*** عقد كامل مر على مصر منذ ثورة يونيو 2013 وأمنها القومى خلال هذه الفترة يزداد قوة ورسوخاً فى مواجهة تهديدات ومخاطر لا تنتهى بل تزداد وتتشعب على مختلف الجبهات لتفرض على الدولة المصرية أكبر قدر من التحديات التى تطلبت بلورة أنسب الأساليب لمواجهتها، والأمر الجدير بالإشارة هنا أن مصر نجحت يإمتياز طوال هذا العقد من الزمن فى حماية أمنها القومى دون أن تتورط فى أية معارك أو تسمح بأن تنفتح عليها أية جبهات قتال لن تجنى من ورائها أية مزايا أو مكاسب .
*** ومن هذا المنطلق فقد حافظت القيادة السياسية برئاسة السيد/ الرئيس عبدالفتاح السيسى طوال السنوات العشر السابقة على الأمن القومى للبلاد من خلال الإستناد على مبادئ محددة وحاسمة وقاطعة وصلت إلى جميع الأطراف بصورة واضحة للغاية لا لبس فيها، بالإضافة إلى إنتهاج القيادة مجموعة من التكتيكات اللازمة والفاعلة والمتغيرة – طبقاً للظروف – من أجل تحقيق الهدف الإستراتيجى الأسمى وهو حماية الأمن القومى المصرى والحفاظ عليه .
*** ومن المؤكد أن النجاح فى الحفاظ على الأمن القومى على هذا النحو يرجع بشكل رئيسى إلى أن مصر حباها الله عز وجل بقيادة سياسية وطنية تتمتع بعقلية إستراتيجية وحكمة ورؤية بعيدة المدى وتعى تماماً كل ما يتعلق بمتطلبات الأمن القومى ومهدداته الداخلية والخارجية وكيفية مواجهتها بالشكل المناسب وفى التوقيت الملائم وبعقلانية كاملة متكاملة ودراسة مستفيضة .
*** كما أن أحد الإيجابيات التى تمتعت بها القيادة السياسية المصرية ونفذتها بشكل مبهر تمثلت فى الربط الواضح بين سياسات التنمية الشاملة وبين مفهوم الأمن القومى وهو الأمر الذى نلاحظه بوضوح فى كافة مشروعات التنمية ولاسيما على كافة المحاور الإستراتيجية فى الشمال والجنوب والشرق والغرب وهى كلها الدوائر المباشرة للأمن القومى المصرى .
*** وفى نفس الوقت لابد من الإعتراف بكل مصداقية أن النجاح الواضح فى تعامل القيادة مع مهددات الأمن القومى إرتكز على جبهة داخلية قوية ومستقرة ساعدت الدولة على أن تقف وهى مطمئنة فى وجه كافة المخاطر التى تتعرض لها، وهو أمر أشادت به القيادة السياسية فى كل وقت ومؤكدة على مدى إمتنانها للموقف الوطنى الرائع لهذا الشعب العظيم الذى لولاه ماكانت هذه الإنجازات، ولايفوتنا هنا أن نذكر أن هذا النجاح إستند على خطة مدروسة وواضحة المعالم يتم تنفيذها من خلال منظومة عمل متكاملة بكل جدية ومصداقية وبما يصب فى النهاية فى مصلحة الوطن والمواطن .
*** ومن الضرورى أن أبدأ بالموقف الداخلى بكافة مكوناته وتطوراته حيث أن هذا الموقف يعد أهم الدوائر الرئيسية التى يمكن أن نؤكد من خلالها على مدى نجاح الدولة المصرية فى دعم أمنها القومى وذلك من خلال مايلى : –
- القضاء على الإرهاب الذى عاث فى البلاد فساداً خلال السنوات التى أعقبت ثورة يونيو وأدت إلى تكلفة الدولة خسائر تعدت مليارات الجنيهات، ولابد أن أشير هنا إلى نقطتين رئيسيتين الأولى أن القضاء على الإرهاب نجم عنه إستشهاد وإصابة المئات من أفراد الشعب المصرى ومن جيشه الباسل وشرطته الوطنية وهم يتصدون بكل قوة وشرف للإرهاب أى أن التضحيات التى قام بها الشعب كانت هى الحائط الصلب الذى تهدم على أسواره هذا الإرهاب الأسود، والنقطة الثانية تتمثل فى النجاح الكبير الذى حققته العملية الشاملة فى سيناء التى بدأت عام 2018 والتى أدت إلى تطهير سيناء من الإرهاب بعد أن كانت هذه الأرض الطاهرة مرتعاً لللإرهابيين وللعمليات الإرهابية .
- تحديث الجيش المصرى العظيم حتى يكون قادراً فى أى وقت على حماية الأمن القومى المصرى ليس فى الداخل فقط وإنما أيضاً خارج حدود البلاد إذا تطلب الأمر ذلك حتى أصبح الجيش المصرى واحداً من أقوى الجيوش على مستوى العالم، وهنا من المهم أن أنوه إلى الدور الإيجابى الذى يقوم به الجيش المصرى فى عملية التنمية وهو دور طبيعى ومنوط بالجيوش وقت السلم .
- مواجهة العديد من الأزمات العالمية التى عكست آثارها السلبية على الإقتصاد المصرى ومن أهمها أزمة جائحة كورونا ثم الحرب الروسية الأوكرانية، ومن الإنصاف أن نشير إلى أن مواجهة الدولة لجائحة كورونا كانت بمثابة نموذجاً ناجحاً لتعامل الدولة مع مثل هذه الأزمات الطارئة، كما أن الدولة بذلت ولازالت تقوم بكل ماتستطيع القيام به من أجل الحد من تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية وخاصة فيما يتعلق بالمشكلات المتعلقة بسلاسل الإمدادات الغذائية والتى أدت إلى طفرة فى الأسعار، مع بذل الدولة جهوداً كبيرة من أجل إيجاد البدائل التى تجنب البلاد أن تقع فى أزمة كبيرة بسبب تداعيات هذه الحرب .
- قدرة الدولة المصرية على توفير شبكة حماية إجتماعية وصحية ضخمة للغاية ومنتشرة فى ربوع الوطن تخدم ملايين من أبناء الشعب المصرى ولاسيما مبادرة حياة كريمة، وهو الأمر الذى ساهم إلى حد كبير فى التخفيف من حدة الأزمات الدولية الطارئة وإنعكاساتها على الوضع الداخلى .
- تنفيذ مشروعات عملاقة فى كل أنحاء البلاد من أجل توفير بنية تحتية جديدة وقوية وشاملة وحديثة وقادرة على أن تكون أساساً لنهضة تنموية وإستثمارية غير مسبوقة تأكيداً على أن الدولة المصرية إنتقلت إلى عهد الجمهورية الجديدة بكل معانيها وجوانبها .
- العمل بكل جدية وإرادة حديدية على أن تتحول مصر إلى قاعدة صناعية وزراعية بإستخدام الأساليب التكنولوجية الحديثة مع السعى الدائم حتى تقوم الدولة بإنتاج أهم السلع الأساسية من أجل ألا يتم الإعتماد على إستيراد هذه السلع من الخارج بكل الجوانب السلبية المرتبطة بعملية إستيراد الغذاء والدواء .
- إطلاق حوار وطنى شامل يعالج بكل حرية كافة القضايا السياسية والإقتصادية والإجتماعية بمشاركة كافة الأحزاب السياسية والقوى المدنية من أجل الوصول إلى حلول أمثل إزاء العديد من القضايا محل النقاش، مع تعهد القيادة السياسية بشكل واضح أنها سوف تقوم بتنفيذ كافة المقترحات الملائمة بما لايتعارض مع الدستور والقانون .
- تفعيل لجنة العفو الرئاسى التى تم من خلالها الإفراج عن مئات من السجناء ولازالت هذه اللجنة تعمل بكل جدية لأداء مهامها .
*** أما على المستوى الخارجى فلابد من التأكيد على أن مصر لم تدخر جهداً فى التعامل مع أزمات الإقليم والمشكلات الدولية بل والإنخراط بشكل إيجابى فى معالجة كافة المشكلات المرتبطة إرتباطاً مباشراً بأمنها القومى، وهو مايمكن إيضاحه على النحو التالى : –
- التأكيد على إستعداد مصر للقيام بدورها التاريخى فيما يتعلق بحل الأزمة السودانية التى إنفجرت يوم 15 إبريل الماضى، وقد أكدت مصر على ضرورة وقف إطلاق النار والإتجاه إلى توفير مجالات الإغاثة للشعب السودانى تمهيداً لتسوية الأزمة سياسياً، وهنا لابد أن نشير إلى أن مصر إستقبلت حتى الآن أكثر من ربع مليون سودانى لجأوا إلى مصر عبر المعابر البرية والجوية هرباً من جحيم الحرب الدائرة هناك والتى لاتصب مطلقاً إلا فى صالح أعداء السودان الذين يستهدفون تقسيمه إلى دويلات صغيرة، ولا ننسى هنا أن مصر مطالبة أيضاً فى خضم هذه الأزمة بأن تحمى حدودها مع السودان التى تتجاوز 1000 كم وهو مايتم بنجاح وفعالية .
- تحديد مجموعة المبادئ المطلوبة لتسوية الأزمة الليبية أهمها تفعيل إرادة الشعب الليبى فى الحفاظ على الدولة الليبية القوية الوطنية المستقرة الموحدة، بالإضافة إلى ضرورة إنسحاب الميليشيات والمرتزقة من الأراضى الليبية حيث أن تواجد هذه الميليشيات يزيد من تعقيد فرص الحل المنشود وهو ما يمهد المجال فى النهاية أمام عقد الإنتخابات الرئاسية والبرلمانية، ولم تدخر مصر جهداً فى المشاركة الإيجابية وعلى أعلى المستويات فى كافة الفاعليات الدولية التى سعت إلى معالجة حقيقية للأزمة الليبية، ويجب ألا ننسى هنا أن السيد/ الرئيس قام فى يونيو 2020 بخطوة عكست قوة مصر عندما حدد سيادته أن خط سرت/ الجفرة خط أحمر لن تسمح مصر لأحد بتخطيه، بالإضافة إلى ماتقوم به قواتنا المسلحة فى حماية الحدود المصرية الليبية التى تبلغ حوالى 1200 كم .
- التأكيد على ضرورة حل قضية السد الإثيوبى من خلال المفاوضات السياسية والوصول إلى إتفاق قانونى ملزم يحقق مصالح الأطراف الثلاثة، ومن الجدير بالذكر هنا أن مصر شاركت بكل فعالية وشفافية فى كافة المفاوضات التى إستغرقت حوالى عشر سنوات سواء كانت مفاوضات ثلاثية أو رباعية أو متعددة الأطراف أو بوساطة دولية أو أمريكية أو إفريقية أو مع مجلس الأمن، وللأسف كان الموقف الإثيوبى المتشدد يمثل السبب الرئيسى فى عدم التوصل إلى أية نتائج مقبولة، وقد كان من الضرورى فى خضم هذه الأزمة أن تؤكد مصر بصورة لا تقبل الشك أنها لم ولن تعدم الوسيلة فى الحفاظ على حقوقها التاريخية وفى نفس الوقت لا يمكن لها أن تقبل تحت أية ظروف أن يتم تعطيشها أو أن ينال أحد أياً كان من مصالحها المائية .
- أن القيادة السياسة لا تترك أى محفل إقليمى أو دولى إلا وتؤكد على أن حل القضية الفلسطينية يعد أساس إستقرار المنطقة وضرورة تطبيق مبدأ حل الدولتين الذى يعنى إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية على حدود 67 تعيش جنباً إلى جنب فى سلام وأمن بجوار دولة إسرائيل، كما أن مصر تستمر فى تنفيذ سياساتها الناجحة فى مجال إعادة إعمار قطاع غزة، إضافة إلى الجهود الناجحة التى تقوم بها مصر بالنسبة للتهدئة وعدم تصعيد الموقف الأمنى والعسكرى بين إسرائيل والقطاع فى أربعة حروب متتالية منذ عام 2014 وحتى عام 2023، وكذا العمل على إتمام صفقة تبادل الأسرى ، كما تواصل مصر جهودها لإتمام المصالحة الفلسطينية / الفلسطينية رغم العقبات المثارة فى هذا الشأن .
- نجاح مصر فى تأسيس منتدى شرق المتوسط فى يناير 2019 ثم نجحت أيضاً فى تحويله إلى منظمة دولية حكومية للطاقة منذ سبتمبر 2020 حيث تضم هذه المنظمة مجموعة من الدول التى تتفق فى أهدافها بالنسبة للتعاون المثمر فى مجال الغاز ( مصر – إيطاليا – إسرائيل – فلسطين – اليونان – قبرص – الأردن – مع منح صفة المراقب لكل من فرنسا والولايات المتحدة والإمارات ) وتحرص مصر على أن تكون هذه المنظمة نموذجاً للتعاون الإقليمى بعيداً عن أية صراعات أو نزاعات أياً كانت طبيعتها ، ولا تمانع مصر فى تطوير هذه المنظمة وضم أطراف أخرى إليها بشرط أن توافق هذه الأطراف على أهداف المنظمة ولا تخرج عنها .
- التأكيد على ضرورة الحفاظ على أمن منطقة البحر الأحمر بما يعود بالفائدة على جميع الدول المطلة عليه بعيداً عن أية صراعات أو محاولات بعض الدول أو بعض الجماعات الإرهابية التأثير على حركة الملاحة التى بجب أن تظل آمنةن وفى هذا المجال يجب الإشارة إلى حدثين هامين الأول إنضمام مصر إلى مجلس الدول العربية والإفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن الذى تم تأسيسه فى الرياض فى يناير عام 2020 ، أما الحدث الثانى الأكثر أهمية يتمثل فى إفتتاح مصر قاعدة “برنيس” العسكرية فى يناير 2021 بهدف حماية السواحل الجنوبية المصرية وكذا حماية الإستثمارات الإقتصادية والموارد الطبيعية فى هذه المنطقة .
- تحسين العلاقات الثنائية مع بعض الدول التى لم تكن العلاقات معها على المستوى المطلوب مثل قطر وتركيا وأصبحت هناك مساحات تقارب واضحة بين مصر وهاتين الدولتين، ولا تمانع مصر فى إقامة علاقات طبيعية مع أية دولة مادامت لاتتدخل فى شئوننا الداخلية، وهو نفس الأمر الذى يمكن أن ينطبق على إيران .
- الإنضمام إلى مجموعة الدول الإفريقية التى تحركت خلال الأيام الماضية وقامت بزيارة كل من كييف وموسكو وطرحت المبادرة الإفريقية الرئاسية المشتركة لحل الأزمة الروسية الأوكرانية .
*** وفى النهاية لابد من القول أن القيادة السياسية المصرية الوطنية نجحت بشكل منقطع النظير ليس فقط فى حماية الأمن القومى المصرى طوال العقد السابق بل نجحت فى الإنتقال من خانة المستحيلات إلى خانة الواقع العملى الإيجابى وإلى تحقيق إنجازات نشاهدها كل يوم فى جميع محافظات مصر بلا إستثناء، ومن المؤكد أن القيادة المصرية سوف تظل على العهد الذى قطعته على الشعب بأنها لن تألو جهداً فى العمل على نقل الدولة المصرية إلى مصاف الدول الكبرى وأن الصعاب التى نمر بها حالياً ماهى إلا مرحلة مؤقتة سوف تزول بإذن الله وستنطلق البلاد نحو نهضة تنموية تسابق بها الزمن وتعلو بها البلاد إلى آفاق غير مسبوقة .