عقب جائحة كورونا ذهبت العديد من الدول لاتباع استراتيجيات لزيادة معدلات الزيارة من خلال جذب السياح عقب حالة الإغلاق التي عانى منها العالم، في ظل انفتاح العديد من السكان العالميين على السفر، ويكمن التحدي في تحول السائح لأول مرة إلى زائر متكرر؛ مما يسهم في ارتفاع معدلات النمو السياحي، سواء من ناحية المساهمة في زيادة أعداد السائحين القادمين لدول المقصد، أو خفض التكلفة التسويقية، أو زيادة معدلات الإنفاق وكذلك التوصية للسائحين الجدد لزيارة المقصد السياحي، وذلك وفقاً للعديد من الأدبيات السياحية.
أهمية السياحة المتكررة:
يسهم السائحون المتكررون في رفع معدلات السياحة الوافدة إلى دول المقصد، ففي بريطانيا كان 77% من السائحين الذين زاروها خلال الفترة من أبريل إلى يونيو 2019 كانت زيارات متكررة بدافع قضاء العطلات وزيارة الأقارب والأصدقاء، و92٪ من زيارات العمل وحدها كانت أيضا زيارات متكررة، وأطلقت فرنسا عام 2010 حملة بعنوان “شاهدتها من قبل Dejavu” لدعم مفهوم تكرار الزيارة، وهو ما انعكس على قيام نحو 40% من زائري باريس وحدها بتكرار الزيارة نحو 10 مرات، وقد ساعد هذا في أن تصبح فرنسا الأولى عالميا في استقبال السائحين عام 2019 وفقاً لبيانات “منظمة السياحة العالمية” بتسجيل نحو 90,9 مليون سائح .
وفي أوروبا – التي مثلت نحو 51% من حجم السياحة العالمية عام 2018 وفقاً لتقديرات منظمة السياحة العالمية – ركزت دراسة أجُريت عام 2016، على اختلاف توجهات الزوار وفقاً لإختلاف الجنسيات نحو القدوم إلى الدول الأوروبية لأول مرة وتكرارها سواء في الدولة نفسها أو في الدول الأوروبية الأخرى، فأبدى نحو 74٪ من السائحين الروس من حجم العينة المشاركة و 62٪ من المشاركون اليابانيون انفتاحاً نحو التطلع لتكرار الزيارة.
أهمية تحول السائحين من زيارات لأول مرة لمتكرري الزيارة في الأسواق العالمية:
وبدراسة الأسواق السياحية المستقبلة للسياحة، يمكننا فهم طبيعة السائح متكرر الزيارة وأهميته في خلق قيمة اقتصادية لمعدلات نمو السياحة بها، وهي على سبيل المثال:
- بريطانيا:
اعتمد السوق الإنجليزي على تكرار الزيارة في نمو حركة السياحة الوافدة إليه بنسبة 77% لعام 2015 مقارنةً بنحو 74% عام 2009 محققة نحو 14 بليون جنية استرليني من إجمالي 23.8 بليون جنية استرليني وفقاً لموقع منظمة “Visit Britain“، وكانت الأسواق الأوروبية المجاورة مثل (جمهورية أيرلندا، وأيسلندا، والنرويج، وبلجيكا) بجانب السوق الخليجي هم الأكثر تكراراً، وكانت مدينة لندن هي الأكبر في جذب نوعي السائحين لأول مرة والحفاظ عليهم وتحولهم لسائحين متكرري الزيارة، فاستطاعت جذب 71% من حجم الزيارات لأول مرة، وتحقيق ولاء لنحو 70% من متكرري الزيارة لزيارتها مرات متعددة للحفاظ على معدلات النمو بها وتمثل كذلك الزيارة المتكرة نحو 62% من حجم الزيارة الوافدة إلى لندن، من خلال سيطرتها على سياحة قضاء العطلات وزيارة الأقارب والأصدقاء والعمل؛ فيما حققت اسكتلندا نسبة أكبر من حجم الزيارة لأول مرة بنحو 9% من العدد الكلي لزيارة السوق الإنجليزي لأول مرة و56% من حجم السوق القادم لزيارة اسكتلندا، من خلال الإعتماد على نوعية السياحة المتعلقة بقضاء العطلات واعتبارها وجهة متنامية لجذب السائحين الجدد بين المقاطعات الإنجليزية.


المصدر: موقع “Visit Britain”
وتشير البيانات إلى أن الزيارة لأول مرة تحدث أكثر في الأجازات وموسم الربيع والصيف خلال شهور (أبريل إلى سبتمبر)، بينما تتميز الزيارات المتكررة بأنها ذات إنفاق أعلى، خاصة تلك القادمة من دول الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وألمانيا وأسبانيا وإيطاليا.
وعن غرض الزيارة تمثل سياحة الأعمال وزيارة العائلات والأصدقاء العامل الأكبر في تكرار الزيارة، عكس قضاء الأجازات التي تتنافس فيها العديد من المقاصد، ويتفاوت سلوك السياح القادمين من البلاد المختلفة في هذا المجال، فالسياح القادمين من الصين والهند أقل تكرارا للزيارات، ففي عام 2015 تكرر فقط ثلث زيارات العطلات من الهند وأقل من الثلث من الصين، وكان الرقم أقرب إلى الثلثين لألمانيا وأستراليا، بينما كان 59٪ و 58٪ للولايات المتحدة وفرنسا على التوالى؛ فيما تزداد احتمالية تكرار زيارات العمل، حيث تمثل الزيارات المتكررة أكثر من 90٪ من رحلات العمل القادمة من ألمانيا وأستراليا وفرنسا، ويرجع هذا إلى كثافة المعاملات الاقتصادية بين هذه البلاد، بما يشير إلى دور التعاون الاقتصادي كمصدر مهم لتكرار الزيارات.

- ماليزيا:
تهتم ماليزيا بمعدلات تكرار الزيارة، فقد أكدت دراسة أُجريت على السائحين لجزيرة “لانكاوي” الماليزية على قصر وقت الزيارة للسائح المرة الأولى مقارنةً بالسائح المتكرر، وربما يعود ذلك لرغبة السائح لأول مرة في استكشاف العديد من الأماكن خلال الرحلة الواحدة. وأظهر السائح المتكرر رضا أكثر عن تجربته مقابل السائح لأول مرة، فيما أعرب الجميع عن أهمية الإستدامة للوجهة السياحية، في حين بينت تشابه الخصائص الديموجرافية لفئات الزائرين.
- أسبانيا:
تعمل أسبانيا على الحفاظ على ولاء السائحين وإعادة الزيارة مرة أخرى وفقاً للمناطق الجغرافية، فوفقاً لمرصد السياحة في برشلونة فإن حوالي 46.4٪ من زوار المدينة يعودون إليها مرة أخرى، وتعمل “المعارض والمؤتمرات” على جذب الزوار الجدد، فيأتي حوالي 14 ٪ من الزوار إلى المدينة لأول مرة للعمل ويعود واحد من كل ثلاثة زوار لأسباب مهنية، والسياح الذين يعودون أكثر من غيرهم هم السياح القادمين من إسبانيا والمملكة المتحدة وفرنسا، نظراً لقرب المسافة من ناحية بجانب الاهتمام بالثقافة بين شعوب البلدان الثلاثة، وتمثل الثقافة والعمارة والترفيه وطبيعة الشعب البرشلوني الودود أساس تكرار الزيارة، بجانب البحث عن التجارب الجديدة والمواقع غير المعروفة خارج مسار المعالم السياحية المزدحمة، ويزداد متوسط الانفاق اليومي بزيادة معدلات الزيارة فيرتفع من 77.89 يورو/ يومياً في الزيارة الأولى إلى 89.29 يورو في الزيارة الخامسة، مما يشير إلى أهمية تكرار الزيارة في زيادة الناتج من السياحة للدولة بعيداً عن الأعداد المستهدفة.
- إسرائيل:
وتتقارب النسب بين جذب السائحين الجدد ومتكرري الزيارة في إسرائيل، فقد أوضح 57,8% من عينة دراسة أجريت على السوق الإسرائيلي عام 2011، بأنهم يزوروا البلاد لأول مرة، فيما تكررت الزيارة لنحو 42,2% من العينة، واهتم أصحاب الزيارة الأولى بالسفر في مجموعات Group Inclusive Tour GIT) )، فيما اتجه متكرري الزيارة إلى السفر الفردي FIT) Foreign Independent Tour )، ويعود ذلك إلى أهمية عنصر الأمان في جذب السائحين والتي قد يفتقدها المقصد السياحي الإسرائيلي، وبالتالي يفضل السائحين الزيارة في مجموعات للمرة الأولى، وفيها يكتسبون خبرة ويشعرون بالأمان بما يسهم في قدومهم بشكل منفرد في الزيارات التالية. أما عن دوافع السفر فقد اهتم السائح لأول مرة بالثقافة والسياحة الدينية، أما السائح المتكرر فجاء من أجل زيارة العائلة والأصدقاء والسياحة الصحية وقضاء أوقات الفراغ.
تبين خبرات الدول الرائدة سياحيا أهمية توفير بيانات متعلقة بنوعية السائحين، وما إذا كانوا من الزوار الجدد أو متكرري الزيارة، ومعدلات وأسباب تكرار الزيارة التي ساهمت في زيادة معدلات النمو السياحي، لقياس مدى تأثر معدلات النمو بمعدلات تكرار الزيارة، مع توضيح التغيرات في الخصائص بين السائحين، من أجل العمل على متابعة ومراقبة العملية السياحية للوصول إلى معدلات النمو المستهدفة من خلال خطط جذب للسائحين الجدد، وتوفير تجارب تسهم في إعادة الزيارة، وهو ما يجب الاهتمام به في مصر، من أجل التعرف على توجهات السائحين نحو المقصد المصري، مع توفير البيانات المتعلقة بولاء العملاء بجانب الزيارات لأول مرة، وذلك عبر تكنولوجيا البيانات الضخمة ودراسات السوق؛ للتأكد من نجاح الاستراتيجية السياحية في توفير تجارب جيدة للسائحين تسهم في زيادة معدلات الزيارة.