لا تختلف دول العالم في مدة العام الدراسي والإجازات بين كل فصل دراسي وآخر فحسب، بل تختلف أيضًا في عدد ساعات اليوم الدراسي. وقد راجعت دول عدة خلال العقدين الماضيين عدد أيام الدراسة والساعات التي يقضيها الطلاب داخل مدارسهم من أجل تحقيق مستويات أفضل من التحصيل الدراسي استنادًا إلى فرضيةٍ مفادها أن “زيادة الوقت المخصص للدراسة يمنح المعلمين فرصةً جيدة لتدريس المنهج المقرر كاملًا بشكل كفء، كما يمنح الطلاب فرصةً أكبر لاكتساب المعارف وإتقان المهارات”. على الرغم من ذلك، لا يرتبط تحسين مستوى التحصيل الدراسي للطلاب بعدد ساعات الدراسة الفعلية، وإنما يرتبط أيضًا بجودة التدريس والتعلم أثناء اليوم الدراسي.
تباين مدة العام الدراسي والإجازات في دول العالم
توضح الإحصائية التي نشرها المركز الوطني للتعليم والاقتصاد (NCEE) في الولايات المتحدة الأمريكية بنهاية عام 2018، أنه وفقًا لأحدث نتائج برنامج تقييم الطلاب الدولي بيزا (PISA)، فإن أيام الدراسة في أفضل نظم التعليم عالميًا تتراوح بين 175 و220 يومًا، أي 35 – 44 أسبوعًا دراسيًا؛ وبمراجعة نتائج طلاب تلك الدول في القراءة والرياضيات والعلوم، اتضح أن بعض دول شرق آسيا التي تتصدر ترتيب أفضل 20 دولة في التقييم الدولي “بيزا” لديها عام دراسي أطول من نظيره في دول أوروبا وأمريكا الشمالية، وتختلف نظم التعليم تلك في تقسيم العام الدراسي إلى فصلين دراسيين أو ثلاثة، وتوزيع الإجازات بين الفصول الدراسية، ومدة إجازة الصيف أو نهاية العام الدراسي)(.
فيما يتعلق بعدد الساعات التي يقضيها الطلاب داخل مدارسهم، تأتي كوريا الجنوبية في الصدارة، حيث يصل متوسط ساعات اليوم الدراسي لطلاب المرحلتين الإعدادية والثانوية 8 ساعات يوميًا، تليها الصين بمتوسط 7.5 ساعة في هونج كونج و7 ساعات في شنغهاي، ثم هولندا بمتوسط 7 ساعات، في حين تأتي فنلندا في آخر الترتيب بمتوسط 5 ساعات لليوم الدراسي. ويلاحظ في هذه الدول أن عدد ساعات اليوم الدراسي للأطفال في الصفوف الأولى من مرحلة التعليم الابتدائي تقل عن نظيرتها للمراحل الأعلى، فتصل إلى 5 ساعات فقط في كوريا الجنوبية.
يضاف إلى ما سبق الاختلاف في مدة الإجازات بين كل فصلين دراسيين والحد الأقصى لإجازة نهاية العام الدراسي، حيث تأتي إستونيا والولايات المتحدة الأمريكية في الصدارة بإجازات دراسية تبلغ 16 أسبوعًا، ثم فنلندا ونيوزيلندا 14 أسبوعًا؛ في حين تأتي كوريا الجنوبية في آخر القائمة بإجمالي إجازات يبلغ 8 أسابيع فقط، وتسبقها اليابان بإجمالي 10 أسابيع. وفي كل الأحوال، تفضل تلك الدول أن تكون إجازة نهاية العام قصيرة لتجنب أن يفقد الطلاب جزءًا كبيرًا مما حصلوه من معارف خلال العام الدراسي، فنجد أن كوريا الجنوبية وهولندا وسنغافورة واليابان وألمانيا ونيوزيلندا لا تتجاوز فيها إجازة الصيف 6 أسابيع.
الآثار المترتبة على زيادة عدد ساعات الدراسة
اختلف الباحثون منذ تسعينيات القرن الماضي حول تأثير زيادة عدد ساعات الدراسة على مستوى التحصيل الدراسي للطلاب، حيث وجدت بعض الدراسات أن هناك علاقة قوية بين الوقت المتاح للتعلم والتحصيل الدراسي للطلاب، في حين وجدت أخرى أن زيادة عدد ساعات الدراسة ليس الأسلوب الأكثر تأثيرًا في تعلم الطلاب، حيث يتعلق الأمر بقدرة الطلاب على استغلال الوقت المخصص للدراسة لتحسين أدائهم، وجودة التدريس أثناء ذلك الوقت، ومدى اتساق المنهج الدراسي مع المدة الزمنية المخصصة لتدريسه. وذهبت ثالثة إلى أن زيادة الوقت الذي يقضيه الطلاب في المدرسة سوف يحسن مستوى التحصيل الدراسي بدرجة بسيطة مقابل تكاليف أعلى(). وعلى الرغم من أن تلك الدراسات لم توضح المدة المثالية لضمان تحسن التحصيل الدراسي لدى الطلاب، ولم تقرر ما إذا كانت زيادة ساعات اليوم الدراسي أفضل أم أن مد العام الدراسي هو الأفضل لرفع مستويات تحصيل الطلاب؛ إلا أنها أكدت على أن زيادة ساعات الدراسة للطلاب سيكون مفيدًا للطلاب الذين يواجهون صعوبات في التعلم خاصةً في المناطق المهمشة.
على جانب آخر، ميزت مجموعة من الدراسات التي أُجريت في الولايات المتحدة الأمريكية بين عامي 2000 و2008 بين تأثير مد اليوم الدراسي وتأثير مد العام الدراسي على تحصيل الطلاب، ووجدت معظمها أن مد العام الدراسي له تأثير إيجابي على تحصيل الطلاب، في حين لم تجد نفس التأثير لمد اليوم الدراسي على تحصيل الطلاب في كل الصفوف الدراسية(). وبالتالي فإن زيادة عدد ساعات الدراسة قد ينطوي على جانبين؛ أحدهما إيجابي يتمثل في إتاحة الوقت الكافي لتدريس المادة التعليمية وإنهاء المناهج المقررة دون حذف أو تعديل، ومنح الطلاب الوقت الكافي لإنجاز المهام المكلفين بها بما يضمن إتقان المهارات المعرفية والسلوكية والوجدانية؛ والآخر سلبي يتمثل في عدم استغلال الساعات الإضافية في تدريس حقيقي إلى إهدار الوقت، وإصابة الطلاب بالملل والإرهاق في حالة زيادة عدد ساعات اليوم الدراسي بشكل غير محسوب، وزيادة نسبة الغياب ومعدلات التسرب خاصةً بين فئات الدخل المنخفض، وإنهاك المعلمين والإداريين بسبب زيادة ساعات العمل وطول العام الدراسي.
واقع العام الدراسي في مصر
أعلنت وزارة التربية والتعليم في بداية العام الدراسي 2022/2023 أن عدد أسابيع الدراسة يقدر بحوالي 35 أسبوعًا، وقُدر عدد أيام الدراسة الفعلية في بداية العام بـ194 يومًا دراسيًا، حيث كان من المقرر أن يبدأ الفصل الدراسي في الأول من أكتوبر 2022 وينتهي في 26 يناير 2023 بواقع 98 يومًا دراسيًا بعد حذف أيام الجمعة والإجازات الرسمية، في حين كانت أيام الدراسة الفعلية للفصل الدراسي 96 يومًا دراسيًا، حيث كان من المقرر أن يبدأ في 11 فبراير 2023 وينتهي في 8 يونيو من العام نفسه.
وبمقارنة البيانات سالفة الذكر مع نظيرتها في نظم التعليم المتقدمة المذكورة في بداية المقال، فإن عدد أسابيع وأيام الدراسة الفعلية لا يبتعد عما هو معمول به في الدول صاحبة التصنيف الأعلى في التعليم، ولكن بمراجعة الواقع يتضح أن هناك اختلافًا كبيرًا عما هو معلن، حيث إن عدد أيام الدراسة الفعلية الذي أعلنته الوزارة والمقدر بـ194 يومًا يتضمن أيام السبت كأيام دراسة فعلية، في حين يشير الواقع إلى أن مدارس 12 محافظة فقط تعمل أيام السبت، أي إن مدارس 15 محافظة تضم الغالبية العظمى من الطلاب تعمل 5 أيام فقط في الأسبوع لينخفض عدد أيام الدراسة الفعلية بمقدار 35 يومًا، ليصل إلى 159 يومًا دراسيًا وهو ما يبتعد كثيرًا عن الحد الأدنى المعمول به في نظم التعليم المتقدمة والمقدر بـ175 يومًا.
جدير بالذكر أن أيام الامتحانات التي كانت تقدر بـ19 يومًا للفصلين الدراسيين الأول والثاني تم احتسابها ضمن أيام الدراسة الفعلية، مما يعني أن عدد أيام التدريس سينخفض إلى 140 يومًا فقط عند حذف الأيام المخصصة للامتحانات، كما يقل عدد أيام الدراسة الفعلية التي يطالب فيها المعلمون بإنهاء المناهج كاملة وأن يتقن الطلاب فيها الطلاب المهارات المعرفية والوجدانية والسلوكية المخططة بمقدار 10 أيام أخرى تخصص للمراجعة في الأسبوع السابق للامتحانات.
الأمر الملفت هو التعديل الذي أجرته وزارة التربية والتعليم على الخريطة الزمنية للعام الدراسي منتصف ديسمبر الماضي، حيث تم السماح للمديريات التعليمية بإجراء امتحانات الفصل الدراسي الأول في 9 يناير بدلًا من 14 يناير لتتقلص مدة الفصل الدراسي الأول بمقدار 5 أيام، كما تم تقديم امتحانات الفصل الدراسي الثاني لتبدأ في 6 مايو بدلًا من 3 يونيو ليتقلص الفصل الدراسي الثاني بمقدار 24 يومًا دراسيًا؛ لتصبح مدة العام الدراسي 165 يومًا في المحافظات التي تعمل مدارس 6 أيام في الأسبوع، و130 يومًا دراسيًا لمدارس المحافظات التي تعمل 5 أيام فقط في الأسبوع.
المصدر: الخريطة الزمنية للعام الدراسي 2022/2023 التي وافق عليها المجلس الأعلى للتعليم قبل الجامعي بتاريخ 15/8/2022.
ولا يتوقف الأمر عند عدد أيام الدراسة الفعلية التي تختلف كثيرًا عما هو معمول به في نظم التعليم المتقدمة، بل يمتد إلى ساعات الدراسة الفعلية التي يقضيها الطلاب في مدارسهم، حيث يختلف عدد تلك الساعات بين مدارس اليوم الكامل ومدارس الفترتين والمدارس الرسمية للغات، فمدة اليوم الدراسي في مدارس اليوم الكامل (البالغ عددها 23664 مدرسة تقدم الخدمة لما يزيد عن 9 ملايين طالب) تتجاوز 6 ساعات دراسية، في حين تقل في مدارس الفترتين (البالغ عددها 35143 مدرسة تقدم الخدمة لما يزيد على 15.5 مليون طالب) بمقدار ساعة أو أكثر، وتزيد بمقدار 40 دقيقة تقريبًا في المدارس الرسمية للغات، مما يعني أن الوزارة ما تزال غير قادرة على تحقيق العدالة التعليمية فيما يتعلق بعدد ساعات الدراسة الفعلية بسبب مشكلات العجز في أعداد الفصول وارتفاع الكثافات.
مما سبق، يتضح أن هناك تباينًا كبيرًا بين الطلاب داخل المدارس المصرية من حيث عدد أيام وساعات الدراسة الفعلية، الأمر الذي يقلل فرص تحقيق العدالة التعليمية بين جميع الطلاب، كما أن مدة الدراسة القصيرة وطول مدة إجازة نهاية العام الدراسي التي تتجاوز 16 أسبوعًا لكل الصفوف الدراسية حتى الثاني الثانوي لا تحقق أهداف برنامج إصلاح التعليم الذي بدأ منذ 2018، ويعد القرار الأخير بتقليص مدة العام الدراسي عائقًا جديدًا أمام برنامج الإصلاح في ظل عدم قدرة الطلاب والمعلمين على مواكبة المناهج الجديدة للصفوف الدراسية الأعلى من الصف الثالث الابتدائي.
تعديل شكل العام الدراسي لم يعد رفاهية
من خلال العرض السابق، يتضح أن الشكل الحالي للعام الدراسي لا يحقق أهداف الإصلاح الذي بدأته الدولة المصرية منذ 2018 ولا يتناسب مع محتوى وحجم المناهج الدراسية الجديدة خاصةً في المراحل الدراسية الأعلى من الصف الثالث الابتدائي، حيث تقل جودة العمليات داخل المدرسة بما يؤثر على قدرة الطلاب على إتقان المهارات المختلفة، وتضعف دافعية المعلمين للعمل بسبب عدم الاتساق بين حجم المناهج والوقت المخصص لتدريسها، وتنعدم فرص تنفيذ الأنشطة اللا صفية. ويضاف إلى ذلك أن طول مدة إجازة آخر العام يؤثر على ما تعلمه الطلاب في العام الدراسي السابق، كما أن أولياء الأمور يلجئون لمراكز الدروس الخصوصية التي تبدأ عملها قبل بدء الدراسة بشهر كامل أو شهرين في بعض المناطق لتأهيل أبنائهم.
على ذلك، يمكن أن تتخذ وزارة التربية والتعليم الخطوات المقترحة التالية للتغلب على بعض المشكلات الناجمة عن الشكل الحالي للعام الدراسي:
يعاد تقسيم العام الدراسي ليتم العمل بنظام 3 فصول دراسية بدلًا من فصلين دراسيين، على أن تكون مدة كل منها 13 أسبوعًا على الأقل، وأن تعمل كل المدارس 5 أيام في الأسبوع بدايةً من منتصف سبتمبر من كل عام وحتى منتصف يوليو بإجمالي 195 يومًا دراسيًا.
يتم توزيع الإجازات بين الفصول الدراسية، على أن يتبع الفصل الدراسي الأول إجازة مدتها 3 أسابيع، والفصل الدراسي الثاني أسبوعان، وإجازة نهاية العام 9 أسابيع.
يعاد النظر في عدد ساعات اليوم الدراسي لكل مرحلة دراسية، على ألا تقل عن 4 ساعات لصفوف رياض الأطفال والصفوف الثلاثة الأولى من المرحلة الابتدائية. ولا تقل عن 6 ساعات للصفوف الأعلى.
تخصص المدارس التي تعمل بنظام الفترتين للتلاميذ في رياض الأطفال والصفوف الثلاثة الأولى من التعليم الابتدائي، في حين تخصص مدارس اليوم الكامل للصفوف من الرابع حتى الثالث الثانوي.
إعادة النظر في منظومة التغذية المدرسية وتطويرها بما يضمن وصولها للتلاميذ واعتبارها عامل جذب وحافزًا للاستمرار في الدراسة خاصة في المناطق الفقيرة أو منخفضة الدخل.
الاعتماد على مراكز امتحانات مطورة خارج المباني المدرسية تكون تابعة للمركز القومي للتقويم التربوي والامتحانات في جميع الإدارات التعليمية لإجراء امتحانات الشهادتين الإعدادية والثانوية.
الخريطة الزمنية المقترحة للعام الدراسي الجديد 2023 / 2024
الفصل الدراسي الأول | 16 سبتمبر إلى 22 ديسمبر “14 أسبوعًا” |
إجازة الفصل الدراسي الأول | 23 ديسمبر إلى 12 يناير “3 أسابيع” |
الفصل الدراسي الثاني | 13 يناير إلى 5 أبريل “12 أسبوعًا” |
إجازة الفصل الدراسي الثاني | 6 أبريل إلى 19 أبريل “أسبوعان” |
الفصل الدراسي الثالث | 20 ابريل إلى 12 يوليو “13 أسبوعًا” |
إجازة نهاية العام الدراسي | 13 يوليو إلى 13 سبتمبر “9 أسابيع” |
في الأخير، يمكن القول إن إعادة تنظيم العام الدراسي وساعات الدراسة الفعلية أصبح ضرورة لتحقيق أهداف النظام التعليمي وضمان عودة الطلاب إلى المدارس وتحقيق العدالة التعليمية للجميع. وقد يأخذ العام الدراسي الجديد الشكل المقترح أدناه.