في أحدث المساعي الدولية الرامية لوقف الصراع الدائر في الخرطوم منذ 15 أبريل 2023، وفي ظل تعقد الأزمة وعدم نجاح المساعي الدولية المختلفة السابقة في وقف إطلاق النار، وفي إطار حرص مصر على إنهاء الصراع في السودان، من خلال صياغة رؤية مشتركة لدول الجوار المباشر للسودان، بشأن الصراع الراهن وكيفية الخروج منه وتداعياته السلبية على دول الجوار؛ استضافت القاهرة قمة دول جوار السودان يوم الخميس 13 يوليو، بحضور رؤساء دول وحكومات دول الجوار السبع: مصر، وإريتريا، وجنوب السودان، وتشاد، وأفريقيا الوسطى، وليبيا، وأثيوبيا، بالإضافة إلى “أحمد أبو الغيط” الأمين العام لجامعة الدول العربية، و”موسى فكي” رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي.
الدوافع الإنسانية والاقتصادية للقمة
تُعد قمة دول جوار السودان هي اللقاء الأول من نوعه، حيث تجمع كل دول جوار السودان السبع (مصر، وجنوب السودان، وتشاد، وإريتريا، وأثيوبيا، وأفريقيا الوسطى، وليبيا) تحت مظلة واحدة، لمحاولة صياغة وبلورة رؤية شاملة لوقف مستدام للقتال في السودان، وطرح حلول ممكنة للخروج من الأزمة الحالية. وفي هذا السياق، تبرز العديد من الدوافع الإنسانية والأهداف وراء انعقاد هذه القمة، والتي تتمثل فيما يلي:
تأمين وقف إطلاق النار لتيسير وصول المساعدات
تسببت المعارك الدائرة في الخرطوم، والتي امتدت لبعض ولايات السودان الأخرى، في مقتل 1,133 فردًا وإصابة 11,796 فرد في جميع أنحاء البلاد وذلك حتى 30 يونيو، كما تركت المعارك أكثر من 25 مليون سوداني في حاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية العاجلة، وهو ما يزيد على نصف سكان السودان، فضلًا عن الآثار المدمرة على المرافق الصحية والخدمية المختلفة في السودان، مع وجود حوالي 2.2 مليون نازح داخلي في جميع ولايات السودان. وفي ظل استمرار الاقتتال لا تستطيع منظمات الإغاثة توصيل المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين في أماكن الصراع، وعلى الرغم من المبادرات المختلفة التي دعت أطراف الصراع المسلح إلى وقف إطلاق النار وتسهيل وصول المساعدات إلى المحتاجين منذ بداية الأزمة، إلا أن طرفي الصراع لم يحترما الهدن المختلفة التي تم الاتفاق عليها، ولم تسفر هذه المبادرات حتى الآن عن وقف حقيقي لإطلاق النار، وهو ما دفع دول الجوار باعتبارها المتضرر الأول والأكبر من الصراع في السودان إلى الاستجابة للدعوة المصرية لتوحيد جهودهم تحت مظلة مؤتمر قمة دول جوار السودان، حيث تتمتع بعض الدول بعلاقات طيبة مع طرفي الصراع بينما تتمتع دول أخرى بعلاقات جيدة مع أحد الطرفين، ومن ثم قد يؤدي توحيد الجهود في النهاية إلى الضغط على طرفي الصراع للانخراط في مفاوضات جادة لوقف مستدام لإطلاق النار، والسماح بوصول المساعدات إلى المحتاجين في أماكن الصراع.
وقف تدفق اللاجئين
أدى الصراع إلى تدفق مئات الآلاف من السودانيين عبر الحدود إلى دول الجوار التي لا تزال تعاني أزمات اقتصادية من جراء تفشي وباء كورونا وتبعات الحرب الروسية الأوكرانية، حيث يتضح من تتبع حركة النزوح أن حجم التحركات عبر الحدود بلغت حوالي 737801 فردًا، فروا للبلدان المجاورة وهي مصر وليبيا وتشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى وجنوب السودان وأثيوبيا، وتم الإبلاغ عن غالبية الوافدين في مصر 255.6 ألف (37.6٪)، وتشاد 239 ألف (32.4٪) وجنوب السودان 160.8 ألف (21.8٪)، وكان 65٪ من الوافدين الذين تم تعقبهم في تلك البلدان من السودانيين و35٪ من الرعايا الأجانب والعائدين.
شكل: عدد اللاجئين السودانيين في دول الجوار منذ 15 أبريل حتى 11 يوليو 2023
ومن ثم تسعى دول الجوار من خلال هذه المبادرة إلى تحجيم تدفق اللاجئين السودانيين إلى دول الجوار بالشكل الذي يضغط على بنيتهم التحتية الضعيفة ويستنفد مواردهم المحدودة، خاصة مع ضعف استجابة المجتمع الدولي للنداءات الإنسانية لمساعدة هؤلاء اللاجئين، وهو ما دعا الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى مناشدة الدول الكبرى للوفاء بالتزاماتهم تجاه دول الجوار التي تعهدت بها في مؤتمر مانحي السودان الذي انعقد في يونيو 2023، وأسفر عن تعهدات بنحو 1.5 مليار دولار من المساعدات للسودان والدول المحيطة بها، فضلًا عن النداء الذي أطلقته مفوضية شئون اللاجئين و134 شريكًا في شهر مايو لجمع 445 مليون دولار لخطة الاستجابة الإقليمية المشتركة بين الوكالات للاستجابة للاجئين السودانيين في تشاد وجنوب السودان ومصر وأثيوبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى، حتى أكتوبر 2023.
حماية المصالح الإقليمية الاقتصادية والتجارية
يربط السودان بدول الجوار العديد من الاتفاقات التجارية، التي تدفقت بموجبها السلع من السودان إلى دول الجوار والعكس، إذ يعدّ السودان مصدرًا لعدد غير قليل من المنتجات، وتعتمد جنوب السودان وأفريقيا الوسطى على حوالي 70٪ من السلع الغذائية المنتجة في السودان، وهو ما تسبب في ارتفاع أسعار الكثير من السلع الغذائية في هذه الدول بشكل كبير، فضلًا عن اعتماد أثيوبيا على موانئ السودان في جزء من تجارتها الخارجية، إلى جانب تشاد التي كانت تنوي تحويل 70% من تجارتها الخارجية لميناء بورتسودان. وكذا يمثل الصراع الدائر تهديدًا لصادرات النفط من جنوب السودان الذي يعتمد بشكل شبه كامل على السودان في صادراته النفطية. وبالتالي يمكن للصراع الحالي في حالة استمراره أن يخلق مشاكل اقتصادية لهذه الدول في حالة تعطل الإمدادات من السودان وإيقاف العمل في موانئه، وهو ما يمثل دافعًا آخر لدول الجوار للإسراع في إنهاء الأزمة.
أهم مخرجات القمة
تأتي قمة دول الجوار السوداني كأحدث حلقة في سلسلة الجهود المصرية المستمرة لمحاولة حل الأزمة في السودان منذ بداية الاقتتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، منتصف أبريل الماضي، وحتى قبل ذلك في محاولات تقريب وجهات النظر بين الأطراف السودانية المختلفة. ويذكر أن القاهرة لم تدخر جهدًا لمساعدة الأشقاء في السودان، حيث فتحت أبوابها لاستقبال اللاجئين السودانيين، ووفرت لهم كل الدعم والمساعدات الإغاثية والغذائية، وكانت طرفًا في مفاوضات جدة، ومؤتمر مانحي السودان، ودفعت بملف الأزمة إلى جامعة الدول العربية، وصل إلى الدعوة لانعقاد قمة دول جوار السودان، والتي أعلن خلالها الرئيس عبد الفتاح السيسي عن رؤية واضحة ومحددة لخروج السودان من مأزقه الراهن، ترتكز هذه الرؤية على أربعة عناصر أساسية، هي:
أولًا: مطالبة الأطراف المتحاربة بوقف التصعيد، والبدء دون إبطاء في مفاوضات جادة تهدف للتوصل لوقف فوري ومستدام لإطلاق النار.
ثانيًا: مطالبة كافة الأطراف السودانية بتسهيل نفاذ المساعدات الإنسانية، وإقامة ممرات آمنة، لتوصيل تلك المساعدات للمناطق الأكثر احتياجًا داخل السودان، ووضع آليات تكفل توفير الحماية اللازمة لقوافل المساعدات الإنسانية ولموظفي الإغاثة الدولية، لتمكينهم من أداء عملهم.
ثالثًا: إطلاق حوار جامع للأطراف السودانية بمشاركة القوى السياسية والمدنية وممثلي المرأة والشباب، يهدف لبدء عملية سياسية شاملة تلبي طموحات وتطلعات الشعب السوداني في الأمن والرخاء والاستقرار والديمقراطية.
رابعًا: تشكيل آلية اتصال منبثقة عن هذا المؤتمر، لوضع خطة عمل تنفيذية للتوصل إلى حل شامل للأزمة السودانية، على أن تضطلع الآلية بالتواصل المباشر مع أطراف الأزمة، والتنسيق مع الآليات والأطر القائمة. وبعد مداولات استمرت ليومين، انتهت القمة إلى عدة مقترحات لحل النزاع أبرزها:
– الاتفاق على تسهيل نفاذ المساعدات الإنسانية المقدمة للسودان عبر أراضي دول الجوار، وذلك بالتنسيق مع الوكالات والمنظمات الدولية المعنية، وتشجيع العبور الآمن للمساعدات لإيصالها للمناطق الأكثر احتياجًا داخل السودان، ودعوة مختلف الأطراف السودانية لتوفير الحماية اللازمة لموظفي الإغاثة الدولية. وضرورة تحمل المجتمع الدولي والدول المانحة مسئوليتهما في تخصيص مبالغ مناسبة من التعهدات التي تم الإعلان عنها في المؤتمر الإغاثي لدعم السودان، والذي عقد يوم 19 يونيو ۲۰۲۳ بحضور دول الجوار.
في الختام، شَكّل مؤتمر قمة دول جوار السودان خطوة جديدة يمكن البناء عليها لحل الأزمة الراهنة في السودان، ووقف الآثار المدمرة لها على دول الجوار، إلا أن ضمان نجاح ما يمكن أن تسفر عنه الآلية المُشَكّلة من دول جوار السودان سيكون رهنًا بقبول أطراف الصراع السوداني، ومدى قدرة دول الجوار والأطراف الدولية والإقليمية الداعمة للمبادرة على الضغط على طرفي الصراع لوقف مستدام لإطلاق النار وتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه، ليكون أساسًا لإطلاق حوار واسع يضم الأطراف الأخرى من مدنيين وحركات مسلحة وصولًا لتحقيق الاستقرار الشامل في السودان.