في خطوات جديدة لإرساء مبدأ العدالة الاجتماعية لبناء مجتمع يسوده العدل وعدم التمييز، جاءت توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي بزيادة مخصصات الدعم والحماية الاجتماعية في الموازنة العامة لعام 2023-2024، وذلك في عدة ملفات حيوية تلامس المواطن المصري بشكل مباشر في حياته اليومية، منها: دعم السلع التموينية والمواد البترولية، ودعم الإسكان الاجتماعي، إضافةً إلى زيادة مخصصات العلاج على نفقة الدولة والتأمين الصحي والأدوية، وذلك للتخفيف عن المواطنين في ظل الموجه التضخمية العالمية، بما يمكن الدولة من التوسع في شبكة الحماية الاجتماعية الأكثر استهدافًا للأسر الأولى بالرعاية والأكثر احتياجًا، على نحو يتكامل مع جهود الارتقاء بمستوى المعيشة.
ويمكن القول إن هذا لم يكن التوجيه الأول للرئيس بتوسيع مظلة الحماية الاجتماعية، حيث عكفت الدولة منذ عام 2014 على إيلاء الاهتمام للفئات الأولى بالرعاية بمجموعة متكاملة من التدابير من أجل حماية تلك الفئات من المخاطر الاجتماعية والاقتصادية وحتى البيئية التي تواجههم، من خلال التمهيد ببيئة تشريعية قوية تقر العديد من القوانين التي تضمن تحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية، علاوة على التحديث المستمر لحزم الحماية الاجتماعية وتقديم حزم استثنائية تعمل على استيعاب الأزمات العالمية المتتالية.
وقد انقسمت تلك التدابير إلى جانب إغاثي تقوم فيه الدولة بتقديم الدعم العيني والنقدي، من خلال عدة برامج تتيح التدخل السريع للتخفيف عن كاهل المواطن المصري، وهناك الجزء الخاص بالجانب الحقوقي والذي يتعلق ببناء الإنسان وضمان حياة كريمة له من خلال سن القوانين، وإطلاق المبادرات الصحية والمشاريع القومية، ليتكامل الجانبان معًا في ضمان عيش كريم ومستقبل أفضل للمواطن المصري. وفيما يلي نلقي الضوء على فلسفة تقديم برامج الحماية الاجتماعية في مصر وما تعكسه على حياة المواطن المصري.

أولًا: الجانب الحقوقي
تتمثل فلسفة الحماية الاجتماعية فيما يخص الجانب الحقوقي في تحويل الفئات الأولى بالرعاية من مواطنين متلقين للدعم إلى عناصر فاعلة في المجتمع قادرة على العمل والإنتاج، وبالتالي مما يحقق في النهاية مبدأ التنمية المستدامة، كما يعمل الجانب الحقوقي على بناء الإنسان بشكل عام وتطوير قدراته وتأهيله جسديًا ونفسيًا للانخراط في المجتمع بشكل فعال.
- البيئة التشريعية
عززت الدولة المصرية برامج الحماية الاجتماعية ببيئة تشريعية قوية لضمان وصول البرامج لمستحقيها، وانقسمت إلى تشريعات نظمت بيئة العمل وشجعت التمكين الاقتصادي، مثل قانون الخدمة المدنية رقم 81 لعام 2016، ويعتبر من أهم القوانين التي ساهمت في تنظيم العمل وخلق بيئة آدمية، حيث عمل القانون من خلال مواده على مكافحة الفساد والمحسوبية والقضاء على تفاوت الأجور للوظيفة الواحدة، كما أعطى المرأة العاملة امتيازات إضافية في مجال رعاية الطفولة والأمومة. إضافة إلى قوانين زيادة المعاشات والعلاوات الخاصة والتي نصت جميعها على نسبة زيادة 15%، منها قانون 80 لسنة 2017 وقانون 371 بشأن زيادة المعاشات ابتداء من 1 يوليو 2020 أيضًا قانون 260 لسنة 2021 بشأن زيادة المعاشات من يوليو 2021. وفي عام 2020 أصدر الرئيس السيسي القانون رقم 25 لنفس السنة بشأن زيادة معاش الأجر المتغير عن العلاوات الخاصة التي تقررت بدءًا من يوليو 2006، إضافة إلى تعديل بعض أحكام قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات الصادر بالقانون 148 لعام 2019.
وبموجب القرار رقم 947 لسنة 2017 تم إنشاء جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر والذي يهدف إلى تهيئة وتحفيز المواطنين لخوض سوق العمل وتهيئة المناخ العام للإبداع والابتكار وريادة الأعمال.
أما عن التشريعات الخاصة بالحماية فكان للمرأة النصيب الأكبر من تلك القوانين، حيث عملت الدولة المصرية منذ 2014 على تمكينها على كافة الأصعدة، فأصدر قانون النفقة والمتعة والذي يهدف إلى مواجهة المتهربين من دفع النفقة والمتعنتين في سدادها، إضافة إلى تعديل قانون المواريث والذي يعاقب كل من تعنت أو حجب سندًا يؤكد نصيبًا للوارث وهو الحق الذي كافحت المرأة طويلًا في بعض الأماكن في الصعيد والريف الحصول عليه، فضلًا عن قوانين مكافحة التحرش في أماكن العمل والتي تمثلت في التعديلات المواد المتعلقة بالتحرش الجنسي وتغليظ عقوبة السجن إلى سبع سنوات في حال ارتكبها من كان له سلطة وظيفية وهو ما يشمل حالات التحرش من الرؤساء أو الزملاء في العمل حتى وإن تم التحرش خارج مكان العمل، وهو ما يؤدي إلى خلق بيئة أمنه ومناخ مستقر لعمل المرأة.
وبنظرة عامة على التشريعات الصادرة منذ عام 2014 يمكن القول إن الدولة عملت على وضع حجر الأساس لخطتها الشاملة في استهداف أكبر قدر من المواطنين وشملهم تحت مظلة الحماية الاجتماعية، وبالأخص محدودي الدخل والفئات الأولى بالرعاية.
- تحقيق السكن اللائق
نص الدستور المصري في مادته 78 على كفالة الدولة لمواطنيها الحق في المسكن الملائم الذي يحفظ الكرامة الإنسانية ويحقق العدالة الاجتماعية. وبناء عليه فقد عملت الدولة المصرية لتحقيق تلك المادة على ثلاثة طرق متوازية، أولها: تطوير المناطق العشوائية وغير الآمنة فانخفض عدد السكان في المناطق غير الآمنة بنسبة 35% في عام 2019، وتهدف استراتيجية التنمية المستدامة لمصر في خفض المعدل بنسبة 100% بحلول عام 2030. وثانيها: إيجاد بديل لتلك المناطق من خلال افتتاح عدد من المشروعات التي تحقق تقديم السكن اللائق للمواطن منذ عام 2014 كان أبرزها: مشروع “بشاير الخير” بمراحله الثلاث، ومشروع حي الأسمرات بالقاهرة. وثالثًا: تقديم سكن جيد من خلال “برنامج الإسكان الاجتماعي” لأصحاب الدخول المنخفضة والمتوسطة والذي بلغ عدد المستفيدين من البرنامج قرابة 312 ألف مستفيد في عام 2020.
ويمكن القول إن الدولة المصرية تعاملت مع العديد من العقبات لتحقيق مبدأ السكن الكريم لكل المصريين من خلال خطة شاملة، وساعد في إكمال تلك الخطة مبادرة “حياة كريمة” التي تساهم في تحسين وضع 60% من المواطنين المصريين، والتي عملت على تحسين البنية التحتية في القرى الأكثر احتياجًا وتوفير سكن آدمي للقاطنين بتلك القرى. إضافة إلى مبادرة سكن كريم التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي عام 2017 والتي تمثلت أهدافها في تطوير منازل الأسر الفقيرة وفي مقدمتهم الذين يتلقون معاش “تكافل وكرامة”.
- تقديم المبادرات الصحية
قدمت الدولة المصرية العديد من البرامج والمبادرات الصحية التي اختصت ببناء الإنسان، فقدمت الدولة تجربة مصرية رائدة في مكافحة فيروس سي، وقدمت ملفها كأول دولة في العالم خالية من هذا المرض الذي طالما كان مصاحبًا للمواطن المصري ومستوطنًا لسنوات طويلة. وجنت تلك المبادرات ثمارها، فبحسب مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لرئاسة مجلس الوزراء، استفادت 34.7 مليون سيدة من خدمات الفحص المبكر والتوعية الصحية ضمن المبادرة الرئاسية لدعم صحة المرأة المصرية منذ انطلاقها في يوليو 2019 وحتى مارس 2023. كما أجريت 1.6 مليون عملية جراحية ضمن المبادرة الرئاسية لإنهاء قوائم الانتظار منذ انطلاقها في يوليو 2018. وضمن مبادرة الكشف عن فيروس سي لطلاب المدارس تم فحص 1.7 طالب بالمجان خلال العام الدراسي الحالي وحتى 15 مارس 2023. وقد توسعت الدولة المصرية خلال الفترة الممتدة من عام 2015 -2018 في إنشاء وتطوير 67 مستشفى و44 مركزًا متخصصًا للأمراض. أما عن التأمين الصحي الشامل فقد استفاد 2.7 مليون مواطن في ثلاث محافظات (بورسعيد، الأقصر، الإسماعيلية).
جسدت تلك المبادرات اهتمام الدولة المصرية بالصحة العامة للمواطن المصري كحق أصيل له دستوريًا وإيمانًا بأن الرعاية الصحية لها تأثير إيجابي مهم يؤدي بشكل مباشر إلى تحسين جوده الحياة.
- التمكين الاقتصادي
وجهت الدولة العديد من البرامج التي تهدف إلى تمكين المواطن اقتصاديًا وتطوير قدراته وتدريبه لضخ أفراد مدربين في سوق العمل أو إتاحة الفرصة لهم في إنشاء المشروع الخاص بهم، وتمثلت تلك البرامج في “برنامج فرصة” الذي يستهدف تقديم فرص عمل لائقة في 8 محافظات بالوجه القبلي، علاوة على تقديم القروض الميسرة خاصة للمرأة المعيلة. وبرنامج “مستورة” الموجه للمرأة والذي يقدم تمويلات متناهية الصغر مقدمة من بنك ناصر بالتعاون مع صندوق تحيا مصر، ناهيك عن برنامج الشمول المالي للمرأة والذي يقوم بإعداد كوادر لنشر الوعي بمفهوم الشمول المالي والخدمات البنكية. وإثر هذا البرنامج وقع المجلس القومي للمرأة في عام 2017 بروتوكولًا في إطار مبادرة للتمويل متناهي الصغر بقيمة 6.1 مليارات جنيه مع البنك المركزي من أجل تحقيق الشمول المالي بقصد ضمان التمويل المصرفي للمشروعات متناهية الصغر للنساء.
وعلى نفس الصعيد، عززت الدولة المصرية برامج سوق العمل النشطة والتي تختص بها وزارة القوى العاملة، وتهدف تلك البرامج إلى تسهيل إدماج الباحثين عن عمل في سوق العمل، وتوفير مشروعات كثيفة العمالة مثل الأشغال العامة، إضافة إلى بند التدريب وتنمية المشروعات الصغيرة والمتناهية، وإعانات دعم الأجور الموجهة للقطاع الخاص وإعانات البطالة والتقاعد المبكر.
ثانيًا: الجانب الإغاثي
يعمل الجانب الإغاثي بالتوازي مع الجانب الحقوقي ويختص بتقديم الدعم النقدي والدعم الغذائي، إضافة إلى التدخل السريع في حالة حدوث أزمة أو كارثة، وهو ما يؤدي إلى التخفيف عن المواطنين وعدم تأثر الفئات الأولى بالرعاية بتلك الأزمات، وكذلك الحفاظ على الطبقة المتوسطة من الهبوط أمام التبعات الاقتصادية الناجمة عن الأزمات العالمية.
- تقديم الدعم الغذائي
برز الاهتمام خلال السنوات القليلة الماضية بتحسين منظومة التموين المعنية بدعم المواد الغذائية. وبحسب تقرير التنمية البشرية الصادر في عام 2021، فقد اعتمدت الحكومة المصرية منهجية في تقديم الإعانات الغذائية مختلفة كل الاختلاف عن المتبعة سابقًا، حيث غيرت طبيعتها بغية الحد من الاستهلاك المفرط وإعادة الاتجار بالمواد المدعومة في السوق السوداء، ففي عام 2014-2015 استحدثت منظومة نقاط الخبز غير المستخدمة (دعم نقدي بقيمة 10 قروش عن كل رغيف خبز لم يتحصل عليه)، بتكلفة إضافية قدرها 4.4 مليارات جنيه.
أما فيما يخص بطاقات التموين فبحلول عام 2016، زيد الدعم النقدي الشهري للفرد من 15- 21 جنيه، وفي عام 2019 حدّثت بيانات المستفيدين من الدعم عن طريق تنقية البطاقات التموينية لضمان الوصول إلى المستحقين الحقيقيين ووصل الدعم النقدي الشهري للفرد على البطاقة إلى 50 جنيهًا، بزيادة قدرها 140%. ليصل عدد المستفيدين من نظام بطاقات التموين المطبق في الدولة المصرية إلى قرابة 69 مليون نسمة، بينما يستفيد حوالي 79 مليون من منظومة دعم رغيف الخبز، وتبلغ نسبة الإنفاق عليهما نحو 6% من جملة الإنفاق العام.
وتسهم الحكومة المصرية في توفير السلع الغذائية الأساسية بأسعار مخفضة من خلال شبكة توزيع منضبطة تضم نحو 1172 منفذًا يغطي محافظات الجمهورية تابعًا لوزارة التموين والتجارة الداخلية. إلى جانب المشروعات التي نفذتها الحكومة مثل مشروع “جمعيتي” بإجمالي عدد 8000 آلاف منفذ على مستوى الجمهورية، إضافة إلى مشروعات المنافذ والخدمات المتنقلة والعديد من المعارض الموسمية الأخرى.
- تقديم الدعم النقدي
تختلف أشكال الدعم النقدي المقدم من الدولة المصرية، سواء على شكل معاشات شهرية مثل معاشات الضمان الاجتماعي، أو مساعدات سنوية توجه بشكل خاص إلى الأطفال لضمان استمرارهم في العملية التعليمية، علاوة على استحقاقات ذوي الهمم. وقد ذكر تقرير التنمية البشرية في مصر لعام 2021، النمو المتسارع في حجم الإنفاق على برامج الدعم النقدي من 3.6 مليارات في عام 2012 إلى 18.5 مليار في عام 2020. ولعل أبرز برامج الدعم النقدي المقدمة هو برنامج تكافل وكرامة الذي بلغ عدد مستفيدي البرنامج حوالي 5.2 ملايين أسرة بعد إقرار حزمة سبتمبر 2022 التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي لتوسيع مظلة الحماية الاجتماعية للمواطن المصري.
ثالثًا: استمرار الدعم وزيادة المخصصات
رغم مرور الدولة المصرية بعدة أزمات متتالية بداية من جائحة كورونا في عام 2020 والحرب الروسية الأوكرانية أثرت بقوة على الاقتصاد المصري، فكان من المتوقع تقصير الدولة فيما يخص بند الدعم والحماية الاجتماعية بالموازنة العامة، لكن ما حدث هو العكس تمامًا، فشهد بند الدعم والحماية الاجتماعية منذ عام 2020 تطورًا ملحوظًا، حيث خصص مشروع الموازنة العامة لعام 2023-2024 نحو 529.7 مليار جنيه مقابل 358.4 في الموازنة 2022-2-23، وذلك بزيادة بلغت 48.8%.

وبالمثل، فقد شهدت البنود الخاصة بالدعم نموًا متسارعًا، حيث قدر دعم السلع التموينية في مشروع الموازنة العامة للسنة المالية 2022-2023 بنحو 90 مليار جنيه وذلك مقابل 87 مليار جنيه بموازنة السنة المالية 2021-2022. وتمثل التوجيهات الأخيرة بزيادة دعم السلع التموينية إلى 127.7 مليار جنيه، أي بزيادة قدرها 40.7 مليار جنيه عن موازنة 2021.
كذلك، بلغ الدعم المدرج لبرنامج الإسكان الاجتماعي في مشروع الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2023-2024 حوالي 10.2 مليارات جنيه بدلًا من 2.62 مليار جنيه عن الاعتماد المدرج بموازنة 2021-2022، بزيادة قدرها 7.58 مليارات جنيه، فضلًا عن زيادة مخصصات معاش الضمان الاجتماعي بالموازنة العامة لعام 2023-2024 إلى 31 مليار جنيه بزيادة قدرها 12 مليار جنيه عن عام 2021.

أخيرًا، يعتبر القفزة في بنود الدعم والحماية الاجتماعية وتوسيع عدد المستفيدين تحت مظلة الحماية الاجتماعية، إضافة إلى استمرار سعي الدولة لتوفير نظام حماية متكامل وتشريعات واضحة، بمثابة تأكيد منها على التزامها تجاه المواطن المصري بتطبيق مبدأ العدالة الاجتماعية والعمل على حمايته من الوقوع في براثن الفقر إثر الأزمات المتتالية.