألمانيا” (حزب المعارضة الرئيسي) ينص على فرض رقابة قوية ضد “الإخوان” في البلاد. ويعتبر هذا المشروع أول تحرك جاد في البرلمان الألماني لمواجهة خطر التنظيم، ووفق المشروع، فإن “تنظيم الإخوان هو العقل المدبر الذي يقف وراء شبكة الإسلام الراديكالي المنتشرة في ألمانيا”. وأضاف المشروع: “أنشأ الإخوان شبكة قوية من الجمعيات والشركات والمؤسسات التعليمية”، مضيفًا: “إنكار المنظمات الفرعية في ألمانيا تبعيتها للإخوان علنًا، يجعل هذه المنظمات أكثر خطورة؛ لأن العمل السري وإخفاء الروابط مع الجماعة الأم، أحد أهم خصائص الإخوان منذ تأسيسها”.
كذا حذر تقرير هيئة حماية الدستور الألمانية “الاستخبارات الداخلية “في إبريل 2020من التهديد المتزايد لتنظيم “الإخوان”، ودعمه كيانات موازية لمؤسسات الدولة وبرامجها. ولفت التقرير الانتباه إلى أن “التنظيم يعمل على أخونة المجتمع الألماني، وتغيير الأنظمة التعليمية وجعلها تتماشى مع أفكاره”.
وفيما يتعلق بفرنسا، فقد حذر تقرير صادر عن مجلس الشيوخ في فرنسا خلال يونيو 2020، مما أسماه تنامي “التطرف الإسلامي” في عدد متزايد من المناطق في فرنسا، وأن هناك “نزعة انفصالية” خطيرة تتنامى في بعض المدن الفرنسية بدعم من حركات الإسلام السياسي في إشارة واضحة إلى تنظيم “الإخوان”. كذلك أقرت فرنسا قانون “صامويل باتى” في فبراير 2021، لمواجهة التنظيمات التي تتلقى تمويل الجمعيات الدينية ووقف تلقى التمويلات الأجنبية.
إشكاليات متعددة
في ضوء ما تقدم يمكن القول إن تنظيم “الإخوان” يواجه جملة من الإشكاليات المتعددة والتي يمكن استعراضها على النحو التالي:
الإشكالية الأولى: تُشير إلى حالة التشظي التي يشهدها تنظيم “الإخوان”، إذ ينقسم في الوقت الحالي إلى ثلاثة أجنحه ذات اتجاهات وأجندات ورؤى متباينة، أولهما جبهة ” لندن”، والتي تقدم نفسها كجناح معتدل يحاول اتباع نهج إصلاحي بهدف استعادة تماسك التنظيم، وثانيهما جبهة “إسطنبول”، التي تروج لنفسها باعتبارها الجهة المسيطرة على موارد التنظيم ومقدراته والقادرة على إدارة شئونه، أما جبهة “المكتب العام”، وتنظر لنفسها باعتبارها مدافعًا عن قيم التنظيم ومتمسكًا بمبادئه على خلفية إعلانها عن تبني الخيار الثوري، وذلك في ضوء رغبتها في كسب شرعية في صفوف شباب “الإخوان”. وعلى الرغم من هذا الفصل النظري بين الثلاث أجنحه، إلا أن الواقع يشير إلى وجود تلاقي مصالح وتبادل أدوار بينهما.
الإشكالية الثانية: تنصرف إلى من سيئول إليه منصب القائم بأعمال المرشد العام، لا سيما في ضوء وجود “محمود حسين” ممثلًا عن جبهة “إسطنبول” ووجود “محيي الدين الزايط” أو “صلاح عبد الحق ” (حال صحت ما اشارت إليه التقارير الإعلامية مؤخرًا) ممثلًا عن جبهة “لندن”، فبالنظر إلى الجبهة الأولى نجدها تمتلك مجموعة من نقاط القوى، تنبع من سيطرتها على الملفات الإدارية المركزية، منذ سنوات، وتحكمها في الموارد المالية، بينما تعد الجبهة الثانية رقمًا هامًا بالنسبة للتنظيم من حيث تكوين شبكة من العلاقات الشخصية والتنظيمية انصرفت إلى ثقله في بريطانيا، وساعدت في نشر وجهة نظرة والتعبير عن أجندة عمله في الغرب.
غير أن “حسين” لا يزال يتمتع بالثقل التنظيمي في مواجهة جبهة “لندن”، وذلك نتيجة لثلاثة محددات رئيسية؛ يتعلق أولهما بأن “حسين” يمثل الدولة العميقة داخل التنظيم في ضوء اتصالاته بالقواعد التنظيمية. وينصرف ثانيهما إلى أن اللائحة تُعطي له الحق في إدارة التنظيم، وذلك على خلفية كونه القيادة الوحيدة من بين أعضاء مكتب الإرشاد المتواجدة خارج السجن. ويدور ثالثهما حول عدم وجود مرشح من قبل جبهة “لندن” يمكن أن يمثل بديل مكافئ لــ”إبراهيم منير” في ضوء النفوذ الذي كان يتمتع به الأخير.
الإشكالية الثالثة: تتصل بالشباب داخل تنظيم “الإخوان”، إذ يعاني شباب “الإخوان” من أزمة مركبة سواء على صعيد عدم التوافق على إدارة التنظيم، أو على صعيد غياب الثقة في القيادات، أو على صعيد تدهور الأوضاع المعيشية لكثير منهم داخل الدول المستضيفة لهم بالخارج. وبالتالي سعي “تيار التغيير” لاجتذاب شباب التنظيم إليه بهدف احتواء سرديتهم المهمشة على خلفية تروجيه لقدرته على إعادة إنتاج نسخة أكثر تمسكًا بقيم التنظيم وبمبادئه مره أخرى، وذلك على الرغم من أن قدرات “تيار التغيير” لا تسمح له بقيادة التنظيم في ضوء ضعف إمكانياته القيادية والتنظيمية.
الإشكالية الرابعة: تُشير إلى مستقبل تنظيم “الإخوان” في المنطقة، إذ يمكن القول إن مستقبل التنظيم يخضع لجُملة من المحددات التي تضع اطر، وتحدد مسارات عمله، يتعلق أولها بمدى قوة أو ضعف تنظيم “الإخوان”، وإلى أي مدي سينجح في توحيد صفوفه الداخلية. وينصرف ثانيها إلى العلاقة بين التنظيم والنظام الحاكم في كل دولة. بعبارة أخرى، طبيعة السياق العام داخل الدول، وطبيعة النظام السياسي القائم سواء برلماني أو رئاسي، وهل هناك موائمات سياسية بين النظام والتنظيم، ومجال العمل السياسي والثقافي والاجتماعي المسوح به له. ويتصل ثالثها بموقف المجتمعات من التنظيم، إذ تعد العلاقة بين التنظيم والمجتمعات التي يتواجد بها رقمًا مهمًا لفهم مستقبله، فكلما كان التيار يحظى بقبول شعبي كلما زادت فرصة عودته، في حين أن النفور الشعبي وفقدانه الحاضنة الشعبية يساعد في تقليل فرصه صعوده.
مجمل القول، يعاني تنظيم “الإخوان” من جملة من الأزمات المتعددة والإشكاليات المركبة على أصعدة مختلفة، عُدّ أبرزها تصاعد سؤال رئيسي حول شرعية مَن يُمثل التنظيم، ومَن يَقوده في الوقت الحالي، وذلك في ضوء تعدد الجبهات والكيانات التي تتحدث باسمه، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، يواجه التنظيم تحديًا متعلقًا بفقدانه التأثير في المجتمعات التي شهدت صعوده، مما يشير إلى خسارته حاضنته الشعبية وتراجع جاذبيته الأيديولوجية، وذلك نتيجة لعجزه عن صياغة مشروع سياسي وفكري قابل للتطبيق، بجانب عدم قدرته على استيعاب التنوع الكامل للمجتمعات. ومن ناحية ثالثة، تُعد إشكالية الشباب داخل التنظيم إشكالية كبرى تواجهه على خلفية الصراع الجيلي بين مكوناته، والتي يتسم مستقبلها بالضبابية كنتيجة منطقية مرتبطة بضبابية مستقبل التنظيم ذاته.