أظهرت النتائج الرسمية في الانتخابات النيجيرية التي أجريت في نهاية فبراير 2023، وجرى فيها التنافس بين 18 مرشحًا، عن فوز مرشح الحزب الحاكم في البلاد، بولا أحمد تينوبو، حيث حصل على 37٪ من الأصوات، فيما نال منافساه عتيق أبو بكر 29٪ وبيتر أوبي من حزب العمال 25٪. جاءت هذه النتيجة في البلد الأفريقي الأكثر سكانًا الذي يواجه العديد من المشاكل الأمنية بما في ذلك تمرد حركة بوكو حرام المرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية في الشمال الشرقي من البلاد، والمتمردون في الشمال الغربي، والانفصاليون في الجنوب الشرقي. وربما تمثل هذه التهديدات التحدي الحقيقي للسلطة المنتخبة في البلاد، بالنظر إلى استمرار حالات العنف القبلي وانعدام الأمن في أغلب الولايات النيجيرية، ولا سيما في المناطق الحضرية حول العاصمة الفيدرالية أبوجا، فضلًا عن اقتصاد متدهور على إثره تراجعت الدولة البترولية في مؤشر التنمية، وارتفاع حالات البطالة الفقر لأكثر من نصف السكان البالغ عددهم 216 مليون نسمة. وفيما يلي عرض لأهم التحديات التي تواجه الرئيس النيجيري الجديد بولا تينوبو في بداية ولايته الرئاسية.
الإرهاب في الأقاليم الشمالية
شكلت الجماعات الإسلامية الراديكالية المتشددة، مثل بوكو حرام، التي تتمركز في ست ولايات شمالية مختلفة، تهديدًا آخر لذلك العنف المرتبط بالنخبة السياسية الفاشلة في إدارة الدولة، وأصبحت الجماعة مصدرًا للعنف والرعب للمزارعين والرعاة في تلك الولايات، حيث تفرض بوكو حرام الضرائب على الجميع، مما أدى إلى هجرة العديد من المزارعين والرعاة أراضيهم، ومن ثم أصبحت الجماعة تستثمر تلك المزارع لصالحها لتحقيق مكاسب اقتصادية، حيث قامت بتلبية احتجاجات الأهالي في تلك الولايات، في ظل غياب تام للأجهزة الدولة المعنية. في نوفمبر 2020، نفذت جماعة بوكو حرام حكمًا بالإعدام في 43 من المزارعين في ولاية “بورنو” في الشمال الغربي من البلاد. أيضًا في مارس من العام الماضي 2022، قامت بسطو على قطار في الجنوب، أصبحت الجماعة أكثر فاعلية في الجنوب والجنوب الشرقي لنيجيريا.
ويرتبط انعدام الأمن أيضًا في الشمال الشرقي بجماعة أنصار الشرعية التابعة لتنظيم القاعدة، ومليشيات قبلية وقطاع الطرق الذين يرهبون المجتمعات، منذ 13 عامًا ماضية تخوض قوات الأمن والشرطة النيجيريتين حربًا ضد الجهاديين. وفي كل مرة تفشل في تحقيق أهداف المهمة، بفضل الانتماءات العرقية والدينية التي تطغى على الولاء للدولة في نيجيريا.
وفي يناير 2023، بالمناطق الشمالية والمعروفة أيضًا باسم “الحزام الأوسط”، قُتل العشرات من رعاة الماشية والمارة في انفجار قنبلة بسبب الاشتباكات بين الرعاة والمزارعين الفولاني، ومعظمهم من المسيحيين. وفي هذا الغطاء تلعب شبكات التواصل الاجتماعي من دون رقابة في بث الخطاب التحريضي في إثارة الهويات العرقية والدينية.
المطالب الانفصالية في الجنوب الشرقي
ارتبط العنف في الجنوب النيجيري بمناطق إنتاج النفط، بجماعة إيبو التي تطالب بالانفصال عن نيجيريا، والتي شكلت جماعة مسلحة للتعبير عن طموحاتها، وقامت هذه الجماعة بالهجوم على المكاتب الحكومية والاستيلاء على الأموال والنفط الخام وابتزاز الحكومة المركزية في الجنوب الغربي التي تقع من ضمنها مدينة لاغوس العاصمة الاقتصادية لنيجيريا. وتعمل الجماعة المسلحة في جنوب شرق نيجيريا على أعمال عنف وإثارة أعمال القتل والحرق العمد والفوضى بسبب تهميشهم على المستوى الفيدرالي، بعد أكثر من 50 عامًا من تمردهم من أجل تحقيق هدف الانفصال وتأسيس جمهورية بيافرا. ويعتبر جنوب شرق نيجيريا من أكثر المناطق التي تم فيها استهداف رجال الشرطة وأفراد الأمن من جانب الانفصاليين منذ عام 2021، فمئات الأشخاص لقوا حتفهم في عمليات منظمة، مما يثير الشكوك حول قدرات قوات الأمن النيجيرية على كبح أعمال العنف، وأن الجماعات المسلحة تسعى الآن لتعزيز وجودها في هذه المناطق. يبدو من الواضح أن المسلحين، مهما كانت دوافعهم، ما زالوا قادرين على ترويع المدنيين النيجيريين العاديين في المنطقة باتساق مثير للقلق، في ظل تراجع هيبة الدولة. وقد سمح تدفق الأسلحة وضعف الجيش النيجيري للجماعات المسلحة بتكثيف هذه الجماعات من هجماتها.
الصراعات العرقية
تتميز نيجيريا بتركيبة اجتماعية معقدة ومتداخلة إثنيًا، سواء كانت دينيًا، فهناك هويات متعددة، على سبيل المثال: هويات دينية كالإسلام والمسيحية، وديانات أفريقية تقليدية، فضلًا عما يقارب 300 لغة محلية، إضافة للتعددية العرقية واسعة النطاق. وعرقيًا تعتبر الهوسا أكبر عرقية، ثم تليها كل من اليوروبا ثاني أكثر القبائل النيجيرية عددًا، وتنقسم إلى سبع مجموعات هي: الأيو، والأجبا، والإيكيتي، والإيف، والأجبو، والأندو، والكبة. ولا تخلو عشائر عرقية اليوروبا من تنافس بينهم. وتعتمد على الزراعة والتجارة. تلك المكونات العرقية، تختلف من حيث الدين واللغة والثقافة بالإضافة إلى الإطار الإثني الجغرافي الخاص بتلك المكونات، وهو الأمر الذي جعل البنية الاجتماعية لنيجيريا بمثابة معضلة حقيقية تلاحق النخبة السياسية التي دائمًا ما تفضل الانتماءات الضيقة، مما يزيد من التحديات والتعقيدات التي تواجها البلاد، بالرغم من تبنيها نموذج التميز الإيجابي في النظام الديمقراطي الأفريقي.
إن التنافس السياسي بين اليوروبا والإيبو، حول السيطرة على الحياة الاقتصادية والسياسية في جنوب البلاد، ارتبط بكون اليوروبا نالوا حظًا أكبر من التعليم، وكانوا أول من شغل المناصب في البلاد: مدرسين، وكتبة، ومحامين، وأطباء. في المقابل، لم تكترث جماعة الإيبو بالتعليم إلا بحلول أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات من القرن الماضي. ومع تراجع الفجوة المتسعة التي كانت موجودة بين المجموعتين العرقيتين في جنوب البلاد أصبحت الإيبو تنافس اليوروبا على الوظائف في المستويات الأعلى للقطاعين العام والخاص، وهو الأمر الذي أعاد الصراع للواجهة مرة أخرى عندما وجدت اليوروبا نفسها مهددة بالتآكل بسبب ارتفاع معدل الحراك الاجتماعي للإيبو ومنافستهم في الحياة الاجتماعية والاقتصادية في نيجيريا، ومن ثم عودة عصر المنافسة العرقية بينهما، حيث شكلت عرقية اليوروبا اتحادًا قبليًا لمكافحة تفكيك عرقيتهم، وهو الأمر نفسه التي شكلته العرقيات الأخرى، مما أثر سلبًا على مكونات المجتمع النيجيري.
الاضطرابات الناجمة عن الأزمة الاقتصادية
تشير الدلائل إلى أن العامل الرئيسي للعنف العرقي وانعدام الأمن بصفة عامة في نيجيريا، هو الوضع الاقتصادي، خاصة إذا نظرنا لأكثر المناطق التي ترتفع فيها نسبة الجريمة والعنف تجده في الشمال الشرقي والشمال الغربي، وأيضًا تلك المناطق هي الأشد فقرًا من أجزاء البلاد، كما أن هناك مناطق أخرى ينطبق عليها الأمر نفسه من حيث العنف المرتبط بالقبلية العرقية في الشمال والوسط. نظرة سريعة حول المناطق الأكثر ثراء في نيجيريا مثل العاصمة الفيدرالية أبوجا والمناطق الحضرية التابعة لها، لم تشهد صراعًا بين المزارعين الرعاة، وذلك بسبب الرقابة الأمنية القوية على تلك المناطق.
وتشير الدلائل إلى أن العامل الرئيسي المحدد لهذه الأزمات الأمنية، هو الوضع الاقتصادي لنيجيريا، حيث اقتصرت أعمال العنف في الشهور الأخيرة من السنة الماضية على العنف من قبل المجموعة الانفصالية المسلحة في بيافرا إلى حد كبير، وعلى المناطق الريفية أو الطرق السريعة الرابطة بين المدن والقرى. بالإضافة إلى ذلك، في نوفمبر من العام الماضي، نشر المكتب الوطني للإحصاء في نيجيريا تقريرًا يُشير فيه إلى معدل الفقر في نيجيريا الذي وصل إلى 63% من السكان، أي حوالي (133) مليون نسمة يعيشون في فقر متعدد الأبعاد، أغلبهم من الأطفال. وارتفع معدل التضخم بنسبة 24,13%، مما أدى إلى ارتفاع العنف والجريمة خاصة في جنوب البلاد. كما أدت النزاعات والصراعات المرتبطة بالعنف العرقي والديني في نيجيريا إلى نزوح أكثر من 4 ملايين شخص داخليًا، وهو الفارق بين الفائز برئاسة والمركز الثاني في الانتخابات من عام 2019.
وختامًا، يتضح ارتباط العنف في نيجيريا بالتطورات السياسية، حيث يستخدم العنف في الانتخابات بشكل كبير، ويتحول من عنف سياسي إلى عنف على أسس عرقية وطائفية. كما أن بعض صوره ارتبطت بعوامل مناطقية والتنافس للوصول إلى الممرات المائية بين رعاة الماشية من قبائل الفولاني الرحل والمزارعين المستقرين حول المجاري المائية. وقد تفاقم هذا الصراع على مدى السنوات الثماني الماضية، بعد الترويج لخطاب الكراهية في المجتمعات العرقية والدينية المتنافسة، بسبب عدم ثقة الجماعات العرقية الأخرى في الحكومة المركزية التي كان يتولى قيادتها الرئيس المنتهية ولايته محمد بخاري، الذي ينحدر من عرقية الفولاني، حيث اتهمته العديد من العرقيات الأخرى بالتمييز وعدم الحيادية في الصراعات التي تكون فيها عرقية الفولاني طرفًا في الصراع. وبينما تعقد الحكومة الجديدة برئاسة بولا تينوبو عزمها من أجل معالجة الأزمات وترغب القوى الكبرى في استقرار نيجيريا من أجل الاستفادة من مواردها في الغاز والنفط، فضلًا عن مواجهة التطرف المتنامي في غرب القارة؛ فإن هناك احتمالًا لأن تجد الحكومة دعمًا قويًا داخليًا وخارجيًا من أجل تهدئة التوترات العرقية والمنافسة الإثنية، والحد من تسييس الإثنية في نيجيريا، بحيث يمكن أن يتحقق الاستقرار وتتمكن الدولة من توظيف مواردها من أجل دفع عجلة التنمية ومعالجة الأزمات.