تمتلك مصر إمكانيات كبيرة ومتنوعة من مصادر الطاقة المختلفة، وبفضل الاستراتيجية التي وضعتها مصر لتحقيق استدامة الطاقة والجهود المبذولة لتعزيز كفاءة القطاع والاستغلال الأمثل للموارد المتنوعة، بجانب ضخ استثمارات ضخمة وإقامة عدد من المشروعات؛ تمكنت الدولة من تحقيق طفرة في القطاع محليًا، وإبراز دورها الهام في انتقال الطاقة عالميًا، مما ساهم في تقدم مصر 5 مراكز في مؤشر التحول الفعال للطاقة الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي. وبالرغم من تعطل قطاع الطاقة بسبب الانهيار العالمي في الطلب على الطاقة، إلا أن قطاع النفط والغاز المصري أظهر مرونة في مواجهة الأزمة، واستمر في تحقيق العديد من النجاحات الرائعة حتى وقتنا الحالي. وانطلاقًا مما شهده القطاع خلال العام الحالي من عدة تطورات يتناول التحليل التالي أداء قطاع الطاقة في مصر:
أولًا: نظرة عامة على قطاع الطاقة
تسعى مصر لتعزيز القيمة الاقتصادية للنفط والغاز وزيادة العائد الاقتصادي المستهدف، إذ تتوقف التنمية الاقتصادية في مصر على قطاع الطاقة وهو ما دفع الدولة لاتباع الاستراتيجية المتكاملة للطاقة المستدامة حتى عام 2035، لضمان أمن واستقرار إمدادات الطاقة، ويمثل قطاع الطاقة المصري 13% من الناتج المحلي الإجمالي كما يحتل المرتبة الأولى كواحد من العوامل الرئيسية الدافعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية بحسب مجلس الوزراء.
.الاستهلاك من الكهرباء: يستحوذ الاستهلاك المنزلي للكهرباء على النصيب الأكبر من حجم استهلاك الكهرباء في مصر، حيث شكلت الكهرباء التي يستهلكها الأفراد في منازلهم 37.6% من الكهرباء المستهلكة في الدولة، تلاه القطاع الصناعي بحصة تقارب 30.4%، وجاءت المرافق العامة والهيئات الحكومية في المرتبة الثالثة كأكبر قطاع مستهلك للكهرباء في الدولة، ويمكن متابعة حجم استهلاك القطاعات المختلفة من الكهرباء في مصر في ابريل 2022 من خلال الشكل التالي:
وفقًا لآخر التقديرات الواردة في المراجعة الإحصائية للطاقة العالمية الصادر عام 2022 لشركة بريتيش بتروليوم، فإن استهلاك مصر من الطاقة زاد بنسبة 52% بين عامي 2005 و2021، يتزايد استهلاك الغاز في مصر بشكل مطرد، لكنه ارتفع في السنوات الأخيرة مع اكتشاف أكبر حقل للغاز الطبيعي في البحر الأبيض المتوسط، أما النفط الذي يعد ثاني أكبر مصدر للطاقة في مصر فقد حافظ على استقرار الاستهلاك منه لتتناقص حصته مع ارتفاع إجمالي استهلاك الطاقة.
ووضعت مصر استراتيجية للتوسع في قطاع البتروكيماويات، باستثمارات في المستقبل القريب تبلغ مجموعها 6.4 مليار دولار أمريكي، واستطاعت مصر أن توسع شبكة الغاز الطبيعي وتطوير محطات التوليد واستخدام تقنيات حديثة، ومؤخرًا بدأت مصر واليابان في وضع مشروع علمي صناعي يهدف إلى تحويل غاز ثاني أكسيد الكربون إلى طاقة نظيفة.
.الإنتاج من مصادر الطاقة المختلفة:
.الإنتاج من النفط الخام: في أغسطس 2022، بلغ إنتاج مصر من النفط الخام 574 ألف برميل يوميًا، مقارنة 564 في يوليو 2022، وعلى الرغم من تذبذب إنتاج مصر من النفط الخام بشكل كبير في الأشهر الأخيرة، إلا أنه اتجه إلى الزيادة من أكتوبر 2021 وحتى أغسطس 2022 ليصل إلى 574 ألف برميل يوميًا، وفقًا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، ويمكن متابعة تطور إنتاج مصر من النفط من خلال الشكل التالي:
.إنتاج مصر من الغاز الطبيعي: أدى النمو السريع في إمدادات الغاز الطبيعي في مصر، مدعومًا باكتشاف حقول الغاز في البحر المتوسط، إلى تحويلها من مستورد صاف إلى مصدر، وتصدرت مصر قائمة أكثر مصدري الغاز الطبيعي المسال نموا خلال الربع الأول من عام 2021 وفقا لمنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك)، وازداد إنتاج الغاز الطبيعي في مصر اعتبارًا من عام 2017، عندما بدأ حقل ظهر بالعمل ليبلغ إنتاج الغاز الطبيعي من هذا الحقل 1 تريليون قدم مكعب سنويًا في عام 2021، ووفقًا لوكالة الطاقة الأمريكية فقد بلغ إجمالي إنتاج الغاز الطبيعي في مصر 2.45 تريليون قدم مكعب في عام 2021، وخلال عام 2022 ارتفع إنتاج مصر من الغاز الطبيعي بشكل طفيف بحسب تقرير صادر عن البنك الدولي، وساهمت زيادة الإنتاج في تسجيل إيرادات مصر من تصدير الغاز الطبيعي 8 مليارات دولار في السنة المالية 2021/2022، وبحسب وزارة المالية فإن مصر تحقق مكاسب بنحو 500 مليون دولار شهريًا من صادرات الغاز الطبيعي وتهدف إلى رفع هذا الرقم إلى مليار دولار خلال الفترة المقبلة.
.الإنتاج من الطاقة المتجددة: استطاعت مصر أن تصل إلى زيادة مساهمة قطاع الطاقة المتجددة من إنتاج الطاقة لتصل إلى 6.2% عام 2021 مقارنة بـ5.4% عام 2005، وسجل إنتاج الطاقة الكهرومائية 13878جيجاوات/ساعة، بينما سجلت مشروعات طاقة الرياح نحو 5737 جيجاوات/ ساعة، أما الإنتاج من الطاقة الشمسية فقد بلغ حوالي 4393 جيجاوات/ ساعة، خلال عام 2021/2022، بحسب بيانات هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة.
وتقوم استراتيجية الطاقة التي تستهدفها مصر على رفع نسبة مساهمة الطاقة المتجددة إلى 37.2% في عام 2035، وهذا يتطلب زيادة الاستثمار في الطاقة المتجددة خلال هذه الفترة من 2.5 مليار دولار أمريكي إلى 6.5 مليار دولار أمريكي سنويًا، وتضاعف حجم الاستثمارات الأجنبية في مشروعات الطاقة الجديدة في مصر إلى 3.5 مليارات دولار خلال عام 2021/2022.
وارتفع النمو في حجم الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر في مجالات الطاقة الجديدة والمتجددة مع زيادة الطلب على الاستثمارات في المجال مدفوعًا بانخفاض أسعارها بجانب التوجه العالمي للاستثمار في الطاقة النظيفة لمواجهة تحديات تغير المناخ والاحتباس الحراري الناتجة عن التوسع سابقًا في إنتاج الوقود الأحفوري.
ثانيًا: رؤية مصر المستهدفة
وضعت مصر استراتيجية الطاقة المستدامة المتكاملة لعام 2035 لتمكين زيادة تطوير مصادر الطاقة المتجددة وإشراك جميع القطاعات، وبما يمكن مصر من أن تصبح مركزًا للطاقة يربط بين أوروبا وآسيا وأفريقيا من خلال التوسع الربط الشبكي عبر المنطقة العربية وخارجها، وتتضمن الاستراتيجية المصرية تنويع مزيج الطاقة وزيادة كفاءة الطاقة وإصلاح أسواق الكهرباء والنفط والغاز الطبيعي، وخفض دعم الطاقة، وذلك للتمكن من تلبية الطلب المتزايد باستمرار على الكهرباء وتحديد برامج متابعة كفاءة الطاقة في قطاع الكهرباء.
ويهدف تنويع مزيج الطاقة في قطاع الكهرباء إلى تقليل استهلاك الوقود الأحفوري، ونتيجة لذلك، تقليل إنتاج الغازات المسببة للاحتباس الحراري، مع زيادة حصة مصادر الطاقة المتجددة وإعطاء دفعة جديدة لبدء برنامج الكهرباء النووية.
وبموجب هذه الاستراتيجية تعتزم مصر زيادة إمدادات الكهرباء المولدة من المصادر المتجددة إلى 20% بحلول عام 2022 و42% بحلول عام 2035، وتم تعديل الاستراتيجية لتمتد حتى عام 2040، واشتملت الاستراتيجية على بنود متعلقة بتعزيز أمن إمدادات الطاقة، وضمان الاستدامة المالية لشركات الكهرباء، وتحسين حوكمة المؤسسات والشركات، وتحسين كفاءة الطاقة والموارد عن طريق خفض 18% من إجمالي الطلب على الطاقة بحلول عام 2035 عن طريق زيادة الكفاءة التشغيلية لمحطات الكهرباء، وتعزيز تنافسية القطاع.
وفقًا لتوقعات مؤسسة التمويل الدولية فإن مصر ستتفوق على جنوب إفريقيا في العقد القادم لتصبح أكبر سوق للكهرباء في إفريقيا، ولتحقيق ذلك هناك ضرورة أن تعمل مصر على جذب استثمارات ذكية مناخيًا بقيمة 2 ترليون جنيه بحلول عام 2030.
وفيما يتعلق بتعاون مصر الإقليمي والدولي في مجال الطاقة تقوم رؤية واتجاه هدف الدولة المصرية لتحويل البلاد إلى مركز إقليمي للطاقة من خلال تنفيذ مشاريع تنموية كبرى في قطاع الطاقة المتجددة والتوسع في قطاع الهيدروجين الأخضر، ولتحقيق ذلك عملت الدولة على تنفيذ الإصلاحات التشريعية والهيكلية التي تجذب الاستثمار الأجنبي، كما تم إطلاق منصة الاستثمار الوطنية للمشاريع الخضراء والعمل المناخي.
ومثل مؤتمر المناخ المنعقد في شرم الشيخ في نوفمبر الماضي خطوة هامة لتعزيز التعاون طويل الأجل بين الدول بشأن التحول للطاقة النظيفة، ووقعت مصر من خلاله عدة مذكرات تفاهم بينها وبين عدد من الدول والهيئات الدولية والشركات متعددة الجنسية، واستطاعت مصر أن تكون حلقة وصل بين الدول النامية المتضررة من تغير المناخ وبين الدول المتقدمة المساهمة بالنسبة الأكبر في الانبعاثات الضارة لتتمكن من إنشاء صندوق تمويل جديد لتعويض الخسائر التي تعاني منها الدول النامية.
ومن هنا فقد استطاعت مصر في السنوات الأخيرة أن تحقق تحولًا ملحوظًا في قطاع الطاقة، وتعمل مصر على زيادة حجم الاحتياطيات المؤكدة من النفط والغاز، وزيادة حجم الإنتاج اليومي وتعزيزه من خلال دعم عمليات الاستكشاف الجديدة، لما له من عوائد مؤثرة في عملية التنمية الاقتصادية التي تستهدفها مصر ورفع نسبة مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي، كما تستهدف مصر التحكم في الاستهلاك المحلي وترشيد استهلاك الطاقة لدعم صادرات الطاقة وبما يساهم في زيادة الدخل القومي لمصر، كما تدفع مصر نحو مصادر الطاقة المختلفة والتحول نحو استخدام مصادر الطاقة البديلة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة المياه وطاقة الرياح وغيرها من مصادر الطاقة المتجددة.