اتخذت “أوبك بلس” منظمة البلدان المصدرة للبترول وحلفاء من بينهم روسيا مؤخراً قراراً بخفض إنتاج النفط الخام ابتداء من مايو وحتى نهاية العام، وهي خطوة تلت الانخفاض السابق الذي اتخذته “أوبك بلس” في أكتوبر من العام الماضي عندما قررت خفض الإنتاج العالمي من النفط بمقدار مليوني برميل يوميًا، وتهدف “أوبك بلس” التي تعد المملكة العربية السعودية أكبر منتج منفرد للنفط بها تحقيق استقرار أسواق النفط وذلك مع تراجع الطلب الاقتصادي بشكل عام والطلب على النفط بشكل خاص مدفوعاً بانتعاش الطلب خلال العام الماضي وتوافر الإنتاج الذي صاحبه انخفاض أسعار النفط العالمية بجانب تراجع نشاط قطاع التصنيع والتخوف من تداعيات أزمات المصارف الأمريكية على الطلب على النفط، وأدى تخفيض الإنتاج إلى تأثير واضح على النفط الخام الفوري وأسعار العقود الآجلة لترتفع أسعار النفط إلى أعلى مستوى لها خلال شهر.
حجم أسواق النفط العالمية
تتكون منظمة “أوبك” التي تشكلت عام 1960 من 13 عضو يمتلكون أكثر من 80% من احتياطيات النفط المؤكدة في العالم، لتنضم 10 دول أخرى منتجة للنفط في عام 2016، بما في ذلك روسيا، إلى المجموعة مشكلة تحالف أكبر يُعرف باسم “أوبك بلس”، وكان إنشاء “أوبك بلس” مدفوعاً بسياسة الولايات المتحدة الامريكية المتعلقة بزيادة هائلة في إنتاج النفط الصخري الأمريكي منذ عام 2011 أدت إلى انخفاض أسعار النفط الخام جزئياً.
وتنتج منظمة “أوبك” حوالي 40% من النفط الخام العالمي وتساهم صادرات أعضائها بحوالي 60% من تجارة البترول العالمية، وبحسب التقرير المنشور بموقع المنتدى الاقتصادي العالمي في شهر نوفمبر 2022، فإن هناك خمس دول فقط على مستوى العالم تمثل 51% من إجمالي إنتاج النفط الخام العالمي وهي الولايات المتحدة وروسيا والمملكة العربية السعودية وكندا والعراق، ويمكن متابعة نسب مساهمة أكبر الدول المنتجة للنفط الخام من إجمالي إنتاج النفط العالمي من خلال الشكل التالي:

وفي عام 2021 بلغت حصة منظمة “أوبك” من إجمالي الاحتياطي العالمي من النفط الخام 1241.82 مليار برميل وبنسبة تقدر 80.4% من إجمالي الاحتياطي العالمي، أما حصة الدول من خارج منظمة “أوبك” فقد سجلت 3.24 مليار برميل وبنسبة تقدر 19.6% من أجمالي الاحتياطي العالمي، وبالتالي تساهم الحصة السوقية الكبيرة للمجموعة بتأثير كبير على الأسعار العالمية فتقوم بخفض الإمدادات عندما ينخفض الطلب على النفط بهدف الإبقاء على الأسعار مرتفعة، وللسيطرة على الأسعار تقوم المجموعة بضخ المزيد من النفط في السوق، وبذلك يتحقق التوازن في سوق النفط العالمي.
وفي أكتوبر عام 2022 قررت “أوبك بلس” خفض الإنتاج بمقدار 2 مليون برميل يوميًا – وهو أكبر خفض منذ أبريل 2020، وفي شهر مارس الماضي 2023 أنتجت “أوبك بلس” أقل من أهدافها السابقة، وأعلنت روسيا في وقت سابق أنها ستخفض إنتاجها من النفط بمقدار 0.5 مليون برميل يوميًا ابتداء من شهر مارس، وتشير توقعات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية انخفاض إنتاج روسيا من البترول والسوائل الأخرى من 10.9 مليون برميل في اليوم في عام 2022 إلى 10.6 مليون برميل في اليوم في عام 2023 وإلى 10.4 مليون برميل في اليوم في عام 2024.
أما المملكة العربية السعودية فبحسب التقرير الصادر عن منظمة البلدان المصدرة للنفط “أوبك” فقد اتخذت سياسة تقوم على خفض إنتاجها من النفط الخام منذ شهر نوفمبر 2022، لتعلن مؤخراً عن خفض إضافي بنحو 0.5 مليون برميل يومياً ابتداء من مايو القادم وحتى نهاية عام 2023 بحسب وزارة الطاقة السعودية، ويمكن متابعة تطور إنتاج المملكة العربية السعودية من النفط الخام من خلال الشكل التالي:

وفي أوائل شهر إبريل الجاري 2023 أعلنت “أوبك بلس” عن خطتها لخفض إنتاج النفط الخام بمقدار 1.2 مليون برميل يوميًا حتى نهاية عام 2023، وتعول إدارة معلومات الطاقة الأمريكية على الدول من خارج “أوبك” أن ينمو إنتاجها بمقدار 1.9 مليون برميل في اليوم في عام 2023 وبمقدار 1.0 مليون برميل في اليوم في عام 2024 لتعوض تلك الكمية الانخفاض في إنتاج “أوبك” و”أوبك بلس” المتوقع أن يتراجع بمقدار 0.5 مليون برميل في اليوم في عام 2023، ليزيد الإنتاج بعد ذلك بمقدار 1.0 مليون برميل في اليوم في عام 2024 بعد انتهاء اتفاقية “أوبك” الإنتاجية الحالية في عام 2023.
أما عالمياً فتشير التوقعات إلى ارتفاع إنتاج الوقود السائل العالمي بمقدار 1.5 مليون برميل في اليوم في عام 2023 بسبب النمو القوي من الدول غير الأعضاء في منظمة “أوبك”، وذلك مع زيادة إنتاج تلك الدول (باستثناء روسيا) بمقدار 2.3 مليون برميل في اليوم مدفوعاً إلى حد كبير بنمو الإنتاج بدول في أمريكا الشمالية والجنوبية، وفي عام 2024 من المقدر أن ينمو الإنتاج بمقدار 2 مليون برميل في اليوم إضافيًا، مدفوعاً بنمو إنتاج الدول من خارج “أوبك” بمقدار 1.0 مليون برميل في اليوم وإنتاج النفط الخام من “أوبك” والذي من المتوقع أن يزداد بمقدار 0.9 مليون برميل في اليوم مع انتهاء خطط خفض الإنتاج الحالية بنهاية عام 2023، وخلال العامين المقبلين سيأتي النمو المتحقق في الإنتاج من خارج دول “أوبك” من الولايات المتحدة، كما أن دول أخرى بأمريكا الجنوبية وكندا وأوروبا الغربية ستقوم بزيادة الإنتاج بشكل كبير في عامي 2023 و2024، وذلك بحسب التقرير الصادر عن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية في شهر إبريل الجاري.
تأثير القرار على سوق النفط العالمي
ستؤدي تخفيضات الإمدادات التي أعلنت عنها منظمة “أوبك بلس” إلى تراجع العرض أمام الطلب في النصف الثاني من عام 2023 وزيادة أسعار النفط مدفوعاً بعدم اليقين بشأن الاقتصاد العالمي وتراجع معدلات النمو صاحب ذلك توقعات صندوق النقد الدولي بدخول ثلث الاقتصاد العالمي في حالة ركود في عام 2023، وتباطؤ النشاط الصناعي في أكبر اقتصادات العالم، وأدى القرار فور الإعلان عنه إلى تحقيق أسعار النفط الخام قفزة ب 7 دولار ليصل سعر برميل برنت الخام إلى 85 دولارًا للبرميل، وبزيادة قدرها نحو 15 دولارًا للبرميل من أدنى مستوياته في مارس، إلا أن القرار سيحقق استقرار السوق نوعاً ما حتى نهاية عام 2023 لترتفع معدلات الإنتاج مرة أخرى عام 2024 والتي سيعقبها تراجع أسعار النفط.
الطلب العالمي على النفط الخام: تشير التوقعات إلى أن الطلب العالمي على الوقود السائل خلال عام 2023 سيزيد مقدار 1.4 مليون برميل في اليوم، وبنسبة 1.8 مليون برميل في اليوم في عام 2024، إلا أن المخاطر المتزايدة في الولايات المتحدة وأزمة القطاع المصرفي العالمي ستترك آثاراها على الاقتصاد الكلي وبالتالي الطلب المتوقع على الوقود السائل مما يزيد من احتمال انخفاض استهلاك الوقود السائل عالمياً، أما في الصين فهناك توقعات بزيادة الطلب مدفوعة بالانتعاش المستمر في الصين إذ تشكل الصين وحدها أكثر من نصف الزيادة العالمية في الطلب على النفط، وارتفع احتياطي النفط العالمي بمقدار 0.4 مليون برميل في اليوم في عام 2022، ومن المتوقع أن يزيد الاحتياطي ب 1.1 مليون برميل في اليوم في الربع الأول من عام 2023، وثباته دون تغيير خلال النصف الثاني من عام 2023.
أسعار النفط الخام: عدلت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية من توقعاتها بشأن أسعار النفط بعد قرار “أوبك بلس” من 82.95 دولار للبرميل إلى بلوغ متوسط أسعار النفط 85 دولارًا للبرميل لبقية عام 2023 والذي سيرتبط بالنمو الاقتصادي ونمو الطلب على النفط وذلك بارتفاع 2.5% عن التوقعات السابقة، وفي عام 2024 فقد تم تعديل التوقعات بزيادة متوسط الأسعار بنسبة 4.7% عما كان متوقع سابقاً من 77.57 دولاراً للبرميل لتصل متوسط أسعار خام برنت 81.21 دولارًا للبرميل مع زيادة الإنتاج لتتراجع متوسط أسعار النفط عما ستحققه في عام 2023.
وختاماً فقد اتخذت المملكة العربية السعودية وروسيا الذين تعدان من كبار منتجي النفط بمجموعة “أوبك بلس” قرارهما الفجائي بتخفيض الإنتاج بسبب تأثر اقتصاد المملكة العربية السعودية التي يعتمد اقتصادها على عوائد النفط بشكل كبير بتراجع أسعار النفط وما يسببه ذلك من الإضرار بموازنتها من ناحية خاصة وأن اقتصادات العالم تواجه أزمات متعددة بعد الحرب الروسية الأوكرانية على رأسها تراجع النمو وارتفاع التضخم، وعلى الجانب الآخر تعاني روسيا من الحرب وبالتالي قررت خفض إنتاجها بشكل عام سواء من جانبها أو ضمن اتفاق “أوبك بلس” للاستفادة من ارتفاع أسعار النفط، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية عارضت القرار بشدة بسبب عوامل سياسية تهدف إلى ردع روسيا في ظل العقوبات المفروضة عليها واتفاق دول مجموعة السبع وأستراليا ودول الاتحاد الأوروبي على تطبيق سقف سعري للنفط الخام الروسي من ناحية للحد من قدرات روسيا الاقتصادية و منع استفادتها من عوائد نفطها الخام في تمويلها للحرب، ومن ناحية أخرى تعد الولايات المتحدة أكبر مستهلك للنفط في العالم فضلاً عن تباطؤ نمو اقتصادها وتوقعات بدخول الولايات المتحدة في حالة من الركود وارتفاع معدلات التضخم لمستويات عالية اتخذ على أثرها الاحتياطي الفيدرالي سياسة نقدية تشديدية مستمرة وبالتالي ستزيد من حدتها ارتفاع أسعار النفط بشكل كبير بعد قرار “أوبك بلس” بخفض الإنتاج اعتبارًا من مايو القادم وحتى نهاية العام.