طاقة هائلة تخرج من النواة إما عن طريق انشطار الذرة أو من خلال اندماجها مع ذرات أخري، وسواء نتجت هذه الطاقة من انشطار أو اندماج نووي فإنها في كلتا الحالتين تسمي بالطاقة النووية أو الذرية. تمكن كلاً من العلم والتكنولوجيا من ترويض الانشطار النووي والسيطرة عليه داخل مفاعلات نووية لتوليد الكهرباء بالإضافة إلي استخدامات أخري، إلا أن العالم مازال في مرحلة التجربة والبحث والتطوير لترويض الاندماج النووي.
نظر العالم إلي الطاقة الناتجة من الانشطار النووي علي أنها مدمرة إذا ما تم استخدامها بطريقة غير سلمية أو غير آمنة فترسخت لديه مخاوف منها وعزوف عنها بسبب تطويعها كسلاح تم استخدامه أو اشهاره ، وخروجها عن السيطرة في أوقات أخري بسبب حوادث متفرقة كان الخطأ البشري أو فشل التكنولوجيا المستخدمة السبب الرئيس فيها. وبينما تستمر المخاوف من الطاقة النووية في بعض القطاعات والمجتمعات، فقد تغيرت النظرة السلبية للطاقة النووية في قطاعات ومجتمعات أخرى، نتيجة تطور التكنولوجيا وتطور تكنولوجيات الأمان النووي، مما أدي إلي انتشار الاستخدامات السلمية للطاقة النووية علي نطاق واسع، وبات ينظر للطاقة النووية علي أنها طاقة نظيفة وخيار من أفضل خيارات المستقبل المطروحة لتوليد الكهرباء ومساهم رئيسي في الحد من الانبعاثات الكربونية التي تمثل ضباباً كثيفاً جاسماً علي رئة العالم.
المخاوف وأسباب العزوف عن الطاقة النووية
لم تكن المخاوف التي تولدت لدى البعض بشأن الطاقة النووية وليد الصدفة، فالموعد الأول للبشرية مع الطاقة النووية كان في العام 1945 في اليابان في يوم لم تكن فيه سماء هيروشيما ونجازاكي صافية بل كانت ملبدة بالقنابل النووية التي ألقيت علي المدينتين في أوقات منفصلة وخلفت ورائها آلاف القتلي والجرحي في مشهد ممتلئ بالغبار الذري ومحفور في ذاكرة العالم وموسوم بختم “غير قابل للنسيان“. وتجدر الإشارة إلي أن هذه الواقعة هي الوحيدة التي تم فيها استخدام السلاح النووي في العالم، وإن كانت قد تم التلويح به دون استخدامه في أزمة الصواريخ الكوبية الشهيرة.
المشاعر السلبية جاءت أيضا من حوادث نووية، أشهرها علي الإطلاق ثلاث حوادث هي:
- حادث جزيرة الثلاثة أميال (ثري مايلز) في ولاية بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1979.
- حادثة تشيرنوبل في أوكرانيا (الاتحاد السوفيتي السابق) عام 1986.
- حادثة فوكوشيما في اليابان عام 2011.
عززت هذه الأحداث الصورة الذهنية السلبية عن الطاقة النووية واستخدمها مناهضوا هذا النوع من الطاقة في صناعة غلاف من التشكك من خلال إثارة المخاوف والتساؤلات بشأن النفايات النووية عالية النشاط الإشعاعي وترويج معلومات غير صحيحة عن الأمان النووي والتشغيل الآمن للمفاعلات النووية إما لأسباب سياسية أو حزبية أو أيدولوجية أو غيرها.
كل ما سبق بالإضافة إلي التأثيرات الإعلامية المختلفة أدي إلي تنامي المخاوف بشأن الطاقة النووية، فنجد أن حادث مثل حادث جزيرة الثلاث أميال كان تأثيره الذهني والنفسي قوياً بسبب تزامن الحادث مع إصدار فيلم “متلازمة الصين” The China Syndrome وهو فيلم يعرض عملية انهيار مفاعل نووي بصورة غير واقعية. كذلك فإن إقحام الإعلام النووي الموجه في الصراع السياسي بين أمريكا وروسيا قد خلف أسباباً نفسية قوية أثرت علي تراكم ال المشاعر السلبية لعدم تقبل الطاقة النووية والنفور منها خاصة بعد عرض المسلسل الشهير “تشيرنوبل” والذي أنتجته شبكة HBO الأمريكية. وعلي الرغم من قصر مدة المسلسل والتي لم تتجاوز الخمس حلقات إلا أن تأثيره كان قوياً في جميع أرجاء العالم وحاز علي أعلي التصنيفات، الأمر الذي حدا بروسيا إلي رصد ميزانية لإنتاج النسخة الروسية من “تشيرنوبل” وسرد القصة للحادثة الشهيرة علي العالم من وجهة نظر روسية.
ولأننا في عالمنا العربي جزء من العالم فقد وصلت إلينا تلك الصورة الذهنية السلبية عن الطاقة النووية. بالإضافة إلى ذلك فإن ظروف المنطقة لم تولد فيها قوة دفع إيجابية كافية في الاتجاه المعاكس، لأسباب سياسية وأسباب تتعلق بامتلاك القدرات الوطنية ونتيجة لذلك نجد أن دولاً مثل دول الخليج العربي قد اكتفت بما لديها من مخزون استراتيجي من الوقود الأحفوري كمصادر للطاقة وإذا انتبهت لتنويع مصادر الطاقة فإن خيار الطاقة النووية لم يكن مطروحاً إلا في مرحلة متأخرة، ولأسباب استراتيجية اكثر منها اقتصادية، كذلك فإن دولة مثل مصر قد تعثر حلمها النووي بسبب الصورة النووية المشوشة التي رسمت بعد حادثة تشيرنوبل.
تبدد المخاوف من الطاقة النووية
علي الرغم من كل تلك المخاوف والتشككات إلا أن هناك محطات من الاطمئنان قد توازت معها، فقد تبع استخدام القنابل الذرية نهاية الحرب العالمية الثانية إنشاء منظمة الأمم المتحدة واتجاه العالم نحو تبني مبادرات تعزز من الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية كان أشهرها نداء “الذرة من أجل السلام” الذي أطلقه الرئيس الأمريكي آيزنهاور عام 1953، والذي أعقبه تأسيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية عام 1955 لتكون الذراع الفني للأمم المتحدة والقبلة العالمية الرامية إلى الترويج للاستخدام الآمن والمأمون والسلمي للتكنولوجيات النووية، ليس فقط لتسخير الذرة من أجل السلام ولكن أيضاً لتحقيق التنمية، فضلاً عن المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تهدف إلي الحد من انتشار السلاح النووي وضمان عدم استخدام المواد النووية لأغراض غير سلمية.
علاوة علي ماسبق فإن الحوادث النووية قد سطرت دروساً مستفادة أثمرت ظهور مفاهيم واستراتيجيات جديدة تتعلق بالأمان النووي أدت إلي تطور معايير الأمان ومعاملاته وأنظمته لتصل إلي الحد الذي تكون معه فرصة حدوث تسرب إشعاعي أو وقوع حادث نووي أمر نادر الحدوث، بالإضافة إلي ظهور جيل جديد من المفاعلات يسمح بإنشاء محطات طاقة نووية صغيرة ذات مخاطر أقل، فضلاً عن تحول النظرة إلي النفايات النووية أو الوقود النووي المستهلك من كونه عبئاً إلي كونه كنزاً يمكن إعادة تدويره لاستخدامه مرة أخري.
بالإضافة إلي ماسبق ومجابهة للتحديات التي تجتاح العالم نتيجة نقص الطاقة بسبب ندرة الموارد الطبيعية أو الأزمات السياسية مثل الأزمة الروسية الأوكرانية التي كشفت الستار عن مدي هشاشة سلسة إمدادات الوقود الأحفوري فقد تحسنت حظوظ خيار الطاقة النووية لتوليد الكهرباء، ويتضح ذلك في العالم العربي والشرق الأوسط بشكل خاص، فنجد مشروعات نووية طموحة لدى دولا مثل مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وجاء هذا الطموح مواكباً لتوجهات دول أخري ينظر إليها علي أنها مراكز ثقل في منطقة الشرق الأوسط كتركيا وإيران.
الطاقة النووية مصدر نظيف للطاقة
تصنف الطاقة النووية علي أنها مصدر نظيف للطاقة ويرجع ذلك لكونها مصدرًا هاماً للكهرباء منخفضة الانبعاثات الكربونية. وقد مثلت الطاقة النووية جزءًا هاماً من إمدادات الكهرباء منذ أكثر من 50 عامًا، وخلال تلك الفترة تم تجنب حوالي 66 جيجا طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على مستوى العالم من خلال تقليل الحاجة إلى استخدام الوقود الأحفوري مثل الفحم والغاز الطبيعي والنفط. وفي ظل وجود البديل النووي، فإن الانبعاثات الكربونية في قطاع الطاقة في الاقتصادات المتقدمة كانت أقل بنسبة 20٪ خلال الخمسين عامًا الماضية. وتعتبر الطاقة النووية ثاني أكبر مصدر للطاقة منخفضة الكربون في العالم بعد الطاقة الكهرومائية. وفي ظل عمل المحطات النووية الحالية، فإننا نتجنب انطلاق 2 جيجاطن من ثاني أكسيد الكربون في العام أي ما يكافئ الاستغناء عن 400 مليون سيارة سنويًا.
وفي سبيل تقليل الانبعاثات الكربونية إلي أقصي درجة فضلاً عن مزايا أخري متنوعة فقد تبنت بعض الدول عملية انتاج الهيدروجين عن طريق استخدام الطاقة النووية ويطلق علي هذا النوع من الوقود اسم الهيدروجين الأصفر. ويستخدم الهيدروجين الأصفر كوقود في النقل والصناعة وفي المنازل. وتجدر الإشارة إلي أن عملية إنتاج الهيدروجين بشكل عام تتم عبر ثلاثة طرق رئيسية إما من خلال احتراق الوقود الأحفوري أو باستخدام مصادر الطاقة المتجددة أو باستخدام الطاقة النووية، وتتسبب الطريقة الأولي في انبعاثات كربونية عالية بخلاف الطريقة الثانية الصديقة للبيئة أما الطريقة الثالثة فإنها لا تزال محل خلاف بين دول أوروبا، لا سيما ألمانيا التي تأخذ توجه رافض نحو تصنيف هذا النوع من الهيدروجين ضمن مصادر الوقود المتجدد.
الطاقة النووية في العالم
يوجد بالعالم أكثر من 437 مفاعل قوي نووية في حوالي 32 دولة توفر حوالي 10% من كهرباء العالم. ويستهدف العالم بحلول عام 2050 زيادة هذا الرقم ليصل إلي 25%.
وعلي وجه التحديد وطبقاً لنظام معلومات مفاعلات القوي النووية (PRIS) التابع للوكالة الدولية للطاقة الذرية، يبلغ عدد المفاعلات العاملة (في مرحلة التشغيل) 422 مفاعل تعمل بطاقة حوالي 377.799 جيجاوات، و17 مفاعل معلق التشغيل بطاقة 15.448 جيجاوات بينما يوجد 57 مفاعل قوي نووية قيد الإنشاء وتوفر طاقة مقدارها 59.584 جيجاوات.
وبحسب سلسلة الوكالة رقم 2 (نسخة 2022) المعنية بالبيانات المرجعية عن مفاعلات القوي النووية حول العالم، فقد زاد إنتاج الكهرباء النووية في العالم في عام 2021 عن عام 2020 بمقدار مائة ألف جيجاوات ساعة وتمثل هذه الزيادة ثالث أعلى إجمالي على الإطلاق للتوليد العالمي من الطاقة النووية بعد عامي 2019 و 2006، وتعيد هذه الزيادة إنشاء الاتجاه التصاعدي في توليد الطاقة النووية الذي شوهد منذ عام 2012 بعد الانخفاض الذي حدث في عام 2020. ويشير الشكل رقم (1) إلي الإنتاج الإقليمي من الكهرباء النووية في العالم بحسب تقرير الأداء النووي العالمي الصادر عن الرابطة النووية العالمية في عام 2022، بينما يشير الجدول رقم (1) إلي عدد مفاعلات الطاقة النووية القابلة للتشغيل بنهاية عام 2021.
شكل (1): توليد الكهرباء النووية الإقليمي في العالم علي فترات زمنية مختلفة
جدول (1): عدد مفاعلات الطاقة النووية القابلة للتشغيل بنهاية عام 2021.
المنطقة | عدد المفاعلات العاملة |
أفريقيا | 2 |
آسيا | 144 |
شرق أوروبا وروسيا | 53 |
أمريكا الشمالية | 113 |
أمريكا الجنوبية | 5 |
غرب ووسط أوروبا | 119 |
ويشير الجدول السابق إلي أن منطقة آسيا تمتلك أكبر عدد من مفاعلات القوي النووية يليها منطقة غرب ووسط أوروبا ثم أمريكا الشمالية يتبعها منطقة شرق أوروبا وروسيا ثم منطقة أمريكا الجنوبية وتأتي أفريقيا في المركز الأخير. ووفقاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية فإن آسيا لا تزال هي المنطقة المهيمنة في بناء المفاعلات الجديدة، حيث تم توصيل ما مجموعه 70 مفاعلاً بقدرة تشغيلية بلغت 63.6 جيجاوات بالشبكة منذ عام 2005. وفي عام 2021، تم الشروع في بناء ستة مفاعلات، منها ثلاثة مفاعلات في الصين بقدرة تشغيلية بلغت 5.6 جيجاوات، والبدء في بناء مفاعلين في الهند، وبدأت الجمهورية التركية ببناء وحدة ثالثة ومن المتوقع فور انتهاء تركيا من بناء الأربع وحدات الخاصة بها أن تغطي 10% من استهلاكها من الكهرباء. ووفقاً لنظام معلومات الوكالة عن مفاعلات القوي النووية فقد شهد الشرق الأوسط وجنوب آسيا في عام 2021 الزيادة الأكبر في توليد الكهرباء، حيث أنتجت المنطقتان نسبة تتجاوز 20% من الطاقة النووية مقارنةً بعام 2020.
وبحسب تقرير الأداء النووي العالمي الصادر عن الرابطة النووية العالمية المشار إليه سابقاً، تحل الولايات المتحدة الأمريكية في المرتبة الأولي عالمياً طبقاً لقدرتها علي إنتاج الكهرباء من الطاقة النووية تأتي بعدها دولة فرنسا في المرتبة الثانية بينما تحل الصين في المرتبة الثالثة تليها اليابان ثم تحل روسيا في المرتبة الخامسة ويشير الجدول رقم (2) إلي ترتيب الدول حسب قدرتها علي إنتاج الكهرباء النووية وعدد المفاعلات العاملة بها ومقدار مساهمة الكهرباء النووية في مزيج الطاقة لديها.
جدول (2): ترتيب الدول الكبري حسب قدرتها علي انتاج الكهرباء النووية ونسبتها من الكهرباء الكلية وعدد مفاعلاتها.
الدولة | عدد المفاعلات العاملة | الكهرباء النووية (جيجا وات) | نسبة الكهرباء النووية من الكهرباء الكلية |
الولايات المتحدة الأمريكية | 93 | 94.718 | 19.6% |
فرنسا | 56 | 61.370 | 69% |
الصين | 53 | 52.150 | 5% |
اليابان | 33 | 31.679 | 7.2% |
روسيا | 37 | 27.727 | 20% |
علي الصعيد الأفريقي، فإن الدولة الوحيدة التي تمتلك محطة نووية عاملة هي جنوب أفريقيا، وتقع تلك المحطة في جنوب غرب البلاد على بعد 30 كم شمال كيب تاون، وتتكون من مفاعلين وقد تم ربط المفاعلين المتصلين بالشبكة في عامي 1984 و 1985 معًا بقدرة 1.854 جيجاوات، ومن الجدير بالذكر أن هذه المحطة تنتج حوالي 6% من استهلاك جنوب أفريقيا من الكهرباء، وتسعي جنوب أفريقيا لتمديد فترة تشغيل الوحدتين لمدة 20 عاماً أخري ليصل العمر التشغيلي الإجمالي للمحطة إلي 60 عاماً.
علي الصعيد العربي، ووفقاً للبوابة الرسمية لحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة، فإن دولة الإمارات العربية الشقيقة تقوم ببناء أربع وحدات في محطة براكة للطاقة النووية السلمية، بدأت الأعمال الإنشائية في المحطة في يوليو 2012، ووصلت نسبة انجاز المشروع إلي 97% في يونيو 2022، وعند تشغيلها بشكل كامل، ستنتج محطات براكة الأربع ما يعادل 25% من الكهرباء المستهلكة في دولة الإمارات. والوضع الحالي يشير إلي أن الوحدات الثلاث تعمل بشكل تجاري ونسبة الإنجاز في الوحدة الرابعة تزيد عن 92%.
وفيما يخص المملكة العربية السعودية فإن رؤيتها 2030 تستهدف إنشاء مفاعل أبحاث نووي، كما تسعي المملكة إلي بناء مفاعلين للقوى نووية لإنتاج الكهرباء.
الطاقة النووية في مصر
علي الصعيد الوطني، تعي الدولة أهمية الكهرباء ودورها الأساسي في عملية التنمية والتقدم كونها عصب الصناعة والعمود الفقري لكل عمليات الإنتاج لذا فإنها اتجهت لتبني استراتيجيات طويلة المدي في مجال الطاقة ظهر ذلك جلياً في السياسات والخطط التي انتهجتها وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة والمقترنة بدعم كبير من القيادة السياسية مما أثمر عن ولادة توجه وطني في مجال الطاقة تمثلت خطواته الأولي في استراتيجية مصر للتنمية المستدامة والمعروفة إعلامياً برؤية مصر 2030 والتي أطلقها السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي في فبراير 2016.
تضمنت الإستراتيجية مجموعة من الأبعاد والمحاور المختلفة التي تشمل جميع القطاعات، وفيما يخص قطاع الطاقة هدفت الاستراتيجية إلي أن “يكون هذا القطاع قادرًا على تلبية كافة متطلبات التنمية الوطنية المستدامة، وتعظيم الاستفادة الكفء من مواردها، وتحقيق النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية وحماية البيئة، مع تحقيق ريادة في مجالات الطاقة المتجددة“. وقد اقترحت الاستراتيجية بعض الأهداف لتحقيق الرؤية الوطنية لقطاع الطاقة في مصر علي نحو مستدام من خلال: ضمان أمن الطاقة، زيادة مساهمة قطاع الطاقة في الناتج المحلي، تعظيم الاستفادة من الموارد المحلية للطاقة، تعزيز الإدارة الرشيدة والمستدامة للقطاع، خفض كثافة استهلاك الطاقة، الحد من الأثر البيئي للانبعاثات.
ويتم إنتاج الكهرباء في مصر باستخدام محطات الطاقة الحرارية والطاقة المائية من خلال الاعتماد علي مصادر متجددة وأخري غير متجددة، ومن أمثلة المصادر المتجددة للطاقة: طاقة الشمس والرياح ، وتعتبر محطة الطاقة الشمسية بمنطقة بنبان بأسوان نموذجاً متميزاً لتوليد الكهرباء من الشمس، وتمثل مزارع الرياح بالزعفرانة بمحافظة البحر الأحمر نموذجاً رائداَ لتوليد الكهرباء من طاقة الرياح، ومن أمثلة المصادر غير المتجددة للطاقة المصادر التقليدية المتمثلة في الوقود الأحفوري مثل الفحم والبترول والغاز الطبيعي. تعتمد محطات الطاقة الحرارية لتوليد الكهرباء علي استخدام الوقود الأحفوري مثل الفحم والبترول والغاز الطبيعي، أما محطات توليد الطاقة الكهرومائية فهي تعتمد علي استغلال مصادر المياه من أجل الحصول علي الكهرباء.
توجت مصر رؤيتها للتنمية المستدامة في مجال إنتاج الكهرباء من خلال إضافة عنصر جديد إلي سلة الطاقة المصرية أو مزيج الطاقة يتمثل هذا العنصر في استخدام الطاقة النووية لتوليد الكهرباء. وترمي مصر إلي إنتاج الكهرباء النووية بنسبة 9% من احتياجاتها بحلول عام 2030.
وقعت الدولة علي اتفاق إنشاء أول محطة نووية بالتعاون مع روسيا بأرض الضبعة، تستهدف في المرحلة الأولي إنشاء محطة تضم 4 مفاعلات قوى نووية لتوليد الكهرباء بقدرة 1.2 جيجاوات بإجمالي قدرات 4.8 جيجاوات، وتعمل روسيا على تقديم مفاعلات قوى نووية لمصر من الجيل الثالث المطور من خلال شـــركة روز أتوم الروسية (Rosatom) وهو يضاهي مفاعل ليننجراد الروسي الشهير الذي يمتاز بمعاملات أمان نووي عالية.
الخلاصة
تمتاز الطاقة النووية عن مثيلاتها من الطاقات المتجددة بالموثوقية والثبات وانخفاض التكلفة خاصة مع الأخذ في الاعتبار عمر المحطة النووية الكبير نسبياً. الخيار النووي السلمي ليس الخيار الوحيد لتوليد الكهرباء إلا أنه لن يكون منصفاً أن يغيب أو أن تكبل أوصاله، خاصة وأن الاستخدامات السلمية للطاقة النووية لا تقتصر فقط علي توليد الكهرباء ولكنها تمتد إلي إستخدامات أخري متنوعة مثل تحلية المياه والتطبيقات المتعددة للنظائر المشعة في المجالات المختلفة.
لقد بات ضرورياً الإتجاه بسرعة وحزم صوب توليد الكهرباء من الطاقة النووية، خاصة مع الاضطرابات الدولية التي نجمت جراء الغزو الروسي لأوكرانيا والتي أثرت بشكل كبير علي أمن الطاقة العالمي. كذلك فإن الحلول المتعلقة باستخدام الوقود الأحفوري حلول غير مستدامة لذا فإن توليد الكهرباء من الطاقة النووية يدفع بشكل كبير في الاتجاه الرامي لخفض الانبعاثات الكربونية ويتسق بشكل كبير مع الأهداف الأممية والخطط الوطنية الرامية للوصول إلي الحياد الكربوني بحلول 2050. ومن المتوقع زيادة توليد الكهرباء من الطاقة النووية وكذلك استخدامها بشكل كبير لإنتاج الهيدروجين الأصفر خاصة بعد إعلان المفوضية الأوروبية لقواعد جديدة تسمح للشركات الأوروبية بإنتاج الهيدروجين من أنظمة الطاقة النووية في إطار أهداف الاتحاد الأوروبي للطاقة المتجددة. ويأتي هذا التوجه بعد فترات من الجدل والنقاش بين فرنسا الداعمة للطاقة النووية، وألمانيا الرافضة لإدراج الوقود النووي ومشتقاته ضمن مصادر الطاقة المتجددة.