في عالمنا الإنساني اعتدنا على أن “الأسرة” تنشأ عن طريق الزواج. وكما هو معروف لدينا أيضًا فإن “الأسرة” تُعَدُّ النواة الأساسية لأي مجتمع، وأي خلل يحدث بها يؤثِّر بدوره على أمن وتماسك واستقرار المجتمعات، بل وتقدمها. أمَّا “الطلاق” فهو ظاهرة من الظواهر الاجتماعية التي لازمت وتلازم الحياة الزوجية في كل زمان ومكان؛ وذلك نظرًا لارتباطه الوثيق بحركة العلاقات الاجتماعية السائدة بين الأفراد والجماعات، التي تتحكم بها مجموعة من المؤثرات والعوامل الداخلية والخارجية.
ومن الطبيعي أن يتقبَّل المجتمع فكرة الطلاق بين الزوجين عندما تفشل كافة الجهود والمساعي لتجاوز العوامل المسبِّبة له، لكنَّ ارتفاع معدلاته في الآونة الآخيرة -بصورة ملفتة جدًّا للنظر- وفي مصر على وجه التحديد؛ قد حوَّل الطلاق من كونه ظاهرة اجتماعية إلى “مشكلة اجتماعية”. وباتت هذه المشكلة تُلقِي بظلال سوداء، لا على النظام الاجتماعي فحسب، وإنما أيضًا وبالقدر ذاته على النظام الاقتصادي والسياسي، ما جعل الأمر محل اهتمام دوائر رسمية عديدة وغير رسمية. ومن هنا نستطيع القول إنه أصبحت هناك ضرورة مُلِحَّة لتسليط مزيدٍ من الضوء على هذه المشكلة في المجتمع؛ لإجراء المزيد من الدراسات والأبحاث المتعمقة حولها، من أجل الوقوف على أهم العوامل المسبِّبة لها أولًا، ثم محاولة اقتراح الحلول المناسبة؛ سعيًا لخفض معدلات الطلاق، ولِلْحَدِّ من تلك المشكلة وآثارها السلبية على المجتمع.
لقد شهدت مصر حالة من الجدل، وتحديدًا في يناير 2017، وذلك عندما طالب السيد رئيس الجمهورية “عبدالفتاح السيسي”، أثناء الاحتفال بإحدى المناسبات العامة، بأهمية إصدار تشريع ينظِّم حالات “الطلاق الشفهي”، والذي يرى البعض أنه من ضمن العوامل المؤثرة في ازدياد ارتفاع مُعَدَّل الطلاق. وكان قد اقترح سيادته سَنَّ قانون يحظر على الرجل طلاق زوجته شفهيًّا لِلْحَدِّ من هذه الظاهرة التي وصلت إلى نسبةٍ مخيفة أصبحت تُهَدِّد أمن وسلام المجتمع المصري؛ والتي بلغت حوالي 44% بحسب إحصاءات الزواج والطلاق الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2017.
وفي تناقضٍ لافت للنظر لرد الفعل تجاه هذا المقتَرَح ما بين المؤسسة التشريعية والمؤسسة الدينية؛ أعلن عدد من نواب البرلمان استعدادهم لتجهيز بعض المقترحات لتنظيم ظاهرة “الطلاق الشفهي”، بينما رفض الأزهر الشريف وهيئة كبار العلماء في مصر هذا المقترح على اعتبار أنه “مخالف” للشريعة الإسلامية. وبرَّروا رفضهم ذلك بأن ارتفاع مُعدَّلات الطلاق يعود في الأساس إلى أسباب وعوامل اقتصادية لا دخل لأحكام الطلاق الشرعية بها، وهو ما عكسه قول شيخ الأزهر: “الناس ليسوا بحاجة الآن إلى تغيير أحكام الطلاق، بقدر ما هم بحاجة للبحث عن وسائل تُيَسِّر سُبُل العيش الكريم”.
وأيًّا كانت المبررات، تظل الحقيقة المؤسفة التي لا يمكن طمسها قائمة، وهي أن نسبة الطلاق ارتفعت في مصر إلى معدلات غير مسبوقة، خاصة خلال العقود الخمسة الماضية، من حوالي 7% إلى ما يقرب من 40.2% بحسب إحصاءات الأمم المتحدة.
الطلاق في مصر.. مؤشرات عامة
تتصدر مصر بكل أسف حاليًّا قائمة الدول الأعلى في معدلات الطلاق سنويًّا. وقد سجَّل الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء حدوث حالة طلاق واحدة كل أربع دقائق. فقد ارتفع المعدل العام للطلاق من 1.9 لكل 1000 شخص في سنة 2013 إلى 2.1 لكل ألف شخص في عامي 2016 و2017.
وجاءت محافظة القاهرة في الترتيب الأول من حيث معدلات الطلاق على مستوى الجمهورية، بمعدل بلغ 4 حالات لكل 1000 شخص في عام 2017. وجاءت محافظة الإسكندرية في الترتيب الثاني بمتوسط 3.6، ثم محافظة بورسعيد بمتوسط 3.5. وفي المقابل، جاءت محافظتَا أسيوط والمنيا في الترتيب الأخير من حيث معدلات الطلاق، بمتوسط حالة واحدة لكل 1000 شخص. وحققت محافظات المنوفية، وكفر الشيخ، وسوهاج، والأقصر، والوادي الجديد، متوسط 1.3 لكل 1000 شخص.
وبالإضافة إلى التباين على مستوى المحافظات، كان هناك تباين واضح بين الحضر والريف، حيث سجلت المناطق الحضرية معدلات أعلى من المناطق الريفية. فقد كشفت الإحصاءات أنه خلال الفترة (2013-2017) ارتفع معدل الطلاق من 2.5 لكل 1000 من السكان في عام 2013، ليصل إلى 3 لكل 1000 شخص خلال الفترة من 2015 إلى 2017. أمَّا في المناطق الريفية فقد بلغ معدل الطلاق خلال الفترة ذاتها 1.5 لكل1000 شخص في عام 2013، ثم ارتفع ليسجل 1.6 لكل 1000 شخص في عام 2017.
وبحسب الفئات العمرية والنوع، سُجِّلت أعلى نسبة طلاق للإناث في المرحلة العمرية (25-30) عامًا؛ حيث بلغ عدد إشهادات الطلاق في هذه المرحلة العمرية 38842 إشهادًا، بنسبة 19.6%، بينما سُجِّلت أقل نسبة طلاق في المرحلة العمرية فوق 65 عامًا؛ حيث بلغ عدد الإشهادات 1315 إشهادًا، بنسبة 0.7% من جملة الإشهادات، سنة 2017.
أما بالنسبة للرجال، فقد سُجِّلت أعلى نسبة طلاق في المرحلة العمرية (30-35) عامًا؛ حيث بلغ عدد الإشهادات 40053 إشهادًا، بنسبة 20.2%، بينما سُجِّلت أقل نسبة طلاق في المرحلة العمرية (18-20) عامًا؛ حيث بلغ عدد الإشهادات 690 إشهادًا، بنسبة 0.3% من جملة الإشهادات، في سنة 2017.
وكانت أعلى معدلات إشهادات الطلاق في شهر يوليو 2017، والتي بلغت 20103، بنسبة 10.1% من إجمالي إشهادات الطلاق خلال عام 2017، بينما كان أقل معدل في شهر يونيو من العام نفسه (94880 حالة إشهاد طلاق، بنسبة 4.8% من إجمالي إشهادات الطلاق خلال العام).
وبحسب الحالة التعليمية، وفي حالة الإناث، سُجلت أعلى نسبة طلاق بين الحاصلات على شهادة متوسطة، حيث بلغ عدد الإشهادات 62554 إشهاد طلاق بنسبة 31.6%، بينما كانت أقل نسبة طلاق بين الحاصلات على درجة جامعية، حيث بلغت 151 إشهادًا بنسبة 0.1% من جملة إشهادات الطلاق في سنة 2017. أما بالنسبة للرجال، فقد سُجلت أعلى نسبة طلاق بين الحاصلين على شهادة متوسطة، حيث بلغت 68370 إشهادًا بنسبة 34.5%، بينما كانت أقل نسبة طلاق بين الحاصلين على درجة جامعية وما فوقها، حيث بلغت 214 إشهادًا بنسبة 0.1% من جملة إشهادات الطلاق في العام نفسه.
وأخيرًا، وفيما يتعلق بالأسباب، فقد سَجَّل الطلاق بسبب الخلع عن طريق المحكمة أعلى نسبة بإجمالي 7199 حكمَ طلاق، بنسبة 76.9% من إجمالي أحكام الطلاق النهائي في سنة 2017. أمَّا الطلاق بسبب الخيانة الزوجية فقد سَجَّل أقل نسبة من أحكام الطلاق النهائية؛ حيث بلغ ثلاثة أحكام بنسبة 03% من إجمالي أحكام الطلاق النهائية.ومن اللافت للنظر والخطير أن المدة “أقل من سنة في الزواج” قد شكَّلت الأعلى في نسبة الطلاق؛ حيث بلغت 2963 إشهاد طلاق، بنسبة 15%. مقابل 4048، بنسبة 3%، للمدة التي امْتَدَّ الزواج فيها إلى ما يقرب من تسع سنوات.