ساهمت الحرب الروسية الأوكرانية في تفاقم الأوضاع الاقتصادية التي تواجه العديد من الأسواق الناشئة، ومصر شأنها شأن باقي الدول التي تواجه أوضاعًا اقتصادية ضاغطة في ظل تفاقم اختناقات سلاسل الإمداد الناجمة عن الجائحة. ومع التشديد الصارم للسياسة النقدية حول العالم يشهد الاقتصاد المحلي تهديدات محتملة من حدوث ركود اقتصادي مقترن بالتضخم، في ظل غياب زيادة سريعة في المعروض من الطاقة والمواد الغذائية والسلع الأساسية.
يقدم هذا المقال استعراضًا لتقرير مرصد الاقتصاد المصري: دعم القدرة على الصمود في وجه الأزمات، الصادر عن البنك الدولي في ديسمبر لعام 2022، والذي يلقي نظرة على أبرز الأحداث والتطورات الاقتصادية، بالإضافة إلى تقييم الآفاق المستقبلية.
- أحدث التطورات للاقتصاد المصري:
ولكن أدت التطورات العالمية السلبية إلى تباطؤ معدل النمو خلال الربع الأخير بسبب الصدمة الحادة التي تسبب فيها الصراع الروسي الأوكراني منذ نهاية فبراير 2022.
نجح الاقتصاد المصري في تحقيق معدلات نمو بلغت 6.6 ٪ خلال الأشهر التسعة الأولى من العام المالي 2021-2022 مدفوعًا من القطاعات الموجهة للتصدير بما فيها الصناعات التحويلية غير البترولية، والسياحة، وقطاعات استخراج الغاز، وقناة السويس، حيث استفادت تلك القطاعات من استئناف حركة السفر والتجارة الدوليين، والطلب العالمي المكبوت.
كما أدت الصدمات الخارجية المتتالية إلى تكثيف الضغوط التي كانت موجودة مسبقًا على حساب المعاملات الخارجية، ودفعت إلى تعديل سعر الصرف؛ فقد شهدت احتياطيات النقد الأجنبي انخفاضًا حادًا في مارس، وقد ساهمت في زيادة تدفقات المحافظ الاستثمارية إلى الخارج المقدرة بنحو 21 مليار دولار خلال عام 2021/ 2022، مما تسبب في انخفاض مفاجئ في حجم الاحتياطيات إلى 42.1 مليار دولار بخسارة قدرها 22.7%.
مع اشتداد الضغوط على العملات الأجنبية، شرع البنك المركزي في إجراء تعديلات في سعر الصرف والسياسة النقدية منذ مارس 2022. بداية من تخفيض البنك المركزي سعر الصرف بنسبة 16 ٪ وتلا ذلك حدوث تقلبات تدريجية، ولكن مع استمرار الضغوط جدد البنك المركزي في 27 أكتوبر 2022 انخفاضًا إضافيًا في سعر صرف الجنيه المصري إلى 24 جنيهًا مصريًا/ للدولار ليصل نسبة الانخفاض التراكمي في سعر الصرف إلى 53.5 ٪ مقارنة بقيمته قبل مارس 2022.
وتجدر الإشارة إلى حدوث تخفيف جزئي للضغوظ على ميزان المدفوعات؛ بفضل تعافي الميزان التجاري البترولي الذي تحول إلى فائض على خلفية ارتفاع قيمة صادارت الغاز وزيادة حجمها، بالإضافة إلى تحسن ميزان الخدمات، لا سيما مع انتعاش قطاع السياحة، وزيادة إيرادات قناة السويس.
شكل: تطور عائدات قناة السويس والسياحة
اتصالًا بذلك، شهدت وتيرة التضخم ارتفاعات متتالية مدفوعة بارتفاع الأسعار العالمية للمواد الغذائية والطاقة، وانخفاض سعر الصرف واختناقات سلاسل الإمداد ومجموعة من التحديات الهيكلية. وتعد الأغذية والمشروبات المحرك الأكبر في ارتفاع معدلات التضخم في مصر. ويشير الشكل التالي إلى تطور معدلات التضخم وأبرز العوامل المساهمة في ارتفاع معدلات التضخم العام.
شكل: معدل التضخم العام ومعدل التضخم الاساسي
وبناء عليه شرع البنك المركزي المصري في إجراءات التشديد النقدي عبر رفع اسعار الفائدة وعكس مسار السياسات التوسعية والتي اعقبت ظهور الجائحة، وهو ما يعكسه الشكل التالي.
وقد يرتفع معدل الفقر (الذي سجل آخر مستوى له عند 29.7٪ خلال الفترة من أكتوبر 2019 إلى مارس 2020) بسبب تأثير صدمة التضخم على مستويات الدخل الحقيقي.
بالتوازي مع ذلك، أعلنت الحكومة عن حزم اجتماعية لتخفيف الآثار السلبية لارتفاع الأسعار. ويدعم برنامج صندوق النقد الدولي لمدة 46 شهرًا – إلى جانب التمويل والاستثمارات الأخرى متعددة الأطراف والثنائية – جهود السلطات لاستعادة استقرار الاقتصاد الكلي والمضي قدمًا في الإصلاحات الهيكلية.
2. الآفاق المستقبلية للاقتصاد المصري:
أشار التقرير في تحليله إلى توقعات الاقتصاد المصري لعام 2023، فمن المتوقع أن يتأثر النشاط الاقتصادي والدخل الحقيقي سلبًا بالأزمات العالمية المتداخلة على المدى القريب. وتشير التوقعات إلى تباطؤ النمو إلى 4.5٪ في السنة المالية 2022 /2023 مقارنة بنحو 6.6 ٪ في العام المالي 2021/2022، بينما تستمر القطاعات الرئيسية في الازدهار، لا سيما قطاعات استخراج الغاز مستفيدة من ارتفاع الأسعار العالمية، فضلًا عن قطاعات الاتصالات والزارعة والتشييد والبناء التي لديها قدرة على الصمود.
شكل: تطور قيمة ومعدل نمو الناتج المحلي الإجمالي (2015/ 2016- 2023/ 2024)
المصدر: البنك الدولي، 2022.
ومن المتوقع أن يتجاوز التضخم النطاق المستهدف للبنك المركزي (7 -/+( 2) ٪) وأن يظل ثنائي الرقم خلال السنة المالية 2022/2023 بسبب تأثير انخفاض قيمة العملة المحلية، والتضخم المستورد، واختناقات سلاسل الإمداد.
ومن المتوقع أن تتحسن حسابات المعاملات الخارجية تدريجيا والتمويل الدولي المحتمل، ولا تزال هناك ضرورة لإجراء مزيد من الإصلاحات لتعزيز إمكانات التصدير. كما توقع التقرير استئناف المسار النزولي لنسبة الدين الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي في نهاية السنوات المالية 2020 /2021 -2023 على المدى المتوسط مع مواصلة ضبط أوضاع المالية العامة.
أشاد التقرير بالإصلاحات في إدارة الديون الحكومية والتي شهدت تحسينات جوهرية في ملف الدين، إلا أن هيكل آجال الاستحقاق وتكوين العملات لا يزالان يشكلان تحديات، وتعمل مصر على تنويع مصادر التمويل وفتح أسواق جديدة واستخدام ادوات جديدة مثل (السندات الخضراء وسندات الساموراي).
قدم التقرير عددًا من التوصيات لاستعادة المسار النزولي لنسبة الدين الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي، وذلك عبر:
• مواصلة ضبط أوضاع المالية العامة على نحو يجمع بين ترشيد الإنفاق وزيادة الإيرادات.
• الشفافية بشأن المالية العامة وحجم الدين لدعم الخطوات الاستباقية لتحسين رصد متطلبات التمويل للقطاع العام والإبلاغ عن هذه الاحتياجات واحتوائها (خارج نطاق الحكومة المركزية).
• تنفيذ إصلاحات هيكلية أوسع نطاقًا، بما يعمل على تحسين حوكمة القطاع العام.
تطوير التعليم في مصر
تناول الفصل الثاني من التقرير إصلاحات قطاع التعليم في مصر، حيث يعد التعليم هو إحدى الركائز الاساسية لتطوير رأس المال البشري، وينص دستور مصر الصادر عام 2014 على إلزامية التعليم حتى المرحلة الثانوية وعلى تخصيص حد أدنى من الإنفاق على التعليم، لذا شرعت الحكومة في تنفيذ برنامج واسع لإصلاح التعليم يهدف إلى التحول إلى نظام تعليمي أكثر ديناميكية وعملية.
وعلى الرغم من التقدم المحرز في هذا القطاع خلال الفترات الأخيرة إلا أن مصر لا تزال تواجه العديد من التحديات بداية من انخفاض الإنفاق العام على التعليم، فعلى الرغم من الزيادات الكبيرة بالقيمة الاسمية في السنوات الأخيرة في الإنفاق على التعليم، فإن الأرقام المدرجة في الموازنة لقطاع التعليم لم تتجاوز 2.0٪ من الناتج المحلي الإجمالي الذي يتوقعه البنك الدولي للسنة المالية 2022/2023، وهي أقل من مستوياتها في السنة المالية 2021/2022.
كما يمثل عدم التكافؤ في فرص الحصول على التعليم قبل الابتدائي والتعليم الثانوي أحد تلك التحديات، كما أشار التقرير إلى تفاوت توزيع الموارد بين مختلف مراحل التعليم والمحافظات، واتساع الفجوة بين المدارس الحكومية والخاصة.