برزت مؤخرًا قضية العجز في أعداد المعلمين بالمدارس في مصر والعديد من الدول حول العالم. ومع تركيز وسائل الإعلام المختلفة على الأزمة والعجز القائم في الفصول، قد يركز صانعو السياسات على زيادة عدد المعلمين بشكل عام دون إجراء تحليل دقيق للمشكلة؛ للاستجابة بشكل أكثر شمولًا.
أسباب العجز في أعداد المعلمين
للعجز في أعداد المعلمين بالمدارس أسباب معقدة ترتبط بمختلف السياسات الخاصة باختيارهم، وتأهيلهم، ودعمهم، بالإضافة إلى أن مهنة التدريس كأي مهنةٍ أخرى تخضع لعوامل العرض والطلب.
فالطلب على المعلمين مدفوع بعدد من العوامل كالتغير في حجم السكان في سن المدرسة (الهيكل العمري للسكان)، ومعدلات الالتحاق، والسن المقرر لبدء مرحلة التعليم الإلزامي وإنهائها، وعدد الطلاب الباقين للإعادة في الصفوف الدراسية المختلفة، ومتوسط عدد الطلاب لكل معلم في كل فصل دراسي، وعبء التدريس على المعلمين. وبالتالي، فإن كل اختلاف في واحد أو أكثر من تلك العوامل يؤدي بالضرورة إلى تغير أعداد المعلمين المطلوبين للعمل بالمدارس.
أما العرض بمهنة التدريس فيتأثر بعوامل أخرى كأعداد خريجي برامج إعداد المعلمين، ومدى قدرة الأنظمة التعليمية على استبقاء المعلمين في المدارس، وخفض معدلات كل من الدوران الوظيفي واستنزاف المعلمين، وبالتالي فإن كل تغير في تلك المعدلات يؤثر في نسبة العجز في أعداد المعلمين بالمدارس وبالتالي في حجم المعروض من المعلمين (). ويشير مصطلح معدل تناقص/ استنزاف المعلمين (teacher attrition rate) إلى المعلمين المستقيلين من المهنة نهائيًا، بينما يُقصد بمصطلح معدل الدوران الوظيفي للمعلمين (teacher turnover rate) المعلمين التاركين لمدارسهم قبل سن التقاعد حتى لو ظلوا بالمهنة (إجازة أو للبحث عن فرصة بمدرسة أخرى)؛ وفي كل الأحوال، فإن تنقل المعلمين غير المُخطط يزيد من صعوبة التوظيف وسد العجز في الأوقات التي تعاني فيها المدارس من العجز في أعداد المعلمين ().
وهناك جانب آخر مرتبط بمشكلة العجز في أعداد المعلمين وهو التغيب المُزمن للمعلمين؛ لأن تأثيره مشابه لتأثير ارتفاع معدل الدوران الوظيفي للمعلمين على نتائج تعلم الطلاب()، لذا من الضروري التفكير في إمكانية أن يكون غياب المعلمين بشكل مزمن عن مدارسهم هو بمثابة إنذار مبكر لترك المهنة.
بجانب العوامل السابقة، ففي بعض الأحيان يتم التعامل مع مهنة التدريس ببعض المجتمعات على أنها مهنة منخفضة الأجر، ووظيفة غير تقنية يسهل الالتحاق بها، مما يؤدي إلى انخفاض مكانة مهنة التدريس بتلك المجتمعات، وبالتالي انخفاض أعداد الراغبين في الالتحاق بها، وأعداد الخريجين من برامج إعداد المعلمين، والتحاق الأفراد الأقل كفاءة فقط، مما يصعب عملية التوظيف واختيار الأفضل لشغل الوظيفة وسد العجز.
وقد تواجه بعض الدول نقصًا في أعداد المعلمين بالمدارس بسبب شيخوخة الموظفين لديها، أو نتيجة للقيود التي تفرضها الجهات المانحة والممولة على الحكومات لإعاقة توظيف المعلمين. ففي عام ٢٠٠٧ على سبيل المثال، كان هناك ما يقرب من ٤٠ ألف معلم مُدرب عاطل عن العمل بكينيا، وذلك في الوقت الذي عانت فيه المدارس من ثبات أعداد المعلمين مقابل زيادة أعداد الطلاب، حيث بلغ متوسط معدل الطلاب للمعلمين في ذلك الوقت في المدارس الابتدائية (١:٤٧)، وهو ما بررته الحكومة الكينية بأنه نتيجة للضغوط التي مارستها الجهات المانحة عليها لتقييد توظيف المعلمين)(.
الآثار التربوية والاقتصادية للعجز في أعداد المعلمين
تتعدد الآثار التربوية والاقتصادية للعجز في أعداد المعلمين، حيث يساهم عدم وجود عدد كافٍ من المعلمين بالمدارس في ارتفاع معدل الفصول ذات الكثافات المرتفعة، وانخفاض جودة التعليم ومستوى التعاون بين المعلمين بالمدارس، وتدني نتائج الطلاب.
ومن زاوية أخرى، تمثل معدلات الدوران الوظيفي واستنزاف المعلمين المرتفعة تكاليف اقتصادية مرتفعة على موازنات التعليم، حيث يُكلف ترك المعلمين لمهنتهم في الولايات المتحدة ما يزيد عن ٨,٥ مليار دولار سنويًا()، كما تبلغ تكلفة الفشل في استبقاء المعلمين بالمدارس بالولايات المتحدة مبالغ تتراوح بين ٢٠ إلى ٣٠ ألف دولار لكل معلم يغادر النظام التعليمي، وتشمل هذه التكلفة عملية التوظيف، والتدريب، والنفقات التي يحصل عليها المعلم المتقاعد/ التارك للمهنة().
وقد تلجأ بعض النظم التعليمية في محاولة لعلاج مشكلة العجز في أعداد المعلمين، والفشل في الاحتفاظ بهم بالمدارس إلى تنفيذ إجراءات غير مدروسة كالاستعانة بمعلمين عديمي الخبرة لسد العجز في الفصول مما يؤثر سلبًا على سمعة تلك الأنظمة التعليمية وصورتها بشكل عام مقارنةً بباقي الأنظمة التعليمية، ويؤثر على مكانة المدارس بشكل خاص، حيث تنخفض ثقة أولياء الأمور والمجتمع ككل في أداء المعلم والمدرسة.
واقع العجز في أعداد المعلمين حول العالم واستجابات بعض الدول
تشير التقديرات إلى أن ٨٪ من المعلمين في الولايات المتحدة يتركون كل عام مهنة التدريس بشكل نهائي()، بينما تصل تلك المعدلات في إسرائيل إلى ٣,٣٪، و١١,٧٪ في النرويج()، وفي المقابل تصل النسبة لأقل من ١٪ في فنلندا، وأقل من ٣٪ في سنغافورة(). وأعلن برنامج التقييم الدولي للطلاب (PISA) عام ٢٠١٨ أن ما لا يقل عن ٥٠٪ من مديري مدارس دول ألمانيا، واليابان، ولوكسمبورغ، والمملكة العربية السعودية أفادوا بوجود عجز في أعداد أعضاء هيئة التدريس بمدارسهم)(.
وتعاني قارة إفريقيا من العجز في أعداد المعلمين، ومعدلات الاستنزاف المرتفعة لهم، حيث تحتاج دول شمال إفريقيا إلى تعيين عدد ٨٠٠ ألف معلم لتوفير التعليم الابتدائي بحلول عام ٢٠٣٠، وتعيين ٨‚١ مليون معلم للمرحلة الثانوية، وتعد كل من الجزائر ومصر من أكثر البلاد في المنطقة التي تعاني من عجز في أعداد المعلمين، حيث تحتاج الجزائر إلى تعيين عدد ٢٠٠ ألف معلم لمرحلة التعليم الابتدائي، بينما تحتاج مصر إلى تعيين ١‚١ مليون معلم لمرحلة التعليم الثانوي فقط؛ لاستيعاب جميع الطلاب في تلك المرحلة بحلول عام ٢٠٣٠ ().
وفي الولايات المتحدة الأمريكية، تم الإبلاغ في العديد من المناطق التعليمية عن وجود عجز صارخ في المدارس في أعداد المعلمين يقدر بنحو 36 ألف معلم()، وأن 45% من المدارس العامة يوجد بها وظيفة تدريس شاغرة واحدة على الأقل()، وذلك بجانب عجز أيضًا في سائقي الحافلات، وعمال الكافيتريا، والموظفين بالمدارس بشكل عام، ونتيجة لذلك فقد تم تدشين حملات توظيف بالمدارس بصورة عاجلة، وقامت بعض الولايات بإصدار تشريعات تتعلق بزيادة رواتب المعلمين، وبجانب ذلك فقد تم اللجوء إلى اتخاذ عدد من الإجراءات المؤقتة؛ للاستجابة للأزمة تشمل على سبيل المثال تحويل المدارس بالمناطق الريفية بولاية تكساس إلى العمل أربعة أيام بالأسبوع، وطلبت ولاية فلوريدا من قدامى المحاربين من غير التربويين التدريس بالفصول، واللجوء إلى التعلم عبر الإنترنت في تخصصات محددة كالرياضيات، واضطرار أعضاء مجالس التعليم بولاية فيرمونت ومديري المدارس في ولاية نيفادا إلى تنظيف الممرات والمراحيض بالمدارس لاستقبال الطلاب()، والاستعانة بقوات الحرس الوطني لسد العجز بالمدارس بجميع الولايات، فقد استعانت بهم ولاية ماساتشوستس لسد العجز في سائقي الحافلات من خلال قيادة حافلات المدارس لنقل الطلاب من المنزل إلى المدرسة()، وكذلك الاستعانة بهم لتدريس الطلاب؛ لسد العجز بالفصول الدراسية في ولاية نيومكسيكو()، إلا أن تلك الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة لسد العجز بشكل مؤقت وسريع قوبلت بموجة من الرفض، ومطالبات لإدارة بايدن بحل الأزمة لتلافي الآثار السلبية لتلك الإجراءات على نواتج تعلم الطلاب.
شكل (١): قوات الحرس الوطني بالولايات المتحدة الأمريكية تضطر للنزول بالمدارس؛ لسد العجز في المعلمين والموظفين.
Resources: Nierenberg, A. (2022). The National Guard Deploys to Classrooms. Retrieved from The New York Times. Slater, J. (2021). Welcome back to school. Your new driver is wearing fatigues. Retrieved from The Washington Post.
وفي أستراليا، وفقًا للتصريحات الرسمية وصل العجز في أعداد المعلمين بالمدارس لمستويات الأزمة، فعلى سبيل المثال أشار اتحاد المعلمين في ولاية نيو ساوث ويلز إلى أن أكثر من نصف المدارس الحكومية بالولاية والبالغ عددها ٢٢٠٠ مدرسة لديها وظيفة تدريس واحدة على الأقل شاغرة، وعليه فقد تم تدشين حملات توظيف للمعلمين بالمدارس، وكإجراء مؤقت تم الاستعانة بالملتحقين ببرامج إعداد المعلمين؛ للمساعدة في الفصول، إلا إن الباحثين حذروا من خطورة هذا الحل نظرًا للآثار السلبية طويلة المدى الناتجة عن تنفيذه()، وتعهد حزب العمال الأسترالي بتخصيص ٥٠ مليونًا دولارًا أستراليًا؛ لتشجيع المعلمين المستقيلين من المهنة للرجوع إلى المدارس()، وبالتزامن مع تلك الإجراءات، أعلن وزير التعليم جيسون كلير عن خطته لإصلاح مهنة التدريس وسد العجز في أعداد المعلمين بتكلفة تبلغ ٣٢٨ مليونًا دولارًا أستراليًا تتضمن تحسين مكانة مهنة التدريس، وتشجيع المزيد من الطلاب على الالتحاق ببرامج إعداد المعلمين، وتدريب وتطوير مهارات المعلمين بشكل عام والمعلمين الجدد بشكل خاص، وتوفير المعلمين المؤهلين في المناطق النائية، وتقليل أعباء العمل، وتوفير بيانات دقيقة حول العرض والطلب بمهنة التدريس وأسباب ترك المعلمين للمهنة().
العجز في أعداد المعلمين في مصر
يمكن تتبع مشكلة العجز في أعداد المعلمين بالمدارس المصرية مع إعلان وزارة التربية والتعليم “الخطة الاستراتيجية للتعليم قبل الجامعي ٢٠١٤ – ٢٠٣٠” والمتضمنة أن مؤشرات العجز والزيادة في مختلف مستويات التعليم تشير إلى عدم اتساق مؤهلات وتخصصات المعلمين مع الاحتياجات التدريسية الفعلية، إلى جانب وجود سوء توزيع جغرافي للمعلمين آنذاك، فعلى الرغم من أن عدد معلمي المرحلة الابتدائية لعام ٢٠١٢/٢٠١٣ بلغ ٣٩٠,٧٤٩ إلا هناك عجز يصل إلى ٨٦,١١٦ معلمًا في جميع تخصصات تلك المرحلة()، كما تم الإعلان عن وجود عجز في أعداد المعلمين بقطاعات التعليم بشكل عام يبلغ ١٦٠,٠٠٠ معلم؛ بسبب وقف التعيينات بالجهاز الإداري للدولة، وقرار إلغاء تكليف خريجي كليات التربية – أي تعيينهم بالمدارس فور تخرجهم – لعدم وجود موازنات مالية كافية لتعيين المعلمين()، ونتيجة للمطالبات بتوفير معلمين بالفصول، فقد تم تعيين عدد ٣٠,٠٠٠ معلمًا فقط عام ٢٠١٥.
إلا أن استمرار سياسة توقف التعيينات في الجهاز الإداري للدولة، وبلوغ ما يقرب متوسطه من ٤٠ ألف معلم سنويًا سن التقاعد، والتوسع في بناء الفصول المدرسية، وتزايد أعداد الطلاب نتيجة للزيادة السكانية أدت إلى تفاقم الأزمة، حيث أعلنت الوزارة في العام الدراسي ٢٠٢١/٢٠٢٢ عن إلغاء المأموريات المفتوحة للمعلمين وإنهاء انتداباتهم خارج المدارس لإجراء حصر واقعي لأعداد المعلمين في المدارس، وذلك بالتعاون مع الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة للتأكد من البيانات()، حيث تبين وجود عجز في أعداد المعلمين بجميع التخصصات وعلى مستوى جميع المحافظات بإجمالي عدد ٣٢٣,٦٧٥ معلم().
جدول (1): بيانات العجز في أعداد المعلمين بالمدارس المصرية.
المصدر: البيانات المعلنة من وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني بوسائل الإعلام.
ونتيجة لذلك، قامت وزارة التربية والتعليم بتنفيذ عدد من الإجراءات للاستجابة للأزمة، وتهدئة الرأي العام شملت الآتي() () ():
الاستعانة بمعلمين للعمل بنظام الحصة من حملة المؤهلات العليا التربوية، مقابل مبلغ (٢٠ جنيه للحصة الواحدة)، وبشرط الخبرة السابقة في مجال التدريس.
توزيع الطلاب على فترات متعددة بالمدارس.
تكليف الموجهين للتدريس بالفصول في بعض المواد.
فتح باب التطوع للعمل بالمدارس من حملة المؤهلات العليا التربوية؛ لمعاونة المعلمين بالفصول مجانًا، مقابل الحصول على إفادة بالمدة التي قضاها خلال فترة التطوع بالمدرسة.
مخاطبة وزارة التضامن الاجتماعي؛ بهدف الاستعانة بخريجي كليات التربية أثناء فترة الخدمة العامة للعمل بالتربية والتعليم.
الإعلان عن تقديم مقترح لوزارة التعليم العالي لبحث إمكانية أن كليات التربية تصبح ثلاث سنوات دراسة، وعام دراسي كامل يتم فيه الاستعانة بطلاب كليات التربية لسد العجز في المدارس دون أجر كتدريب لهم().
ويلاحظ من خلال قراءة الإجراءات السالفة أنها تقع تحت مظلة الإجراءات والسياسات غير المستدامة التي حذرت الدراسات من آثارها السلبية طويلة المدى على نتائج التعلم وجودة التعليم؛ نظرًا لما تحدثه من حالة إنهاك للأنظمة التعليمية، وتآكل للموارد المالية المحدودة، بالإضافة إلى تعرض المعلمين المؤقتين للتمييز ضدهم، وذلك بجانب شعورهم بأنهم رهينة لحلقة مفرغة نتيجة لعدم وجود مسار واضح لوضعهم.
كما أن المقترح المُقدم من وزارة التربية والتعليم المتعلق بالاستعانة بطلاب كليات التربية وبرامج إعداد المعلمين يعد من ضمن الإجراءات التي تراجعت عن تطبيقها الدول التي عانت من نفس المشكلة؛ نظرًا لكون ذلك الحل يدفع بطلاب كليات التربية للعمل بالفصول قبل اكتساب المهارات الأساسية اللازمة لذلك، مما يحرم الطلاب من حقهم في الحصول على تعليم جيد، بالإضافة إلى أن دخولهم مهنة التدريس دون إصلاح المشاكل التي تواجهها المهنة يهدد بزيادة احتمالية تركهم للمهنة مبكرًا.
وفي يناير ٢٠٢٢، أعلنت الحكومة المصرية عن عزمها التعاقد مع عدد ١٥٠ ألف معلم خلال خمس سنوات، كحل مستدام لسد العجز في أعداد المعلمين في المدارس.
وفي ضوء ذلك، قامت كل من وزارة التربية والتعليم والجهاز المركزي للتنظيم والإدارة باتخاذ عدد من الخطوات لتنفيذ المسابقة تضمنت تعديل اللائحة التنفيذية للباب السابع من قانون التعليم بحيث أصبح الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة هو المسئول عن الإعلان عن المسابقة، وإجراء اختبارات القبول للمتقدمين بدلًا من الوزارة، وكذلك تضمن التعديل متطلبات القبول بالوظيفة لتشمل اجتياز كل من الاختبارات والبرنامج التدريبي لشغل الوظيفة، كما تم إعداد بنوك الأسئلة الخاصة باختبار المتقدمين للمسابقة، وتتضمن اختبارات في مجال التخصص الأكاديمي، والجانب التربوي، والسمات الشخصية والنفسية والثقافة العامة، والمهارات التكنولوجية، واللغة العربية وإحدى اللغات الأجنبية.
وفي يونيو ٢٠٢٢، تم الإعلان عن مسابقة التعاقد مع عدد ١٥,١٨٧ معلم مساعد بمرحلة رياض الأطفال، وعدد ١٤,٨١٣ معلم مساعد (معلم فصل) للصفوف الدراسية الثلاث الأولى، وذلك بإجمالي عدد ٣٠ ألف معلم كدفعة أولى.
شكل (2): إجمالي عدد الوظائف المُعلن عنها لوظيفة معلم مساعد رياض أطفال، ومعلم مساعد فصل بمسابقة الـ(٣٠) ألف معلم.
المصدر: البيانات المعلنة من الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة.
وعليه، تم إعلان الشروط العامة والتربوية للمُتقدمين بالمسابقة، وفتح باب التقديم الإلكتروني من خلال موقع بوابة الوظائف الإلكترونية التابعة للجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، وتم البدء في اختبار المتقدمين بمركز تقييم القدرات والمسابقات التابع للجهاز المركزي للتنظيم والإدارة بالقاهرة.
جدول (2): شروط التقديم بمسابقة الـ(٣٠) ألف معلم – الدفعة الأولى من مسابقة تعيين (١٥٠) ألف معلم.
المصدر: الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة.
وفي فبراير 2023، تم الإعلان أن أعداد الناجحين في المسابقة بلغت ٢٨,١٧٦ متقدم فقط من إجمالي مستهدف ٣٠ ألف معلم، أي ٩٤٪ تقريباً من إجمالي أعداد المعلمين المستهدف تعيينهم لسد العجز في أعداد المعلمين بالمدارس كدفعة أولى.
جدول (3): نتائج مسابقة الـ(٣٠) ألف معلم – الدفعة الأولى من مسابقة تعيين (١٥٠) ألف معلم.
المصدر: البيانات المعلنة من الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة.
وتجدر الإشارة إلي أن أغلب الإجراءات التي اتبعها الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة لتنفيذ المسابقة سالفة الذكر تتسم بالاتساق مع التوصيات التي أقرتها الدراسات المعنية بذات الشأن، خاصةً الحرص على حوكمة المسابقة من خلال استخدام التكنولوجيا، وتبسيط عملية التقديم، والحد من الأعمال الورقية؛ لضمان تحقيق المساواة، والنزاهة، ومنع الفساد، وتطبيق مبدأ الشفافية من خلال إعلان كافة بيانات وخطوات تنفيذ المسابقة أولًا بأول، وتحديد قنوات لتواصل المتقدمين مع الجهاز، وآليات للتظلم على النتيجة، وكذلك الحرص على تطوير منظومة الاختبارات الخاصة بالجهاز لتتلاءم مع المعلمين من خلال إعداد بنوك أسئلة تغطي الحد الأدنى من الكفاءات الواجب توافرها في جميع موظفي الدولة بشكل عام، وبالمعلمين بشكل خاص. إلا إنه يؤخذ عليه طول مدة اختبار المتقدمين، والتي بلغت ٧٥ يومًا، ولعل ذلك يرجع إلى عقد الامتحان لجميع المحافظات بمركز تقييم القدرات والمسابقات في القاهرة فقط.
ومن الضروري قراءة نتائج المسابقة بمزيد من التدقيق، فبمقارنة إجمالي الممتحنين بإجمالي الناجحين بالمسابقة يتضح أن ما يقرب من ٣٠٪ فقط من الممتحنين اجتازوا اختبارات المسابقة التي تستهدف قياس مجموعة من المهارات والمعلومات الأساسية من المفترض تواجدها في خريج كليات التربية، كما أنه وفقًا لتصريحات الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة فقد تم عقد مسابقة تكميلية لمعلم مساعد رياض الأطفال بعدد ١٤ محافظة من ضمنهم ٦ محافظات لم يصل عدد المتقدمين فيها إلى عدد الوظائف المطلوبة، وهو مؤشر يدل على وجود خلل فيما يتعلق بعوامل العرض بمهنة التدريس، أي أن عدد خريجي تخصص رياض الأطفال أقل من الاحتياج الفعلي، كما أن عدد المعلمين المؤهلين بتخصص معلم فصل ورياض الأطفال غير كافٍ لسد العجز الحالي في المدارس أو استيعاب الزيادة السكانية وزيادة عدد الطلاب سنويًا.
وجدير بالذكر أنه صدر قرار من الحكومة المصرية بتعديل كل من شرط سن التقدم لمسابقات التربية والتعليم القادمة ليصبح ٤٠ عامًا بدلًا من ٣٥ عامًا، وشرط الحصول على تقدير جيد كحد أدنى للتقديم ليصبح تقدير مقبول، ويجب التنويه هنا إلى إن تخفيف معايير وشروط المسابقة سيؤدي إلى تعيين معلمين غير أكفاء، وهو ما يعد إهدارًا لموارد تم تخصيصها للارتقاء بالتعليم، مما سيقود إلى تدني تحصيل الطلاب، وانخفاض جودة التدريس استناداً إلى قاعدة أساسية مفادها أن الدافعية للتدريس تقل تدريجياً مع تقدم المعلمين في العمر.
نحو بذل مزيد من الجهد
إن الخطوات التي اتخذتها مصر لرصد وحل مشكلة العجز في أعداد المعلمين، والمتمثلة في إعداد خريطة بالعجز في أعداد المعلمين وفقًا للتخصص، والإعلان عن خطة تعيين ١٥٠ ألف معلم، هي خطوات جيدة، إلا إننا في حاجة إلى بذل مزيد من الجهد، وتحليل للمشكلة بشكل دقيق من قبل متخصصين أكاديميين، وقادة تنفيذين على قدر عالٍ من الكفاءة؛ للاستجابة بشكل أشمل وأدق، لذا يُقترح تنفيذ الآتي:
1- إجراء مسابقة لتعيين معلمين بدلًا من المحالين للتقاعد بجانب خطة تعيين الـ١٥٠ ألف معلم: فبمقارنة الأعداد المعلنة للعجز في أعداد المعلمين، وعدد المتقاعدين من المهنة كل عام مع عدد المعينين كل عام من خطة الـ١٥٠ ألف معلم، يتضح أن نسبة العجز لن تنخفض، حيث أن أعداد المعينين تساوي تقريبًا أعداد المحالين للتقاعد سنويًا. لذا فمن الضروري قيام وزارة المالية بالاحتفاظ بالمخصصات المالية لدرجات المعلمين المحالين للتقاعد، وعدم استغلالها إلا لصالح وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني، حيث إن الاحتفاظ بالدرجات المالية للمعلمين المحالين للتقاعد بجانب خطة تعيين الـ١٥٠ ألف معلم من شأنه المساهمة في نجاح خطة الدولة في سد العجز الحالي في أعداد المعلمين في المدارس، والوصول لنسب الطلاب إلى المعلمين المستهدفة مستقبلًا.
2- وضع إطار معايير تعيين المعلمين وفقًا للمرحلة التعليمية والمحافظة؛ لضمان تحقيق المطابقة والملاءمة بين مهارات المُتقدم والمدارس، وتحقيق أقصى استفادة من الموارد المالية التي تم تخصيصها للتعيين، حيث إن الاحتياجات والتحديات التي تواجهها المدارس تتفاوت من منطقة تعليمية لأخرى ومن محافظة لأخرى.
3- تطوير بطاقات الوصف الوظيفي للمعلمين: قيام كل من الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني بتطوير بطاقات الوصف الوظيفي للمعلمين وفقًا للمرحلة التعليمية، والتخصص، وفي ضوء التجارب الدولية في ذات الشأن؛ لتلائم متطلبات نظام التعليم الجديد (٢,٠)، والمعايير، والواجبات، والمسؤوليات المتوقعة من المعلمين الحاليين والجدد.
4- إعداد تقارير حول العرض والطلب بمهنة التدريس وفقًا لكل محافظة: قيام كل من المجلس الأعلى للتعليم قبل الجامعي، والمجلس الأعلى للجامعات، بإعداد تقارير سنوية محدثة حول مؤشرات العرض والطلب بمهنة التدريس وفقًا لكل محافظة، ويتم نشرها للمجتمع للمساءلة، ويتم في ضوئها اتخاذ الإجراءات المتعلقة بربط تلك البيانات ببرامج إعداد المعلمين، أي تحديد أعداد الطلاب المراد تحفيزهم للالتحاق بكليات التربية بكل تخصص، والكفايات والمهارات المراد توافرها بهم، وأعداد المعلمين المراد توظيفهم؛ لمنع تكرار أزمة العجز في أعداد المعلمين مرة أخرى مستقبلًا.
5- إجراء دراسة حول معدلات الدوران الوظيفي غير المخطط، والاستنزاف، والغياب المزمن للمعلمين بالمدارس المصرية، وأسباب حدوث ذلك: نظرًا للتكلفة الاقتصادية المرتفعة لتلك المعدلات على الأنظمة التعليمية، كما أنها من العوامل المرتبطة بحدوث عجز في أعداد المعلمين، وفي ضوء عدم وجود بيانات حول تلك المعدلات في مصر، فيجب على وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني ممثلة في المركر القومي للبحوث التربوية والتنمية إجراء دراسة دقيقة حول تلك المعدلات، وتكلفتها الاقتصادية، وأسبابها، على أن يتم تحديثها سنويًا؛ لتطوير سياسات توظيف، وتأهيل، ودعم المعلمين بشكل أكثر فاعلية.
6- إشراك المعلمين، وشركاء التنمية في السياسات والحلول الخاصة بتوظيف ودعم المعلمين، وأفضل الحلول لخفض معدلات الدوران الوظيفي، والاستنزاف، وغياب المعلمين، كما يمكن إشراكهم في التأكد من موثوقية ودقة بيانات العجز في المدارس.
7- قيام الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة بمراعاة الآتي في مسابقات التربية والتعليم القادمة:
خفض المدة المستغرقة لتنفيذ إجراءات المسابقة، ومراعاة بدء ونهو الإجراءات قبل بدء العام الدراسي بفترة كافية؛ حتى تتمكن وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني من تدريب المعلمين وتأهيلهم قبل استلام العمل بالمدارس، حيث بلغت المدة المستغرقة منذ فتح باب التقديم على المسابقة والانتهاء من الاختبارات سبعة أشهر.
تخصيص أكثر من مركز لتقييم المتقدمين للمسابقة في أكثر من محافظة بدلًا من الاعتماد على مركز القدرات والمسابقات بالقاهرة فقط؛ لخفض المدة المستغرقة في اختبار المتقدمين، وللتخفيف من مشقة السفر عليهم.
ختامًا، تعد مشكلة العجز في أعداد المعلمين مشكلة عالمية، والتصدي لها يستلزم دراسة مؤشرات العرض والطلب بمهنة التدريس كاملةً لتحديد السياسات الأكثر فعالية، وتحقيق التوازن بين التوظيف واختيار الأفضل لشغل الوظيفة، واستبقاء المعلمين الحاليين بالفصول، وذلك من خلال اتباع صانع القرار التعليمي لنهج استراتيجي شامل.
المراجع
- Lalich, D. R. (2021). Investigating Factors Affecting the Attraction and Retention of Overseas Teachers in the United Arab Emirates (Doctoral dissertation, Curtin University).
- Carver-Thomas, D., & Darling-Hammond, L. (2017). Teacher turnover: Why it matters and what we can do about it. Learning Policy Institute.
- Hansen, M. & Quintero, D. (2020). We should be focusing on absenteeism among teachers, not just students. Brookings.
- Global Campaign for Education. (2014). Closing the Trained Teacher Gap. Teacher Task Force.
- Hillard, J. (2022). Losing our teachers: High turnover, shortages, burnout are a problem for our schools and children.
- The Learning Policy Institute. (2017). What’s the Cost of Teacher Turnover?.
- The National Center for Education Statistics (NCES). (2016). Teacher Turnover: Stayers, Movers, and Leavers.
- OECD .(2021). “What proportion of teachers leave the teaching profession?”, in Education at a Glance 2021: OECD Indicators, OECD Publishing, Paris.
- Behrstock-Sherratt, E. (2016). Creating Coherence in the Teacher Shortage Debate: What Policy Leaders Should Know and Do. Education Policy Center at American Institutes for Research.
- OECD. (2020). PISA 2018 results (Volume V). Effective Policies, Successful Schools, PISA, OECD Publishing, Parise.
- UNESCO Institute for Statistics. (2016). The world needs almost 69 million new teachers to reach the 2030 education goals. (Fact Sheet No. 39).
- Edsall, T. B. (2022, December 14). There’s a Reason There Aren’t Enough Teachers in America. Many Reasons, Actually. Retrieved from The New York Times.
- Institute of Education Sciences (IES). (2022). School pulse panel 2022/2023 school year.
- George, D. S., & Strauss, V. (2021). The principal is cleaning the bathroom: Schools reel with staff shortages. Retrieved from The Washington Post.
- Slater, J. (2021). Welcome back to school. Your new driver is wearing fatigues. Retrieved from The Washington Post.
- Nierenberg, A. (2022). The National Guard Deploys to Classrooms. Retrieved from The New York Times.
- Morrison, C., Bentley, B., Clifton, J., & Ledger, S. (2022). Growing numbers of unqualified teachers are being sent into classrooms – this is not the way to ‘fix’ the teacher shortage. Retrieved from The Conversation.
- Sahlberg, P. (2022). New Education Minister Jason Clare can fix the teacher shortage crisis – but not with Labor’s election plan. Retrieved from The Conversation.
- Longmuir, F., Allen, K.-A., & Phill, M. (2022). Jason Clare has a draft plan to fix the teacher shortage. What needs to stay and what should change? Retrieved from The Mandarin.
- وزارة التربية والتعليم. (٢٠١٤). الخطة الاستراتيجية للتعليم قبل الجامعي ٢٠١٤ – ٢٠٣٠.
- محمد القزاز. (٢٠١٤). التعليم: لا عودة للتكليف.. أحلام خريجي التربية في مهب الريح. الأهرام.
- نورا فخري. (٢٠٢١). نائب وزير التعليم لـ”النواب”: لدينا عجز يصل لـ٢٥٠ ألف فصل و٣٢٠ ألف معلم. اليوم السابع.
- فاتن زكريا. (٢٠٢٢). بعد تقدم التعليم بمذكرة تفصيلية بوصول العجز لأكثر من ٣٢٠ ألف معلم .. وزير التعليم: التحرك لسد عجز المعلمين خطوة أولي. وسنعلن التفاصيل عند اكتمالها. أخبار اليوم.
- وفاء يحيي. (2022). 20 جنيه للحصة .. قرار عاجل من التعليم لسد عجز المعلمين بالمدارس (مستند). المصري اليوم.
- وفاء يحيي، مريم رأفت. (2022). “التعليم” تفتح باب التطوع لسد عجز المعلمين بالمدارس (التفاصيل الكاملة). المصري اليوم.
- نورهان عبد الرحمن. (2022). تكليف الموجهين بالتدريس لسد عجز المعلمين في المرحلتين الابتدائية والإعدادية. الدستور.
- حسام الفقي. (٢٠٢٢). ٣ سنوات بدلًا من أربعة .. بشرى سارة لطلاب كليات التربية. صدى البلد.