شهدت روسيا (24 يونيو) تحولات دراماتيكية وغير مسبوقة منذ اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا، وذلك على خلفية تحركات قائد مجموعة فاجنر “يفغيني بريغوزين” بصورة غير متوقعة تجاه الأراضي الروسية والسيطرة على عدد من المدن في الداخل الروسي، وقد فرض هذا التحرك مزيدًا من الضغوط على روسيا في ظل استعدادها لمواجهة الهجوم المضاد الأوكراني ومحاولة تقويض ومنع القوات الاوكرانية من استعادة مزيد من الأراضي التي سيطرت عليها روسيا طيلة الأشهر الماضية.
تمهيد نيراني: هل اقترب الهجوم الأوكراني المضاد؟
تحركات غير مسبوقة
على الرغم من أن تحرك عناصر فاجنر تجاه العاصمة الروسية موسكو لم يكن متوقعًا، إلا أن التوترات القائمة بين فاجنر والمؤسسة العسكرية كانت تشير لصعوبة الإبقاء على هذا التصعيد دون خروجه عن السيطرة، ولا شك أن ما حدث خلال 48 ساعة منذ تحركات فاجنر وحتى الإعلان عن وقف الزحف تجاه موسكو، قد تسبب في صدمة كبيرة وحالة من الارتباك لدى الداخل الروسي، وفي هذا الإطار يمكننا الوقوف على جملة من الاعتبارات التي يمكن أن تفسر أسباب قيام مجموعة فاجنر بالتصعيد لهذا المستوى العنيف، وذلك على النحو التالي:
- انفجار متوقع لتوتر متواصل، يُنظر للتوتر بين مجموعة فاجنر والقوات المسلحة الروسية كمشهد متكرر خلال الأشهر الماضية في الحرب الروسية الأوكرانية، كما أنه نتيجة طبيعة ومنطقية لسلسلة من التوترات والتصعيد المكتوم بين الجانبين، فقد اعتاد قائد فاجنر أن يوجه الاتهامات واللوم إلى القيادة العسكرية الروسية، خاصة وزير الدفاع، لحد أنه اتهم هيئة الأركان العامة الروسية في فبراير الماضي2023 بالخيانة، كما هدد قائد فاجنر في مايو الماضي بالانسحاب من باخموت، وذلك على خلفية الخلاف مع وزارة الدفاع بشأن إمدادات الذخيرة اللازمة لمواصلة مجهوده الحربي في باخموت، ولم يكن هذا التوتر الأخير بينهما، حيث رفضت فاجنر التوقيع على أي عقود تسمح بإخضاع مجموعته لسيطرة وزارة الدفاع، وذلك ضمن مخطط روسي أعلن عنه وزير الدفاع الروسي (10 يونيو) يستهدف قيام جميع الوحدات المتطوعة بتوقيع عقود مع وزارة الدفاع. من ناحية أخرى، اتهم قائد فاجنر القوات الجيش الروسي بقصف معسكر يضم عدد من عناصره، وتعهد بالرد على هذا القصف الذي نفته وزارة الدفاع.
- الرغبة في حصد ثمار باخموت وسوليدار، يبدو للوهلة الأولى أن المشهد بين فاجنر والمؤسسة العسكرية خلال الفترات الماضية، وحتى شن التمرد المسلح، يدور حول مساعي كل طرف لإثبات قدرته على تحقيق النصر والتحكم في زمام الأمور ميدانيًا، المشهد الذي بدا واضحَا منذ معارك سوليدار، نهاية العام الماضي، حيث سعى كل طرف للترويج لفكرة أنه صاحب النصر، ما أثار علامات الاستفهام والشكوك حول قدرة المؤسسة العسكرية الروسية بشكل عام، فضلا عن أنه فاقم من حدة الانقسام الجيش الروسي ومجموعة فاجنر، خاصة في ظل مساعي قائدها لحصد مزيد من المكاسب الشخصية والظهور بمظهر القائد المؤثر في ميدان المعركة، تحديدًا بعدما تمكنت عناصره من إحكام قبضتها على مدينة باخموت، وفي هذا الإطار يمكننا فهم مطالب “بريغوجين” خلال الفترات الماضية ودعواتها الرامية لإقالة وزير الدفاع الروسي “سيرجي شويغو”، ورئيس هيئة الأركان الجنرال “فاليري جيراسيموف”، وذلك وسط اتهامات من قبل قائد فاجنر لعناصر المؤسسة العسكرية بعدم القدرة على تطوير خطط الهجوم وسوء إدارة العملية العسكرية.
- تقدير غير واقعي لفائض القوة، أظهرت التحركات الأخيرة لفاجنر تجاه العاصمة الأوكرانية سوء تقدير لقائد فاجنر لقواته وقدراته العسكرية مقارنة بقدرات القوات المسلحة الروسية، ويبدو أن الانتصارات التي حققها في الميدان الأوكراني جعلته يستشعر امتلاكه القوة التي قد تمكنه من تحقيق أهدافها بالإطاحة بالقيادات العسكرية التي تدير المشهد، وذلك من خلال ممارسة نوع من الضغط على الرئيس الروسي، ومن ثم الاستجابة لمطالبة بتغيير تلك القيادات، إلا أن نتائج تلك المغامرة لم تمضي حسبما خطط “ بريغوزين“، والذي اصطدم برد فعل صارم وحازم من قبل الرئيس الروسي الذي فضل الانحياز للمؤسسة العسكرية، ورفض تقديم تنازلات مع بداية التمرد المسلح، كما أن رهان وحسابات قائد فاجنر حول إمكانية انحياز عدد من القيادات العسكرية في الجيش الروسي لتحركاتها لم تكن حسابات دقيقة، فعلى خلاف التقارير الغربية التي كانت تشير لوجود انقسام وتذمر داخل القوات المسلحة، إلا أن التعاطي مع تحركات فاجنر إجهضت تلك المزاعم.
تقدم ملحوظ وتحركات للاحتواء
تمكنت روسيا من إخماد التمرد المسلح لعناصر فاجنر سريعًا وبخلاف ما توقعه البعض، حيث ذهبت بعض التقديرات، خاصة الغربية إلى أن ما يحدث هو بداية النهاية، بل ذهب البعض لأبعد من ذلك، ومن بينهم نائب رئيس الاستخبارات العسكرية الأوكرانية، والذي رأى أن الأحداث في الاتحاد الروسي هي علامة على انهيار النظام الحاكم، ومع ذلك فقد أثبت التعاطي الروسي مع تحركات فاجنر أن تلك التقديرات كان يغلب عليها المبالغة والافتقاد للدقة. وفي هذا الإطار يمكننا إلقاء الضوء على ملامح تقدم عناصر فاجنر، وأدوات روسيا، لتطويق هذا التقدم والاستعداد له على النحو التالي:
وساطة بيلاروسيا تسدل الستار على أزمة تمرد فاجنر
- التقدم السريع تجاه موسكو، نجحت عناصر فاجنر (24 يونيو) في إتمام سيطرتها على المقر العسكري للمنطقة الجنوبية في روستوف، وعدد من المحاور اللوجيستية والمنشآت الحيوية وفي القلب منها قاعدة القوات الجوية التي تستخدم في شن الهجمات على أوكرانيا، وقد أثار سقوط المدينة في يد فاجنر بشكل سريع ودون مقاومة الشكوك حول قدرة الجيش الروسي في البداية على إجهاض تحركات فاجنر.
كما فتح الباب أمام توقعات بشأن امكانية تورط عدد من القيادات العسكرية في الصف الثاني من الجيش الروسي في دعم التمرد الجاري، ولا شك أن سيطرت فاجنر على روستوف، قد أضفت على تحركاتها ميزة ميدانية، نظرًا لأهميتها الاستراتيجية للمدينة كمركز لعمليات القوات الروسية ضد أوكرانيا، علاوة على دورها المحوري في الإمداد العسكري للقوات المقاتلة في الجبهة الأوكرانية. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تسبب السقوط السريع لـــ “روستوف” في اغراء فاجنر للانتقال تجاه العاصمة، حيث تحركت القوات شمالا من منطقة فورونيج إلى منطقة ليبيتسك، وكانت على بعد نحو 320 كيلو من العاصمة الأوكرانية قبل أن يتوقف زحفها على خلفية التفاهمات التي تمت برعاية بيلاروسيا.
التصعيد العكسي.. تفاصيل ومآلات هجوم “فاجنر” في جنوب غرب روسيا
- بوتين ورسم الخطوط الحمراء، في رد فعل سريع على تحركات فاجنر، بدا الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” أكثر حزمًا في تعاطيه في التمرد المسلح، ما ظهر خلال خطاب طارئ للرئيس الروسي توعد فيه لمن نظموا التمرد المسلح، معتبرًا ذلك بمثابة طعنة في الظهر وخيانة، قائلًا إن من نظموا التمرد المسلح خانوا روسيا ولن يفلتوا من العقاب. وقد كان خطاب بوتين بمثابة رسم للخطوط الحمراء أمام قائد فاجنر وعناصره، حيث أظهر خطاب بوتين أنه لن يتسامح مع تلك التحركات.
ويشير خطاب بوتين لاستشعاره حجم الخطورة والتحدي الذي يمكن أن يفرضه نجاح هذا التمرد، خاصة أن هذه الأزمة تعد أكبر التحديات التي واجهها بوتين منذ صعوده للسلطة في روسيا، إذ لم تشهد البلاد طيلة السنوات الماضية أي اضطرابات داخلية على غرار ما حدث ، في ظل تقارير كانت تشير لإمكانية تحول التمرد لحرب أهلية تؤثر بصورة مباشرة على سمعة ومستقبل الرئيس الروسي، الأمر الذي يمكن الاستدلال عليه من خلال استدعاء بوتين للتاريخ خلال خطابه، حيث حذر من خطورة اندلاع حرب أهلية على غرار ما حدث عام 1917، عندما تمكن البلاشفة من الصعود للسلطة.
- إجراءات احترازية للسيطرة على التمرد، شرعت روسيا في عدد من الإجراءات اللازمة للتعاطي الفاعل مع التمرد المسلح، وذلك بهدف الحيلولة دون خروجه عن السيطرة، وفي هذا الإطار، أصدر الرئيس الروسي قانونًا يسمح بالحبس لمدة 30 يوم لمن ينتهك الأحكام العرفية في المناطق التي فرضت بها. من ناحية أخرى أعلنت موسكو فرض نظام مكافحة الإرهاب، وذلك بهدف تعزيز الاجراءات الأمنية في العاصمة، حيث يسمح هذا الإجراء للقوات الروسية بتنفيذ عمليات تفتيش للأفراد والمركبات، كما يفرض مزيدًا من الحماية على المنشآت والمواقع الحيوية. يضاف لذلك التوقيع على قانون يسمح بتجنيد السجناء للخدمة العسكرية بموجب عقود، يتم خلالها استثناء المدانين بجرائم خطرة. في الوقت ذاته تم الإعلان عن فتح قضية جنائية بحق قائد فاجنر، ما يجعله عرضة للحبس لمدة تصل إلى عشرين عامًا. وفي إطار التسوية التي تمت يرجح أن تتراجع روسيا عن تلك الإجراءات بمرور الوقت.
ما الإجراءات التي اتخذها الكرملين بعد تمرّد قائد “فاغنر”؟
ما بعد التهدئة
على خلاف أغلب التوقعات، لم يدم التمرد المسلح لفاجنر طويلًا، حيث تراجعت الحالة الصراعية والصدام المحتمل، بعدما أعلان قائد فاجنر توقف زحفه تجاه العاصمة الروسية، وذلك بعدما قطع أكثر من 700 كيلوا من روستوف تجاه العاصمة، وقد جاءت التهدئة بوساطة أعلن عنها زعيم بيلاروسيا “ألكسندر لوكاشينكو”، وبذلك استطاع الرئيس الروسي تجاوز واحدة من أصعب التحديات والتهديدات التي تعرض لها بوتين خلال السنوات الماضية.
وقد اثارت هذه التهدئة مجموعة من التساؤلات لعل أبرزها يدور حول مدى صمود الهدنة وعدم العودة مرة أخرى للصراع بين فاجنر والمؤسسة العسكرية، علاوة على الشروط الذي تم من خلالها التوافق حول الصفقة التي تم رعايتها من قبل بيلاروسيا، وفي هذا الإطار يمكننا الإشارة لعدد من الاعتبارات وذلك على النحو التالي:
روسيا تكشف 5 بنود حددت مصير بريغوجين وقوات فاغنر
أولًا: رغبة الطرفين في الحد من الخسائر، أظهرت ملامح الصفقة أو الوساطة بين فاجنر والجانب الروسي قبول الطرفين بتقديم تنازلات، تحول دون استمرار المواجهة بما يؤدي إلى استنزاف الجانبين، حيث أن نجاح فاجنر في الوصول للعاصمة، يعني الوصول لحافة الهاوية وتحول الصدام المؤجل بين الجانبين لمواجهة مفتوحة تؤدي لخسائر كبيرة على كافة الأصعدة، الأمر الذي سيؤثر بالسلب على الجميع، حيث سيؤدي ذلك لفتح جبهات قتال عنيفة في الداخل والخارج ما يزيد من أعباء القوات المسلحة الروسية، كما سيؤدي لخسائر كبيرة في صفوف عناصر فاجنر في ظل ميزان القوى العسكري الذي يصب في صالح القوات النظامية. وعليه يبدو أن الصفقة جاءت في إطار العمل على الحد من الخسائر، وعليه تظهر الملامح الأولى، قبول الرئيس الروسي بإسقاط التهم الجنائية عن قائد فاجنر، مقابل انسحاب فاجنر من روستوف والمنشآت التي تسيطر عليها، ووقف التمدد تجاه العاصمة، مقابل انتقال قائد فاجنر إلى بيلاروسيا وضمان عدم محاسبته على تهمة الخيانة والتمرد العسكري.
ثانيًا: غموض حول مستقبل بريغوزين، بمجرد إعلان التهدئة أُثيرت تساؤلات حول مستقبل قائد فاجنر، الأمر الذي سيظل محل جدلًا إلى أن يتم الإفصاح عن كافة التفاهمات التي جرى الاتفاق عليها من خلال الزعيم البيلاروسي، رغم ذلك تدور التكهنات حول أمرين أساسيين، الأول يدور حول فكرة الإطاحة بقائد فاجنر وانهاء دوره عن هذا الحد، مع إجراء تغييرات تفضي لانتقال القيادة لشخص آخر. في حين يؤكد الاحتمال الثاني صعوبة إخراج ” بريغوزين” من المعادلة في ظل النفوذ الكبير الذي يتمتع به، ورأت بعض التقديرات أن قائد فاجنر قد يكون حصل على وعود تتعلق بالتحقيق في استهداف قواته وعناصره.
الكرملين: قائد “فاجنر” سيغادر إلى بيلاروس
وفي المجمل يمكن أن تتأثر شعبية ” بريغوزين” داخل الأوساط القومية المؤيدة للحرب، كما لا يرجح أن يتسامح الرئيس الروسي مع تلك التحركات حتى ولو اختارت إدارته التهدئة المؤقتة، وعلى المدى البعيد يمكن أن ينتقم الرئيس الروسي بصورة ما من بريغوزين، خاصة بعدما وصفت تحركاته بالخيانة و الطعنة في الظهر.
ثالثًا: الإبقاء على فاجنر وإخضاع عناصره لوزارة الدفاع، يدور هذا الاحتمال حول فكرة صعوبة التخلي كليًا عن دور فاجنر في ساحة المعارك في أوكرانيا، في ظل نجاحها في عدد من المعارك خاصة في باخموت وسوليدار، علاوة على صعوبة التضحية بنحو 25 ألف من العناصر الجاهزة والقادرة عن شن هجمات وإحباط الهجوم الأوكراني المضاد، إلا أن الصيغة المرجحة قد تدور في إطار إخضاع عناصر فاجنر للقوات المسلحة ووزارة الدفاع الروسية، ومن ثم إخضاعها للاستراتيجية العسكرية لوزارة الدفاع و مخططي الحرب في أوكرانيا. رغم ذلك لم تتضح المعايير التي يمكن أن تلجأ إليها روسيا لتحديد العناصر التي شاركت في التمرد أو تلك التي لم تستجب لدعوات قائدها، وعلى أية حال يشير إخماد التمرد لعودة فاجنر لتمركزها السابق قبل اندلاع الحراك الأخير.
ولا يرجح القضاء على عناصر فاجنر التي تقاتل في أوكرانيا، لعدد من الاعتبارات، يأتي في مقدمتها ما يمتلكونه من قدرات وقوة يصعب التضحية بها في ظل الهجوم الأوكراني المضاد، علاوة على خشية روسيا من أن يؤثر أي تحرك ضد فاجنر على عناصرها المنتشرة في الخارج وتحديدًا في أفريقيا عبر نحو 18 دولة، حيث تلعب هذه العناصر دور الضامن لنفوذ وهيمنة روسيا في تلك الدول.
رابعًا: إعادة النظر في الحسابات الاستراتيجية، يمكن أن تقود حالة التمرد المسلح لإعادة التفكير في حسابات روسيا من الحرب الروسية على أوكرانيا، خاصة وأن روسيا كانت تعتقد أنها أمام حرب خاطفة ستنتهي في وقت قصير، قبل أن تتحول المواجهات لحرب ممتدة لأكثر من 16 شهرًا، كما أن روسيا لم تكن متوقعة أن تؤدي الحرب وتفاعلاتها يومًا ما لوقوف البلاد على بعد خطوات من حرب أهلية أو اضطرابات داخلية لا يرجح أن يتم احتواؤها بسهوله حال اندلاعه.
كما كشف التمرد التحديات التي تواجه دور الدولة الروسية في احتكار القوة، والقدرة على تأمين الداخل، حيث أظهر حراك فاجنر حدود الضعف النسبي أو على الأقل عدم جاهزية قوات الأمن الروسية للتعاطي مع التهديدات الداخلية، وقد يكون ذلك مدفوعًا بتكثيف الجهود في الساحة الأوكرانية.
من ناحية أخرى، يُعيد المشهد الجاري في روسيا النظر في فكرة رعاية عدد من الدول للجيوش الموازية، حيث أثبتت التجربة أن النتائج النهائية لمثل هذه الصيغ تفضي إلى وقوع صدام بين تلك العناصر والقوات النظامية، في ظل افتقار تلك العناصر للانضباط والعقيدة العسكرية، مع ذلك تظل هناك توجهات حول أهمية تلك العناصر خاصة في أنماط الحروب غير التقليدية والتي تسير في فلك حرب المدن والعصابات.
خامسًا: تراجع فرص استثمار التمرد، لا شك أن الاستدارة السريعة والدخول في مرحلة التهدئة قد أهدرت على أوكرانيا فرصة استثمار حالة الصراع والصدام وتطويعه لصالح عملياتها المضادة ضد أوكرانيا، خاصة في ظل عدم قدرتها على تحقيق اختراق طيلة الأسابيع الماضية منذ الإعلان عن بدأ الهجوم المضاد، فعلى الرغم من سيطرتها على نحو 8 بلدات، إلا أن هجومها لا يزال بطيئًا، ويمكن ملاحظة رغبة أوكرانيا في توظيف حراك فاجنر عبر تطوير هجماتها على محور زابوريجيا ودونيتسك، إلا أن الأمر قد لا يدم طويلًا، في ظل توقعات بإمكانية شن روسيا هجمات واسعة خلال الفترات الماضية، بصورة يمكن من خلالها تجاوز حالة الشك في قدرتها بعدم التمرد المسلح، ما يمكن الوقوف عليه من قيامها بضربات صاروخية واسعة وغير مسبوقة على عدد من المحاور في أوكرانيا أثناء التمرد المسلح.
في الأخير، يظل ما حدث من تمرد مسلح لقائد مجموعة فاجنر نقطة تحول في مجريات الحرب الروسية الأوكرانية، ورغم قدرة روسيا على احتواء التمرد سريعًا، إلا أن ما حدث فتح الباب أمام مزيد من التساؤلات التي ستجيب عليها التفاعلات القادمة، خاصة ما يتعلق بمصير قائد فاجنر، ودوره المجموعة بشكل عام، علاوة على موقف الرئيس بوتين وحساباته من العملية العسكرية بشكل عام، الأمر الذي سيتكشف بصورة أوضح خلال الفترات القادمة.