يواجه الرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا انتقادات واسعة من أسلافه في حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، بسبب إدارته للبلاد، خاصة بعد تورطه مع وزير الصحة السابقة زويلي مخيزي في قضايا فساد تم الكشف عنها من قبل لجنة النزاهة، بالإضافة إلى وجود أدلة دامغة على فضيحة (فالا فالا)، وهي اسم مزرعة يمتلكها رامافوزا، وهو الأمر الذي دفع الحزب إلى تأجيل الجولة الختامية من مؤتمره الانتخابي الوطني إلى الخامس من يناير 2023. وعلى الرغم من أن هذه الانتقادات تأتي بينما هناك مزيد من التحديات الاقتصادية والسياسية، لكن لا يزال حزب المؤتمر الوطني الأفريقي (ANC)، ممسكًا بزمام السلطة، من خلال قيادته لائتلاف ثلاثي يضم مؤتمر نقابات عمال جنوب أفريقيا (COSATU)، والحزب الشيوعي أفريقيا (SACP).
فساد مستحكم ومعالجات محدودة
تعكس قضايا الفساد المالي، التي تلاحق رامافوزا، حجم العلاقات داخل منظومة الدولة وليس الحزب وحده، كما تعكس التدابير حول الشأن العام السياسي في البلاد مما لا يدع مجالًا للشك في تأثيره على السياسة الخارجية لجنوب أفريقيا. فقد تعهد رامافوزا بمنع جميع الوزراء في حكومته من المشاركة في مشتريات الشركات المملوكة للدولة، وإعادة هيكلة وحدة مكافحة الكسب غير المشروع، كما سنّ الرئيس سلسلة قوانين جديدة تنظم العقود المملوكة للحكومة.
لكن منذ أكتوبر 2022، كشفت هيئة الادعاء الوطنية، عن ستة وعشرين قضية، على إثرها تم إجراء 89 تحقيقًا، وامتثل ما يقارب حوالى 165 شخصًا متهمًا تم تقديمهم للمحكمة، واستعادت الحكومة في جنوب أفريقيا 2.9 مليار راند، جمدت وصدرت أصولًا بقيمة 12.9 مليار راند. وفي أبريل 2021، استخدم حزب المؤتمر الوطني الأفريقي أغلبيته في البرلمان لعرقلة تحقيقات الرقابة التشريعية الحاسمة، مما يحمي ممثليه من تحقيقات الفساد، فرفض أعضاء البرلمان في حزب المؤتمر الوطني الأفريقي اقتراحًا للتحقيق في عقد محتمل غير منتظم لبرنامج بمليارات الراند مع لجنة المحافظ للموارد المعدنية والطاقة من شأنه الإسراع في بناء محطات جديدة لإنتاج الطاقة. وقد ارتبطت قضايا الفساد بشكل كبير بعمليات إجرامية أخرى، وثمة مؤشرات قوية على أن مقتل الموظف العام بابيتا ديوكوران، في أغسطس 2021، كان مرتبطًا بالفساد داخل أروقة حزب المؤتمر الأفريقي.
وعلى الرغم من انتخاب رامافوزا رئيسًا للحزب لفترة ولاية ثانية مدتها خمس سنوات في المؤتمر العام الذي عقد في ديسمبر 2022، إلا أنه يتعين عليه تحسين مصداقيته في صورته لدى الرأي العام، ومكافحة الفساد من أجل الاستمرار في دفع أجندته. فقد بدأت المشاكل داخل أروقة شركة Eskom للطاقة قبل وقت طويل من عام 2014، عندما كان الرئيس راما فوزا رئيسًا لهذا الشركة، عندما تم تعيينه من قبل الرئيس السابق جاكوب زوما لمعالجة مشاكل الطاقة في الشركات المملوكة للدولة، من ضمنها شركة Eskom، مما يعنى أن حزب المؤتمر الوطني الأفريقي غير قادر على التعامل مع الفساد في ظل وجود شبكة مصالح داخل أروقته.
وقد خلُص التقرير الصادر عن لجنة التحقيق المستقلة، في 21 من ديسمبر 2022، إلى أن الرئيس قد انتهك قوانين مكافحة الفساد بشأن سرقة 580 ألف دولار في عام 2020 مخزنة في مزرعة (فالا فالا) الخاصة به. وأوصت اللجنة المكونة من ثلاثة أعضاء، والتي عينها رئيس الجمعية الوطنية لجنوب أفريقيا، بالتحقيق مع رامافوزا لاحتمال توجيه الاتهام إليه. في الوقت ذاته، يخطط رامافوزا للطعن في النتائج التي توصلت إليها اللجنة في المحكمة، بحجة أن التقرير تجاوز نطاق اختصاصه الضيق ويفتقر إلى الأدلة. ولم يبلغ رامافوزا الشرطة مطلقًا عن السرقة، ولم يكشف الأمر إلا في يونيو 2022 عندما قدم رئيس المخابرات السابق آرثر فريزر الموالي لرئيس السابق جاكوب زوما بلاغ وشكوى إلى الشرطة، متهمًا رامافوزا بغسل الأموال والكسب غير المشروع.
وتنص المادة 89 من الدستور في جنوب أفريقيا، بإقالة الرئيس من منصبه إذا ارتكب انتهاكًا للدستور، ولكن يحتاج قرار عزله أو إقالته من منصبه لأغلبية ثلثي أعضاء البرلمان، ولكن في ظل هيمنة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي على البرلمان، سيبقى الرئيس حتى نهاية فترته عام 2024.
تضييق على الصحافة والرقابة
يرى كثيرٌ من المتابعين للديمقراطيات الأفريقية بأن النموذج الجنوبي أفريقي هو الناجح والأمثل في القارة الأفريقية. وعلى الرغم من حرية الرأي والصحافة محمية دستوريًا وبشكل عام في الممارسة. كشفت الجماعات المدنية المستقلة التي تساعد في كشف الممارسات الحكومية السيئة بوجود تعدٍ كبير على حرية التعبير في جنوب أفريقيا.
ومع ذلك، يواجه الصحفيون المضايقات بسبب التقارير النقدية والهجمات العرضية، حيث تمارس الأحزاب الحاكمة والمعارضة ضغوطًا على وسائل الإعلام التي تُديرها الدولة والمستقلة. وحذّرت لجنة حماية الصحفيين، وهي هيئة مستقلة لمراقبة حرية الصحافة، من أن اللوائح يمكن أن تستخدم لمزيد من الرقابة على وسائل الإعلام المشروعة. وفي مايو 2020، قامت الشرطة بمضايقة واعتداء واحتجاز الصحفي بول نثوبا)، رئيس تحرير جريدة Mookare News الأسبوعية. فضلًا عن قيام أجهزة الدولة التي تسيء استخدام الاتصالات لمراقبة المواطنين، وهو الأمر الذي دفع المحكمة الدستورية في 2021، باعتراضها على جمع البيانات بغرض المراقبة وأن تلك الإجراءات غير قانونية وغير صالحة.
وتتمتع القوى السياسية وجماعات الضغط في جنوب أفريقيا بثقافة الاحتجاجات، ورغم كل ذلك يجب على المحتجين إخطار الشرطة بالمظاهرات وأماكنها في وقت مبكر. وفي عام 2018، قضت المحكمة الدستورية بأن عدم إخطار السلطات بنية الاحتجاج، ولا يمكن تصنيفها كجريمة، ولكن الشرطة تستخدم ورقة الاتهامات بتنفيذ أعمال العنف في المظاهرات لإدانتها والتقليل من الإقبال على المشاركة فيها.
ويكفل الدستور في جنوب أفريقيا استقلال القضاء، ولكن تم تفويض استقلالية الادعاء العام في البلاد في السنوات الأخيرة، بفضل الممارسات التي يرتكبها أعضاء الحزب المؤتمر الوطني الأفريقي، حيث شهدت هيئة الادعاء الوطنية (NPA)، سلسلة من التعيينات الجديدة ذات توجهات سياسية واضحة داعمة للحزب الحاكم، في الوقت الذي شهدت فيه أيضًا إقالات بدوافع سياسية كذلك.
أزمة اقتصادية تُهدد الحزب الحاكم
على المستوى الاقتصادي، تمر جنوب أفريقيا بصعوبات كبيرة، فعلى الرغم من التعافي النسبي بعد جائحة كورونا، لا تزال المخاطر السياسية ومخاطر استدامة إمدادات الطاقة قائمة، مما جعل رفع معدل التضخم العام ما بين سبتمبر وأكتوبر الماضيين ليصل إلى 7.6٪، متجاوزًا توقعات بنك الاحتياطي الجنوب أفريقي. كما تواجه حكومة المؤتمر الوطني الأفريقي تحديات إضافية تتعلق بحتمية مواجهة القصور في العديد من القضايا كالتمويل غير المشروع وذلك بالتعاون مع مجموعة العمل المالي، الهيئة الدولية التي تتخذ من باريس مقرًّا لها، والتي تتولى وتشرف على التدابير في مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب. حيث هددت الهيئة حكومة جنوب أفريقيا بمواجهة رقابة متزايدة إذا ما فشلت السلطات الجنوبية الأفريقية في تحسين التدابير والإجراءات المتعلقة بالنزاهة المالية.
وعلى الرغم من التقدم النسبي في مسار الإصلاحات الاقتصادية، فإن المشاكل القديمة المتمثلة في عدم اليقين السياسي ونظام السلطة الفاشل والفساد المستشري لا تزال تشكل مخاطر كبيرة. فقد كانت خطة إعادة الأعمار والتعافي الاقتصادي أحد المبادئ الرئيسية في أجندة الرئيس سيريل رامافوزا منذ أن خلف جاكوب زوما كزعيم للبلاد في عام 2018. لكن الانقسامات العميقة داخل المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم (ANC) وحكومته أدت إلى تقدم بطيء، خاصةً في العديد من المجالات الحيوية كأمن الطاقة، وتطوير البنية التحتية، والأمن الغذائي، وخلق فرص العمل، والتحول الأخضر.
وعلى الرغم من فوز حزب المؤتمر الوطني الأفريقي في كل انتخابات وطنية منذ عام 1994، إلا أنه سجل أسوأ أداء له منذ نهاية الفصل العنصري في الانتخابات الوطنية في مايو ،2019 وأيضًا في الانتخابات البلدية في نوفمبر 2021. وفي حال استمرار المشكلات التي تواجهه حكومة الحزب التي يرأسها رامافوزا، قد يكون من المتوقع أن يخسر حزب المؤتمر الوطني الأفريقي أغلبيته المطلقة في الانتخابات الوطنية المقرر إجراؤها في عام 2024.