نظم المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية يوم الأحد 18 يونيو 2023 ورشة عمل بعنوان” التقارب العربي الإيراني وتأثيره على الأمن الإقليمي” في ظل المتغيرات التي تمر بها المنطقة، شارك بها عدد من الخبراء والباحثين. ودار النقاش حول المواقف الدولية والإقليمية من متغيرات الحالة الإيرانية. وفى بداية الجلسة ألقى اللواء “محمد إبراهيم” نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية كلمة ترحيبية بالسادة الحضور وتعريفية بالورشة. وأدار الجلسة الدكتور “محمد مجاهد الزيات” المستشار الأكاديمي بالمركز المصري، وبحضور كل من اللواء “محمد قشقوش” عضو الهيئة الاستشارية بالمركز المصري، والسفير “محمد أنيس” عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية ، والدكتورة “هدى رؤوف” رئيس وحدة الدراسات الإيرانية بالمركز، والأستاذة الدكتورة “نورهان الشيخ” أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، والدكتور “محمد عز العرب” رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، والدكتور “محمد عباس ناجى” الخبير بمركز الأهرام، والدكتور “أحمد عليبة” رئيس وحدة التسلح بالمركز المصري، إلى جانب عدد من شباب الباحثين بالمركز المصري.
دار النقاش حول التقارب العربي الإيراني وتأثيره على الأمن الإقليمي، فكان المتغير الرئيسي في التعامل العربي مع إيران هو “الاتفاق الإيراني –السعودي”، الذي وصف بأنه اتفاق الضرورة بالنسبة لكلا الدولتين، وأثير التساؤل من السادة الحضور حول هل الاتفاق يقتصر على العلاقات الثنائية بين الدولتين أم سيمتد إلى الأزمات الأخرى.
وقد دارت محاور النقاش حول عدة نقاط منها؛ موقف إيران من الداخل، إذ أن هناك محددات داخلية دفعت إيران إلى استغلال الانفراج الإقليمي، ومنها الأوضاع الاقتصادية الإيرانية الصعبة التي تمر بها خاصة ما يتعلق بالتضخم والبطالة، وما لهذا الاتفاق من آثار إيجابية لفتح آفاق للتعاون الاقتصادي بين السعودية وإيران، بما يخفض من العقوبات الدولية المفروضة على الأخيرة. فأحد إنجازات حكومة الرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي” هي تحقيق دبلوماسية الجوار والتقارب العربي، وكسر العزلة الإيرانية.
وقد أشار وزير الخارجية الإيراني ” حسين أمير عبد اللهيان” في بعض تصريحاته عن توجهات السياسة الخارجية الإيرانية بالتوجه شرقاً نحو وسط وشرق آسيا، وأن دبلوماسية الجوار قادت إلى كسر العزلة الإقليمية في السنوات الأخيرة، كما أن الانفتاح والاندماج في المجتمع الدولي بشكل يحقق تقدم في الأوضاع الاقتصادية الإيرانية. وتأتى الاحتجاجات الإيرانية الأخيرة كإحدى المحددات لكسر العزلة الإقليمية، إذ أن استمرار هذه الاحتجاجات واختلاف آليات التعامل معها دفعت إيران إلى تهدئة أوضاعها الخارجية والإقليمية، ويأتي محدد آخر وهو رؤية إيران لذاتها والطموح الإيراني في الإقليم، وعليه يظل الاتفاق الإيراني- السعودي وتهدئة التوترات الخارجية متغير هام في إطار الرؤية الإيرانية الإقليمية.
وبالحديث عن موقف القوى الدولية من التقارب العربي- الإيراني؛ وبالنظر إلى موقف الولايات المتحدة، توجد عدة نقاط تتعلق بتطور مفاهيم الاستراتيجية الأمريكية تجاه المنطقة خاصة أن هناك تغييرات بمعدل سريع في هذه الاستراتيجية وتطور مستمر في الفكر الأمريكي، وقد ركزت في الفترة الأخيرة على تفادى الانخراط الأمريكي في النزاعات الإقليمية طويلة المدى، وأن الولايات المتحدة الأمريكية لديها مصالح في التوجه إلى الشرق، بالإضافة إلى تخفيف حدة التوتر في الشرق الأوسط بالإضافة إلى ما يطرح مؤخراً حول التوصل إلى تفاهمات غير مكتوبة بين الولايات المتحدة وإيران.
وفيما يتعلق برؤية كل من روسيا والصين للتقارب العربي الإيراني؛ فهناك توافق صيني –روسي حول هذا التقارب، وهناك دعم لهذا التقارب من كلا الدولتين، خاصة أن هناك اتفاق في الرؤية الروسية والصينية حول إنهاء التوتر في المنطقة، ودعم الاستقرار الإقليمي ورفع العقوبات على إيران وإعادة إدماجها في محيطها الإقليمي وعلى المستوى الدولي، لاسيما أن لدى الصين وروسيا رؤية بالابتعاد عن الاستقطابات في المنطقة، وأن لكلا الدولتين مصالح حقيقة لتحقيق الاستقرار في المنطقة، خاصة أن الدول العربية شريك هام لروسيا والصين والمنطقة تقع في القلب من مشروع “الحزام والطريق”، كما أن إيران ممر لا غنى عنه بالنسبة للصين. وتنطلق الرؤية الصينية من أهمية الحفاظ على التهدئة في الممرات المائية لاسيما أن البحر الأحمر نقطة ارتكاز هامة في خطوط التجارة العالمية، من ناحية أخرى هناك تعاون بين روسيا وإيران في توطين صناعة المسيرات. ومن ثم قد يكون للتقارب العربي الإيراني انعكاسات إيجابية على قضايا الصراعات في المنطقة.
أيضا تطرق النقاش إلى الحديث عن الرؤية الإسرائيلية للتقارب العربي الإيراني؛ وأن لدى إسرائيل بعض المبادئ التي تتعلق بعدم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي، ومواجهتها بل منعها من امتلاكه، وتعتمد على توجيه رسائل عملياتية ضد إيران مثل قصف بعض المنشآت، لكن فيما يتردد بموضوع توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية، يمتثل الموقف الإسرائيلي في عدم الخروج عن الطواعية الأمريكية وأن أي عمل ضد إيران لن يتم بدون موافقة أمريكية، لذا ستظل إسرائيل تتابع تطورت الاتفاق الإيراني السعودي، ومن ناحية ثانية تتابع مسار العلاقات الأمريكية-السعودية، وربما تتجه إسرائيل إلى استثمار التقارب الإيراني السعودي في دفع الولايات المتحدة باتجاه التطبيع السعودي الإسرائيلي.
وبالحديث عن موقف الدول الخليجية من التقارب مع إيران؛ هناك سياسات متباينة لدول مجلس التعاون الخليجي مرتبطة بمحددات ومصالح داخلية تجاه طهران، كما أن هناك تخوفات أمنية لدى هذه الدول، وأن هناك توجه لدى الدول الخليجية بانتهاج سياسات حسن الجوار لاسيما بعد التخوفات من تداعيات محاولات الانسحاب الأمريكي من المنطقة. وفيما يتعلق بالتقارب الإيراني العربي قد يكون له انعكاسات على قضايا المنطقة وربما الاتجاه إلى التهدئة في اليمن، لكن يظل هذا محور اختبار لهذا الاتفاق، وفيما يتعلق بلبنان ربما يتم الاتفاق على مرشح رئاسي توافقي.
كما تطرق الحديث إلى الرؤية الإيرانية المتوقعة حيال مستقبل الأزمات العربية؛ إذ يمثل اتفاق بكين الذي وقع بين السعودية وإيران في 10 مارس 2023، تحولاً مهماً طرأ على صعيد التفاعلات التي تجري بين القوى الإقليمية الرئيسية. ويكتسب هذا الاتفاق أهميته من اعتبارات عديدة، يتمثل أبرزها في أنه يمثل مؤشراً رئيسياً لحدود التغير التي يمكن أن تشهدها السياسة الخارجية الإيرانية إزاء الأزمات المختلفة في المنطقة، خاصة في اليمن ولبنان وسوريا والعراق. لاسيما أن الاتفاق يمثل فرصة لقوى عديدة من أجل اختبار مدى قدرة إيران للتجاوب مع المطالب والدعوات المتكررة لها بالتوقف عن التدخل في الشئون الداخلية، وعدم دعم المليشيات المسلحة في المنطقة، وهي الأسباب التي كان لها دور في تفاقم حدة الأزمات الإقليمية المختلفة.
لكن تظل هناك عدة متغيرات رئيسية تحكم الرؤية الإيرانية تجاه الأزمات الإقليمية وهي: مستوى التنازلات التي يمكن أن تقدمها إيران في تسوية الأزمات، وتشابك الملفات والمصالح الإقليمية، ورؤية القيادة الإيرانية للدور الإقليمي. وعليه فإن إجراء تغيير كبير في السياسة الإيرانية إزاء بعض الملفات الإقليمية التي تحظى باهتمام مشترك بناءً على أية اتفاقات قد تبرم لتحسين العلاقات مع بعض الدول العربية تظل محل اختبار، وقد تدعم إيران تكتيكياً الجهود التي تبذل لتسوية بعض الأزمات، بما لا يمس نفوذها أو مصالح حلفائها في المنطقة.
ارتباطا بهذا السياق؛ تطرق الحديث إلى محور تأثير التقارب الإيراني-العربي على الأمن الإقليمي، إذ لا تقود مسألة التقارب بين الدولتين بالضرورة إلى استقرار إقليمي بشكل مستدام في المنطقة، لكن هناك احتمالية لتغير معادلة الاشتباك في الإقليم وربما تغير معادلة التسلح وسياسات الدفاع، لكن تظل منظورات كل طرف للأمن الإقليمي كما هي ولن يحدث بها تغير سواء الدول العربية أو إيران، لكن هناك مقاربة إيرانية جديدة لتفاهمات أمنية في المنطقة من حيث خفض التصعيد في اليمن على سبيل المثال، أو الوصول إلى مرشح رئاسي توافقي في لبنان.
خلص اللقاء إلى بعض الاستنتاجات، بأن التقارب العربي الإيراني عنوان كبير وأن هناك تباين بين الدول العربية تجاه هذا التقارب، وأن الاتفاق الإيراني- السعودي هو تقارب ثنائي وأن انعكاساته على الأزمات سيظل محل اختبار في الفترة القادمة، ولن تكون التأثيرات إيجابية وسريعة على الأزمات في الدول العربية وعلى تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، وربما ستأخذ أمد طويل.