تؤثر الأزمات بشكل كبير على استهلاك التبغ عبر العديد من الطرق، على سبيل المثال، قد تؤدي الأزمات الاقتصادية إلى تقليص الإنفاق على السلع التي لا تعتبر ضرورية، وقد يشمل ذلك التبغ وبالتالي، فإن الطلب على منتجات التبغ قد يتراجع.
وعلاوة على ذلك، يمكن أن تؤدي الأزمات الصحية، مثل جائحةCOVID-19، إلى تقليل استهلاك التبغ نظرا لخطر الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي، والتي يمكن أن تصيب الأشخاص الذين يعانون من الإصابة بفيروسات التنفس، مما يجعلهم أكثر عرضة للمضاعفات الخطرة. وبالتالي، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تجنب الأشخاص تعاطي التبغ للحفاظ على صحتهم كما شهدت فترة الإغلاق والتباعد الاجتماعي عدة إجراءات منها منع تقديم الشيشة في المقاهي.
كما يمكن أن تساهم الأزمات في تحول نمط استهلاك الأفراد فيمكن أن يتجه الأشخاص إلى استخدام السجائر الإلكترونية كبديل عن التدخين التقليدي للأعتقاد بكونها أقل ضرررا؛ وبشكل عام، فإن الأزمات المختلفة يمكن أن تؤثر على استهلاك التبغ بطرق مختلفة، وقد يكون لها تأثير على الطلب على هذه المنتجات في المجتمعات المختلفة.
لذا يحاول هذا المقال أكتشاف كيف يمكن أن تؤثر الأزمات بطرق مختلفة على استهلاك التبغ، كما يسلط الضوء عن حالة التدخين في مصر في ظل ما تمر به البلاد من ظروف اقتصادية، وارتفاع لأسعار السجائر.
أولا: طرق تأثير الأزمات المختلفة على استهلاك التبغ:
يمكن القول إن الأزمات يمكن أن تؤثر بشكل مختلط على استهلاك التبغ تبعًا للظروف الفردية، حيث إن الزيادة في الاستخدام والتقليل منها هما نتيجتان محتملتان في استجابة للأزمات، وفيما يلي أبرز الطرق التي يمكن من خلالها أن تؤثر الأزمات على السلوك الاستهلاكي:
- زيادة التوتر والقلق؛ خلال الأزمات مثل الحروب والركود الاقتصادي والكوارث الطبيعية وغيرها، يشعر الناس بزيادة التوتر والقلق. قد يدفع ذلك بعض الناس إلى التدخين بشكل أكثر كوسيلة للتعامل مع الضغوطات. يخفف النيكوتين الموجود في التبغ التوتر والقلق مؤقتًا، لذلك قد يدخن البعض بشكل أكثر خلال الأزمات. ومع ذلك، فإن التأثير قصير المدى يزيد التدخين في النهاية من القلق والتوتر.
- التغييرات في الدخل؛ يمكن أن تؤثر الأزمات التي تؤثر على الدخل والوظائف، مثل الركود الاقتصادي، بطرق مختلفة على استخدام التبغ:
- قد يقلل بعض الأفراد من استخدام التبغ أو يتوقفون عنه بسبب تقليص الدخل وعدم القدرة على الشراء بنفس الكمية السابقة، حيث إن منتجات التبغ مكلفة.
- ومع ذلك، قد يواصل آخرون التدخين أو زيادته كوسيلة للتعامل مع ضغوط فقدان الوظيفة أو تقليص الدخل.
- هناك أيضًا خطر أن يلجأ البعض إلى منتجات التبغ غير الشرعية الأرخص ثمنًا، مثل السجائر المهربة. يمكن أن يكون لذلك خطرًا على الصحة، حيث إن تلك المنتجات غير معتمدة.
- انقطاع الروتين اليومي؛ تعمل الأزمات على انقطاع الروتين اليومي للأفراد وعاداتهم العادية. يمكن أن يوفر هذا الانقطاع فرصة للبعض لكسر العادة السائدة للاستخدام المنتظم للتبغ. ومع ذلك، قد يزيد آخرون من الاستخدام كوسيلة لاستعادة الحالة الطبيعية أو السيطرة خلال الأوضاع الفوضوية.
- التأثير على الصحة؛ يمكن أن تزيد بعض الأزمات مثل الأوبئة الصحية أو الكوارث الطبيعية من مخاطر الصحة. وقد يوفر ذلك حافزًا إضافيًا لبعض مستخدمي التبغ للإقلاع عنه لتجنب المخاطر الصحية. حيث إن الأمراض التنفسية، مثل تلك التي يسببها التدخين، ومع ذلك، قد يواصل آخرون استخدام التبغ على الرغم من المخاطر.
هنا بعض الأدلة على تأثير الأزمات على استخدام التبغ:
- خلال الركود الاقتصادي وفقدان الوظائف في عامي 2008-2009؛ في الولايات المتحدة، انخفضت مبيعات السجائر بنسبة 7-8٪ مباشرة بعد الأزمة، وتراجعت معدلات التدخين أيضًا من 20.6٪ إلى 17.9٪ بين عامي 2006 و2010. ويعود ذلك على الأرجح إلى انخفاض الدخل المتاح. بينما في المقابل ساهم التوتر في ارتفاع معدلات التدخين من 38٪ إلى 42٪ بين عامي 2005 و2010 خلال الأزمة الاقتصادية الشديدة والتقشف في اليونان، كما ارتفعت مبيعات السجائر بنسبة 30٪ في أوائل عام 2009 في روسيا، مما يوضح كيف يمكن أن تزيد المشاكل الاقتصادية أيضًا من التدخين.
- خلال الكوارث الطبيعية مثل الأعاصير أو الزلازل، تظهر بعض الأبحاث زيادة في استخدام التبغ بسبب التوتر والقلق واضطراب ما بعد الصدمة. على سبيل المثال، زاد استخدام التبغ بعد إعصار كاترينا في نيو أورليانز من 21.9٪ إلى 32.5٪، وبعد زلزال هانشين العظيم في اليابان عام 1995، ارتفعت مبيعات التبغ بنسبة 4.9٪ مؤقتًا وفي المقابل، تظهر بعض الأبحاث أيضًا ارتفاع معدلات الإقلاع عن التدخين كجزء من الحافز لتحسين الصحة كما حدث في اليابان عام 2011، بعد موجات تسونامي أفادت شركة JT للتبغ بانخفاض حجم مبيعات السجائر بنسبة 6-10٪ بسبب مشاكل الإنتاج / التوزيع في المناطق المتضررة.
- خلال الحروب والصراعات؛ ارتفع استخدام التبغ بين القوات العسكرية خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، وفقًا للسجلات التاريخية. وكانت المعدلات تصل إلى 50-70٪ بسبب التسويق المستهدف وضغط الأقران والتوتر. وتشير الدراسات إلى وجود معدلات أعلى بكثير لاستخدام التبغ بين اللاجئين الكروات والصرب من النزاع البلقاني، لا سيما أولئك الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة النفسي (38.2٪ مقابل 14.4٪ في السكان العام). ويعد التوتر والقضايا الصحية العقلية والتسويق المستهدف عوامل رئيسية.
- خلال الأوبئة والأمراض، على سبيل المثال الإنفلونزا الإسبانية 1918، تظهر بعض الأدلة زيادة في استخدام التبغ بسبب التوتر وكوسيلة معتقدة للوقاية من المرض (على الرغم من أنه يزيد من مخاطر الصحة). وارتفعت معدلات استخدام السيجار والتبغ المعسل خلال وبعد الأوبئة. بينما انخفضت مبيعات السجائر بحوالي 30٪ خلال تفشي متلازمة الجهاز التنفسي الحادة الشديدة (SARS) في هونغ كونغ والصين عام 2003، بسبب المخاوف الصحية والحجر الصحي
ثانيا: استهلاك التبغ في مصر في ظل الأزمات:
تشهد معدلات استهلاك الأفراد للسجائر في مصر خلال عام 2023 تزايد ملحوظ؛ حيث قدرت جمعية مكافحة التدخين أعداد المدخنين في مصر بنحو 18 مليون، ضمن إجمالي عدد السكان البالغ أكثر من 100 مليون نسمة موضحة أن 42% من الأسر المصرية، بها مدخن واحد على الأقل، لترتفع بذلك البلاد إلى قائمة العشر الأوئل الأكثر تدخينا عالميا.
وقد تصدرت مصر والأردن والسعودية قائمة الدول العربية الأكثر استهلاكاً للتبغ، وكان متوسط الإنفاق السنوي هو الأعلى بقيمة 9.7 مليار دولار سنوياً، فيما بلغ المتوسط في السعودية 2.5 مليار دولار، وفي الأردن 1.3 مليار دولار، وفقا لتقديرات مؤسسة فيتش سليوشنز لعام 2023.ويشير الشكل التالي إلى إجمالي الإنفاق السنوي على التبغ للدول العربية خلال عام 2023.
المصدر: مؤسسة فيتش، 2023
يشير الشكل التالي إلى إنفاق الأفراد في الدول العربية على التبغ سنويا ويتضح من خلاله أن الفرد في مصر ينفق ما قيمته 86.7 دولار سنويا على التبغ. ليأتي في المرتبة الثانية عربيا بعد الاردن.
تعكس البيانات لجوء الأفراد إلى زيادة استخدام التبغ، كوسيلة للخروج من الأوضاع الاقتصادية الضاغطة، وللتخفيف من حدة التوتر كما ساهم ارتفاع الأسعار في زيادة فاتورة إنفاق المصريين على السجائر خلال الفترة الأخيرة.
الخلاصة، تميل الأزمات الاقتصادية إلى تقليل استخدام التبغ بسبب التغيرات في الدخل، بينما تؤدي الأزمات مثل الكوارث الطبيعية والحروب عادةً إلى زيادة استخدام التبغ، على الأقل مؤقتًا، بسبب عدم الاستقرار والتوتر.